Friday, November 28, 2014

الحبر الأسود في الجمعة السوداء // ز.كاظم


 
بسم الله الرحمن الرحيم

 
في صباح يوم الأمس الجمعة فتحتُ التلفاز على قناة الأخبار لأشاهد أخبار هذا اليوم الذي يُعد أكثر الأيام شراءً في أيام السنة نظرًا للتخفيضات الهائلة التي تحدث فيه وهو ما يُسمى بـ الجمعة السوداء - Black Friday - اليوم التالي ليوم عيد الشكر الموافق آخر يوم خميس من شهر نوفمبر. الكثير من المحلات تفتح من الساعة الثانية عشرًا في منتصف الليل، وقبل ذلك بساعات ترى طوابيرًا طويلة واقفة انتظارًا لهذه اللحظة الحاسمة. تصدّر في نشرة الأخبار خبران أثارا انتباهي وأعادا عليّ حادثة مرّت قبل عدة سنوات أذكرها لاحقًا.
 
الخبر الأول كان لأحد الزبائن يهجم على أحد التلفزيونات المعروضة للبيع بتخفيض باهض جدًا مما استدعى رجل الأمن أن يطرحه أرضًا، في وجود حالة من الهستيريا التي تصيب الزبائن في اللحظة الحاسمة من فتح المحلات إذ أن بعض العروض المخفضة تكون من نصيب الأسرع والأسبق وربما الأشرس، في مشهد آخر لأحد الزبائن وهو يستلب بضاعة من يد زبون آخر. بعض المحلات تضع سلعًا مخفضة بدرجة كبيرة وبعدد محدود، فمثلًا عدد خمسين جهازًا من التلفزيونات بقيمة منخفضة جدًا، فالخمسون الأوائل من الزبائن السابقين الأولين هم المحظوظون من تلك التسعيرة.
 
أما الخبر الثاني فكان لامرأة لكمت رجلًا على وجهه عراكًا على دمية قيمتها المخفضة خمسة دولارات.. إضافة إلى هذين الخبرين هناك عدة مشاهد لحالة الفوضى والهمجية التي تصاحب هذا اليوم المميز خصوصًا في المحلات التي تكون عروض التخفيضات لديها مغرية جدًا.

ربما من أجل هذه السلوكيات السوداء سُمي هذا اليوم بالجمعة السوداء.. لا كما هو مُشاع بأنه اليوم الأول الذي يبدأ فيه الباعة باستخدام الحبر الأسود المعبّر عن الربح من المبيعات عوضًا عن الحبر الأحمر المعبّر عن الخسارة طوال أيام السنة، إذ في هذا اليوم يبدأ الباعة بتحقيق الأرباح من مبيعاتهم نظرًا لارتفاع معدل المبيعات بسبب قدوم أيام أعياد الميلاد.
 
هذان الخبران أعادا عليّ ذكرى إعصار "ريتا" في عام 2005 في ولاية تكساس. قبل أن يحلّ هذا الإعصار بعدة أيام، كنتُ مع أحد الزملاء في رحلة عمل في ولاية نيويورك، وقبل يومين من حلول الإعصار اتصل فينا رئيس العمل وطلب منا قطع الرحلة والرجوع فورًا لاتخاذ الاحترازات المطلوبة من ذلك الإعصار. هذا الإعصار جاء بعد شهر واحد من إعصار كاترينا (ولاية لويزيانا) والذي يُعدّ أكثر الأعاصير تدميرًا ودموية في تاريخ أمريكا. عند رجوعنا في المطار وحتى خروجنا إلى شوارع المدينة، كانت مدينة هيوستن كمدينة أشباح، ولكن ما إن وصلنا إلى الهاي وي الذي يأخذنا إلى مدينتنا إلا والسيارات -الخارجة من المدينة- لا تكاد تتحرك من شدة الزحمة.. تخيّل خمسة ملايين شخص خرجوا في وقت واحد هربًا من هذا الإعصار..
 
استطاع زميلي أن يخرج من تلك الزحمة ويأخذ شوارع داخلية توصلنا إلى مدينتنا، إلا أن هذه الشوارع لم تخلو أيضًا من الزحمة القاتلة.. مسافة ساعة واحدة في الأيام العادية أخذت منا تقريبًا خمس إلى ست ساعات.. الملفت للأمر أننا وقفنا عند محطة بنزين لتزويد السيارة بالبنزين، وهالنا منظر القذارة في تلك المحطة من فعل الناس الخارجة من المدينة هربًا من الإعصار.. حتى الحمام - أعزكم الله - تم تخريبه وقد تم خلع المناشف وتكسيرها.. تكلمتُ مع عامل المحطة فكان مذهولًا من طبيعة الناس الغير طبيعية في ذلك الظرف من سوء معاملة وتخريب وهمجية وفوضى.
 
