Saturday, August 30, 2014

سلسلة مقالات (4): العمل التطوعي والتطوير المستمر - التدريب // ز.كاظم

تناولت في المقالات السابقة العمل التطوعي وضرورة التطوير المستمر وطرحت جانبين مهمين وهما التوثيق واستقطاب الطاقات والمحافظة عليهم وفي مقالي هذا أتطرق الى جانب آخر مهم.
أهمية التدريب في رفع مستوى الكفاءة عند المتطوعين...

تولي الكثير من المؤسسات والشركات الرسمية وغير الرسمية أهمية كبيرة لتدريب موظفيها ورفع مستوى الكفاءة لديهم لتأدية مهامهم ووظائفهم، لما للتدريب من أهمية بالغة في دعم المؤسسة على القيام بوظائفها لتحقيق أهدافها المختلفة.. بل أن بعض الشركات تقوم بتوفير دورات تدريبية للمستهلكين والزبائن والموردين لها..

قبل عدة سنوات حضرت دورة تديبية عن التطوير المستمر لأحدى الشركات التي نبيعها بعض منتجاتنا متكلفة كل المصاريف لي ولزميل آخر طوال فترة التدريب وهي أسبوع كامل.. وعند مشاركتنا في الدورة وجدنا ممولين وموردين وزبائن آخرين قد تم دعوتهم للمشاركة في هذه الدورة التدريبية.. وفي آخر يوم من الدورة التدريبية قام أحد الموردين بنقل تجربة شركته في مجال التطوير المستمر والتي خضعت لها في العام الماضي مع شرح موجز للأرباح التي حققتها شركته خلال عام واحد من تطبيق أدوات التطوير المستمر.. وفي موقف آخر ذكر نائب رئيس الشركة المتبرعة بالتدريب أن شركتهم كانت على وشك الإفلاس قبل عدة سنوات مما اضطر مجلس إدارة الشركة لتوظيف طاقم جديد يمتهن التطوير المستمر وقد استطاع هذا الفريق في قلب المعادلة خلال سنوات قليلة جدًا فتحولت الشركة من حافة الإفلاس إلى الربح والتوسع والإنتاج.. وكانت إحدى دعامات هذا التغيير هو تدريب موظفيها ومموليها وزبائنها على التطوير المستمر وأدواته المتنوعة والإهتمام الفائق بتدريب موظفيها وغيرهم..

طبعًا رأيت أيضًا شركات أخرى تعاني كثيرًا في مستوى الجودة والإنتاجية والأرباح نظرًا لعدم قدرتها او إهمالها لجانب التدريب أو لضعف برامجها التدريبية.. وإذا ما نظرنا إلى الأعمال التطوعية، فبعضها يعاني من ضعف التدريب بل ربما أقصى تدريب يخضع له المتطوّع هو أن يوضع في مكان ويحمل مسؤولية ما، بدون خضوعه لأي برنامج تدريبي نظري أو عملي.. 


 سأتطرق إلى أحد المواقف التي أتذكر حدوثها في المؤتمر الإسلامي الذي أعطيت نبذه عنه في مقالي السابق.. 

نادى المسؤول عن قاعة الصلاة نائب رئيس المؤتمر عبر جهاز اللاسلكي طالبًا مساعدته في توفير أفراد متطوّعين لتحضير قاعة الصلاة، وقد كان المسؤول مرتبكًا ومتحيرًا إذ لم يبق على وقت الصلاة إلا دقائق معدودة..
يعتمد هذا المؤتمر اعتمادًا كبيرًا على المتطوّعين، بعضهم أعضاءًا في هذا المنظمة التي تقوم بهذا العمل والأكثر يتم استقطابهم أيام المؤتمر.. ومن هؤلاء المتطوّعين صاحبنا مسؤول قاعة الصلاة، ومسؤولية قاعة الصلاة هي بالعادة تنظيف وترتيب القاعة وتهيئتها للمصلين، إلا أنه في تلك السنة ونظرًا لعدم وفرة القاعات تم استخدام قاعة المحاضرات للصلاة، مما يعني أن يتم قلب قاعة المحاضرات سريعًا لقاعة الصلاة -والعكس- مما يستدعي رفع الكراسي ووضع الشراشف وسجادات الصلاة والترب على الأرض وغيرها من المسؤوليات. وكون مسؤولية نائب الرئيس هي الإشراف على جميع الأنشطة التي تقام في المؤتمر فإنه يتم الاستعانة به طوال الوقت. ذهب نائب الرئيس إلى مسؤول القاعة ووجده واقفًا متحيّرًا يشتكي من عدم وجود أحدٍ لمساعدته.. نظر النائب سريعًا في داخل القاعة وخارجها، ثم نظر إلى وجه المسؤول وقال له: أنظر وتعلّم.. كانت هناك مجموعة من العراقيين في زاوية يتحدثون، ومجموعة أخرى من الخليجيين في زاوية أخرى، وغيرهم مجموعات صغيرة هنا وهناك.. ذهب النائب إلى المجموعة الأولى وسلّم عليهم بابتسامة جميلة وخاطبهم بلهجتهم "تريدون تخدمون لحسين؟"، أجابوا بسرعة: نعم.. قال لهم نحتاج مساعدتكم في طي الكراسي وتحويل قاعة المحاضرات للصلاة، ولا يوجد متسع من الوقت.. رحبّوا بالعمل وسريعًا انطلقوا في طي الكراسي ووضع سجادات الصلاة.. وبادر النائب إلى المجموعات الأخرى وخاطب كل منها بلسانها، وفي لحظات تم تحويل قاعة المحاضرات لقاعة الصلاة.. التفت النائب لمسؤول قاعة الصلاة ووجه له بعض النصائح مع المثال التطبيقي في استقطاب وجذب الآخرين للعمل التطوّعي السريع منبهًا له أنه من إحدى مسؤولياته هو توفير طاقم العمل لتأدية مسؤوليته..
إذا نظرنا إلى هذه التجربة فإنه من الملاحظ أن مسؤول قاعة الصلاة لم يعرف مسؤولياته جيدًا ولم يخضع للتدريب المناسب للقيام بمسؤوليته.. من هنا أطرح بعض النقاط المهمة التي قد تساهم في تطوير جانب التدريب للعمل التطوعي:


1. البرنامج: وضع برنامج تدريبي -نظري وعملي- واضح ويناسب طبيعة العمل التطوعي.. ويجب أن يكون التدريب النظري مدعمًا ببعض التجارب والمواقف ليثري ذهن المتطوع. هذا البرنامج يجب أن يكون مفصّلًا ومركزًا على طبيعة العمل التطوعي كما يفضّل أن يكون التدريب  تدريبًا تفاعليًا بين المدرّب والمتطوّعين كأن يقوم المدرّب بطرح أسئلة ومواقف ويطلب الإجابات من المتطوّعين ثم يعقب على تلك الإجابات..  


2. أهمية الوقت: تدريب المتطوّعين على أهمية الوقت في الأنشطة التطوّعية.. من المهم لمنظمي أنشطة وبرامج العمل التوّعي اعتماد الوقت بدءًا وانتهاءًا وعدم الالتزام بالوقت يساهم في تخريبها ويضفي عليها طابع الفوضى وعدم الاهتمام.. إن اعتماد الوقت والانضباط فيه يعطي العمل التطوعي دفعات من الاحترام والانضباط والنظام مما يولد انطباعًا عند الآخرين بأهمية العمل التطوعي عند القائمين عليه. 


3. استمرارية التدريب: أن تتم عملية التدريب على فترات معينة فحتى المتدربين على العمل التطوعي يخضعون لدورات تدريبة بعد فترات من العمل، فهناك تدريبات سنوية وهي لا تقتصر فقط على جانب واحد من التدريب فقد يكون تدريبًا في كيفية القيام بمسؤولية تطوعية ما أو تدريبًا في فن التعامل مع الآخر أو تدريبًا في تنظيم الوقت أو النظام.. الخ.


4. التوثيق: من المهم جدًا توثيق التدريب نظريًا وعمليًا لما للتوثيق من أهمية كبيرة في تأهيل المتطوّعين كما وأنه يسهل عملية التدريب ويضبطها خصوصًا أن التدريب عملية متواصلة ومستمرة.. 


