Thursday, July 31, 2014

التلاعب بالمصطلحات // أبو جاسم

 
 
 
الرجل السياسي يمر بمراحل عديدة حتى يقال عنه أنه سياسيٌ ناجح فعوامل كثيرة ومتعددة تحدّد ذلك وأولها قدرته على تنفيذ برنامجه والالتزام بالمبادئ العامة للحزب أو التيار إلى قدرته على إقناع الآخرين وزيادة عدد الأصدقاء وتقليل عدد الأعداء.
 
إن من أهم المراحل التي يمر بها السياسي هو كيفية تعامله مع الأسئلة والمواقف المحرجة والحساسة وكيفية توجيه الخطاب للآخر.
 
من هنا تأتي أهمية أن يمتلك السياسي بنك مصطلحات هائلة يوظفها للمواقف المختلفة والغير متوقعة وقبل ذلك لا بُدَّ له أن يكون ملمًا بمعانيها ومدى فاعليتها على الآخرين أصدقاء كانوا أم أعداء. لذا تبرز أهمية هذه المرحلة وتأثيرها في استمرار الحزب أو الجهة التي يمثلها السياسي فربما استخدام مصطلح يساعد الحزب بالفوز بفارق كبير في الانتخابات ومصطلح آخر تجعله يهزم هزيمة ساحقة.
 
لذا يوجد هناك اهتمام كبير بإسم الحملة الانتخابية الذي يجب أن يكون مؤثرًا وذي صيت بين أوساط المجتمع فاختيار الكلمات المناسبة والتسويق الجيد كفيل للفوز.
من هنا تبرز أهمية استخدام المصطلحات والكلمات وفقًا للجمهور المستمع، فهناك مصطلحات تستخدم للجمهور وهناك مصطلحات تستخدم مع السياسيين، الاقتصاديين، علماء النفس، علماء الاجتماع والأدهى من ذلك أن هناك بعض الكلمات يجب على السياسي أن يستخدمها ولو كانت من غير لغته الأم.
فمثلًا عندما يتحدث الرئيس الأمريكي "أوباما" ويهنئ المسلمين بعيد الفطر ويتحدث باللغة العربية فهذا مثير للاهتمام وعندما يختم مكالمته مع الرئيس روحاني بكلمة "خودافس" ويكون الرد من الرئيس روحاني "good night" كل ذلك يأتي ضمن مرحلة مهمة تسمى كيفية استخدام الكلمات للتأثير على الآخر.

الشيعةُ.. رِيَادَةٌ وانتِصَارٌ // محمد علي العلوي

 
 
 
لِمَنْ الأسبقية العلمية؟ هل للشيعة أم لغيرهم؟
 
سؤالٌ مزعِجٌ جدًّا.
 
نقرأ في بعض مقدمات الكتب العلمية للشيعة، وخصوصًا كتب أصول الفقه وعلمي الرجال والدراية محاولات لإثبات أسبقية الشيعة في التنظير والعمل العلمي في مثل هذه العلوم، مع اجتهادات لدحض مزاعم أسبقية الفرق الأخرى، الواقع -في نظري- إن مثل هذا الطرح فيه الكثير من الظلم والإجحاف في حق الشيعة الإمامية الذين أعُدُّهم أسطورةَ البقاء بلا منازع.
 
أطرح ههنا أمرين:
 
الأول: إذا كان الآخرون قد احتاجوا باكرًا إلى ما يؤهلهم لفهم النصوص الشرعية والمحافظة عليها وصيانتها، فهذا بسبب انحباسهم الاختياري عن القيادة السماوية المعصومة مع انتقال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى ربِّه في السنة الحادية عشر من هجرته الشريفة، مما اضطرهم إلى فتح أبواب الاجتهاد تمامًا أمام مجموعة حصرت في مصاديق معينة لمفهوم معين لسنا بصدده الآن، ثم إنهم ذهبوا إلى إغلاق تلك الأبواب تمامًا كما فتحوها تمامًا، فلا عجب أن تكون لهم الأسبقية في جمع بعض المسائل وتدوينها علومًا، وبالنظر إلى ما عليه الشيعة تكون أسبقية القوم مثلبة لا فضيلة!
 
إنه وبينما احتاج الآخرون باكرًا لبعض العلوم التي تؤهلهم لفهم النصوص الشرعية وحفظها وصيانتها، كان الشيعة في نعيم المُؤَمِّنِ من كل ذلك إلى وقت وفاة السفير المهدوي الرابع علي بن محمد السمري (رضوان الله تعالى عليه) في الثلث الأول من القرن الرابع الهجري (٣٢٩ هجرية)، ولذلك فإنَّ تأخر الشيعة في جمع وتدوين المسائل الأصولية والرجالية والدرائية إنما هو دليل على رسوخهم العلمي في ظل الإمامة المقدسة لأهل البيت (عليهم السلام)، ومن الظلم والإجحاف مقارنتهم بغيرهم.
 
ومع ذلك، فإنَّ الأئمة المعصومين (عليهم السلام) لم يتركوا التأصيل لمثل العلوم المشار إليها، بل كان أنهم وضعوا الموازين وحدَّدُوا المعايير، وعلى هذا ثبت أصحابهم الأجلاء (رضوان الله تعالى عليهم)، ولم يَحْتَج الشيعة إلى الجمع والتدوين العلميين إلا في قرون متأخرة بدأت من بعد الغيبة الكبرى وبرزت من القرن الخامس الهجري.
 
الثاني: قد يلاحظ المتتبع تقدُّمًا في الحبك والسبك عند الآخرين على الشيعة الإمامية في العلوم المشار إليها تحديدًا، وهذا أيضًا ليس لتقدُّم علمي أو علو كعب كما يتصور البعض، ولكن الواقع إنَّ الحركة العلمية كانت متاحة تمامًا للجميع ما عدا شيعة أهل البيت (عليهم السلام) الذين كانوا يضطرون إلى إخفاء اسم الإمام المعصوم (عليه السلام) عند نقلهم لرواية عنه، فيقولون: قال العالم، أو: قال العبد الصالح! وهذا لأن عِلْمَ السلطة آنذاك باتصال أحد الشيعة بالإمام المعصوم (عليه السلام) يكفي مبررًا لإعدامه!
 
ومما يجدر الإشارة إليه إنَّ المؤمنين كانوا على حذر من التصريح ب(حدَّثنا) عند نقلهم الأحاديث المعصومة عن بعضهم البعض، فيقولون (عن) لتوسيع دائرة النقل وتجنب حصرها في الالتقاء المباشر الذي يفيده (حدَّثنا)!
 
إنَّ لهذا الاستهداف الذي يتعرض له الشيعة الإمامية اليوم تاريخ يمتَّدُ إلى ما قبل قول الرجل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنَّ الرجل ليهجر" أو "لقد غلبه الوجع"، واستمرَّ في مَنْعِهِ تدوين الحديث، ثُمَّ سن النافلة جماعةً في شهر رمضان لتجنب تذاكر المسلمين فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثُمَّ نفي الغفاري إلى الربذة خوفًا من عطائه العلمي وريادته الرسالية.
 
كلها محاولات ممنهجة لضرب الحاضرة العلمية الشيعية أينما وكيفما كانت.
 
ألا تتذكرون قبل عقود قريبة إنَّ السجن كان جزاءًا محتومًا لمن يجدون عنده صورةً للإمام الخميني (قدس سره)؟
 
إنَّني أتسائل، وحق لي أن أتسائل وغيري..
 
كيف لهذا المذهب المُستَهدف رسميًا منذ الصدر الأول أن يبقى ويستمر، بل ويمتد ويتوسع مع كل هذا القمع والتضييق والذبح والتقتيل والرعب والتخويف؟
 
ثُمَّ يأتي من يقارن الشيعة الإمامية بغيرهم ممن أُسنِدُوا مباشرة بأذرع السلطات وأنظمة الحكم فكانوا منها وإليها كأولئك الذين نعرفهم جيدًا بمواقفهم وفتاواهم الملتزمة تمامًا بمقاس الأذرع الساندة لهم!
 
كلمة في الختام:
لا ينبغي لنا التفاعل بهذا الشكل الدارج مع ما يقول عنَّا الآخرون، فما ينبغي لنا هو أن نعمل وفق موازيننا الخاصة ومع مراعاة شديدة للظروف السياسية القاسية جدًا، بل والشرسة البشعة في قساوتها ضد الشيعة والتشيع، وربما يسجل المتتبع بعض التأثر السلبي الذي أشير له في المقام، وهذا ما نحتاج أن نَتَخَلَّصَ منه.
 
هل تتصورون  المُؤمِنَ يَعْتَصِرُ عُنُقَهُ حبلُ المشنقة ظلمًا وهو لا يأبه به ويبقى مردِّدًا لا إله إلا الله؟
 
هكذا كان علماؤنا الأولون يطلقون إبداعاتهم سِرًّا وعلانية غير مكترثين بسيوف الظلم وخناجر الجور وهي تُغْرَزُ في أنحائهم.
إنما الريادة للشيعة، ولم يبرح الانتصار سوحهم وما غادر ميادينهم.
 
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).

كُنْ صاحبَ قرارِ التغيير // محمود سهلان

 
 
 
التغييرُ سنةٌ كونيةٌ لا بُدَّ منهَا، وهذا الأمر جارٍ على كل المستويات، فكل يومٍ يمر أنا أكبُر، وكل يوم يأتي فالطقس يتغير، وهكذا تدورُ الأمور، وهذه التغييرات خارجة عن يد الإنسان وقدرته، فلا يملكُ تغييرَها، لكن تبقَى هنالك العديد من الأمورِ التي يكون التغيير فيها بيدِ الإنسان ـ طبعًا ـ مع جريان يد القدرةِ فيها، فالزوجة مثلًا أنا أختارها وتتم الزيجة بإذن الله سبحانه وتوفيقاته، وهذا أمرٌ جليٌ. إذنْ ما هي وظيفتي هنا؟
 
وظيفتي تكون باتخاذِ قراري نحو تغيير أمر ما مشحوذًا بإرادةٍ وعزمٍ حقيقيين، فقد وردَ عن إمامنا الرضا عليه السلام قوله (إنمَا هِيَ عزمة)، ومن ثم العمل على تحقيقِ التغيير المنشود، ومن ثم انتظار التوفيق الإلهي.
 
اتخاذي لقرار التغيير سيكون ناتجًا عن رغبتي أو حاجتي لذلك كفردٍ أو مؤسسةٍ، فوجود عيبٍ هنا أو نقصٍ هناك له الأثر الكبير في ذلك، حتَّى مجرد إيماني بإمكانية الارتقاء حتمًا سيدفعني نحوالتغيير، هذا في الحالاتِ السليمةِ، وإلا فالبعضُ قد يتغيرُ من الجيد إلى السيء، بل حتى من السيء إلى الأسوء بإدراكٍ، وربَّمَا دون إدراكٍ لما يفعل، وهذه مشكلةٌ بحد ذاتها تحتاجُ إلى حل، فمن الضروري أنْ تكونَ خلفياتُ اتخاذِ قرارِ التغييرصائبةً، فإنْ كانتْ غير صائبةٍ فمن المحتملِ جدًا أنْ تكونَ النتائجُ سيئةً إنْ لمْ نَقُلْ بحتميةِ سوئِهَا.
 