ماذا يحدث للإنسان في تلك اللحظات التي يواجه فيها ظرفًا غير طبيعي؟
 
الأخلاقيات التي يمارسها الفرد إنما يتم ممارستها لوجود نظام خارجي وداخلي يُفرض تطبيقه على الإنسان. فالنظام الخارجي يتمثل في الأسرة، المجتمع، أو الدولة.. إلخ. فالإنسان لا يسرق خوفًا من عقاب السجن، والسائق لا يتعدى السرعة المحددة خوفًا من المخالفة المادية. الإنسان يمارس تلك الأخلاقيات لوجود نظام خارجي (قانون أو عُرف) يحدد ويقنن تلك الممارسات الأخلاقية. أما النظام الداخلي فهو القناعة والإيمان بمجموعة من القيم والمُثل التي يؤمن بها الإنسان فتصبح قناعات تنعكس أخلاقيًا على سلوكياته. فالإنسان المؤمن بأهمية النظام كنظام داخلي نابع من داخله يقف عند الإشارة الحمراء ولا يتعداها حتى لو لم يجد سيارة أخرى في الطريق وحتى لو لم تكن هناك كاميرا تصوّر حركة سيارته، أما الإنسان الذي يؤمن بالنظام الخارجي فهو يقف عند الإشارة الحمراء، وبمجرد غياب النظام الخارجي من كاميرا أو شرطي فإنه يقوم بقطع الإشارة الحمراء.
 
في أحد المحادثات مع إحدى الزميلات في المصنع كنّا نتحدث عن مسألة العثور على مبلغ من المال ليس له مالك كأن تعثر على مبلغ من المال في الشارع مثلًا. كانت قناعتها أنه من حقها أن تحوز على هذا المال نظرًا لأن المال ليس له مالك، ولأن القانون لا يجرّم هذا الفعل. أما رأيي فكان أن هذا المال ليس لي، وبالتالي لا حق لي فيه، سواء كان له مالكًا أم لم يكن، وسواء أقرّ ذلك الفعل قانون أم لا، إذ أن المال ما لم يكن عن طريق شرعي كأجرة على عمل أو أرث، فإنه لا حق لي في أخذه والاستحواذ عليه.
 
لا جدال حول أهمية وجود النظام الداخلي والخارجي لتنظيم علاقات وسلوكيات البشر، فكلاهما ضروريان إلا أنه كما يبدو أن أغلب أخلاقياتنا منتظمة بسبب قوة نفوذ النظام الخارجي فما أن يضعف هذا النظام -الخارجي- حتى يتجلى ضعف النظام الداخلي وقلة تأثيره على سلوكياتنا، كما حدث في تلك الأحداث السابقة.. فنظرًا للظرف الغير طبيعي من الحالة التي خلفها الإعصار وانشغال النظام الخارجي وضعفه عن ممارسة دوره بشكل طبيعي، ظهر ضعف النظام الداخلي عند الناس فقامت تتصرف بسلوكيات لا تقوم بها في ظل وضعها العادي عندما يكون النظام الخارجي قويًا وحاضرًا. تلك الحالة أيضًا كان بارزة في يوم الأمس لكثرة الناس وزحمتها وقلة وجود نظام خارجي ينظّم حركة الزبائن الكثيرة المزدحمة على البضائع. أضف إلى ذلك وجود عوامل أخرى من الانتظار والتعب والخوف التي تسيطر على الناس في الظروف الغير طبيعية تساهم في إضعاف النظام الداخلي أو على الأقل تبرير ضعفه.
 
تُرى، هل اختبرنا النظام الداخلي لدينا قبل أن نتعرض لظرف غير طبيعي فينكشف لنا ضعفه أو حتى انعدامه!
 
 
29 نوفمبر 2014

الفجوة القاتلة بين الأجيال // أبو مقداد

 
 
بملاحظة متوسط عمر الإنسان في عصرنا الحالي حوالي ٦٠ سنة تقريبًا، ينشأ الفرد عادةً بين جيلين أو ثلاثة على الأكثر، جيله وجيل أبيه وجده، ولكل جيل منهم أسلوبهُ وثقافته ونمط معيشته الخاص به، وغالبًا لا يتوافق بشكلٍ تام مع الجيل الآخر. هناك أشياء كثيرة تتغيّر بتغير الزمان، في ما يستحدثه النّاس من طريقة اللباس، والأكل والشرب، والتدفئة والتبريد، وطريقة الحياة، وطبيعة العلاقات الّتي يتحرّك فيها النّاس، وغيرها، هذه أمور تتغير.. هذا ما يؤكّده الإمام علي (ع) عندما قال: «ولا تخلّقوا أولادكم بأخلاقكم، فإنّهم خلقوا لِزَمانِ غير زمانكم». ليس من الضروري للأب أن يعوّد ابنه على عاداته وطريقته وعمله.
 
فالإنسان لديه طريقة في اللباس وفي الأكل، لأنّه عاش في زمن يحتاج إلى ما هو فيه، ولكن ولده يحتاج إلى طريقة مختلفة في الكلام والتخاطب، وفي العلاقات وفي الحياة. ليس من الضروري أن يكون الأبناء على صورة آبائهم في الأشياء المتحرّكة في الحياة..
وبالطبع ولا بد للإشارة هنا بمداخلة عرَضية بأن هذا الأمر يختلف مع المبادئ، لأنّ المبادئ لا تتغيّر، فحرام الله لا يتغيّر، لأنه لم ينطلق من حالة زمنية محدودة، حتى إذا تقّدَّم الزمن انتهت تلك الحالة، وكذلك الحلال لم ينطلق من حالة زمنية محددة، حتى إذا تغيّر الزمان تغيّرت تلك الحالة.
 