5. أهمية النظام: يعاني العمل التطوّعي من عدم التزام المتطوّعين بالقوانين التنظيمية التي تنظم حراكه ولذلك فإنه من المهم جدًا أن يقوم القائمون بالعمل التطوّعي بتقديم دورات تدريبية عن النظام وأهميته ووسائله وأدواته. 

6. توظيف التقنية: وفّرت التقنية المعاصرة الكثير من الخدمات في المجالات المختلفة ومن ضمنها مجال التواصل بين الأفراد. إضافة لبرامج التواصل الاجتماعي والتي من الممكن استخدامها لتسهيل عملية التنظيم بين أفراد العمل التطوّعي فإن هناك برامج ممتازة لتحديد المهام والمسؤوليات وموعد الانتهاء .. الخ. هذه البرامج تنظم عملية تحديد ومراقبة وإتمام المهمات.. ومثال على هذه البرامج Producteev والذي أنصح بالإطلاع عليه واستخدامه في العمل التطوّعي وهو كذلك برنامج مجاني.

التدريب مهمة صعبة وتحتاج إلى من يجيدها ويتقنها ومن المهم التفريق بين إتقان العمل وإتقان التدريب، فقد يكون الفرد ماهرًا في عمله لكنه لا يمتلك المهارة اللازمة لتدريب وتعليم غيره. أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يوفقني لتناول جانب آخر من التطوير المستمر في العمل التطوّعي.

30 أغسطس 2014

عدمُ المعرفةِ، طريقُ الجحودِ // محمود سهلان



يتعاملُ الكثيرُ من المسلمين مع الدينِ بسطحيةٍ شديدة، فتراهمْ لا يكترثون بأكثرَ من تأديةِ الواجب، وإنْ لمْ يكنْ بالشكلِ المطلوب، بلْ أنَّ البعضَ لا يكترثُ حتى بأداءِ الواجباتِ المقررة عليه شرعا.

عندما يأتي شهر رمضان نسمعُ البعضَ يقول: أعطيه حقهُ فقط!

وعندما يحينُ وقتُ الصلاة لا نقومُ إلا كسالى.. وما يهمنا هو أنْ نؤدي الصلاة على أي وجهٍ كان، ونمضي فرحينَ لأننا أدَّينا الواجب!

أما الخمس فحدث ولا حرج، فإنَّ شريحةً كبيرةً لا تكترثُ بأدائه، وشريحة أخرى تحاولُ قدرَ المستطاع أنْ تجدَ لها مخرجا شرعيا، أو أنْ تتصرفَ بالمال، كي لا تذهبَ أموالهم سدى حسبما يظنون..

وهكذا الأمورُ تجري في باقي الفرائض، فلا تجدُ من يهتمُ بأداء ما كلَّفه الشارعُ المقدسُ بهِ، بل أنَّ بعضهم يحسبون أنَّ لهم المنة على الله سبحانه، لا العكس، غافلين أو متغافلين عن أنَّ الله هو المنعمُ، وهو المهيمنُ، وهو الذي منحهم فرصةَ الحياة.

يا أيها العزيزُ اعلمْ أنك مطالبٌ بمعرفة ربّك حقَّ معرفته، فإنَّ شكرَهُ واجبٌ عليك، وإذا لمْ تعرفه لنْ تتمكنَ من أن تؤدي واجبكَ تجاههُ، ولنْ تستطيعَ شكرهُ، ولنْ تعرفَ كيفيةَ التعاملِ معه، ولا معَ أوامرهِ ونواهيه.

ما أدَّعيه هو أننا لا نعرفُ الله سبحانه وتعالى، لذلك فنحنُ لا نعرف التعاطي معه، لا نعرف ما معنى عصيانِ أوامره، ولا معنى ارتكابِ ما نهى عنه، وهذا ما يجعلنا نصلُ لحالةٍ من الضياعِ والتيهِ، فلا نعودُ قادرينَ على أداءِ الواجبات كما ينبغي، ولا تركَ ما نهى عنه سبحانه وتعالى.

إذنْ فالمطلوبُ منْ كلِّ مسلمٍ أنْ يسعى لمعرفةِ الله، ومحاولةِ بلوغِ مرحلةِ التوحيدِ الصحيحِ، الخالصِ من أيّ شائبة، فإنهُ هوَ الأصلُ الذي يبتني عليهِ كلُّ الدين، وهو المنطلقُ نحوَ القيامِ بالأعمالِ الصالحة، بل ونحوَ قبولها، فإنَّ العملَ مرتبطٌ بصحةِ المعتقد، ودونَ الاعتقادِ الصحيح فأمرُ قبولِ العملِ والإثابةِ عليه لا يُتصوَّر، إلا برحمةٍ من الله سبحانه.

قالَ تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ). [فاطر: ١٠].

ويفسرُ الكلمُ الطيبُ هنا على أنه المعتقدُ الصحيحُ السليم، فهوَ ما يصعدُ إلى الله، وما يحلقُ به ويرفعهُ هو العملُ الصالح، فتدبَّر أمرك جيدا.

وقالَ تعالى: ‏(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ…). [العصر: ٣].

وهذهِ الآياتُ وغيرها تربطُ دائمًا بينَ العقيدةِ والعمل، وبينَ الإيمانِ والعملِ الصالح، وهذا ممَّا يوضحُ الإرتباط التامَّ بينهما، فإنَّ العقيدةَ بلا عملٍ لا فائدةَ منها، وإنَّ العملَ بلا عقيدةً لا فائدة منهُ كذلك، فراجعْ مقدارَ معرفتك بالله تعالى، وبأصولِ الدين، كي تتخلصَ منْ حالةِ السلبية تجاهَ أوامرهِ ونواهيهِ جلَّتْ قدرته.

30 أغسطس 2014

Friday, August 29, 2014

(القِرْطَاسُ) ومقالة الأستاذة أم علي // محمد علي العلوي



كعادتِها الأسبوعية، ومِنْ خِلالِ مُدوِّنة (لقاء وارتقاء)، أطلَّت علينا السبت الفائت (21 أغسطس 2014م) الأخت الفاضلة (أمُّ علي) بمقالة جميلة تلألأ على ناصيتها عنوان (أنا واليابان/ الرابط:
http://ertiqabh.blogspot.com/2014/08/blog-post_52.html
وكان موضوعُها: الإبداع الياباني في خلق مشاريع ابتكارية جديدة.

لا ينبغي –في الواقع- إنكار الريادة اليابانية في مثل هذه الميادين ومقدِّمات مواضيعها، فاليابان بلد أسطوريٌّ جدًا، وهذا ما أُقِرُّ به بلا تردُّد.

غير إنَّ أمرًا ذَكَرَتْه الكاتِبة الموقَّرة في مقالتها هو الذي استوقفني وحرَّك المِدادَ في قلمي..

قالت الأستاذة (أمُّ علي):
"تأملوا معي إلى أين وصل تفكيرهم لخدمتنا ونحن ما زلنا نفكر في بيع الذرة والنفيش:
1- إطلاق مشروع الشرائح الإلكترونية الرقيقة لتحل محل الورق كالصحف أو الإعلانات المكتوبة في عام 2020 م، وهذا الأمر يُنبئنا بأن الصحافة الورقية في طريقها إلى الانقراض في عصر التكنولوجيا والإنترنيت." انتهى.
ولي هنا ملاحظتان، ثم الختام:

الملاحظة الأولى: بالنِّسبة لبيع (النفيش والذرة)، فلا مصادمة بينه وبين (تخصيب اليورانيم)، فالجمهورية الإسلامية في إيران تخطو خطواتها الريادية في عالم (النووي) في الوقت الذي لا زال فيه الإيرانيون يأكلون (المهياوه) ويعشقون (الآش)!

نعم، هناك من يحصر تفكيره في (الصغائر) ولا يفكِّر في اقتناص أفكار (الكبائر)، وعلى أيَّة حال، هكذا هي معادلاتُ الحياة قائمةٌ على نِسَبِ التفاوت بين الناس بشكل عام.