الحلُ هوَ في بناءِ أساسٍ فكري وعقائدي قويٌ جدًا، فإنَّ كونَ الأساس قويًا يعني تشخيصًا جيدًا للعيوب والنواقص، وتحديدُ ما نحتاج لتغييرهِ وتطويرهِ بشكلٍ عامٍ كذلك، فعندمَا ينطلقُ الإنسانُ عقائديًا من الإسلام، فإنَّ اعتقادَهُ بربوبيةِ الله ووحدانيته سيجعلُهُ عاكفًا على التقربِ إليه، كمَا سيجعله عبدًا أمامَ الله حرًا أمامَ غيره، وهكذا نستطيعُ التأكيدَ على أهميةِ الأساسِ الذي سنبني عليهِ أفكارَنَا وأفعالَنَا، وإلَّا فإنْ كانَ أساسُكَ مبنيٌ حسبَ زعم أحدِهم بأنَّه لا يوجدُ شيءٌ حرام، فكلُ شيءٍ حلالٌ حتَى السرقةَ والقتل، فإنَّ وقوفَ أحدِهِمْ في وجهِكَ يعني أنَّكَ تقتلُه، وعدم توفرِ الأموالِ يعني السرقة، وهلم جرا.
 
في الحقيقةِ.. إنَّ التغييرَ يحتاجُ إلى ظروفٍ معينةٍ، فإنَّك في الكثيرِ من الأحيانِ تحتاجُ لتهيئةِ ظروفِ التغييرِ، لا إحداث ذات التغيير بنفسِكَ، لذلكَ لا تقفْ متفرجًا قائلًا بأنَّ هذا مستحيلٌ لهذا السبب أو هذا صعب لذاك السبب، بلْ تَحرَّكْ منْ أجلِ تهيئةِ الظروفِ المناسبةِ، فقط عندمَا تكونُ مقتنعًا بمَا تريدُ، وهذا هو حالُ الكثيرين مِمَّنْ يريدونَ الوصولَ لمرتبةٍ مَا، لكنَّهُمْ يقولونَ باستحالةِ الوصول! فيضعونَ العوائقَ والعثراتِ أمامَ أنفسهِمْ، وإنْ كانتْ حقيقيةً أحيانًا، ويقفونَ ليتفرجُوا عليهَا دونَ محاولةٍ لتهيئةِ الظروفِ المناسبةِ، والتخلصِ من هذهِ العوائِقِ والعثراتِ!
 
في الختامِ أودُ أنْ أوضِحَ بأنَّ كلَّ تغيير يحتاجُ إلى جهودٍ وتضحياتٍ حسب قيمتِهِ، فشُربُ كأسِ ماءٍ لنْ يكلفَني أكثرَ منْ مائة فلسٍ أو ملأ كأسٍ بالماءِ وشربِه، لكنَّ شراءَ السيارةِ يحتاجُ لمبالغٍ كبيرةٍ، وهكذا تكونُ قيمةُ الشيءِ في حجمِ الجهدِ والتضحياتِ المبذولةِ، سواءٌ كانتْ ماديةً أو غيرها، من تضحيةٍ بالوقتِ والجهدِ المبذولِ في سبيلِ التغييرِ أو الحصولِ على شيءٍ مَا، وكمثالٍ حي نعيشُهُ، ترَى من يتعلمُ ويصلُ للمرحلةِ الثانوية ويُنهيهَا، ويقفُ عندَهَا، يكونُ حصلَ علَى نتيجةِ ما بذلَ وقدَّمَ، وأمَّا منْ يستمرُ ويدرسُ الدراساتَ العليَا، ويصبحُ طيارًا أو طبيبًا أو مهندسًا، فهوَ أيضًا حصلَ على نتيجةِ ما بذلَ من جهدٍ ووقتٍ ومالٍ، فالأخيرُ طَوَّعَ الظروفَ لمصلحتِهِ، وعملَ على تهيئةِ الظروفِ الملائمِةِ، كي يحققَ التغييرَ المطلوبَ، وكي يصلَ لأهدافِهِ التي رسمَهَا.

3 شوال 1435 هـ

Friday, July 25, 2014

تنهيدةٌ في ضجيجِ غزّة // أبو مقداد






هزّي بجرحي، وهزِّي طيف أحزاني
تسَّاقطُ الروحُ لكن دونَ أوطانِ
 
يا تلّة الوجعِ الـ ما زلتُ أرمقها
كأنها الماءُ في أجفان ظمآنِ
 
علَى كفوفِي أشمُّ الوردَ ألثمهُ
كأنَّ تربَكِ ممزوجٌ برَيحانِ
 
ناجيتُ حُزنَكِ، لا صبرٌ يعانِقُني
الدّمعُ بلّلَني والبعدُ آذاني
 
والجرحُ يعبثُ بِالأحلامِ، يوقظُها
يدسُّ فيها اغتِراباتِي وأشجانِي
 
في الصدرِ تحتشدُ الأزهارُ غارقة
في ظلمةٍ مازجت أطيافَ ألواني
 
ذي عتمة ٌنزَفَت، بالجرحِ نرسمها
فأيّ ضوءٍ نَما في جرحِ فنانِ
 
ألوانُنا امتَزَجَتْ بالوجدِ وانغَمَستْ
حبرًا إذَا ما ازدهى من دمِّنا القاني
 
الماءُ يَحتاجُ ماءً كَي يبلَّلهُ الـ
ـهوَى، تبدّلَ من راوٍ لعطشانِ
 
تشابكت كل أغصان الفراق وما
زال التشابك يربو بين أغصاني
 
لي موطنُ الحزن، منفى القلب متكأي
وأنتِ توأمُ حزني الموطنُ الثاني
 
ياغزَّة الجرح أحلامي مؤجلةٌ
لن ألتقي الحلمَ إلا وسط أكفانِ

 
أين اللقاءُ وذي الأعراب نائمةٌ
حكّامُها بينَ سفَّاكٍ وسكرانِ
 
أعرابنا اتحدوا، ثارت جيوشهمُ
ضجَّت بنادقهم، من دونِ عدوانِ
 
جاؤوا لبحريننا، أقصى شجاعتهم
كي يحصدَ الحقْدُ فيهم كلَّ بحراني
 
كالقُدْسِ قَد هرعوا، هدّوا مساجدنا
لهدمه قَدِمَ القاصي مع الداني
 
عاثوا بها الرّعبَ لكن قدسُنا أسَفًا
عَنها يغضّون في صمتٍ وخُذلانِ
 
يا قدسُ معذرةً، لن نلتقي أبدًا
شدَدتُ حُزنِي معِي والحزنُ أقصاني
 
وأنتِ أنتِ التي مازلتُ أرقبها
بين التلال، وموجًا مدّ شطآني
 
وأنتِ أنتِ سماواتِي وماحملَتْ
من شهوَةِ الغيمِ إنْ ما مسّ إنْسانِي
 
وأنتِ صبوةُ مشتاقٍ بهِ اشتعلَتْ
معزوفَةٌ بتراتيلٍ وألحانِ
 
موسَقتُ حزنَكِ، راقَصتُ الدّموعَ على
خدّ انتظارِي، وهذا الجرحُ ينعانِي
 
هيّا نفتشُ عن نايٍ يمثّلنا
حتى نغني: بلاد العرب أوطاني



25/7/2014
يوم القدس العالمي

التطرّف عنوان الجهل // أبو فاطمة





 
التطرّفُ هو نمطٌ من السلوك يتصف بالتحيز الظاهر، والميل الشديد إلى جهة دون أخرى. قد يكون التطرف لفكرةٍ أو معتقدٍ أو جماعةٍ. أمّا التعبير عنه فيكون ظاهرًا ومنكشفًا للآخرين بشكليه مع أو ضد.
 
يتعامل المتطرّف مع الآخر بلغة النقص والتحجيم، فلا يقبل من الآخر رأي ولا فكرة فتراه يجتهد في التقليل من شأن من يخالفه في الرأي  في حين أنه لا يستند  على قوة البرهان ومنطق الاستدلال.
 
التطرّف يجعل صاحبه أعمى لا يرى إلا السواد من الطرف الآخر، فيسلبه هذا المنهج القدرة على التفكير باتزان ويسلب منه التبصر في الأمور بعقلانية، فالتطرّف ينقص من عقل صاحبه من جهة، وينتهك حق الآخرين في التفكير وحرية الرأي من جهة أخرى.
صفة التطرّف تمنع الإنسان من البحث عن الحقيقه والتفكر في الرأي الاخر بل حتى تمنعه الاستماع إليه، فلا تطوير للذات ولا نضج عقلي يتمتع به المتطرّف.
 
وفي المجتمعات يتسبب التطرّف في الاحتقان والانقسام بين الناس، فيخلق النزاعات والخصومات، وقد تهدر بدورها كل طاقات المجتمع، وهذا ما يحذر منه العقلاء والحكماء حتى من عامة الناس.
 
وأخيرًا فإن يدفعنا تطرّفنا لنخرج غيرنا أو ننتقض من قدره، ونعلن الحرب عليه؛ فهو منهج خارج عن ديننا وإنسانيتنا، وليعلم الجميع أن الفرقة والخلاف سبيلهما التطرّف  وطريق للضعف والهوان والخذلان، وأن الوحدة رحمة، وهي شرع ربنا وهدى نبينا، وأن الظالمين وأعوانهم يؤججون نار الخلاف  حتى يسهل القضاء علينا.
 
23 يوليه 2014

مؤهلاتك الإيمانية // مَحمود سَهْلان

 
 
عندما تبحث عنْ وظيفةٍ ما، فإنَّك تُعد سيرتك الذاتية وتُرفق معها بعضَ الأوراق المهمة وصورتك الشخصية، وتَسرد مؤهلاتِكَ العلمية والعملية، لأنَّ أصحاب الأعمالِ يريدونَ موظفًا مؤهلًا للوظيفة أو المنصب والفراغ المراد سده، وكذلكَ المناصب التِي تُوزِعُها الحكومات فإنَّهَا تنظرُ لسيرتِكَ الذاتيةِ ومؤهلاتك، لأنَّها تُريدُ أنْ تسدَ الفراغَ بشخصٍ مؤهلٍ، بغضِ النظرِ عمَّا يجري في بعضِ البلدان..
 
أمَّا بالنسبةِ للدرجاتِ الربانيةِ، هل نحتاجُ إلى مؤهلات؟ ومَا هِيَ؟

أقولُ أنَّنا نحتاجُ لها بكل تأكيد، فلَّنْ تحصلَ على درجةٍ مَا جزافًا، كأنْ يقالَ لك سيد المتقين، بينما أنت غارقٌ في الحرام، فمع حصولِك على هذا اللقب أو غيره، لنْ تَتَغيرَ الحقيقة، لأنَّ الله جلَّ جلَالُه ومنْ اصطفَاهُم فقط يستطيعون معرفةَ حقيقتك، علاوةً على معرفَتِك بنفسك فـ (بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة:14 – 15)، تدلُ على ذلك.
 