لذلك فحديثنا عن الأمور المتحركة، وأسلط الضوء في الحياة الاجتماعية هنا على بعض المشاريع التي يقودها المجتمع في تفعيل الحركة الإسلامية في المنطقة وأحاول من خلال هذا المقال أن أسلط الضوء على المشكلة وأسبابها والنتائج فالحل.
 
مرحلة الشباب العمرية ما بين الـ ٢٠ والـ ٣٥ سنة تقريبًا تكون غالبًا هي مرحلة ذروة عطاء الفرد، وقمة نشاطه وحيويته، قبل أن يبدأ في الخمول. طبعًا الإستثناءات كثيرة إلاّ أننا نتحدث هنا عن الحالة العامة. هذه المرحلة العمرية، في بدايتها تعاني من مشكلة رئيسية تعيقها في كل حراكها ونشاطها القادم، فالشباب في هذا العمر، يحتاجون لأن يبدؤوا نشاطهم من خلال إرثٍ تركَهُ لهم مَن سبقهم في ذات العمل، فيكملون من حيث انتهى السابقون، ويجرون الإصلاحات اللازمة التي تجعل العمل أو النشاط يلائمُ متطلبات العصر والجيل. ولكن المشكلة المتأصلة والمتجذرة عندنا بأن من يستلم منصبَ "رئيس" فهو حكم على نفسه بالرئاسة المؤبدة حتى يموت، وبذلك يفوّت الفرصة على الشباب الجدد أن يمارسوا إبداعهم وفق متطلبات العصر. ويظل الرئيس الخالد متصنمٌ في عرش رئاسته بذات النمط القديم الذي لم يعد يلبي الحاجة ويضطر الجميع لقبوله واحترامه لأنه إرادة الرئيس!!
 
فعلى سبيل المثال لا الحصر، الكثير من المآتم اليوم هي مآتم عوائل، البعضُ يسمى بشكل مباشر مأتم العائلة الفلانية، والآخر وإن لم يسمّى باسم العائلة فإدارته تحكمها العائلة الفلانية. على أية حال، فإن رئيس المأتم غالبًا يكون كبير العائلة والذي تخضع لسلطته كل شؤون المأتم الإدارية، والثقافية، والاقتصادية، وغيرها. فلو جاء أحد الشباب من أحفاده أو أبنائه ليضيف شيئًا ما في إدارة المأتم، أو ليصلح خللًا في سياسة المأتم، فإنه بالطبع لا بد أن يصمت احترامًا لرغبة الكبير. ولا يمكن لأحدٍ أن يفكر في تنحية هذا الكبير أو الرئيس مادام على قيد الحياة، لتبقى مسألة تطوير المأتم رهينةٌ بيد عزرائيل!!
 
وهذا مثالٌ لا حصر فيه وبالإمكان تطبيقهُ على كل المشاريع الثقافية، والشبابية، والأنشطة.
 
أينَ تقع المشكلة؟!
 
لنفترض أن الجد في أحسن الأحوال كان في عمر العشرين أي فترة شبابه في العام ١٩٦٥-١٩٧٠ ميلادية مثلًا، ومنذ ذاك الوقت وهو يمارسُ نشاطهُ الإجتماعي، بشتى صوره، فكيف سنتخيل أنه سيدير مشروعًا او مأتمًا في عام ٢٠١٤؟!
 
بالطبع سيديرها بذات العقلية التي مارسها منذ ٤٠ سنة وأكثر، وبالطبع هي لن تناسب شباب الـ ٢٠١٤.. ومن هنا تبدأ الفجوة القاتلة بين الأجيال، فلا الأول سيلبي طموح الثاني، ولا الثاني سيحصل على ما يرضيه من الأول. والمصيبة أن الشباب الذين يعانون من تسلط الآباء هم ذاتهم من سيمارس ذات التسلط على أبنائهم لاحقًا، مما سيكرس هذه العقلية الجامدة التي نتحدث عنها هنا.
 
بالطبع أن الآباء في المجتمع يشكلون عنصر خبرة مهم جدًا نتيجة تراكم التجارب، ولا يمكن الاستغناء عن هذا العنصر المهم، ولكن فرقٌ وشتان بين أن يمارس الآباء دور الخبراء، وأن يمارس دور المدراء.
 
فوجود الآباء والأجداد في مناصب الرئاسة والقرار في المشارع على حساب الشباب الواعي، سيكلفهم أولًا جمود المشاريع من التطوَّر والازدهار، ثانيًا سيتسبب في عزوف الكثير من الشباب عن المشروع ولو بعد حين.
 
إذًا ما الحل؟!
 
أتفهم جيدًا المزاج الحاد والصعب الذي يحمله كبار السن أحيانًا، وأتفهم إصرارهم على آرائهم وأفكارهم التي أصبحت باليةً بالنسبة لجيل الشاب، وأتفهم صعوبة كسر عادة اعتاد القدماء أن يمارسوها أو فكرة آمنوا بها، أتفهم ذلك ولكن المهم هنا التركيز على الزوايا المتاحة للتحرك وعدم إغفالها وإن صغُرت.. وعدم الاستسلام للزوايا التي يُشل فيها حراك الشباب.
 