أصلُ الملاحظة ليس على فكرة الإبداع والحثِّ على الخروج إلى فضاءات إبداعية واسعة، ولكنَّني أتوقف عند ثقافة المصادمة بين ما هو موجود وما ينبغي أن يكون موجودًا، ولأضرب مثلًا، وربَّما أكثر..

ما المانع من أنْ يلبس الطبيب الحاذق مِئزرًا (بالعامية: وزار) في البيت؟ وما العيب في أن يجلس على الفراش القديم (بالعامية: دوشق)؟

وأين المشكلة في أنْ تلبس المهندِّسةُ المحترفةُ في بيتها (مِشمرها) ومن تحته (السروال القيطان)؟

لا أقول للطبيب: البس (وزار)، ولا للمهندسة: البسي (مشمر وقيطان)، ولكنَّني أقصد إيضاح، أو الإشارة إلى انتفاء المصادمة بين أنْ يتمسَّك أو يبقى ابنُ اليوم على ثقافته (السليمة) في الوقت الذي يسلك فيه مدارج العلم والإبداع والابتكار.

الملاحظة الثانية: أستفيدُ ونستفيد كثيرًا من النهضة العلمية الهائلة التي يشهدها العالم وخصوصًا في المجال التكنولوجي، وها نحن نكتب ونقرأ بل ونمارس عمل البحوث العلمية معتمدين وبشكل كبير جدًّا على أجهزة الحاسوب المعروفة والأخرى اللوحية التي بدأت بالاستقرار بين أيدي الناس.

ولكنَّ هذه الأجهزة ومهما تطوَّرت، فمِنَ الخطأ –بحسب قناعتي- أنْ تحلَّ أو أنْ نجعلها نحن محلَّ الصحيفة الورقية أو الكتاب بين دفَّتَيه (الحيَّتين)، والسبب –في تصوري- عِلمِيٌّ، وملخصه إنَّ ما نقرأه من خلال الجهاز الإلكتروني وإنْ كان يعطي كمًّا معرفيًا واضحًا، إلَّا إنَّه أقل من أنْ يُحَقِّقَ (الرسوخ) المعرفي المطلوب، فهو في الواقع عبارة عن إشارات إلكترونية دقيقة على نسق (01)، وهذا ليس هو (الرسم اللفظي) الذي يُخطُّ على الورق، فتأمل جيدًا..

إنَّ من أفضل وأمتن المصادر العلمية المكتوبة رسوخًا في ذهن القارئ تلك التي يكتبها بخطِّ يَدِه، ثم التي يكتبها الآخر بخطِّ يَدِه، ومِنْ بعدها تأتي الآلة الكاتبة فأجهزة الحاسوب، والسَّبب هو الاتصال التكويني بين الذهن والمقروء عبر العين، وكُلَّمَا كان الخارج عن الذهن قريبًا من طبيعته متآلفًا مع حواسِّه، كُلَّما كان أقرب إلى الرسوخ، وهذه نُقْطَةُ ضَعفٍ عِلمية معرفية أساسية في عموم وسائل التواصل الاجتماعي والمقروءات الإلكترونية.

نحتاج إلى التطور أكثر وأكثر وفي مختلف الميادين، ولكنَّ هذا شيء وقضية (القرطاس) شيء آخر، وفي اليوم الذي تغادرنا فيه (القرطاسة)، فهو يوم الجنازة الرسمية للرسوخ العلمي والمتانة المعرفية.

أدعو الله سبحانه وتعالى أنْ يوفق الأختَ الكريمةَ الأستاذةَ (أُمَّ علي) في مشاريعها التجارية وأنْ يفتح لها أبواب الخير أينما حلَّت.

30 أغسطس 2014

إيجابياتٌ (تُفَتُّ) وسلبيات (تُهَرَّمُ) // ايمان الحبيشي



كنتُ ممن انتشى وافتخر، بأهالي جزيرة سترة، اللذين فتحوا قلوبهم ودورهم، ليتمكن الآسيويون من تأديةِ صلاة الجمعة، بعد أنْ امتلأ مسجدهم. *

وكعادتي عبَّرت عن ذلك الشعور، ليسَ لأنه غريب على أهل هذه الأرض أن يكرموا الانسان ويحترموه، أيًّا كان لونه وعرقه ودينه، لكنْ لأننا صرنا نعيش زمانا يفترس المحبة، ويغتال الاحترام، وينقضّ على انسانية الانسان، لذلك فاللفتة كانت لافتة. 

لكن ما هالني جدًّا، هو انقضاض البعض على مجرد الاشادة بذلك الموقف، لقد كانوا يمتلكون قدرةً عجيبةً على تحجيم ذلك الحدث، وانتزاع كل معنى ايجابي تركته بأنفسنا، لتحوِّله لمجموعةِ مخاوف وهواجس، بل لتحفِّز شعورا بالحقد على جالية حرمتنا حقنا في أن نكون زبَّالين، وسقَّائين، وزرَّاعا، وصيادين!

وعجبي .. من استورد تلك العمالة وعلّمها حرفنا، ومكَّنها أسواقنا؟!

بعيدا عن هذه الجدلية التي لا أود أن أخوضها، أتساءل لماذا نُصِّر على تحجيم المواقف الإيجابية؟ بينما نقف عند أصغر موقف سلبي دهرا!!
لا نُشْيع إلا النماذجَ السلبية، ولا نستذكر إلا الوقائع المؤلمة! 

أتذكر أنني جادلت أحدهم، وزعمت أنَّ هذا الموقف لو كان موقفا سلبيا صدر من أحدهم، لتحولت الأقلام لساعات وأيام لتحليله ولما تحررَّنا منه بحجَّة الانتقاد، وصدقا لم أتمَّ حديثي حتى ماجت مواقع التواصل الاجتماعي على وقع فيديو يُصوِّر حادثة جدل دارت بين رجل وامرأة في الشارع! 

وعلى ذلك فلنقس ..

مثلا .. كم عددُ زوجات الأب اللاتي احتضن أبناء أزواجهنَّ فكنَّ لهم أمهات بعد فقدهم للأمهات؟ وكم عدد أزواج الأم الذين أحسنوا لأبناء زوجاتهم وساهموا بمدَّ المجتمع بكفاءات أصحَّاء؟ الكثيرُ من القصص التي تحمل كل معاني الحب بين زوجة أبّ وأبناء ربتهم مُغيَّبة عنّا تماما، وحين تُحكَّى بيننا فتُحكى همسا، بينما نسمع الضجيج عاليا جدًا حول زوجة أبّ قاسية دنيئَّة، أساءَّت لعلاقة الأبناء بأبيهم، حتى صار وصّم زوجة الأب ب(السيَّئة) تهمة أوليَّة ملاصِّقة لها، حتى تثبت براءَتها، هذا إن ثبتتْ رغم كل شئ، واسحبّوا ذلك على زوج الأمّ. 

كم عددّ الأبناء الذين برّوا والديهم، بغضِّ النظر عن مدى برِّ أولئِّك الوالدين بهم أثناء تنشِّأتهم؟ مقابل أولئِّك الذين قذفوا بوالديهم خارج حياتهم إرضاءا لزوجة!

كم عدد الرجال المُتزنين المبدعين المؤمنين الذين خرجوا من كنفِّ أسرة رأس بيتها رجل سئ الذِّكر، مُسئ لأسرته ومجتمعه، لكنّنا نصِّر على عَزله عن فئة (من ترضون دينه وخُلقه) لأنه يَحمل وزر والده مابقي على هذه الدنيا؟ 

الكثير من القوالب التي تضم بعض الفئَّات الاجتماعية، ليست سوى قوالب مجحفة تبعد عن الواقع، بقدر ما تصَّوره بشكل نظنُّه دقِّيق، لا زلنا نجد أنَّ الرجل الذي تزوَّج امرأتين مثلاً (راعي نسوان)، ولا زلنا نجِّد أنَّ المرأة التي تزوجت رجلاً متزوجاً (سارقَّة رجال)، ولا زلنا نجِّد أن المرأة المطلّقة (مَعيبة)، وأنَّ المرأة الأرملة (منتهية الصَّلاحية)، وأنَّ المرأة التي تأخَّرت في الزواج مجرَّد (عانس معقَّدة)!! 