الآنَ فلنتقدَّمْ في حديثِنَا خطوةً للأمام، ولنبين بعض النُكات المهمة من الحديث التالي، والذي تُعد مضامينه من أهمِ علامات ومؤهلات الإنسان للحصول على لقب (مؤمن)، حيث وردَ عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنَّه قالَ: (علاماتُ المؤمنِ خمس: صلاةُ إحدَى وخمسين، وزيارةُ الأربعين، والتختّم باليمين، وتعفيرُ الجبين، والجهرُ ببسم الله الرَّحمن الرَّحيم):
 
1- صلاةُ إحدَى وخمسين: وقدْ بدأَ الإمام بِهَا، مِمَّا يؤكدُ أهميتَهَا وفضلَهَا، وهي تشملُ الفرائضَ الخمسَ الواجبةَ، والنوافلَ، فإنَّ عددَ الركعاتِ الواجبةِ هو سبعةَ عشر ركعة يوميًا، وعدد الركعاتِ المستحبةِ هوَ أربعٌ وثلاثون ركعة، شاملةً صلاةَ الليلِ، وأُلفتُ نظرَ القارئ الكريم لأهميةِ أداءِ الصلاةِ بالمسجدِ، وأهميةِ أدائِها جماعة.

2- زيارةُ الأربعين: وهي العلامةُ الأخرى من العلامات، ومنْ خِلال اعتبارها علامة تبيَّنَ مدى أهمية هذهِ الزيارة، حيث جُعلت علامة للإيمان، وغير خافٍ عليك ما جرى في التاريخ وما يجري اليومَ على زوارِ أبي عبدِ الله الحسين عليه السَّلام، منْ أموالٍ تُسرق أو أعضاءٍ تُقطَّع أو أرواحٍ تُزهق، ومع ذلكَ ظلَّ أئِمتنا عليهم السلام يأمرُونَنَا بهذهِ الزيارةِ العظيمةِ، وأنتَ تَرَى بأُم عينك اليومَ ما يجري بالأربعين في كربلاء.

3- التختّم باليمين: وهيَ سنةٌ نبويةٌ اقْتَفَى أثرَها أهلُ البيت عليهم السلام، ومع مخالفةِ الأمراء وأصحابِ المطامِعِ الدنيويةِ بَاتَتْ هذهِ العلامة أكثر وضوحًا، فالمؤمن يتختم باليمين كما هي سُنةُ محمدٍ (ص) بينما يتختم غيره بشماله ويدَّعِي أنَّها السنة!

4- تعفيرُ الجبين: وهوَ السجودُ على الأرضِ أو ما أنبتتْ مِمَّا وردَ الأمرُ بالسجودِ عليه دونَ سِواه، وقد نترقَّى قليلًا لنلمسَ نوع استحباب لإِطَالِة السجودِ، فهوَ إطالةٌ لتعفيرِ الجبين بينَ يدي رحمة الله تعالى.

5- الجهرُ ببسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ: ووردَ في فضلِ ذلكَ الكثير منَ الرواياتِ، والتي كانتْ تؤكدُ علَى أنَّ رسولَ الله (ص) كانَ يجهرُ بالبسملة، وكذلك اقْتدَى بِهِ أهلُ البيت عليهم أفضلُ الصلاة وأزكَى السلام، وأنقلُ لك ما يلي عن الفخرِ الرازِّي ـ وهوَ أحدُ علماء العامة ـ في تفسيرِهِ للقرآن، وذلكَ عندمَا يصلُ لآية بسم الله الرحمن الرحيم، حيث يقول: (أنَّ عليًا (ع) جهرَ بالبسملةِ.. ومن اتَّخَذَهُ إمامًا لدنياه وآخرته؛ فقدْ فازَ).
 
هذه العلاماتُ الرئيسية الخمس وما قدْ يضافُ إليها منْ علامات، ليسَتْ هيَ إلا نفسها المؤهلات المطلوبة للمؤمن، وعلى أقلِ تقدير فهِيَ العلاماتُ التِي يُمكنُ أنْ يتعرَّفَ الناسُ على المؤمن ـ ولو ظاهريًا ـ من خلالِهَا، ولوْ أردنا طرح بعض المصاديق لَّمَا تَمكَّنَا من تجاوزِ أبي ذر الغفاري أو سلمانَ المحمدي، وهُمَا مَنْ نَالَا مَا لمْ يَنلهُ غيرهما منْ أصحابِ رسولِ الله (ص) من الاطراءِ والمدحِ على لسانِهِ (ص)، فسلمانُ مِنَّا أهل البيت، وأبو ذر هوَ منْ قالَ فيهِ رسولُ الله (ص): (مَا أظَلّتِ الخَضْراءُ ولا أقَلّتِ الغَبْراءُ على ذي لَهْجَةٍ أصدق من أبي ذرّ، مَن سرّه أنْ ينظر إلى تواضعِ عيسى بن مريم فَلْيَنْظُرْ إلى أبي ذرّ).
 
الآنَ اكتملت الصورة، والباقي هو ما تَتَحملُ مسؤوليتَهُ بِنفسكَ، فمِنَ الجيدِ أنْ يعملَ الإنسانُ علَى تحصيلِ هذهِ المؤهلاتِ، وتحقيقِ هذهِ العلاماتِ، ويقتدِي في طريقِهِ بمَنْ هُوَ أهلٌ لذلك.
 
25 رمضان 1435 هـ

سياسة العقاب الجماعي.. ليست سياستنا // إيمان الحبيشي




مقتنعون أننا شعبٌ يرزح تحت ظروف، سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية، مختلفة تمامًا عن كل الشعوب، كوننا شعب تستهدفه السلطة، وتُضيّق الخناق عليه، لنكون شعبًا ميتًا يتشبه بالأحياء، من السهل الإملاء عليه، من اليسير سرقته، وإخفائه وتاريخه عن الأنظار.

نرزح تحت ظلم يُلاحق لقمة عيشنا، فيعدّها علينا، يحسب عدد خطواتنا وأنفاسنا، ويود لو متنا جوعًا وعطشًا، لذلك وَجَدَ أن فصلنا من أعمالنا، عقابًا استحققناه على جريمة حُلْمٍ، حبلنا فيه سنوات طِوال، وكدنا نُنجبه في دوار اللؤلؤة.
 
سُمِّي الفصل العنصري من العمل، بـ(سياسة العقاب الجماعي)، لأنه لم يستثنِ المسافرين، أو المرضى، ولم يتوقف على المشاركين، بل تعداه لكل من ينتمي للمذهب، عقابًا على انتمائه، وإمعانًا في الإرهاب الذي يُمارس ضدنا، فما الذي حصل؟

كثيرون مِمَن فُصلوا من أعمالهم، وفقهم الله ليكونوا سادة أنفسهم في مشاريع صغيرة، مطبخ بيتي يوصل المأكولات حتى منازل الطالبين، صالون نسائي، كفتيريا أو مشاريع بيع الملابس والشنط والإكسسوارات، بل انتعشت سوق الأيام التي يتنقل فيها شباب بحارنة ببضائعهم كل يومٍ في منطقة، حتى صرنا نُلاحقهم في القرى التي يتمركزون فيها.
 
قد يجد كثيرون أن تلك الأسواق مجرد عملية بيع وشراء، يقضي خلالها البائع والمشتري حاجة، لكني أجدها بداية مشروع لا بُدّ أن نحلم بتحقيقه، وهو أن نكون وحدة واحدة، تعيش حالة الاستغناء عن السلطة التي لطالما أذلّتنا بسبب لقمة العيش، وهي لا تتعدى كونها (فتات)، سعدتُ كثيرًا بدرجات التفاعل في هذه الأسواق، أبناء جلدتنا يبيعونا ونشتري منهم، لسنا بحاجة لاختيار لغة أخرى للتفاهم، ولا نضيع كثيرًا لنحصل على مبتغانا من معروضاتٍ تُناسب ذوقنا وحاجتنا بحسب المناسبة التي نتسوق لها، لكني تألمتُ كثيرًا حين وجدتُ أن هناك من يَنظر لتلك الأسواق على اعتبارها (مجرد إزعاج) في قرية أو أخرى، وأن من حق فرد أو مجموعة صارت ترفض وجود تلك الأسواق ليوم واحد في قريتها أن تطرد مئات الباعة في لحظة!

علمّتُ أنه في إحدى قرى البحرين، قام رجلٌ أو مجموعة شباب، بطرد مئات الباعة من قريتهم بدعوى أن مشادة أو تطاول صار بين بائع وقاطن أدى ليُطرَد الجميع!!

ضمن سياسة عقاب جماعي مزعجة لا بُدّ من تداركها.

حاولتُ أن أفهم موضوع طرد الباعة، وتناهت لمسامعي عددٌ من القصص خلاصتها أن وجود هذا العدد الكبير من الباعة، يتسبب باختناقات مرورية، وأحيانًا تجاوزات يرفضها البعض. قرية مجاورة للقرية التي طَرَدت الباعة أعلنت استعدادها لاستقبالهم، إلا أن المفارقة كانت واضحة ضمن تسجيل فيديو لرجل مُسّنٍ كان يصرخ في الباعة، ابتعدوا عن الطريق وإلا فسيكون مصيركم هنا كما مصيركم هناك!!
 
شعرتُ بالذل الذي لا بُدّ أن مئات من أبنائنا الواقفين هناك يسترزقون الله قد استشعروه!
من الطبيعي أن تُوجد مجموعة من الأخطاء، ضمن عملية عشوائية أوجدتها الحاجة فجأة. هؤلاء الشباب ليسوا غرباء، ولسنا ببعيدين عن تلمس أوضاعهم التي أجبرتهم على خوض هذه التجربة، وحريٌّ بنا أن نقف وراءهم، وأن نُقدّمهم للإستعانة بما يقدموه من خدمات، فالأقربون أولى بالمعروف.

أتفهم أسباب انزعاج البعض، لكن لا يعني ذلك أن من حقنا قذف عشرات الأسر في رزقها، بل يعني ذلك أن نتحسس أسباب انزعاج البعض لإيجاد حلول بديلة، تدعم هؤلاء الشباب وتسهل عمليات التعامل معهم، ولا بُدّ من الباعة أن يُقدّروا إفساح المجال لهم من قبل تلك القرى لاستضافتهم، فيحترمون أخلاقياتها ويتنبهون لحاجاتها، ويبادرون لإصلاح كل ما يمكن إصلاحه مع أهلها.

قد تكون هذه الأسواق (تدريبات) مهمة، نخوضها اليوم فإن نجحنا باجتيازها، كانت السبيل لإنجاح مشاريع أشمل وأكثر أهمية، تُقدِّمُنا خطوات للأمام قد تشكرنا عليها الأجيال القادمة.

25 يوليه 2014

لا بابٌ.. ولا حرية // أ م علي

 
 
وَبي مِمّا رَمَتـكِ بِـه اللياليِ
جِراحات لَها في القَلبِ عُمقُ
أحمد شوقي
 
 
أحاول أن أكتب فأعجز، أجدني محاصرة بسيل من الحزن لا ينتهي، وحالة من التوتر دائمة.. من حولي كثيرُ صورٍ تحكي معاناة، وفي فمي ماءٌ كثير، غيري لا يملك سوى الحرف، وإذا بالحرف عاجزٌ عن مجاراة ما يحدث أو رسم صورة واحدة من صور الدمار للإنسان، وقيمته في غزة.
 