أقول - والحديث للشباب هنا - صعوبة التغيير يجب أن لا تبعدك عن  فكرة التغيير أبدًا، فإن كنت عاجزًا عن تغيير أحدهم لسبب أو لآخر، فابدأ بنفسك بحيث أنك تحرص على أن لا يعاني الجيل القادم منك ما تعانيه أنت اليوم من الجيل السابق. ومَن يقول بأن تغيير الآخرين صعبٌ، فينبغي عليه أن يكون هو صاحب المرونة التي يتمكن من خلالها تغيير نفسه للأفضل. كما يحتاج الشباب فعلًا لإشاعة هذه الحالة بينهم وذلك لحماية الجيل القادم مما يعانيه هذا الجيل. فما يرفضهُ أبناء هذا الجيل لا ينبغي ممارسته مع الصغار، بدءًا من اليوم.
 
الأمر الثاني، لا بد من أن يجتهد الشباب في إقامة المشاريع الشبابية - شبابية، والتي تتناسب فعلًا مع هذا العصر ومتطلباته، وعدم الاكتفاء بما ورثه الآباءُ للشباب وحصر أنفسهم في الوقوف في الطابور القديم.
 
إن هذه المشاريع والمآتم والمنتديات وكل صرحٍ يُعنى بما نقوله هنا، يقع في مسؤليتي ومسؤوليتك ومسؤلية كل فردٍ متمكن من السير في هذا الطريق الرسالي، لذلك لا بد من المحافظة عليها وتنميتها وتقويمها باستمرار.
 
وعوضًا أن تكون بيننا وبين الجيل القادم فجوة، لا بد أن نجتهد لأن تكون حلقة وصلٍ نرشدهم ونُوجههم حسب ما نرى، ونترك لهم خيار حرية الاعتقاد.
 
 
29 نوفمبر 2014

خطيئة تمشي على قدمين // أم علي

 

لديه مثل ما لدينا من صفات خلقية وخُلقية غير أنه نكرة في المجتمع.. يلاحقه العار أينما ذهب وحل.. تتبعه العيون بنظرات مستفزة.. تثير ما بقي في نفسه من كرامة إنسانية بعد أن لطخت في ساعة غفلة ونزوة أعمت ذوي البصائر بصائرهم.
 
ماهي جريمته؟ ما ذنبه في أن يحمل جريرة غيره؟ وعلامَ تلاحقه فضيحة لم ترتكبها جوارحه؟ تلك أسئلة أخالها تتردد في ذهنه بحثًا عن إجابة لها، ولا يجد غير صفعات تلو الصفعات تجعله يرتد خائبًا يواري وجهه عن نظرات من حوله، ليبحث عمن يحتويه قلبًا وقالبًا.
 
اللقيط علامة استفهامٍ في جبهة مجتمعنا، ونقطة سوداء في صفحة كل علاقة غير سوية. وحكاية تبدأ من حيث ينتهي أبطالها دورهما.
 
اللقيط، ذلك المسمى التي تقشعر منه الأبدان وتستنكره العقول، ولكنه حكاية عن ألف حكاية، تدمي القلوب قبل العيون.
ما حكايته، ومن أين تبدأ أحداث قصته، أين دارت فصولها وأحداثها؟
متى كان زمانها وإلى أين انتهى بها؟ وهل حقًا انتهت حكايته بوجوده جسدًا بقلب ينبض، بعد أن ماتت قلوب أصحابه؟
 
خبرٌ أثار في نفسها انفعالًا بالغًا، أم تلقي بعارها بعد إن تخط بيدها جملة تعزي بها نفسها، وتسبقه بأسفها على تركها إياه، لتتلقفه الأيدي الحانية وتلوذ به إلى دار لرعايته ورعاية أمثاله.
 
ليست تلك الحادثة الأولى وليست الأخيرة طالما هناك قلوب ميتة وإنسانية محنطة لا تحس ولا تشعر.
 
بأي عقل نستطيع أن نستوعب مثل تلك القصص التي تفتق القلب حزنًا وكمدًا؟ وتستنكفه القلوب السليمة؟
وبأي مقال نستطيع أن نخاطب هذه وذاك بشنيع صنيعهما منطقًا وإنسانية؟
أي لذة تلك تخلفها صرخات طفل لن نعبأ به، وأي غريزة تلك تفقد صاحبها آدميته وإنسانيته ليركض خلف أصداءها مبتغيًا ارتواءً وهميًا ولذة ساعة يعقبها ألم وضياع؟
 
(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
 
ظاهرة مخيفة وإحصائيات مروعة تطالعنا بها الصحف يومًا بعد يوم عن لقيط التقط قرب قمامة! أو مسجد! أو في إحدى الأزقة الضيقة بعيدًا عن أعين البشر!!
 
هل أصبح الخوف النابع من بعض القلوب هو الخوف الناشئ من عقاب بشر تلاحقه في كل مكان؟
وأين الخوف من التي لا تنام عينه ولا تغفى؟ أين الخوف من الله جل شأنه الذي لا تخفى عنه خافية صغرت كانت أم كبرت؟
 
أأصبح الخوف البشري هو الذي يحرك الضمائر المتحجرة في لحظة ندم وأسف يجعل منها أن تلجأ لصنيع أفظع مما كان فقط لمجرد فضيحة؟!!
أسئلة تمور في الذهن ثائرة؟! لا إجابة لها إلا في عقول أصحاب ذلك الصنيع؟!
أي خزي هذا يلاحق الإنسانية اليوم؟! ومتى ستنهض تلك العقول من غفوتها؟!
تقول محدثتي، عرفته كريم الأخلاق، أبي النفس، رائع الشمائل غير إنه لقيط لا أب له ولا جد. حكايته موجعة تثير في قلبي تجاهه مزيدًا من العطف والرحمة والشفقة.. أشعر به جزءًا مني لا أستطيع الغنى عنه غير إني لا أستطيع محبته؟!
قلت لها ولِمَ: قالت: ألم أقل لك إنه لقيط!!!
كيف سينظر المجتمع لي أن اقترنت به؟! هل يقبل به أهلي وأنا من قبل بيننا؟!!
 