إذن أين نماذِّج العدل في زيجاتٍ متعدِّدة؟ أين نماذِّج الزوجةِ الصالحة في زوجات الزيجة الثانية؟ أين نماذِّج المطلقات العفيفات؟ أين نماذِّج الأرملات المؤهّلات لإستئّناف حياة اجتماعية؟ أين نماذج النساء الناجحات المتزنَّات المُحسنات اللاتي شاءَّت أقدارهنَّ أن يكنَّ عازبَّات؟! أين نماذج الشباب الذين تربّوا في كنف رجال مُسِّيئين لينتفضوا على سوء مربيهم بحسن خلقهم وبتمسّكهم بدينهم؟ أين نماذج الآباء المضحِّين الذين حصدوا أبناء بارِّين؟ 

هي نماذج موجودة بيننا، لكنها تحتاج لمجهَّر اجتماعي، لا ليبرزها فحسب، بل ليعلِّم الناس فنَّ الإحسان، وجمال اقتناص الإيجابيات، وروعة الإمكانات البشرية في مجال العدل والاحترام والحب والثقة، نحتاج لشئ من التغاضي، ونحتاج لفنِّ تحوِّيل السلب لإيجاب، عبر اعتباره درسَّا على الجميع تعلُّم فنَّ اجتنابِّه، فنِّ اجتناب الظلم، فنِّ اجتناب القسّوة، فنِّ اجتناب سوء الظَّن، فنِّ اجتناب إطّلاق الأحكَّام المسَّبقة، فنِّ الاحتفاظ بالأروَّاح الايجابِّية والمحافظة عليها من روح المجتمع السلبية.

لسنا مجتمعًا فاضِّلا، ولنْ نكونَ مجتمَّعا كاملا قط، لنحاول فحسب أن نكون مجتمعا متكاملا متعلِّما يُجيد استثّمار الخبرات، محتضِّنا لكل الكفاءات!

30 أغسطس 2014

-----------------------------------------------------------------------
* http://www.alwasatnews.com/ipad/news-914089.html

بشر لكنهم كائنات طفيلية !! // أم علي



• للوقتِ قيمة عظيمة، الإحساس بضرورة استثماره أمر حتمي، الدنيا ليست للهو و"تطيير الطفش" بأي طريقة كانت ومهما كلف الثمن، فليس المهم أن يمر هذا الوقت سريعا دون أن يستثمر، فهذه غايةُ البلهاءِ الذين "يعيشون يومهم" فقط للعبث وإثارة الفوضى في تفاصيلِ أيامهم ليكونَ العمر سدى وهباءا منثورا.

• الشارع الحكيم في القرآن والسنة الطاهرة يحفز على انتهاز الوقت بما يعود على الإنسان بالخير، ثواني معدودة بإمكانها أن تجلبَ لك الثواب، الوقت كان ولا يزال خير منظم لكل تفاصيل حياتنا، قال صلى الله علية وآله وسلم: (اغتنم خمسا قبلَ خمس، حياتك قبل موتك، وشبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك).

• لا تكن كالنبات الطفيلي الضارِّ الذي يمتص غذاءه على حسابِ غيره من النبات طيب الثمرات، لا تكنْ من العاطلين الذين يضيعون أوقاتهم في غير عمل ينفعهم بذات الحجة "العقيمة" أنهم متوكلون على الله، هذه الحجة التي نعاني منها جميعًا، فهل نحن "المتوكلون" أم "المتواكلون" ؟!

اليوم.. أوقاتنا مهدرةٌ بإسرافٍ عجيب، لم نعدْ نعي بأن أبسط قيم التحضر الاهتمام بالوقت وتقدير قيمته.

• "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" عبارة حكيمة من يعي معانيها يصل لغاياته. حين يكون همك البحث عن ملذاتك دون السعي للعمل لإسعاد نفسك ورسم ملامح مستقبلك ستكون الحياة حتما كعجوز شمطاء فرَّتْ منها كل المشاعر وبقي لها التنفس وتجرع أيامها الأخيرة، حياةٌ فارغة من أي شي يجعلك في الصفوف الأولى بين المتميزين في أي مجال من مجالات الحياة.

• تصاب أحيانًا بفتورٍ في الهمة ونقصان في الدافعية لإنجاز أمر ما بسبب مفاهيمك الخاطئة عن النجاح والإنجاز والتي غالباً ما تتخيلها محصورة في عمالقة تظن بأنهم يمتلكون قدرات خارقة تدعم نجاحاتهم، وحقيقة الأمر تنطوي على غير ذلك. تنظيم الوقت هو السر في بروزهم وهو السبب في كون صورتهم بهذا الشكل في مخيلتك التي لا تحوي مخططات "لفلترة أفكارك" ومعرفة أولوياتك. ساعات اليوم طويلة وعديدة، حتما ستجد بينها فرصة سانحة لجدولة مشاغلك، تلك هي سنة الحياة ومن تركها لن يجد أمامه إلا طريقًا سريعًا للمكوث في الصفوف الأخيرة للأبد.

خارج الحدود.

•"نمرٌ مفترس أمامك.. خير من ذئب خائن وراءك" للأسف لمْ أعِ هذه العبارة جيدًا إلا منذ أيام فقط فالذئاب حولنا أينما نكون. لازم الواحد تكون عيونه (مفنجلة) على الآخر.

• "النفس تجزع أن تكون فقيرة، والفقر خير من غنى يطغيها، وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها" ترى هل نعي هذه العبارة جيدًا..؟!

• هناك قول لا أتذكر لمن ولكنه لا يزال في ذاكرتي "المحب الصادق: لا بد أن يقارنه أحيانا فرح بمحبوبه ويشتد فرحه به ويرى مواقع لطفه به و بره به وإحسانه إليه"  ترى هل نعرف للحب طريقا مثل هذا يا ترى؟

30 أغسطس 2014

التجنيس .. جريمةٌ لم يرتكبها النظام وحده! // أبو مقداد




البحرين اشتهرت قديمًا بوفرة الأيدي العاملة، شعبٌ حرفي بالدرجة الأولى وقد تلاحظُ هذا الأمر بوضوح في بعض أسماء عوائل الشَّعب الأصليّ في البحرين، مثل عائلة البنَّاء والصايغ والغوَّاص والسَّماك والزَّراع والجزَّاف والصَّباغ .. والقلاَّف والنَّجار والحدَّاد وغيرها العديد من العوائل التي ارتبطت أسماؤها بنوع مهنتها، وهذا إن دل على شيء سيدل على وفرة الأيدي العاملة وامتهان الأجداد للمهن الحرفية التي بنيَ من خلالها المجتمع بأكمله، فضلا عن اشتهار بعض المناطق بمهنٍ خاصة بهم كفخار عالي، ونسيج بني جمرة، وصياغة المحرق.

بتغيّرات معيَّنة، تتحول أغلب هذه العوائل وهذه الحِرَفُ لمجرد أسماء وتاريخ مالها في الحاضر غير أحفاد لا يعلمون سر تسميتهم بهذه الأسماء، فلم يعد الغوَّاص غوَّاصًا، ولم يعد النَّجار نجارًا، ومن المستحيل أن يبقى البنَّاءُ بنّاءًً، فقد تم عزل المجتمع عن مهنه الحرفية، وساهم نفس المجتمعُ بعزل نفسه عنها، واستسلم لوظائف الشركات الخاصة، وتسوُّل وظيفة حكومية من نظام قد يرفض سياسته، وقد يرفض وجوده، بمرتَّبات شهرية لا تساوي أتعابه ومسؤولياته طولَ الشهر، بعكس ما كان يصنعه الأجداد في الزمن القديم، حيث أن رزقهم محسوبٌ بمقدارِ تعبهم واجتهادهم، وصارت المهنة الشريفةُ هي التي يلبس صاحبها البدلات وربطات العنق، والعار لمن مازال عمله صيد السمك من البحر، فهذا حتى لن تقبله به امرأةٌ لو خطبها من أهلها!!