أشعر بأن كل شيء في داخلي يتداعى، ويتصدع مثلما تتصدع بيوت الآمنين في تلك البقعة من أرض فلسطين الحبيبة، فلسطين التي عشقناها قضية خاصة بنا، كنا نرسم الخارطة بأقلام الاستانسل ونكتب على ورق شفاف لا يمزقه الرأس الحديدي للقلم الخجول، ذاك الذي يلثم الحرف ليحيله إلى صوتٍ كلما ارتطم بالورق صاح قلب بحب فلسطين.
 
كنا ندرس فلسطين قضية واحدة لم تجزّئها الإتفاقيات، واقتسام الثروات والحارات، ولم تحمل مسميات عديدة كما هي اليوم، المنطقة الخضراء والحمراء والصفراء، وغزة، ورفح، والقدس، ورام الله.
 
نحن عشقنا القضية درسًا واحدًا لا يحتمل التجزئةِ، لم نكن نعلم أن ثمة يومٌ سوف يأتي يحمل الكثير من التقسيم والشتات الداخلي لوطن من أقصاه إلى أقصاه محتلٌ، هذا التقسيم هو الذي خلق هذه الإشكالية اليوم لأن الرؤوس تعددت، والربان لم يعد واحدًا، والسفينة يتنازعها أفرادٌ كثرٌ كلهم يجنحون بها نحو الغرق.
 
أشعر أنني محاصرة بحزن عميق، حزن بعمق السنوات التي عرفنا فيها القضية فشدوْنا بها في طوابير الصباح، ولهجنا بواقعيتها في فصول قلما كنا نجد فيها أجهزة للتكييف، كنا كلما تصببنا عرقًا شعرنا بقيمة النضال الذي يعيشه الفلسطينيون واقعًا آنذاك، ونعيشه معهم من خلال دروس كانت القدس هي فاتحتها الأولى، وابتسامة أطفال الحجارة علامتها الدقيقة.
 

 

وتلك الحرية التي قال عنها شوقي "بكل يدٍ مضرجة تدق"، اليوم خُضبت الأيادي بالدماء لكنها ليست دماء الحرية وإنما دماء الغلابا والضعاف المساكين الذين يفرون من الموت إلى الموت.
 
 
أحاول أن أكتب لكن صرخات الأطفال الجرحى ترتطم بضلوعي فأشعر بالبرد، برد لا قدرة للمرء على احتماله وهذه الكاميرات اللعينة تنقل لنا الوجوه الصغيرة مبتسمة تحسبها نائمة وقد فارقت الحياة، هناك خطة محكمة للقضاء على كل أشكال الحياة وسط صمت مريب لا نجد له تفسيرًا سوى حالة استلاب تمر بها الأمة ولا قدرة لديها على الخروج منها ولو فعلت المستحيل.
 
أشعر بعجز مخجلٍ كما يشعر به غيري ملايين من أبناء هذه الأمة التي قتلها الحزن على غزة، والأبرياء الذين يتساقطون بلا ذنب سوى أنهم أبناء هذه المنطقة المغضوب عليها، وهذا الصمت المريب وهذه الممارسات البيت أبيضيّة التي تمارسها رايس من داخل أروقة الأمم المتحدة، وكأنها مصرة على إبادة الأبرياء حتى اللحظة الأخيرة من مغادرتها منصبها الذي ما أضاف إلى هذه الأمة إلا الدمار، يبدو أنه نخبها الأحمر الأخير، نخب مُزج بدم الأبرياء، وعُتّق بلعنات التاريخ الذي لن يرحم أحدًا من المتخاذلين.
 
متى ستشعر الأمة العربية بعمق المأساة ؟ وتتخذ موقفًا لنصرة الإنسان..!
 
هناك طفلٌ، وشابٌ، وكهلٌ، لكن ليس كل ما نتمناه قابل للتحقق، لأن الرياح أحيانًا تسير بعكس الاتجاه، فما بالنا والدول العربية قد فقدت البحر والبوصلة منذ قرون.
 
23 يوليه 2014

يوم القدس العالمي // ز.كاظم


 


خرجتْ مجموعةٌ من الشباب من إحدى مدن أمريكا الشمالية ليلة الجمعة بعد تناول وجبة الإفطار متوجهين إلى لوس أنجلوس لإحياء يوم القدس العالمي. تستغرق المسافة إثني عشر ساعة سياقةً تقريبًا. وقد كان الشباب متعبين جدًا خصوصًا أن الوقت ليلٌ والمسافةُ طويلةٌ والبطونُ ممتلئةٌ بوجبة الإفطار.. ويأتي هذا السفر بعد طولِ يومٍ شاق من الصيام.. قالوا لصاحبهم السائق سوف نغفلُ قليلًا، فهل أنت مستعد للسياقة، أجابهم بنعم.. ناموا ولمّا أصبحوا عند الفجر كانت السيارة متوقفة على جنب الشارع العام، ولم تتعدى عدة أميال من منطقتهم التي خرجوا منها.. فقد نام صاحبهم السائق بعدهم مباشرة.. أحسوا بغصّة من عدم تمكنهم المشاركة في مراسيم يوم القدس العالمي وطفقوا راجعين الى ديارهم خائبين..
 
تم تحديد آخر جمعة في شهر رمضان المبارك يومًا للقدس العالمي من قِبَلِ السيد الإمام الخميني (قدس سره) في أغسطس عام 1979، أي بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران من ذلك العام. وقد قال قدس سره "وإنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من هذا الشهر الفضيل من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس، وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين. لسنوات طويلة، قمت بتحذير المسلمين من الخطر الذي تشكله إسرائيل الغاصبة والتي اليوم تكثف هجماتها الوحشية ضد الإخوة والأخوات الفلسطينيين، والتي هي في جنوب لبنان على وجه الخصوص، مستمرة في قصف منازل الفلسطينيين على أمل سحق النضال الفلسطيني. وأطلب من جميع المسلمين في العالم والحكومات الإسلامية على العمل معًا لقطع يد هذه الغاصبة ومؤيديها. وإنني أدعو جميع المسلمين في العالم لتحديد واختيار يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة في شهر رمضان الكريم –الذي هو في حد ذاته فترة محددة يمكن أيضًا أن يكون العامل المحدد لمصير الشعب الفلسطيني- وخلال حفل يدل على تضامن المسلمين في جميع أنحاء العالم، تعلن تأييدها للحقوق المشروعة للشعب المسلم. أسأل الله العلي القدير أن ينصر المسلمين على الكافرين".
 

 
كانت هذه البداية وانتشرت هذه الدعوة فصارت تقام التظاهرات والمسيرات تضامنًا مع الشعب الفلسطيني في أغلب البلدان الإسلامية والعربية، بل حتى الغرب ومن ضمنها الولايات الأمريكية المتحدة حيث يقام هذا اليوم في عدة مدن أمريكية كبرى في لوس أنجلوس وواشنطن ونيويورك.. إلخ. فتخرج المسيرات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي والمتضامنة مع الشعب الفلسطيني. كانت تلك المظاهرات والمسيرات في أوجها في ذروة نشاطها الحيوي والإيماني فكرة وتطبيقًا في عقد الثمانينات من القرن المنصرم، وهي لا تزال تقام على أية حال لكنها أصبحت أقرب للعادة السنوية منها للتضامن الحقيقي وهكذا هي مشكلتنا مع جميع الفعاليات والممارسات التي تنطلق من أجل هدف معين وتتكرر عامًا بعد عام لتعود مجرد كرنفالٍ أو طقوسٍ أو احتفالاتٍ سنويةٍ نقيمها من أجل الفعالية نفسها لا من أجل الهدف التي انطلقت منه الفعالية. وقد لا تُستثنى أي مراسيم أو طقوس أو فعاليات من هذه الحالة، حالة البداية من النشاط والحيوية والهدفية إلى حالة الروتين والتكرار واللاهدفية.
 
ما الذي يجعلنا كبشر هكذا! فلنأخذ على سبيل المثال فعالية يوم القدس العالمي؟! تُرى لماذا انطلقت هذه الفعالية؟ وما هي الأهداف المرجوة منها؟!
 
طبعًا لا شك أن التضامن المعنوي في أدنى صوره حالة محمودة ولا يصح تركه بسبب عدم تحقيقه للمراد المادي أو الأهداف الكبرى. فالتضامن مع الشعب الفلسطيني ومواساتهم ومشاركتهم أحزانهم وآلامهم -خصوصًا في هذه الأيام التي يتعرضون فيها للجرائم البشعة من قبل الدولة العبرية- هذا التضامن والانسجام المعنوي مع ما يحدث حالة مهمة جدًا على المسلمِ أن لا يتساهل بها وأن لا يخلط أو يوهم نفسه خطئًا بهذه الجدلية كأن يقول ماذا ينفع الفلسطينيون هذا التفاعل! لا. هذه مغالطة، فالتفاعل ليس للفلسطينيين فحسب، بل هو -التفاعل- لنا نحن المتفاعلون مع القضية الفلسطينية وأهلها لكي لا تموت قلوبنا ومشاعرنا أو تصبح كالحجارة أو أشد قسوة. يجب أن يظل التفاعلُ قائمًا وحاضرًا تفاعلًا حقيقيًا مُبقِيًا للقلوب إنسانيتها ورحمتها وتضامنها مع المظلوم وضد الظالم، مع الرحمة وضد الوحشية.. وهذا يجب أن يظل حاضرًا مع كل حالة يُهضم فيها حقٌ ويُسلب، أن نكون مع المظلوم وأن لا نتساهل بقدر ومصيبة الظُلم. والقرآن الكريم مع أحاديث أهل بيت العصمة (ع) ينصان على عِظَم فداحة هذا السلوك "الظلم" وقبحه، وتؤدِّب المسلم على الابتعاد عنه والعمل بالعدل والإحسان، وأن لا يتجاهل الظلم الذي يحدث حواليه وأن يعمل كل ما بوسعه لرفض هذه السلوك اللاإنساني.
 
لكن، هل المطلوب هو فقط هذا الحد الأدنى من التفاعل والتعاطف مع المسلم الآخر أم المطلوب هو السعي إلى ما هو أرفع منه درجة، كرفع الظلم عن المظلوم وردع الظالم. ثلاثون عامٍ منذ انطلاق دعوة السيد الإمام الخميني (قدس سره)، وفوق الثمانين عامًا من احتلال فلسطين ولا نزال كشعوبٍ إسلامية نراوح محلنا من هذه القضية، ولا نمتلك فعليًا إلا التضامن القلبي وربما الكلامي في بعض مقالاتٍ -كهذه- أو أشعار!
 
السؤال الذي يطرح على بالي من هذه القضية وغيرها هو: هل سيتغير حالنا -من هذه القضية وغيرها- عند المكوث على هذه الحالة الدُنيا لعشر سنين، عشرين سنة، خمسين، بل مئة سنة قادمة!!! ربما حتى هذا التعاطف والتفاعل نفقده ولن نتمكن منه بعد كل هذه السنين. ألا يجدر بنا التفكير في كيفية رفع هذا الظلم عنهم ولو بعد حين! على الأقل أن نبدأ برفع الظلم عن أنفسنا ونبتعد عن دائرة الظَلَمَة من حولنا، كأن نبتعد أن نكون أحد ظالمي الأسرة، أو الأصدقاء، أو المجتمع.
 