تفاطرتني الهموم بعد حديثها هذا! بأي جواب أقنعها ونفسي التي بجوانبي تقبل وترفض.
 
إن قلت ما ذنبه بجريرة أمه؟ أجابتني بأن العرق دساس يا أنتِ.
إن قلت: وهل حسابه كحساب واجداه؟ أجابتني (ولاتزر وازرة وزر أخرى).
 
إي مثالية تلك نتشدق بها، ونطحنها تحت أقدام الوجاهة الاجتماعية التي نؤمن بها.
نعم، إن كان ثمة مجتمعات تتعارك وتتصارع من أجل قبيلة تتعصب لها، فكيف بمن لا سند له ولا ملجأ سوى خالقه جلي علاه.
وإن نهض بنفسه وحقق لها مكاسب يتطلع لها كل امرئ، ستظل وصمة العار تلاحقه بمجرد ذكر اسمه؟!
 
اللقيط، متى ينتهي زمانه يا أنتم؟!
 
 
29 نوفمبر 2014

احترم ذاتي أتقبل نقدك // أم حسين

 

تنقلتُ كثيرًا بين قاعات الدراسة كمحاضرة.. تصفحتُ فيها وجوه مختلفة تنوعت بداخلها الشخصيات بين براءة الطفولة وتهور الشباب وسعة صدر الآباء والأمهات.. لمحتُ بينها أنفس تألقت بالمرح والتفاؤل فكانت مضيئة كالنجوم على الرغم من كل الظلام الذي يحيطها، فقضاء ساعة مع كفيف تهبك نظرة أخرى إلى الحياة.
 
كل تلك السنوات والمحاضرات والشخصيات أعطتني الخبرة الكافية في مجال عملي، فتأهلت لأشارك مع زميلتين مسئولية دورة جديدة. بدأت الدورة، انقضى الشهر الأول تم استدعاء مدربة متخصصة لتقييمنا، شعرت إحدى زميلاتي بضيق، لم تصرح لي هي بذلك ولكنني استشعرته لكثرة أسئلتها عن الهدف من التقييم وأهلية المدربة ووو.
 
حضرت المدربة محاضرة لكل واحدة منا، تم التقييم، عقد اجتماع لأعلامنا بالنتيجة، استغرق الاجتماع ساعة أمضينا 45 دقيقة منه نستمع إلى تبريرات زميلتي ذاتها لكل انتقاد سلبي يوجه إليها، حتى ارتفع صوتها في محاولات مستميتة لإقناع المدربة ومن معها بما تعتقد، وانتهى الاجتماع بانطباع سيء جدًا عن تقبلها للنقد جر خلفه تقييم آخر لشخصيتها ودوافعها لهذا الهجوم.
 
بعد أن هدأت فاجأتني بسؤال:
 
كيف استطعتِ تقبل النقد الذي وجه إليك؟
 
فكانت إجابتي عفوية: (أنها مجرد كلمات أخذتُ منها ما يفيدني للتقدم والتطور ولذلك استحقت الشكر والامتنان مني).
 
تأسفتُ كثيرًا وتمنيت لو أنني تريثتُ في إجابتي والتي قد تكون في مقام النقد لحالتها الشعورية إزاء ما حدث ولكن بشكل غير مباشر. صادف في ذات اليوم مساءً استماعي إلى محاضرة السيد محمد العلوي على قناة المعارف استوقفتني جملة مرتبطة بما حدث نهارًا وهي:
 
(ليس هناك نقد بناء ونقد هادم فكل النقد بناء ولكن ما يحدث أننا لا نستطيع أن نفصل بين نقد الفكرة والشخص).
 
شدني أسفي لكل ما حدث نهارًا وكلام السيد العلوي إلى البحث عن عملية النقد بشكل أعمق..
 
فوجدت أن الخلط بين الشخص والفكرة، والشخص والموقف عنوان رئيسي تتشعب منه أمورًا كثيرة تشترك في خلق حالة عدم تقبل النقد.
 
أسلوب النقد، بيئة النقد، الهدف من النقد، خلفية العلاقة التي تربط الطرفين، جميع تلك الأمور تؤثر على النقد بشكل مباشر. فحتى لو أننا استطعنا الفصل بين الفكرة والشخص فإننا نحتاج إلى توجيه ودفع عواطفنا وتفكيرنا إلى الجانب الإيجابي دائمًا، فما النقد إلا عملية اتصال نحتاج فيها إلى التحرر من تأثير تلك العوامل لجعلها عملية اتصال فاعلة.
 
قام أحد المراكز النفسية بتوزيع استبيان كان الغرض منه دراسة الأسباب النفسية التي تؤدي إلى خلق حالة عدم تقبل النقد، ومن أهم الأسئلة:
 
- لماذا تجد صعوبة في تقبل النقد؟
 
فكانت الإجابات:
1- لأنني أشعر أن النقد شيء سلبي.
2- لأنني أشعر أن النقد يعني أنني ارتكبت خطئًا ما ويجب على أن أتغير.
3- لأنني أشعر بأنني لست جيدًا كما أرى نفسي.
4- إنه يظهر عيوبي.
5- إنه يعني أنني لا أقوم بعملي جيدًا.
 