تخلينا تماما عن أصالتنا، وهذه المهن التي تشرفنا بوضعها قبل ألقابنا، صارت من مهام العمالة الوافدة فقط، فالبنَّاء الذي مازال محتفظا بمهنته، صار يرأسُ عشرة عمالٍ آسيويين، هم من يقومون بمهام البناء عوضًا عنه، حتى تحولت هذه العمالة والوافدة اليوم، لعصب البلد، فلو اختلت البحرين من العمال هؤلاء، لأصيب بنكسة شللٍ قد تقصم ظهرَ البلاد، لم تكن هذه خطة مورِسَت ضدنا فحسب، بل كانت خطةٌ نحنُ من صنعناها، ونحن من  عملنا على تنفيذها، حتى صار اليوم، الفخَّار مفخرة عالي يصنعه الآسيويون، والسمك يصطادهُ الآسيويُّون، والبناء مهنةُ الآسيويين، والشعب الحرفي، بات لا يعرفُ كيفَ تُمارسُ حرفته، حتى السوق الشعبية، التي بدأت بسواعد سكَّان البحرين وشعبها، تحوَّلت للسوق اليمنية وبامتياز، ولم تعد للشعبية فيها مكان، أيضا كذلك أسواقُ الأيام التي تتنقل في القرى كل يوم، لن تحتفظ بهويتها إن سمح باعتها للأجانب بالتوغل بينهم، أو إن تنازلوا لهم عن كبائنهم وسلموهم " الصنعة وسرها ". 

نحن أتحنا الفرصة للكثير من الجنسيات المختلفة في العالم، من اختراق أصالتنا هذه من البوابة الاقتصادية، وبرضانا، وأكثر من ذلك، فقد شهدنا العديد من المعاملات تتم عبر ما يُسمى بتأجير البطاقة السكانية ليتمكن التجار من الحصول على تأشيرات " ڤيزا" لجلب عمالة أجنبية حين اشترطت الحكومة نسبة بحرنة لبعض الوظائف، فها نحن نتفنن في تضييع أصالتنا ومكانتنا الاقتصادية، مُسهِّلين كل السهالات للأجنبي أن يقتحمَ مجتمعاتنا، ثم حين اخترقونا بكارثة التجنيس صرنا نصرخُ بالضرر؟!

عاملٌ مُشتركٌ بينَ مشكلة التجنيس السياسي، وبين المشكلة التي نتكلم عنها في هذا المقال، فالأولى تجنيسٌ يعتمدُ على منح الجواز ومميزاته كالسَّكن والوظيفه ويهدف لتغير ديموغرافية الوطن، أما التجنيس الذي نساهم فيه ونمارسه نحن، فهو تجنيسٌ بلا جواز، ويعتمدُ على بيعِ الهوية والتخلي عن الأصالة والتراث، لم تعُد البحرين اليوم صاحبة الأيدي العاملة كما الأمس، بل أصبحت الأيدي العاملة إما عمالا مستوردين، أو مواطنين معدمين من ضنك الفقر والحاجة، فاضطرهم الحال لأن يتحولوا لأيدي عاملة في المهن التي كانت أصلا هي مهن الأجداد الأساسية، فالتجنيس السياسي مشكلة تواجه الوطن ولا بد من وقفه ومحاربته، ولا أظننا قادرون على ذلك إن لم نوقف مد التجنيس الذي نمارسهُ نحن أيضًا، و حتى لو حلَّت الحكومة أزمة التجنيس السياسي، لن نتمكن من التخلص من عملية الاختراق الديموغرافي الذي قد نتعايش معه في الأيام القادمة .. للأسف.



همسة:
في الأزمة الأخيرة التي تسببت بفصل العديد من الموظفين في القطاع الخاص والحكومي، كنت أتمنى لو تم استثمار هذا الفصل للعودة لجادة المهن والحِرف، وتنشيط أيدي المفصولين العاملة، والبحث عن تسعة أعشار رزقهم المدخرة لهم في التجارة، ولكن للأسف الشديد كل الموظفين مصرين على العودة لوظائفهم، والتمسك بحقهم في عُشرِ الرزق فقط!

30 اغسطس 2014

Friday, August 22, 2014

سلسلة مقالات(3): العمل التطوعي والتطوير المستمر - استقطاب الطاقات // ز.كاظم

 
 
تطرّقتُ في المقال السابق للعمل التطوّعي وأهمية الاعتناء بالتوثيق وتطويره، وفي مقالي هذا أواصل الحديث عن جانب آخر يحتاج إلى التطوير المستمر ليمدّ العمل التطوّعي بالنشاط والحيوية.
 
أهمية جذب الطاقات الجديدة وتهيئتها وتدريبها...
 
في أحد المؤتمرات الإسلامية التي تُقام سنويًا في الولايات الأمريكية المتحدة جلس أحد أعضاء المنظمة المخضرمين مع شاب جديد يحدّثه عن المؤتمر وأنشطته.
 
دعني أعطي لمحة بسيطة عن هذا المؤتمر وبعدها أعرض عليك الحادثة.. يُقام هذا المؤتمر في وسط الولايات المتحدة كل عامٍ في أيام عطلة الكريسمس، يتم فيه دعوة محاضرين من الداخل والخارج من علماء دين ودكاترة وأخصائيين.. يستمر هذا المؤتمر لثلاثة أيام وأربعة ليالٍ في أحد الفنادق الراقية مع برنامج متكامل طوال اليوم يبدأ بصلاة الفجر وينتهي ليلًا بالبرنامج الليلي.. يتخلل المؤتمر الكثير من الأنشطة الثقافية المتنوعة من محاضرات وورش عمل كما وتقام فيه صلوات الجماعة إضافة إلى برامج الأطفال والشباب وبرامج ليلية ترفيهية من مسابقات ومسرح وأناشيد وغيرها.. يستقطب المؤتمر الكثير من الجاليات المسلمة من خليجيين ولبنانيين وعراقيين وايرانيين وغيرهم.. وإن أردتُ أن أشبّه الجو العام للمؤتمر بهو بمثابة حج صغير يعيش فيه الحضور خلال هذه الأيام القليلة أجواءً روحانية وثقافية واجتماعية قلّما توجد في هذه البلاد البعيدة.. ويتراوح عدد الحضور بين 700 إلى ألف شخص. وقد بدأ هذا المؤتمر السنوي منذ أكثر من ثلاثين عام.
 
هذا المؤتمر هو أحد أبرز الأنشطة التي تقوم بها المنظمة فهي إضافة لذلك تقوم بالمخيمات الصيفية وإصدار النشرات الثقافية والكثير الكثير من الأنشطة على مستوى المناطق المختلفة في أمريكا الشمالية وكندا. وكل هذه الأنشطة على اختلافها يقوم بها متطوعون أغلبهم من الطلبة المغتربين يشاركهم فيها الجاليات المسلمة المقيمة.

كان عامل الشراكة بين المخضرم والشاب الجديد هو فن الخط، فقد تعرّفا على بعض عن طريق الهاتف وقد تم تكليف الشاب الجديد بخط لوحة المؤتمر قبل سنوات وظلت العلاقة مستمرة بينهما. وفي عام 1994 حضر الشاب المؤتمر فاستثمر المخضرم وجوده أملًا في انضمامه للمنظمة للاستفادة منه كعضو دائم فيها، لكن كانت عند الشاب بعض التحفّظات على الالتحاق بهذا العمل التطوّعي إلا أن ذلك لم يثنِ المخضرم على تسخير الوقت الكافي معه أملًا في استقطابه.. كانا يتبادلان الحديث طوال الثلاثة أيام في أروقة الفندق، فقد كانت مهمة المخضرم الرئيسية استقطاب الطاقات الجديدة.. مر أحد المسؤولين عليهما -وقد حاول سابقًا استقطاب الشاب ولم يفلح- والتفت للمخضرم قائلًا: هذا عنيد جدًا لن تقدر عليه.. إلا أن المخضرم توفق في ختام الثلاثة الأيام من استقطابه.. ولا يزال هذا الشاب عضوًا نشطًا في هذه المنظمة بعد مرور عشرين سنة تقريبًا تقلّد فيها مسؤوليات مختلفة من مسؤول اللجنة الإعلامية إلى رئاسة المؤتمر.