ألا يجدر بنا أن نتعلم كيف نغيّر سلوكياتنا من رفض الظلم ونعمل حثيثًا جاهدين على تحصيل المنعة والقوة على جميع المستويات من أجل أن نستطيع فعليًا رفع ظلم المظلوم وردع الظالم المعتدي؟
 
أتصوّر أننا قادرون على ذلك متى ما خرجنا من دائرة التفكير السلبي إلى التفكير المبادر الإيجابي الذي يعمل على تشخيص الخلل ثم يقوم بوضع الخطط اللازمة لتغيير وضعه ومحيطه. نحن بحاجة إلى أن نترك التفكير الآني اللحظي والتأسيس إلى التفكير المستقبلي والعمل المستمر والمتواصل على مدى سنوات بل وأجيال. أن يكون لدينا تفكير استراتيجي ممزوج مع عمل مستمر دؤوب في وضع المستقبل المطلوب والعمل على تحقيق هذا المستقبل المشروق ولو بعد حين.
 
أن نعمل ونؤسس لثقافة العمل نحو تغيير أنفسنا وأمورنا ومحيطنا وإخراجنا من الحالة السلبية إلى الإيجابية المثمرة المبادرة المتحركة. وهذا الأمر ليس بغريب ولا بعيد المنال، فالكثير من الأفراد والجماعات والدول والأمم بدأت في تغيير واقعها بعد أن شخّصت الخلل في نفسها وعملت على تغيير مستقبلها ليصبح واقعها أفضل من ماضيها.
 
ونحن أيضًا قادرون.

لم يكن إحياء المناسبات فقط من أجل أن تتحوّل إلى احتفالات سنوية، بل إنه إحياء لروح الإنسان والأمة ووسيلة تنبيه وتذكير وانطلاقة من أجل التغيير نحو الأفضل والسير قُدمًا نحو تحقيق الأهداف السامية من وراء تلك المناسبة.
 
ز.كاظم

يا سيدي.. كن صامتًا // أم حسين



صمتها غريب!!

تعيش وسط عالم متعطش للثرثرة، ولكنها تجلس في إحدى زوايا المنزل تحدق في الجميع بصمت، الجميع يتحدث بهدف أو بدون، حتى أمسى ما يميز الإنسان في هذا الزمان هو كثرة الكلام، فمن يتصدر المجالس هو الأكثر كلامًا حتى وان لم يكن كلامه هادفًا.. وعلى الرغم من كل ذلك استمرت جدتي في صمتها مستمتعة، فهي لا تتكلم إلا للضرورة. سمعت صوتها مرتفعًا لمرة واحدة وكانت مازحة. كنت أستغرب صمتها كثيرًا إلا أنني الآن أراه حكمة في زمن اختلت موازينه وأصبح فيه الصامت انطوائيًا واحتل الثرثارُ المراكز الأولى في الانفتاح.

 
ترى لماذا نتكلم!!؟

قدرتنا على النطق نعمة من نعم الله علينا، جوهر بشري لحاجة البشر لمعرفة بعضهم مراد بعض، فحين نتخاطب تنتقل كلماتنا حاملة رسالة نريد إيصالها للمتلقي.  ولإيصال هذه الرسالة بشكل سليم تشترك مع الكلمات النبرة الصوتية وتعبيرات الجسم، والمدهش في الأمر أن الدور الذي تقوم به الكلمات في إيصال الرسالة لا يتعدى نسبة 7% فقط، في حين ينقسم الباقي على النبرة الصوتية بنسبة 38%، و55% لتعبيرات الجسم.

حديث العيون أفصح الحديثين، هكذا يقال...

فعيناك تتحدثان وترسلان رسائل صداها أعمق في النفس، فبنظرة غضب تتراجع عن موقف، وبنظرة ملؤها الحب تسامح، وبأخرى راضية مشجعة يزداد عطاؤك، وتختار أن ترحل بعيدًا لنظرة تجاهل واستصغار، فعندما تتحدث الأعين فقولها القائم حتى وإن خالفها اللسان، نتجاهل كل تلك التعابير والرسائل ونعتمد على ما يؤدي أدنى دور في هذه العملية، وكأنما اللسان هو الأداة الوحيدة للتخاطب، متناسين الدور الكبير والمهم والمؤثر لتعبيرات الجسم.

وكما العينان تتحدثان فكذلك الشفاه، واليدان والكتفان والرأس، بل الجسم كله يتحدث بلغة أخرى، لغة عالمية ﻻ تسمع فيها صدىً لكلمات مسموعة.. لغة حين تجتمع إيماءاتها تتناغم كسمفونية تنبه الأحاسيس لاستقبال رسالتها فتكون مباشرة واضحة ومؤثرة لأنها صادقة.

تفتقر مجتمعاتنا لهذا النوع من السمفونيات وتعج بفوضى وضجيج تجعل الفرد منا مشوشًا، يختصر الإمام علي عليه أفضل الصلاة والسلام مسببات هذه الحالة في حديثين:

(إذا تمّ العقل نقص الكلام)
(لو سكت الجاهل لما اختلف الناس)

فالجاهل ذو العقل الخاوي يقحم أنفه فيما لا يعنيه، لا يعرف متى يصمت ومتى يجب عليه أن يتحدث، ولو أنه ملأ عقله بالمعرفة حينها سيمتلك عقلًا واعيًا، وتتسع مساحات إدراكه وفهمه باتساع حجم معرفته وبالتالي يستطيع السيطرة على جوارحه فيتأنى ويفكر ويحلل فيكون عقله الآمر الناهي فيختار الأداة الأنسب للتعامل مع الموقف، فيرتفع بنفسه ليجنبها ما يؤذيها.

يذخر لنا التاريخ الكثير من الحكم والعبر في ذم الكلام ومدح الصمت فيقال إنه اجتمع أربعة من أذكياء الملوك؛ ملك الهند، وملك الصين، وملك الفرس، وملك الروم ليناقشوا  إيجابيات الصمت وسلبيات الكلام..

فقال أحدهم: "أنا أندم على ما قلت، ولا أندم على ما لم أقل" وقال الآخر: "إنّي إذا تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم أتكلم بها ملكتها ولم تملكني" وقال الثالث: "عجيب للمتكلم، إن رجعت عليه كلمته ضَرّته، وإن لم ترجع لم تنفعه"، وقال الرابع: "أنا على ردّ ما لم أقلّ أقدر مني على ردّ ما قلتُ".

فالصمت فنٌ لا يتقنه الكثيرون، فإجادته من أرقى مراحل ضبط النفس، فصمتٌ عند الغضب ترفع بالنفس عن التلفظ بكلام قاسي أو بذيء وإعطاء الآخر فرصة لمراجعة نفسه. وصمتُك وأنت تواجه مشكله يفتح لك آفاقًا لحلول كثيرة تكون غائبة عنك وأنت تتكلم. وأجمل ما في الصمت أنه يمنحك طاقة قوية للتفكير بعمق في كل ما يدور حولك ويطوّف الفرصة على النفس لتشويه الموقف بكل انحرافاتها لذلك الإنجازات لا تولد في الضجيج والفوضى بل تولد في مساحات الهدوء والتأمل والصمت.

تصرخ الكاتبة القديرة سوزان كين بثقة في محاولة للفت الأنظار لفن الصمت وتقول: (يا سيدي.. كن صامتًا، فالصامتون هم خير من في هذه الأرض.. هم من يصنعون التغيير، ويضيفون كثيرًا في عصر الثرثرة).
 
فالصمت ليس داءًا بل قيمة لا نعرف قدرها، ليس عيبًا بل ميزة نتجاهلها. حين نصمت فنحن نتحدث، ولكن الصمت أرقى أساليب التعبير.
 
فصمتُ جدتي يقول لا تلتفوا لتوافه الأمور ولا تعبثوا في حياة الآخرين، صمتها يعاتبنا حين نختلف وعيونها تقول أحبوا بعضكم فجميعنا راحلون.

فيا سيدي...كن صامتًا
 
23 يوليه 2014

لماذا لا تبايعون أبا بكر البغدادي؟ // محمد علي العلوي






بعد الإعلان الرسمي للتنظيم، أعلن عبدُ الله إبراهيم، المعروف بأبي بكر البغدادي نفسه خليفة للدولة الإسلامية، وذلك في خطبة الجمعة (4 يوليو/ تموز 2014م – 6 رمضان 1435هـ) التي ألقاها من على منبر الجامع الكبير في الموصل – العراق.

رجل متدين يلتزم السنة النبوية فضلًا عن جهاده وتحمله المشاق في سبيل إقامة حكم الله سبحانه وتعالى، وها هو يقف مع أخوانه في وجه الكفر والاستكبار بكل شجاعة وإقدام، فلِمَ لا يَقُرُّ له المسلمون بالبيعة ويتخذونه خليفة تعود على يديه أمجاد الأمة الإسلامية؟

يذهب المسلمون إلى وجوب نصب خليفة يقوم فيهم بأمر الله تعالى، وانقسموا بعد ذلك في التفاصيل، وعلى رأسها الجهة المخولة بالتنصيب، فذهب الشيعة إلى أن الخليفة إنما هو خليفة لله عز وجل وبالتالي فتنصيبه لا يمكن إلا أن يكون عن جهةِ معصومة، فإما الله تعالى وإلا فخليفته المباشر كالنبي.
أما السنة فاتفقوا على أن حَقَّ التنصيب بعد النبي (صلى الله عليه وآله) موكل إلى أهل الحل والعقد، واشترطوا فيهم العدالة والعلم والحكمة وأن يكونوا محلَّ ثقة الأمة، وتنعقد البيعة للإمام بأي عدد منهم.
ثم إنهم اشترطوا في الخليفة أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلًا حرًّا عالمًا عادلًا، كما واشترطوا الذكورة والحصافة والصلابة، وكذلك سلامة البدن والزهد، وأن يكون قرشيًا..
عندما يقف أحَدُ المسلمين اليوم لتطبيق الموازين على أبي بكر البغدادي، فإن الخطوةَ مردودةٌ بخلافات امتدت من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى سقوط آخر الدول (الإسلامية)، وقد سُلِّمَ لها جميعًا، ولم يُفَرَّق بينها وبين خلافة الأربعة الأول إلا بكلمة (الرشد) فهم إذا قالوا: الخلافة الراشدة، كان القصد خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، هذا والحال أنهم أجروا ملزماتها في خلافة الوراثة التي بدأت بيزيد بن معاوية.. ولم تنتهي بعد..

فالسؤال الآن:
لماذا لا يقبل المسلمون بخلافة (أبي بكر البغدادي)؟
وسؤال آخر:
لو أن الرجل يتمكن من الظفر بدول المنطقة ويفرض حكمه فيها، فهل ينادى به خليفة بالإجماع؟
نلاحظ أن غيره من الحكام الذين جاؤوا بالقوة لم تتوفر فيهم أيٌّ من الشروط المذكورة غير شرط (الذكورة)، ولم يمنع ذلك من تسميتهم ولاة للأمر، وبالتالي حرمة الخروج على أيٍّ منهم وإلا كان خروجًا على الإمام الخليفة ولي الأمر، وهذا ما عليه المسلمون في بلادهم بلا فرق بين نظام سياسي وآخر، سواء كان ملكيًا أو جمهوريًا.