الإجابات كلها تؤكد على ارتباط النقد بالذات بشكل مباشر ومن الطبيعي أن تتولد حالة الرفض في ظل تحقق كل ما تم ذكره في عملية النقد.
 
ومهما رفضناه لن يتوقف فهو عملية مستمرة ولن يوقفها مستوانا الثقافي أو العلمي وسنتعرض له شئنا أم أبينا فنحن بين خيارين: الاستمرار في حالة الرفض والتأثير على ذاتنا أو إيجاد حالة من الألفة بين أنفسنا والنقد.
 
لخلق تلك الألفة يقول علماء النفس علينا استبدال تلك المشاعر السلبية بنقيضها الإيجابية وتعزيز وجهة النظر للنقد عبر عدة خطوات:
 
1- كتابة عبارة إيجابية عن النقد وجعلها أمام عينيك في العمل والبيت مثال:
(لأطور عملي وأطور نفسي عليّ أن أستفيد من خبرات الآخرين من خلال تقبل النقد).
(النقد عبارة عن معلومات يمكن أن تساعدني على تطوير أدائي).
(النقد عبارة عن تعلم مهارات ومعارف جديدة)
 
2- حث الآخرين على تقديم مقترحاتهم إزاء أي عمل تقوم به.
وبما أن عملية النقد عملية اتصالية فأدوارها متقلبة فكما قد تتعرض للنقد قد تكون ناقدًا أيضًا.
 
كناقد تحتاج إلى وضع خطة تتبعها اسأل نفسك قبل أن تنتقد أحدهم:
1- ما الذي أريد ايصاله للآخرين بالضبط؟
2- ما الذي أريد تغييره؟
3- ما دوافعي لإظهار النقد؟ واحذر النقد للانتقام.
4- ما الحلول والأهداف والاقتراحات التي يمكن أن أعرضها؟
5- كيف أساعد الطرف الآخر على التطور وتجاوز السلبيات؟
 
احرص أن يكون نقدك بعيدًا عن المساس بشخصية الآخر أو كرامته.. انتقي كلماتك ووقتك وانتبه كثيرًا للغة جسدك.. ابدأ بالإيجابيات وذيل السلبيات بطرق علاجها.. وتجنب المقارنات التي تحط من قدره لذاته.. وتجنب أن تضع النقد في قالب الصح والخطأ.
 
ختامًا تذكّر بأن ما ستقوله سيؤثر في احترام الإنسان لذاته فعزز احترامه لنفسه وذاته بعكس صورته بطريقة إيجابية.
 
 
29 نوفمبر 2014

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها(5) - "النظرة الشيوعية للعائلة والروابط الاجتماعية" // محمد علي العلوي

 
 
إلى أي مدى وإلى متى تؤثر (الفطرة) في أقرب العلاقات (الإنسانية)؟
على ماذا تقوم العلاقات في المجتمع؟ وحتى علاقة الأم مع ابنها؟
هل يُمَثِّلُ الأبوان البعد البرجوازي في العائلة، والأبناء البروليتاريا؟
 
يقول الحزبُ الشيوعيُّ في بيانه: "أتأخذون علينا أنَّنا نُرِيدُ إلغاء استغلال الآباء لأبنائهم؟ هذه جريمة نعترف بها، لكن تقولون إنَّنا، بإحلال التربية المجتمعية محلّ التربية البيتية، نقضي على أكثر العلاقات حميمية".
 
ثم يقول: "أليس المجتمع هو الذي يحدِّدُ تربيتكم أنتُّم أيضًا؟ ألا تحدِّدُها العلاقات المجتمعية التي تُرَبَّونَ في إطارها؟ ألا يُحَدِّدُها تدخل المجتمع المباشر وغير المباشر بواسطة المدرسة، إلخ..؟ فالشيوعيون لا يبتدعون فعل المجتمع في التربية. إنَّهم فقط يُغَيِّرُون خاصيَّتَه وينتزعون التربية من تأثير الطبقة السائدة".
 
ثَمَّة خيوط غاية في الدِقَّة تفصل بين مفاهيم غاية في الخطورة، ونحن في حاجة بالفعل إلى المبالغة في مراعاة الموازين العلمية في تحليل الرؤية الشيوعية.
 
ترى الشيوعية أنَّ الأسرة انعكاس طبيعي لا بُدِّي لِقِيَمِ وسُلوك المجتمع، ومن هنا فإنَّ الطبقيَّة في الخارج هي هي في الأسرة ولكن بقالب يناسبها، فالعلاقات الأسرية موجهة بحسب موازين التسلط واستغلال الأقوى للأصغر، ولا دخل للطبيعة أو الفطرة أو أيِّ شيء آخر في تحديد وتوجيه هذه المعادلة، فهي وبِكُلِّ بساطة، المجتمع في صورة من صوره التحليلية، وعندما يبدي البرجوازيون انزعاجهم من حديث الشيوعيين عن الأسرة بشكل عام والمرأة بشكل خاص، فليس ذاك إلَّا لاستشعارهم خطر انهيارهم الذي تلوِّح به الشيوعية بالحديث حول الأسرة.
 