استقطاب الطاقات وخلق الكوادر:

لعل أصعب المهام التي تواجه العمل التطوّعي هي استقطاب وخلق الكوادر والأصعب منها إبقائهم والمحافظة عليهم، والكثير من الأعمال التطوّعية خُنقت بسبب قلة الكوادر وعدم وجود برنامج تطويري تساهم في صقل كفاءاتهم ومهاراتهم. سأحاول أن أطرح بعض الأمور المهمة التي قد تفيد في استقطاب الكوادر وتطويرهم والمحافظة عليهم في النقاط التالية:

1. سيطرة فكرة: إن من أكبر العقبات في استقطاب الطاقات الجديدة للعمل التطوّعي هي سيطرة فكرة على أذهان القائمين على العمل التطوّعي والتي مفادها مَن أراد أن يتطوّع فليتطوّع ومَن لا يُريد فالباب يتسع جملًا. هذه العقلية تشكّل حاجزًا في استقطاب الطاقات الجديدة فهي ليست فقط غير قادرة على جذبها بل تساهم في الكثير من الأحيان في نفور الكوادر المتطوّعة. صحيح أن حب الانضمام للعمل التطوّعي يجب أن يكون نابعًا من نفس المتطوّع، إلا أن الكثير من الناس قد تحتاج للتشجيع والتحفيز على العمل التطوّعي بأسلوب راقٍ جذاب. على القائمين بالأعمال التطوّعية أن يعوا أن جذب الطاقات وتأهيلهم وتطويرهم لا يقل أهمية عن العمل التطوّعي نفسه. 
2. مسؤولية الاستقطاب وجذب الكوادر: تفتقر الأعمال التطوعية لمسؤولية الاستقطاب وجذب الكوادر الجديدة، بل أن أغلبها -عمليات الاستقطاب- تقوم على العمل الفردي بأساليب تفتقر لمهارة الاستقطاب مع عدم مراعاة اختلاف النفسيات والذهنيات لمَن يُراد استقطابهم نظرًا للاختلاف الطبيعي بين البشر، فهم ليسوا على مستوىً واحد بل نفسيات ومستويات وطبائع مختلفة. وهذه المسؤولية تحتاج أولًا أن تكون من ضمن التشكيلية التنظيمية للعمل التطوّعي، إذ لا بّد من تحديد متطلباتها وتكليف كادر متخصص يتقن فن التعامل واستقطاب الطاقات بأساليب مختلفة ومتنوعة. فلا يصلح أن تُترك هذه المسؤولية بدون أن تحدد معالمها ووظائفها وطريقة عملها، ولا يصلح كذلك إعطائها لمَن لا يمتلك مهارتها. 

3. فن التعامل: إن من أهم الأمور الواجب الالتفات إليها هو فن التعامل مع الآخرين لاستقطابهم للعمل التطوّعي، وفن التعامل مهارة تحتاج إلى تعلّم وتدريب وسعة صدر.



هناك دورات مهنية كثيرة تعني بفن التعامل بصورة عامة، إلا أن ما يُشكل تحديًا عند القائمين على العمل التطوّعي هو عدم وجود مقابل مادي للمتطوّع لتحفيزه، لكن هناك أمورًا كثيرة يمكن أن تُستثمر في جذب الطاقات الجديدة للعمل التطوعي أطرحها في النقطة القادمة.

4. ضرورة توضيح أثر العمل التطوعي على المُتطوّع: تُضفي الأعمال التطوّعية آثارًا كثيرة على المتطوّع فهي أولًا تخلق حس المسؤولية فيه وهذه من إحدى نِعَم العمل التطوّعي، وتكسيه أيضًا حالة من الارتياح النفسي لقيامه بخدمة المجتمع.. كذلك فإن العمل التطوّعي مهما كان صغيرًا أو كبيرًا ومهما اختلفت طبيعته، فإن المتطوّع يكتسب مهارة منه في تطوير ذاته وقدراته..


خذ على سبيل المثال التطوّع في توزيع وجبات الطعام في المأتم مثلًا فإن هذا العمل التطوّعي يكسب المتطوّع عدة أمور حسنة، منها: أهمية النظام، أهمية الوقت، فن التعامل مع الآخرين، .. إلخ. وهذه من مهمة القائمين على العمل التطوّعي في أن يُظهروا مزايا وحسنات العمل التطوّعي على المتطوّعين.

5. ضرورة تدوير المتطوّعين في الأعمال التطوّعية: آفة من آفات العمل التطوّعي أنّ من يقوم بمسؤولية ما فإنه يُستَهلك فيها حتى يحترق حرقًا، وهذه من أهم الدوافع التي تدفع بالمتطوّعين أن يتركوا العمل التطوّعي. لذلك تدوير المتطوّعين في الأعمال التطوّعية مهمٌ جدًا فهو من جهة يمنع الملل والضجر عند المتطوّع من أداء نفس المهمة لفترة طويلة، كما أنه يُكسب المتطوّع مهارات مختلفة بتدويره في أعمال تطوّعية متنوعة. 

6. أهمية وضع المتطوّع في المكان المناسب: هناك تمايز واختلاف طبيعي بين البشر، فهناك من يُتقن الإدارة، وهناك من يُتقن العمل، وهناك من له احتراف في جانب ما، فمن المهم جدًا أن يتم اختيار المتطوّع بحسب خبرته وقدراته وكفاءاته في المهمة التطوّعية المناسبة له، مع الأخذ بالاعتبار بالنقطة السابقة الذكر.

7. صقل المواهب والكفاءات: في أغلب الأحيان يتم سد الفراغ في مسؤوليات العمل التطوّعي بدون النظر إلى أهمية صقل مواهب وتطوير كفاءات المتطوّعين. وللتغلب على هذه المشكلة من المهم جدًا وضع برنامج تدريبي -نظري وعملي- للمتطوّعين لصقل مواهبهم وتطوير كفاءاتهم. وبالطبع فإن طبيعة البرنامج التدريبي تكون بحسب طبيعة العمل التطوعي، لكن هناك أمور مشتركة بين الأعمال التطوّعية من قبيل: فن التعامل، تنظيم الوقت، فن الخطاب والكتابة والتدوين، .. إلخ.

8. دورة تعريفية بالعمل التطوّعي: أحد الأساليب المهمة لجذب الطاقات الجديدة هي قيام القائمين على العمل التطوّعي بعمل دورات تعريفية بشكل دوري لطبيعة العمل التطوّعي يتم فيها طرح أهداف العمل التطوّعي، طبيعته، نبذة تعريفية عن الجهة المنظمة، نبذة عن الأعمال التطوّعية من مشاريع وبرامج،.. إلخ.

هذه الدورة التعريفية تساهم في إعطاء صورة توضيحية قد تزيل الإشكال عند بعض الذين يرغبون في الانضمام للعمل التطوّعي وتدفعهم للانضمام إليه.

استقطاب الطاقات الجديدة وتطويرها مهمة كبيرة ومسؤولية عظيمة لها الأثر المباشر على إمداد العمل التطوّعي بالقوة والازدهار والاستمرارية، وعليه من الضروري جدًا أن يولي القائمون على العمل التطوّعي الكثير من العناية والاهتمام بهذه المسؤولية والعمل دائمًا على رفد العمل التطوّعي بجذب وخلق الكوادر المتطوّعة وتطويرها. ولنا لقاء آخر مع جانب آخر من جوانب التطوير في العمل التطوعي، فإلى اللقاء.

22 أغسطس 2014

بلاء بلباس فضيلة // إيمان الحبيشي

 
 
منذ نعومة أظفارنا ونحن مطالبون بأن نكون أطفالًا مثاليين، لا يبكون حين يداهمهم الجوع، ولا تكفهرُّ وجوههم حين يحتاجون للنظافة، يقبلون بسعادة تقييدهم بحبال ضاغطة تخنق تمرُّد أياديهم وأرجلهم، يبتسمون حين يكون مزاج الأهل سعيدًا، ويكفون عن أي صوت حين يكون مزاج الأهل تعيسًا!!
 