لنفترض الأمر التالي:
لو أن المجتمعين في سقيفة بني ساعدة أقروا البيعة لعلي بن أبي طالب بدل أبي بكر، هذا وأبو بكر هو هو، وعلي هو هو، فما هو موقف المسلمين من البيعة؟
ما أقطع به أنهم يبايعون عليًا كما بايعوا أبا بكر، فالقضية إذن ليست في شخص الخليفة وأهليته في نظر المسلمين، ولكنها في التسليم للواقع مهما كان الطريق لتحققه، وهذا ما يدلل عليه الموقف العام من الحكَّام في دول المسلمين، والموقف من بيعة أبي بكر البغدادي؛ فلو أن البغدادي يسيطر على دولة فإن البيعة حينها تستقر له، لا لأنه فلان ولا لأن أهل الحل والعقد أجمعوا عليه، ولا لأي من الشروط المذكورة في مثل هذه الموارد، ولكن القضية كل القضية أنه أصبح واقعًا بالقوة، وفيما يبدو أن الرأي (الشرعي) يمشي مع الواقع المفروض، بدل أن يكون العكس!
إننا مع أبي بكر البغدادي نقف أمام ثقافتين:
الأولى: ثقافة الخلافة وإنها موكلة من الله تعالى إلى العباد، وبالتالي فالخطاب موجه إلى المسلمين بالسعي لإقامة أمر الله تعالى من خلال الخلافة الشرعية، وهذا ما يبرر حركة البغدادي ومن معه، فالقضية بهذا اللحاظ عقائدية ولا أرى مسوغًا لرفضها، وأما قضية الذبح وقطع الرؤوس، فهذا كله يستند إلى أدلة شرعية يقوم على أمرها الخليفة، ومنها قوله تعالى (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ).

ومن هنا، فلا يمكن اتهام البغدادي ومن معه بالإرهاب أو التطرف أو ما شابه، فهم في الواقع جماعة مؤمنة تمشي في جهادها وفقًا للرؤية القرآنية، وبشجاعة قلَّ نظيرها.
الثانية: ثقافة التشريع بحسب الواقع الخارجي، وهذا ما عليه الشعوب وأكابر العلماء، فالبيعة عندهم تامة ثبوتًا لمن يتمكن من كرسي الحكم، ولا يبقى غير إثباتها بالبيعة، ولذلك فإن عالم الدين الذي بارك الرئيس فلان، فهو نفسه يبارك من خلعه، وكلهم ولاة أمر بهوية كرسي الحكم!
يبدو لي إن الغلبة للثقافة الثانية، وإذا أراد أبو بكر البغدادي مباركة الشعوب المسلمة بعلمائها فعليه أولًا التمكن من تقويض أنظمتها السياسية لمصلحة دولة الخلافة، وإذا ما تَمَّ له ذلك تمت له البيعة؛ لأنه قد أصبح واقعًا، والشرع –بحسب هذه الرؤية- يقوم على الواقع المتحقق فعلًا في الخارج.
الظاهر أن الشيعة آمِنُون من الوقوع في مغبة هذه التضاد الصريح، فهم قد حسموا أمر الخلافة وحصروها في أسماء معينة، ومع غياب أحدها فإنها عامة في الفقهاء، وأما الأنظمة السياسية فالمطلوب أن تكون تحت عناية الفقيه وإشرافه، وإلا فامشي بدائك ما مشي بك، ولذلك لا بيعة في عنق الشيعي لغير من حُصِرَ الأمرُ فيهم، ومن شأن هذه الحقيقة الانتهاء بنا إلى نتيجة مهمة جدًّا، مُفادها أن خوف الأنظمة الحاكمة من خروج السنة عليها من المفترض أن يكون أضعاف خوفها من الشيعة!
وها هي قوات (داعش) على حدود شبه الجزيرة العربية قاصدة نظام الحكم، وهكذا تتحدث عن دولة قطر وغيرها.
 
19 يوليه 2014

Friday, July 18, 2014

أنت فتّان // أم حسين



مؤلمٌ أن يتخلى أحدهم عنك، ومؤلمٌ أن تفقد جزءًا من حياتك كنت قد سخّرت له كل إمكانياتك لتراه يكبر وينمو أمام عينيك، كل ذلك مؤلمٌ ولكن ما يدمي القلب أن  يكون السبب في كل ما حدث إنسان.
 
أتعجب وأقف لأفكر كثيرًا عند ذلك الإنسان.. ترى لماذا لا تكتمل راحته إلا بضياع راحة شخص آخر! بل وكيف يبني حياته على أنقاض حياة أخرى بعد أن يهدمها!
 
إذ ليس من الطبيعي أن يؤلمك إنسانٌ شعر بوجع الألم، ويؤذيك بشتى الأساليب ويلاحقك حتى يوجه لك ضربةً قاضيةً بيد أخرى اختارها كأداة ينهي بها ما بدأ به.
 
أنها الفتنة وما أدراك ما الفتنة!!؟

حين تسيطر على الإنسان تجعله يتجول باحثًا عن حياة سعيدة ليعكر صفوها وعن قلوب صافية مطمئنة ليقلقها وعن عقول متزنة ليُفقدها اتزانها.

نعم فالفتنة تنخر في جسد مجتمعاتنا كما ينخر الدود في الحطب فيجعله هشًا، هدامة للبيوت مفككة للعلاقات، نارٌ تأكل الأخضر واليابس وما تخلف ورائها سوى الدمار.

يمارس الفتّان سلوكه الخاطئ بعدة أساليب لزرع الاضطراب والبلبلة في أفكار شخص آخر أو جماعة ما، يمتلك سلاحين لسانه الناطق بالحيل التي ولدت من أفكار نابعة من العقل الخادم لنفسه المريضة

لا تعجب أن قلت عنه (فنّان)!!

فهو يتم عمله بإتقان كلما كانت أمراضه النفسية عميقة، وحين تستحكم الأمراض من نفسه ترحل روحه الإنسانية عن جسده حاملة معها كل الخير ليبقى خيال الإنسانية ليستوطنه الشر.

 
شخصية تفاصيلها معقدة، خصالها متشابكة، فالفتّان يحتاج أن يكون كاذب، نمام، مراوغ، خداع، استغلالي وغيرها الكثير من الخصال السيئة ليتقن عمله. ولنفهم ما يدور في داخل تلك النفس علينا أولًا معرفة كيف تكوَّنَ ذلك السلوك.

السلوك عبارة عن خليط من جينات وثقافة ولدت أفكار جسدت على شكل سلوك، إذًا فهناك دوافع نفسية واجتماعية جسدت سلوك الفتنة!!؟

تبدأ الفتنة عند الإنسان من سن السنتين إلى ثلاثة سنوات وغالبًا تنتهي عند هذه المرحلة، ولكنها أحيانًا تستمر مع الإنسان إلى أن يصبح بالغًا في حال لم يتم التعامل معها بطريقة صحيحة.

يذكر الدكتور فارن والفيش (الطبيب النفسي للأطفال والبالغين) بعض النقاط المفيدة في كيفية التعامل الصحيح مع سلوك الفتنة عندما يبدأ عن الأطفال للحد من تطور الحالة والحرص على انتهائها في وقتها الطبيعي، فيقول:

1) الأطفال في بعض الأحيان يلجئون للفتنة كوسيلة للتعبير عن قلقهم ومشاكلهم، وكل ما يريدونه منا أن نستمع إليهم ونعرف مشاكلهم وما يقلقهم ولا نفعل شيئًا.
 
2) الأطفال الصغار لا يفتنون رغبة في أذى الآخرين، أو أن يوقعوا الآخرين في مشاكل، لكنهم يفعلوا ذلك لأن إحساسهم بالصواب والخطأ لا زال يتطور، ففتنتهم في تلك الحالة ما هي إلا تساؤل وتأكيد على أن القواعد التي تعلموها صحيحة، ويشعرون بالارتياح حيال أن من فعل عكس القواعد سيكون مسئولًا عن فعلته.
 
3) عندما يأتي إليك طفلك شاكيًا صديقه أنه لا يشاركه اللعب، فهو لا يطلب منك التدخل، لكنه يريد منك أن تعلمه كيف يتعامل مع تلك المواقف، وذلك أمرٌ من المهم أن يتعلمه لحياته فيما بعد، لا تتدخل لحل المشكلة بل اسأله «ماذا عليه أن يفعل في هذه الحالة؟». استمع له وحاول أن تجد معه حلولًا للمشكلة.
 
4) إذا كانت فتنة طفلك عن أمور لا تؤثر عليه، مثل أن زميله يضرب الأطفال الآخرين، أو أن زميلته لا تأكل خضرواتها، إذن فطفلك يريد فقط أن يخبرك بأنه لا يقوم بضرب أحد وأنه يأكل خضرواته، كل ما يحتاجه الطفل في هذه الحالة هو أن تمدحه لأنه اتبع التعليمات، فقم بذلك.
 
5) علِّم طفلك الفرق بين «الإخبار» و«الفتنة»، فالإخبار هو أن يقول لك أمرًا يسبب أو سيسبب أذى لطفلٍ أو شخصٍ ما، علِّمه أنه في تلك الحالة يجب أن يقول مثل تلك الأشياء وذلك لا يكون «فتنة»، علِّمه أن الفتنة هي أن تحكي شيئًا أن يسبب أذى.
 
التعامل مع المواقف السابقة بكيفية معاكسة تجعل الفتنة تلازم الطفل إلى أن يكبر وتتطور لتصبح غيرة مفرطة ناتجة من شعور شديد بالنقص والعجز وعدم الثقة بالنفس، وعندما تكون إنجازات الشخص في الحياة أقل من طموحاته يزيد شعوره بالعجز، فيكون أكثر عرضة لتطور سلوك الفتنة لديه.

تكبر دائرة الأضرار الناتجة من الفتنة القائمة بين العلاقات لتشمل أشخاصًا ﻻ ذنب لهم سوى أنهم تواجدوا في ذلك المحيط، ويتحمل جزء من الذنب من فتح الأذان لينطلق اللسان لبث سمومه، هو فتان لا خلاف في ذلك ولكن أنت كمتضرر من فتحتَ له باب عقلك ليقلقه ويجعله مضطربًا وليهز كيانك كله، فإن فقدت راحتك فأنت من فرطّتَ فيها ولم يسلبها أحد منك.

يقول الباحث برنارد ملزر
"قبل ان تتحدث اسأل نفسك إذا كان ما ستقوله صحيحًا وحانيًا وضروريًا ومفيدًا فإن لم يكن كذلك فيجب أن ﻻ يُقال"

وهناك من قال:
العقول ثلاثة أنواع، عقول راقية تتكلم في الأفكار، عقول متوسطة تتكلم في الأحداث، عقول صغيرة تتحدث في الناس.

 
فلنرتقي بعقولنا.. ونختار ما نسمع قبل أن نختار ما سنقول.