عندَّما تتحدث الشيوعيَّةُ عن (إشاعة المرأة)، فهي في الواقع غير ناظرة إلى أصل قضية البغاء، فالأمر لا يهُمُّها على الإطلاق، ولكِنَّ المهم في الأمر أن لا تكون (إشاعة المرأة) نتاجًا للبرجوازية؛ فاتِّهام البرجوازية للشيوعية بأنَّ هذه الأخيرة تدعو لـ(إشاعة المرأة)، اتِّهام يثير سخرية الشيوعية؛ إذ أنَّ المرأة في المجتمع البرجوازي (مشاعة) بالفعل، ولكنَّهم (البرجوازيون) يريدونها هكذا تحت تروس الآلة البرجوازية؛ ولذلك فإنَّ الموقف المعارض للبرجوازيين من (إشاعة المرأة) هو كسابقه في قضية (إلغاء الأسرة).. إنَّه الخوف على البرجوازية من الانهيار!
 
أنقل إلى القارئ الكريم مقتبسًا مهِمًّا جِدًّا من كتاب (الشيوعية والأسرة) للشيوعيَّةِ الروسيَّةِ الثائِرَةِ: ألكسندرا كولونتاي (1872-1952)، وأرجو قراءته بدقة تحليلية فاحصة:
 
"إلغاء البغاء:
 
إنَّ البغاء هو ابن النظام الاقتصادي السائد وابن مؤسسة الملكية الفردية. وما أن تلغى هذه المؤسسة، حتى تزول تجارة النساء من تلقاء نفسها.
 
من هنا، فلا يُخِيفَنَّ المرأة العاملة أنَّ الأسرة، في شكلها الراهن، سائرة إلى زوال، لا محالة. فالأحرى بها أن تحيي انبلاج فجر مجتمع جديد، يحرِّر المرأة من العبودية المنزلية، ويخفِّف عنها أعباء الأمومة، ويمهد السبيل أخيرًا أمام إلغاء البغاء – أبشع النكبات التي بليت بها النساء.
 
إنَّ المرأة المدعوة للنضال من أجل القضية الكبرى – قضية تحرُّر البروليتاريا – ينبغي أن تدرك أنَّ الدولة الجديدة لن تقبل بالانقسامات السخيفة من النمط الذي كان سائِدًا من قبل: (هؤلاء أطفالي أنا. وأولئك أطفالك أنت أو أطفال الجيران. وأنا لست معنية بهم. تكفيني مصائبي).
 
إنَّ الأمَّ العاملة، الواعية لدورها الاجتماعي، سوف ترتفع من الآن فصاعِدًا إلى مستوى لا فارق فيه بين ما هو لها وما هو ليس لها، فتُدرِك أنَّ الأطفال هم أطفالنا نحن، أطفال الدولة الشيوعية، وأنَّهم ملك مشترك لجميع الكادحين.
 
تحقيق المساواة الاجتماعية بين الرجال والنساء:
 
لا بُدَّ للدولة العمَّالية من أنَّ توفر شكلًا جديدًا للعلاقات بين الجنسين.
 
إنَّ العاطفة الأنانية الضيقة التي تكنُّها الأمُّ لأطفالها يجب أن تتسع لتشمل جميع أطفال الأسرة البروليتارية الواسعة.
وعلى أنقاض (الزواج الذي لا ينفصم)، القائم على استعباد المرأة، سوف يقوم الاتِّحاد الحُرُّ بين الرجل والمرأة، يعزِّزُه الحُبُّ والاحترام المتبادلان بين مواطنين من مواطني الدولة العُمَّالية، متساويين في الحقوق والواجبات. ومكان الأسرة الفردية الأنانية، سوف تقوم أسرة العمال الكبيرة الشاملة حيث الشِغِّيلة، رجالًا ونساءًا، هم فوق كُلِّ شيءٍ أخوة ورفاق.
 
هكذا ستكون العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمع الغد الشيوعي، وهي علاقة ستضمن للإنسانية كافة المباهج التي يوفرها ما يسمى (الحب الحر)، عبر تحقيق المساواة الاجتماعية الحقيقية بين المرأة والرجل، وهي مباهج يعجز عن توفيرها المجتمع التجاري في ظل الرأسمالية.
 
افسحوا المجال أمام الأطفال المترعرعين، المتفجرين صحة وعافية!
افسحوا المجال أمام شبيبة ممتلئة حيوية ونشاط، متعلقة بالحياة ومباهجها، حرة في مشاعرها وعواطفها!
 
تلك هي شعارات المجتمع الشيوعي..
 
فباسم المساواة والحرية والحبِّ نهيب بكافة العاملات والعمَّال والفلَّاحات والفلَّاحين أن يضطلعوا، بجرأة وإيمان، بمهمَّة إعادة بناء المجتمع البشري باتجاه مزيد من الكمال والعدالة، وزيادة قدرته على أن يؤمِّنَ للأفراد السعادة التي يستحقون.
 