ثم نكبر قليلًا، فنحبو ثم نمشي فنكون مطالبين بالابتعاد عن الأواني الخزفية، التي تزين ممرات شققنا الصغيرة، وأن نمتنع عن اللعب بالرمل في رحلاتنا الأسبوعية للحديقة، حتى لا تتلف ملابسنا، كما لا ننسى أننا مطالبون بالالتزام بالوجبات الصحية الثلاث، دون تمرُّد أو حتى محاولة اختيار!
 
حتى يشَّتد عودنا.. ونمضي في هذه الحياة إما تحت كنف أسرنا، أو بشيء من الاستقلالية لنربي أطفالنا، تمامًا كما رُبينا!!
 
هل من الطبيعي حقًا أن يبتعد الطفل عن كل أذى؟ أم أن الطبيعي هو أن يحاول الأطفال استكشاف كل ما يقع تحت أيديهم؟!
 
هناك فرق كبير يكمن بين ما نريده أن يكون، وبين ما يجب أن يحصل.
 
نريدهم أن يخطوا سريعًا دون أن يتعثروا.. والطبيعي أن يقفوا ليسقطوا، ثم ليحاولوا الوقوف مجددًا، حتى يتمكنوا من التخطي، فالمشي، فالركض!
 
من منا تحرر من مثالية التربية الخيالية، إلى طبيعته البشرية برشاقة؟
 
الكثير من الرجال والنساء، يعيشون ظروفًا اجتماعية أو اقتصادية أو وظيفية سيئة جدًا، مستسلمين لذلها وسياطها وربما عارها، لا يحملون في أذهانهم مجرد فكرة التغيير، لأنهم يعتقدون (أنَّ الله مع الصابرين)!
وتمر عليهم الأيام وهم حزانى، يعيشون على أمل معجزة إلهية قد تحصل حقًا، أو قد يدفنون تحت التراب ولم يأن موعد حدوثها، لتستنقذهم من البؤس إلى النعيم!
 
رجال كثروا أو قلوا، كان قدرهم زوجات سليطات مؤذيات، تحلن بين المرء ووالديه، يعيش حياته مخبئًا عنها محاولاته للتواصل معهما، درءًا للفتنة وإجتنابًا للمشكلات، إذ أن لشريكته حق عليه! وواجبه أن يتحملها وإن بأسلوب يؤدي لتماديها وقطيعة رحمه!!
 
فتيات كثروا أو قلوا، يعشن تحت كنف والد قاس، يمنعهن من الزواج ويبعد عنهن الأهل والخلان ممن يرفضون سياسته، بحجة أنه الأعرف بمصلحتهن، فيقبلن ويصمتن ثم تتوافد عليهن الوفود لتهنأتهن على طاعتهن لولي أمرهن!
 
فضائل كثيرة كالطاعة والصبر وربما الصمت، حولناها بسوء فهمنا، وسطحية قراءتنا لها، واستسلامنا لاستغلال الكثيرين لنا باسمها، حولناها لبلاء يلتفّ حول رقابنا، برضانا ليخنقنا..
 
الصبر فضيلة ليست في تحمل الوضع المؤذي الذي وجدنا أنفسنا فيه، أو حملتنا الظروف إليه فحسب، الصبر فضيلة أيضًا حين نتحمل مشقة درء الأذى عن أنفسنا، وحفظ كرامتنا، والاستماتة في انتزاع حقوقنا، ومجابهة الجميع من أجل تغيير واقع لا يرتضيه لنا الله، وقد منحنا حق وإمكانية تغييره. 
 
الطاعة فضيلة حين لا تكون قيدًا في معاصمنا، يقيدنا عن لذة الطاعة لله، وجميل استرضاء النفس فيما أتاحه لنا الإله، طلبًا لسمعة يكون عنوانها الصبر على الطاعة، في حين أن الإحسان هو العنوان الأقرب لطبيعتنا.
 
نحتاج أن نتعرف على طبيعتنا البشرية، وإمكاناتنا الشخصية، وما يريده لنا الله من العزة والكرامة حتى نمنع أنفسنا وآخرين من فرض خيارات نظن ويظنون أنها الأمثل، بينما في حقيقتها هي مخالفة للفطرة التي فطرنا الله عليها، مخالفة لما يريده الله لنا من أن نستعمل عقولنا وقوتنا الجسدية والعاطفية والذهنية، في سبيل أن نكون سعداء راضين قانعين، داخل إطار الطبائع البشرية وتحت درع الجهاد الأكبر للنفس الأمارة بالسوء، وفق قيم رسمها لنا الله حقًا، لا الأهواء ولا العادات ولا الجهل!
 
22 أغسطس 2014

الإمامُ جعفر الصّادق وحريّة التعبيرِ عن الرأي // أبو مقداد

 
 

لا يوجدُ في الشريعةِ الإسلاميّة حكمٌ أو بندٌ أو آيةٌ أو أي إشارة لمنع أي إنسان إبداء رأيه والتعبير عنه، أو قمعهِ وإسكاته لو أبدى رأيَه، بل جاءَ الإسلامُ ليكرّم الإنسان بحريّتهِ التّامّة في التعبيرِ عن رأيه، وما يجول في خاطرهِ من تساؤلٍ أو انتقادٍ أو إشكالٍ أو ما شابه، وبالرجوع للسيرة الطّاهرة للأئمّة المعصومين (ع)، سنجدُ العديدَ من المواقف التي يُستدلّ من خلالها على دعم الإسلام لهذه الحريّة، منها إشكالية بعض أصحاب الإمام الحسن المجتبى (ع) على صُلحه معَ معاوية، واعتراض كبار الشخصيات آنذاك على الحسين عليه السلام في خروجه لكربلاء، ومناظرة الإمام الجواد (ع) الشهيرة والتي استشكلت على عمق العقائد الإسلاميّة والشيعيّة، وأكثر من ذلك حثّ وتأسيس الإمام الصادق (ع) لمهنة الورّاقة والتي هي بمثابة عملية طباعة واستنساخ الكتب في زمننا الحالي، وخروج بعض المنحرفين عقائديًا مثل ابن الراوندي وكتابته في النقد والهجوم على عمق العقيدة وأركانها كإشكاليته على ركن التوحيد، إلا أن الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه كان يوجه لعدم مهاجمته والتعرّض له بل يحثّ على الرّد عليه فكرًا لِفِكر، ورأيًا لرأي، وكان يؤسس للبحث العلمي الذي يناقش الأفكار وينشّط العقول، ولم نجد في مدرسته العلمية وبقية سِيَر الأئمّة (ع) من طبّق الإسلام بقمعِ الآراء، إنما كان الإسلام يهذّب التعبير عن الآراء، ويكرّم الإنسان ويحترم عقله حين يقول "رحم الله من سمع القول فاتّبع أحسنه" وحين يقول أمير المؤمنين "أيها الكاتب ما تكتب محسوبٌ عليك / فاجعل المكتوبَ خيرًا فهو مردودٌ إليك".
 
من يسنّ نظامًا ما، ويكون النّظام ذا جودة عالية، ويأتي من ينتمي لاحقًا لهذا النّظام ويطبّقه بصورة مشوّهةٍ غير صحيحة، هذا لا يضرّ بصحة النظام، ولا يعني أن بالنظامِ خلل؛ إنما الخللُ في من طبَّقه، والتعميم بأن النظام هذا ومريدوه جميعهم مشتركون في هذا الخلل تعميم راديكالي تلقائيًا.
النظام الإسلامي كما جاء بهِ نبيّ الرحمة محمد صلوات الله عليه وعلى آله، وكما طبقه المعصومون عليهم السلام هو نظام الحياة السليم، والنظام الوحيد الذي لو طَبَّقهُ البشر بصورته الصحيحة كما طبّقها وبيّنها الأئمة (ع) لحُفِظت الأرض ومن عليها من كلّ شر وسوء، إلا أن إسلام اليوم بجزءٍ كبير يفقدُ صبغته الأصلية، وقلَّ من يطبقه بصورته السليمة، هذا لا يعني أن نتّهم الإسلام بالسوء، بل لا بد أن تكون هذه الحالة هي المحفِّزُ الأوّل كي ننهض جميعنا بالعودة بالإسلام لجادته الصّحيحة، والتمسّك بمبادئه ونظامه السّليم، لتدار الحياة كما شاء الله ونَظَّم.
 