15 يوليه 2014

الحق، والعدل.. وأشياء أخرى // أم علي

 
 
الحق هو الشيء الثابت، الملزم باحترامه وعدم الاعتداء عليه.. والعدل هو الحكم بالإنصاف لإعطاء كل ذي حق حقه.
 
إذًا فبين الحق والعدل رابطة مشتركة، فإن كان لي حق فلا بُدَّ أن أطالب أولًا بالعدل الذي هو أساس الملك، وهذا هو الخطأ الذي كثيرًا ما نقع فيه حين نطالب بحقوقنا عشوائيًا قبل أن نطالب بما من شأنه الفصل والإنصاف.
فلو تحقق العدل لأصبح الحق أمرًا بديهيًا لا يحتاج أن نطالب به.
 
فللّه علينا حقوق، نقصّر بها حين نفقد الرؤية الصحيحة للحكم العادل على الأشياء، ولنا على الله حقوق، لكنه تعالى اسمه العدل، واسمه الحق واسم العدل جاء قبل اسم الحق دليلًا على أن العدل هو قاعدة الحق الأساسية.
 
وللوطن علينا أيضًا حقوق، ولا ريب أننا مقصرون في هذه الحقوق رغم أن الكثير قد يختلف معي لكننا بالفعل قد غفلنا عن ما لهذا الوطن من أمانات في أعناقنا فصرنا نتشدق ونملأ الدنيا صخبًا مطالبين بحق المساواة والحرية والديمقراطية، بل والبعض يطالب بمحاكمة كل مسؤول، ونسينا أن قانون الله حين حكم طائفة من القوم سيدهم على الدنيا، نسينا أننا أيضًا مسؤولين عن هذا الحال الذي وصل إليه هذا الوطن.
 
لنضع أنفسنا الآن موضع مسؤولية، ونحاول الحكم بالعدل على نقطة محددة حتى لا نغرق في تفاصيل يحتاج كل منها إلى مجلدات.
 
ألسنا بأمة تلهو؟
 
ألسنا بأمة تفتقد الحكم الصحيح وبالتالي لا تعرف مالها من حقوق؟
 
لهذا فنحن مسؤولون أمام الله وأمام أنفسنا عن هذا الفكر العشوائي، وهذا التخبط، مسؤولون عن طاقات تضيع سُدى، مسؤولون عن ملامح غائمة تداخلت أمامنا ولم نحاول الفصل بينها للوقوف الصحيح على معناها، والتحرك بخطوات محسوبة علميًا.
 
لذا علينا الإيمان بأن عدونا شيطان جاهل يخشى العلم كما يخشى ذكر الله ولن تقوم لنا قائمة إلا بعدل الله وقوة العلم.
 
فنحن لسنا بحاجة إلى نظام علماني، أو نظام ثوري.. لكننا في أمس الحاجة إلى شبابٍ مستنيرٍ متسلحٍ بالإيمان.


يعرف جيدًا أين العدل، وأين الحق، وأين الأشياء الأخرى.
 
12 يوليه 2014

من نكون؟ // إيمان الحبيشي


 

(قتل أشقى الأشقياء أتقى الأتقياء)

هكذا وُصفت فاجعة قتل أمير المؤمنين، الإمام علي عليه السلام، في فجر يوم التاسع عشر من شهر رمضان سنة أربعين للهجرة، بينما كان ساجدًا لله.


وفي تلك الفاجعة، أعطى الإمام علي عليه السلام، أعمق عظة لو خلت حياته إلا منها، لكفته فخرًا، كيف وحياته ملأى بالعظات.

 
نعرف أنَّ أشقى الأشقياء عبدالرحمن ابن ملجم، الذي هوى على رأس الإمام علي عليه السلام بسيفه، كان من الخوارج، وقد قتل الإمام علي (ع) انتقامًا وطمعًا، وهناك روايات تتحدث عن ضلوع بني أمية في قتل الإمام علي (ع) بسيف ابن ملجم، لكن ماذا بعد أن هوى هذا الشقي بسيفه على رأس الإمام علي (ع)؟

تُتداول وصية الإمام علي عليه السلام قبيل انتقال روحه المقدسة لبارئها، يتحدث فيها عن أسس التعامل مع القاتل وليس أي قاتل (قاتله) وهو رئيس الدولة الإسلامية آنذاك!

وصية أمضاها وهو بين موتٍ وحياة، بينما يستشعر ألم الغدر دون ذنب اقترفه، إلا لأنه كان حاكمًا عادلًا إنسانيًا، لم يقبل الرعاع عدله ومساواته.


يقول الإمام سلام الله عليه في وصيته:
(احبسوا الرجل فإن مت فاقتلوه وإن أعش فالجروح قصاص) وفي رواية أخرى قال: (اطعموه واسقوه وأحسنوا إساره)، كما قال (يا بني عبد المطلب لا ألفينَّكم تخوضون في دماء المسلمين خوضًا، تقولون قُتِل أميرُ المؤمنين، ألا لا تقتلنَّ بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة ولا تمثِّلوا بالرجل فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور).

إنه نهج أقره الإمام (ع) للتعامل مع القاتل، إطعام وسقي، لا تعذيب ولا تمثيل، بل ضربة بضربة فحسب. لستُ بصددِ الحديث عن إنسانية علي عليه السلام، فإنسانيته أقرها العدو قبل الصديق، أنا أتساءل فقط، أين نحن من قيمه ومبادئه، ليس عند مواجهتنا لقاتل فحسب، بل أيننا من مبادئه ونحن نواجه اختلافات بعضنا؟! فنُشهر سيف التسقيط، ونقابل السقطة بسقطة، والإساءة بألف، فمن طَرد يُطرد على مدى التاريخ، ومن شَتَم يُشتم جيلًا بعد جيل، يقول الإمام علي عليه السلام في ذات الوصية (صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام ، وإن البغضة حالقة الدين وفساد ذات البين ولا قوة إلا بالله)، فمَن قام بإصلاح ذات بيننا بينما تُسن الأقلام للتذكير بالإساءات والهفوات وتبرير الأخطاء والاعتداءات؟ ثم تزيينها بمصطلحات الحق والفضيلة، بل ونُلبسها مواقف الأئمة عليهم السلام التي هي أبعد ما تكون عن الفتنة والتشرذم والإساءة. إنَّ مفردة اسم (علي) لا تتفتق إلا إنسانية وخلقًا ومبادئًا، لذلك رأينا أن أصحاب الباطل أيضًا حين يكونون في المحك فإنهم لا يطلبون سوى (معاملة) علي (ع).

منذ أيام انتشر فيديو لرجل، قيل أنه من جماعة داعش حين وقع في أسر خصومه، كان يطلب فيه ممن أسره أن يعامله كما عامل علي عليه السلام الخوارج؟!

إنه يفتقر للإنسانية، وفجأة صار يطلبها ممن ظن أنه يتبع علي عليه السلام، فلا أجدر بقيم وإنسانية علي إلا أتباعه، فهو إنْ كان وحشًا جزارًا يُجيد قطع الرؤوس وحزَّ النحور، فهو يُمثل فكره وثقافته ويقتدي برجالٍ حملوا خير الرؤوس على أشر الأسنة، فمَن نُمثِّل نحن حين نُسقط المختلفين معنا، مَن نُمثّل حين نتفوه بالبذاءات تحت اسم الحرية الفكرية؟ مَن نكون نحن؟ وما هويتنا؟ أتُرانا ضيعنا مشيتنا ونحن نحاول تَمثّل مشية الآخرين؟ أم تُرانا جاهلين لا نعرف عليًا ولا ابن عمه ولا أهل بيته عليهم السلام. أجدني حينها أتفق وبشدة مع دعوة للكاتب بشار الموسوي يقول فيها:

 
(إن الإنسان اليوم يحتاج إلى (معرفة) علي لا إلى (حبه) فالحب بلا معرفة لا قيمة له و لا وزن بل هو ملهاة مخدرة و مثبِّط يعطِّل الإنسان، والذين يشغلون الناس باسم محبة علي، والعشق للمولى دون معرفة وفهم دقيق و صحيح لأهدافه وأقواله وتعاليمه، فهم لا يدمِّرون الإنسانية و الحرية و العدالة فحسب، و إنّـما يبيدون هذه الشخصيات العظيمة العزيزة أيضًا، حب علي بعد المعرفة يمكن أن يؤدي دوره في إنقاذ البشرية وإسعاد الإنسان.)

اللهم اجعلنا ممن عرف (علي) فأحبه واقتدى به.
 
19 يوليه 2014

هل أنت فضولي // ز.كاظم

يسألك أحدهم سؤالًا وتجيبه بسرعة "مو شغلك".. أو في بعض الأحيان تكون أجابتك على هيئة سؤال: لماذا تسأل؟ وكأنك تقول وما دخلك أنت بهذا السؤال ولماذا تسأله! الكثيرُ من المواقف اليومية تمرّ علينا وتكون إجاباتنا هذه لمَن يتدخل فيما لا يعنيه، ويسأل عن ما ليس له شأن به.. وفي بعض الأحيان ربما تكون أنت السائل، وإليك يأتي الجواب ليُخبرك بأنك فضولي تتدخل فيما لا يعنيك.

تعريف الفضول:
الفضول صفة متعلقة بالتفكير الفضولي مثل الاستجلاء والبحث والتعلم، ويتضح من خلال الملاحظة لدى الإنسان والعديد من أنواع الحيوانات. ويمكن استخدام المصطلح أيضًا للدلالة على السلوك ذاته الناجم عن عاطفة الفضول. ونظرًا لأن هذه العاطفة تمثل تعطشًا للمعرفة، فإن الفضول يُعتبر قوة دافعة رئيسية وراء الأبحاث العلمية وغيرها من مجالات الدراسات الإنسانية الأخرى. (ويكيبيديا).

فالفضول حاجة طبيعية بل وإيجابية في الإنسان، فهي التي تدفعه للاكتشافات والإبداعات والسؤال والتعلم وغيرها من الأمور اللازمة لتوسيع مداركه وفهمه وعقله. وهذه الحالة تلازمنا منذ الولادة، وهي حالة فطرية، فعند ملاحظة الطفل ترى حب الفضول والاكتشاف هي التي تدفعه لأن يقوم بفهم وإدارك ما يدور حواليه، فتراه يحاول أن يمسك الأشياء بيده، ثم يرميها، أو يصدر الأصوات بفمه، أو يضع بعض الأشياء في فمه لتذوقها أو يقوم باللمس وغيرها من سلوكيات يقوم بها الطفل ليكتشف العالم من حوله. وتكبر هذه الخصلة مع الفرد وتكون هي الدافع للإنسان بأن يقوم بالغوص في مجاهيل الحياة ليضفي عليها نور المعرفة، ولا يكون ذلك من دون دافع حب الاستطلاع والفضول الموجود لديه.

لكن موضوع هذا المقال ليس الفضول الإيجابي بل الفضول السلبي الذي لا فائدة منه، وربما يجلب على الإنسان ومَن حوله الكثير من المتاعب والمشاكل. والمقصود به هو ذلك السلوك الذي يمارسه الإنسان في محاولة لمعرفة أمور عن الآخرين لا شأن له بها، وعادة ما تُعتبر تدخل في خصوصيات الآخرين.

تغيب فترة عن مجموعة من الأصدقاء، وما أن تعود حتى تبدأ مع عودتك حملة الأسئلة، وهي حالة طبيعية جميلة وحسنة أن تفقد الغائب وتسأل عنه، ولكن لهذه الحالة حدود وضوابط إذا ما لم تراعى فإن تلك الخصلة الحسنة تتحول إلى سلوك سيء وفضول، كأن يتحول السؤال إلى استجواب وتحقيق: أين كنت؟ ولماذا؟ وماذا فعلت؟ ولماذا لم تخبرنا؟ ووو.. أو أن يأتي أحدهم ليسألك كم راتبك؟ أو كم عُمرك (وخصوصًا إذا ما وُجّه هذا السؤال للنساء)؟ وغيرها..

وهناك نوعية أخرى من الأسئلة التي يدخل فيها الفضول والتطفل، هب أنك تتحدث مع شخص ما، فيأتي إليك الفضولي ليقف ويتكلم وكأنه مدعوٌ للخوض في هذا النقاش، أو يأتي إليكما ليسألكما عن ماذا تتحدثان؟ كثيرة هي المواقف التي تحدث مع الفضوليين، بعضها يتم تمريرها بسهولة وسلاسة، وبعضها يكون التجاهل هو صفة التعامل، وفي بعض الأحوال قد يتعرض الإنسان للإحراج فيضطر إما أن يذكر تفاصيل خاصة به، أو أن يكذب، أو أن يمتنع عن الجواب بأسلوب أو آخر.. أما مَن لا يهمه الإحراج فقد يقوم بمخاطبة الفضولي بلغة قاسية شديدة قد تكون رادعة (ولو وقتيًا)..

لاحظ نفسك فربما لديك درجة من هذا الفضول السلبي بصورة قليلة أو أكثر ولكن لا تلحظه على نفسك.. هذه بعض الخطوات السريعة حول تحاشي صفة الفضولية إن كانت فيك، وطرق التعامل مع الفضولي:

1) حاول أن تعرف متى تسأل، ومَن تسأل ولماذا تسأل، والمقدار الذي يصح لك السؤال عنه لئلا تصبح فضوليًا بحيث تجعل الآخر مضطرًا لأن يفشي بأسراره لك أو يكذب أو يقل أدبه عليك. 
 
2) إذا سألك فضوليٌ سؤال لا تود الإجابة عليه، فابتسم ولا ترد، أو رد سؤاله بسؤال من قبيل: لماذا تسأل؟ هل مهم لديك أن تعرف إجابة هذا السؤال؟ أو أجبه بكل صراحة واحترام: هذا السؤال خاص ولا أحب أن أجيب عليه وشكرًا لتفهمك.
 
3) إذا كنتَ أنت الفضولي وأفشى الآخر لك بعض أسراره أو عرفت عنه بعض الخصوصيات، فاعلم أنه هو صاحبُ هذا الحق في هذه الأسرار ولم يخولك لنشرها فحاذر من أن تنشرها.. فحين يخبرك أحدٌ بمعلومة أو سر يخصه أو تطّلع على أمر من أموره، فاجعل نفسك فطنًا واعرف هل يجوز لي أن أتصرف في هذه المعلومة أو الخبر أم لا، واحتط أن لا تنشر على أية حال.

يقول الله سبحانه وتعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّـهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّـهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمًا ) ﴿الأحزاب: ٥٣﴾

4) حاول أن تحدّ من فضولك في معرفة أخبار الآخرين. ماذا سينقص منك إن اكتفيت بما عندك. حاول دائمًا أن تسأل نفسك: لماذا مهم لديّ أن أعرف هذه الأمور عن الآخرين؟ لماذا الإجابة على هذا السؤال مهم؟ ماذا أستفيد من الإجابة على هذا السؤال؟  وغيرها من الأسئلة التي ربما في الإجابة عليها تكتشف أنك لستَ بحاجة لطرح هذه الأسئلة على الآخرين لمعرفة أمور خاصة بهم لا شأن لك بها.

يقول الله سبحانه وتعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّـهُ عَنْهَا وَاللَّـهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) ﴿المائدة: ١٠١﴾
 
فالزم حدودك واعرف ما يجب عليك أن تسأله وما لا يحق أو يجدر بك السؤال عنه.

5) إن كنتَ مدمن في الفضول، فحاول أن تخلق لديك هواية تبعدك عن الفضول في معرفة أمور الناس، كأن تقرأ الأخبار والمجلات، أو أن تشغل نفسك بأمور معينة من شأنها أن تحدّ من هذا الفضول عندك. في العادة فإن الفراغ يولد عند الإنسان هذه الحالة من الفضول والتدخل في أمور الآخرين.

6) وحاول أن تعرف أسباب ولعك بالفضول في معرفة خصوصيات وأمور الآخرين، فهل مثلًا لأن حياتك خالية من الإثارة والمتعة فلا تجد الإثارة إلا في حياة الآخرين؟ أو أنك تجد متعة في معرفة أمور تخص الآخرين لتنقلها وتنشرها وهذا سلوك قبيح ومحرّم؟

وختامًا، من الجيد أن يقيّم الفرد منا نفسه ليرى إن كان يزاول هذا الفضول الغير محبذ وذلك عن طريق مراقبة أفعاله وسلوكياته مع الآخرين، وكذلك النظر في ردات فعل الآخر اتجاهه. وأسوء ما تقوم به إن كنتَ فضوليًا أن تدفع بالآخر لأن يكذب من أن يتقي شر سؤالك، فحاذر..


19 يوليه 2014
 
 
 

ما في تطورات // محمود سهلان




كثيرًا ما نسألُ الآخرين: هلْ من جديد؟
مَا هي آخر التطورات في حياتكم؟
وبالعامية (ويش آخر التطورات
 
طبعًا تختلف الإجاباتُ بين إيجابيةٍ وسلبيةٍ، وبين مُقنعةٍ وغير مُقنعةٍ، وبين جديةٍ وهزليةٍ، لكن ما يلفت الانتباه أنَّ الكثيرَ ممن نسألهم يجيبون بالجوابِ التالي: ما في شيء جديد أو ما في تطورات!
 
أعجبُ من مثلِ هذا الجواب حقيقةً، فكل هذه الحياة بحركاتِها وسكناتِها، وكل التغيرات اليومية التي تحدثُ في حياتنا، إلا أنَّكَ تجدُ من يجيبك بهذه الإجابة، فأينَ هؤلاءِ في واقعِ هذه الحياة؟
 
في محاولةٍ لمعرفة الأسباب ـ والتي أظن أنَّ الأغلبَ يجهلُها فلمْ يتغير حاله ـ وَجدتُ أنَّ هناك سببين رئيسين لذلك، وهما:
 
1- عدم تحديد الأهداف.
2- عدم التخطيط للوصول للهدف.
 
الأول: أجده أهمَ الأسباب، فإنَّكَ عندمَا تخرج في نزهةٍ قصيرةٍ دون أنْ تحددَ الهدفَ تجدُ أنَّك في ضياع، ولا تدري أينَ تذهب، فكيف برحلةِ الحياةِ الطويلةِ، التي تمتدُ لسنوات وسنوات، ومحطاتها المتعددة، وصعوباتها المتكررة؟
 
عندما يكونُ هدفُكَ واضحًا فإنَّكَ تملكُ المقياسَ لهذه التغيرات والتطورات، ودون تحديدِ هدفٍ واضحٍ فإنَّكَ فقدتَ هذا المقياس، فمن دخلَ الجامعة ـ مثلًا ـ واختارَ التخصص الذي يريده، وبدأ دراسته واضعًا لهدفٍ ما، فإنَّه يستطيع قياسَ مدى تقدمه نحو الهدف وتأخره عنه، أما من دخلَ الجامعة وبدأَ دراستَهُ ولمْ يحددْ لهُ هدفًا، فمن الصعب أنْ يحددَ ما إذا كان هناك تقدم أم لا، فإنه لا يملك مقياسًا لذلك.
 
الثاني: وهو يتفرعُ على الأول ويليه في الأهمية، فبعد تحديد الهدف تحتاجُ لرسم خارطةٍ واضحةِ المعالم، كي تتمكنَ منْ تحديد مَا تحتاجه في هذا الطريق، وكي تتعرفَ على العقبات المحتملة وتستعدَ لها، وكي تضعَ الخططَ البديلةَ، وكي تتزودَ بكلِ ما تحتاجه قبل بدء المسير.
 
واعلمْ أنَّ مجردَ انتقالك من نقطة لأخرى قريبة منها يحتاجُ لخارطةِ طريق، ودونها قد لا تتمكن من الوصولِ للنقطةِ المطلوبةِ (الهدف).
 
قد يقولُ البعض ـ للأسف ـ أنا هنَا لأعيشَ وأكفَ نفسي وعيالي، مدعيًا أنَّه مجرد إنسان عادي لا يملك ما يُؤهلُه للتقدم والارتقاء بمدارجِ الكمالِ على اختلافها، وهو قولٌ باطلٌ لا محالة، فقد نسِي هذا البعض أو تَنَاسَى قولَ أمير المؤمنين (ع): (أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير, وَفيكَ انطَوى العالَمُ الأَكبَرُ) [ديوان الإمام علي ص175]، فإنَّ الله خلقَ الإنسانَ وخلقَ معه الاستعدادات اللازمة لخوضِ غِمار هذه الحياة، فكمَا كانَ للعالمِ الفلاني عقلًا، فأنتَ تملك عقلًا، وكمَا كانتْ له حواسه فأنتَ تملكها أيضًا، وكما وُجدتْ أمامَهُ بعض الفرص، فأنتَ أيضًا أُتيحت لكَ بعض الفرص، فالخلل إذن ليسَ في مدَى الاستعداد لديك كإنسان، إنَّما الخلل في أمورٍ أخرى، قد يكونُ الكسل، وعدمُ الشعور بالمسؤولية، وانعدامُ الصبر، وفقدان العزيمة والإرادة، من أهمها.
 
أيها الأحبة.. عندما تمرُ عليكم هذه الحالة أو غيرها عليكم بدراسةِ أسبابها جيدًا، فإنَّهَا تختلفُ من شخصٍ لآخر، لكنها موجودةٌ بكل تأكيد، فإنَّ لكل شيء سبب، ولا يمكن أنْ يكونَ شيئًا مَا جزافًا، وإنَّما ذكرتُ السببين الماضيين لأنَّهما قد يجتمعان أو نجد ثانيهما موجودًا في أغلبِ الحالات، إنْ لمْ نقلْ كلَ الحالات، ومعرفةُ باقي الأسباب هي من مهَامِّكُم، فلا تتجاهلُوهَا، فإنَّ الحياةَ مهما طالَ العمرُ قصيرةٌ، وهي فرصتنا الوحيدة للتقدم والارتقاء في مدارج الكمال. والتطوراتُ قادمةٌ بكل تأكيد لكلِ من يسعَى نحو تغيير واقعه، أمَّا منْ يقفُ ليتفرجَ فإنَّه لا يتقدمُ خطوةً واحدةً للأمام، وسَيُجيبُ دائمًا: ما في تطورات. فإنَّ الله تعالَى يقولُ: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم) [الرعد:15].
 
محمود سهلان
16 رمضان 1435