نتّفق ونؤكدُ -كما الإسلام- على أن لا إشكال في أساس إبداء والتعبير عن أيّ رأي كان، إنما المشكلة التي نواجهها اليوم في هذا الإطار، والتي قد تنبئ بكارثة، هي أنّ حدود التعبير عن الرأي تجاوزت حدودها لحدِّ الوقاحة، وأصبح لا شيء فوق خطّ النقد والهجوم ولا يلزم التأدُّب في النّقد هذا، وقد يُسقَّطُ الوجيه، ويُفَسَّق الفقيه، ويُهان الكريم، تحت عنوان حرية الرأي والتعبير!!
 
حريّتك فيما تعتقد، حريّتك فيما تفكّر، حريّتك في توجّهك، حريّتك في كلّ شيء محفوظة بشرط أن تحترم حق غيرك في الإختلاف معك وأن لا تتعدّ حريتك على حريّة الآخرين، لأنها بهذا ستتحول من حرية وتعبيرٍ عن الرأي، لوقاحةٍ واعتداء على الآخرين، فحريتك ستتحول لوقاحة إن لم تؤمن من خلالها أن للآخرينَ حريةٌ أيضًا، وحرية رأيك ستكون قمعًا لحريّات الآخرين، إن اعتقدتَ أن رأيك هو الحقيقة المطلقة، والأهم من أن تملكَ رأيك الخاص وتعبّر عنه، هو أن تملك الأسلوب المهذب في إبدائه.

أضع بين يدي القارئ الكريم رواية ذهبية عن الإمام الصادق (عليه السلام) على أن أتعرض لمناقشتها في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى: 


في الكافي، ج2ص43- عن خادم أبي عبد الله -الصادق- (ع) قال: 
بعثني أبو عبد الله (ع) في حاجةٍ وهو بالحيرة أنا وجماعة من مواليه، فانطلقنا فيها ثمّ رجعنا مغتمين، وكان فراشي في الحائر الّذي كنّا فيه نزولاً، فجئت وأنا بحالٍ فرميت بنفسي، فبينا أنا كذلك إذا أنا بأبي عبدالله قد أقبل، فقال: 
قد أتيناك -أو قال: جئناك- فاستويت جالساً وجلس على صدر فراشي، فسألني عمّا بعثني له، فأخبرته، فحمد الله ثمّ جرى ذكر قومٍ، فقلت: جُعلت فداك!.. إنّا نبرأ منهم، إنّهم لا يقولون ما نقول. فقال (ع): يتولّونا ولا يقولون ما تقولون، تبرؤون منهم؟! قلت: نعم. قال: فهو ذا عندنا ما ليس عندكم، فينبغي لنا أن نبرأ منكم؟! قلت: لا، جُعلت فداك!.. قال: وهو ذا عند الله ما ليس عندنا؟.. أفتراه أطرحنا؟.. قلت: لا والله، جُعلت فداك!.. ما نفعل؟ قال: فتولّوهم ولا تبرؤا منهم.. إنّ من المسلمين مَن له سهمٌ، ومنهم مَن له سهمان ومنهم مَن له ثلاثة أسهم، ومنهم مَن له أربعة أسهم، ومنهم مَن له خمسة أسهم، ومنهم مَن له ستّة أسهم، ومنهم مَن له سبعة أسهم. فلا ينبغي أن يحمل صاحب السهم على ما عليه صاحب السهمين، ولا صاحب السهمين على ما عليه صاحب الثلاثة، ولا صاحب الثلاثة على ما عليه صاحب الأربعة، ولا صاحب الأربعة على ما عليه صاحب الخمسة، ولا صاحب الخمسة على ما عليه صاحب السّتة، ولا صاحب الستّة على ما عليه صاحب السبّعة".
 
22 أغسطس 2014

ترى ما الذي يحدث!!؟ // أم حسين

 
 
 
 
ما أغرب زماننا!!
فعلى الرغم من كل التطور الذي يلفّنا في كافة الأمور المعيشية والذي يفترض منها أن توفر لنا الراحة وتجعلنا نستمتع بهذه الحياة إلا أن معظمنا متعب ويبحث عن الراحة!!
 
أشعر أنني أعيش في دوامة لا تتوقف!! أين المتعة في كل ما هو جديد!؟ أوَليست الاختراعات وجدت لذلك!!؟ لنستمتع!!
 
لماذا فقدنا الحس بالاستمتاع!!؟ لماذا فقدنا قيمة الأشياء ولم نعد نشعر بالارتباط المعنوي مع ما نملك!!؟ لم تعد لنا ذكريات مع الأشياء، ترى هل سهولة الحصول عليها هو ما أفقدنا شعورنا بقيمتها!!؟ أم سرعة التطور الذي نعيشه والكم الهائل من التكنولوجيا!!؟
 
أنظر إلى نفسي وإلى أبنائي وإلى كل من حولي، الجميع مشغول، (بِزِي) إن كنتُ سأساير موجة التغيير الجديدة في المفردات!!

موجات قوية وجارفة تأخذنا معها بعيدًا عن موطننا الأصيل، بعيدًا عن قيمنا ومبادئنا ولأننا في وسط طوفان كبير من التغيير نعيش مندهشين لا مستمتعين.
 
والمؤلم أننا نفقد السيطرة على أبنائنا تحت هذا الطوفان!!
 
لفترة كانت تراودني تلك الأسئلة وفجأة بينما كنت أقرأ عن الذوق العام تفتحت أمامي آفاق واسعة وتراءت لي صورة ما يحدث بسهولة فكل ما يحدث هو جزء واحد لمخطط عالمي يسمى (العولمة) أُسِّسَ لتفريغ الدين من كل قيمه بحيث تبقى قيمة بأسمها أما باطنها فهو كالطبل فارغ.
 
سأتوقف بك قارئي العزيز عند عدة محطات لتتضح لك الصورة كما أراها.
 
المحطة الأولى: العادات والتقاليد
 
العادات في اللغة جمع عادة، وهو ما يعتاده الإنسان أي يعود آلية مرارًا وتكرارًا. وتمثل العادات النشاط البشري من طقوس أو تقاليد تستمد في أغلب الأحيان من فكر أو عقيدة المجتمع وتدخل العادات في كثير من نواحي الحياة.
 
الهدف من إنشاء العادات والتقاليد -وأتحدث عن الصحيحة منها- هو المحافظة على القيم الأخلاقية والمبادئ التي تعبر عن فكر وعقيدة المجتمع تنشئها كأسوار تحافظ على قيمة ما، تكرارها وجعلها تقليد وعادة يغرزها عميقًا في سلوكيات الأفراد لتصبح بعد فترة ثقافة مجتمع وباكتمال هذه المرحلة ينشأ ما يسمى بالذوق العام في المجتمع.
 
المحطة الثانية: الذوق العام
 
تعريف الذوق العام: اتجاه عام في المجتمع لتفضيل آداب لسلوكيات معينة من يخرج عنها يعتبر شاذًا. أي ما تعارف عليه في المجتمع أنه مقبول ومتبع وغير ملفت للأنظار من السلوك.
 
فما الذي يحدث!!؟
 
بواسطة الإعلام والإنترنت ووسائل أخرى كثيرة يتم خلق رأي عام عالمي تحت عدة مصطلحات فيختفى الذوق العام المجتمعي الناشئ من مبادئ وقيم المجتمع نفسه، فيتم الاستيلاء على ثقافتنا وتضييعها، فإما أن تواكب الذوق العالمي الموضة وإما أن تكون متخلف جاهل غير متحضر وشاذ. إعصار قوي بموجات تغيير أغرقتنا معها وما أن تختفي موجة حتى تأتينا أخرى وكل موجة تفرغ قيمة من قيمنا ومبادئنا، وعندما يتم التأكد على سحقها تبدأ موجة أخرى عملها، حركة مستمرة لسحق مبادئنا وأخلاقياتنا وإسلامنا.
 
لا تسألني ما الحل!!


فلست أعلم فأنا ما زلت أحاول أن أستوعب ما أعيشه..
 
22 أغسطس 2014