إنَّ راية الثورة الاجتماعية الحمراء، التي تنطلق من روسيا لترفرف على بلدان أخرى في العالم، إيذانًا لنا باقتراب (الجنة على الأرض) التي تحلم بها البشرية منذ قرون".
للمراجعة:https://www.marxists.org/arabic/archive/kollontai/1920/communism_and_the_family.htm#16
 
لا زلت أمسك نفسي عن التدخل بما من شأنه توجيه الأفهام لهذه النصوص الشيوعية، ولكنَّني وبكل صدق أدعو لقراءتها قراءة دقيقة ثمَّ النظر إلى واقعنا الثقافي ومشاربه، وإلى أين نتَّجه بحسب ما هو قائم فعلًا من مقدمات..
 
ويبقى سؤالان أطرحهما الآن وفي خاتمة كل حلقة من حلقات هذه السلسلة:
 
بأيِّ عينٍ وثقافةٍ ونَفْسِيَّةٍ ورُوحيَّةٍ نقرأ كتابَ الله المجيد وأحاديثَ المعصومين (عليهم السلام)؟
 
هل نحن على الطريق الصحيح أو أنَّنا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟
 
 
29 نوفمبر 2014

تأثيرُ مقدماتِ الزواجِ عليهِمَا // محمود سهلان

 
 
عندما يصلُ الإنسانُ ـ رجلًا كان أم امرأة ـ إلى سنٍ ما، لعلّه عندَ البلوغ، فإنّ حاجاتِه الاجتماعيةِ والعاطفيةِ والغريزيةِ تبدأُ بالظهور، فيبدأ بالبحث عمّا يسدُ كلَّ هذه الحاجات. ومن الواضحِ أنَّ كلًا منهما لا يجدُ ما يريد إلا في الآخر، فالرجلُ يحتاج للزواج من امرأة، والعكسُ صحيح.
 
تبدأ المراحلُ الأولى التي تسبقُ الزواج متشابهةً بين الجميع، على اختلافٍ طفيفٍ من شخصٍ لآخر، فإنَّ الغالبَ في مجتمعنا هو حالةٌ واحدة، وهي أنْ يبدأَ الرجلُ في البحثِ عن زوجة، ثم يأخذُ موعدًا لمقابلةِ ما قبل العقد، وفي حال الوصول لاتفاقٍ ينتقل الطّرفان للمراحلِ التالية، حتّى يتمَّ العقد، وتمرَّ فترةُ الخطوبة، ثم يتمَّ الزواجُ حسب المتعارف.
 
فلنقفْ هنا لنتسائل، هل فترةُ وطريقُة التعارفِ بين الزوجين كافيةٌ ومناسبة؟ أم لا؟ وهل فترةُ الخطوبةِ ـبمميزاتها الخاصةـ كافيةٌ للزوجين لأنْ يتعرفا على بعضهما؟
 
بالنسبة للتعارف ما قبلَ الزواج، فما جرتْ عليه العادة فلا أظنّه كافيًا ليفي بالغرض، فهو في نظري لا يتعدى تعرفَ كلِّ واحدٍ منهما على الآخرِ تعارفًا بسيطًا، يأخذان عن طريقِهِ فكرةً بسيطةً عن شريكِ الحياةِ المحتمل، فمقابلةٌ واحدةٌ أو اثنتين لا شكّ أنَّها غيرُ كافيةٍ ليحصلَ التعارفُ والانسجام، وأنا هنا لا أدعو لشيءٍ جديد في مقابلِ هذه الأعراف، إنّما أريدُ تبيانَ بعض الأمور على نحو المقدمة. أمّا مميزات الخطوبةِ ففي الكثيرِ منها لا يتحققُ التعارفُ والانسجام، خصوصًا وأنَّ الطرفين يعيشان نشوةً وفرحًا، ويسعيانِ لكسبِ بعضهما، ما يؤدي غالبًا لعدمِ وضوحهما مع بعضهما، خصوصًا مع محاولة كلِّ طرفٍ إخفاءَ معايبه، ومع خوفِ زعلِ الشّريك، لذلك فالانسجامُ المطلوب لا يتحققُ في هذه الفترة، وإنْ تحقَّقَ شيءٌ فإنّه لا يكونُ أكثرَ من معرفةٍ جزئيةٍ من كلِّ طرفٍ للآخر، خصوصًا وأنّ التجربةَ جديدةٌ لكليهما.
 
أضفْ إلى ما مضى أنَّ هذين الشريكين عاشَا في بيئتين مختلفتين، وتربَّيا على يدين مختلفتين، فلكَ أنْ تتخيلَ ما يتجاوز العشرين عامًا من العمر أو أكثر عادةً، كم من الاختلافات يمكنُ أنْ تحدثَ فيها بين هذين الفردين، فتتكونُ لدى كلِّ واحدٍ منهما ثقافةً خاصّةً به، وأسلوبَ حياةٍ خاصٍّ به، ثمّ يلتقيان في علاقةٍ مقدسة، وهي تجربةٌ جديدةٌ كما هو واضح.
 
أظنُّ أنّ ما ذكرته من مقدماتٍ كافٍ لبيان أنّ الصعوباتِ وسوءِ الفهمِ في الحياةِ الزوجيةِ واردة، بل لا بدّ منها، فما كانت تتخيّلُه الزوجةَ فارسَ أحلامِها، لمْ تجدْ فيه الصفات التي كانت في مخيّلتها، وهو كذلك لم يجد المرأةَ التي أرادَها، وقد تناسيا ـ علاوةً على ما ذكرتُ ـ أنّ الشريكَ ليسَ معصومًا، وليسَ إنسانًا كاملًا، ولا بدّ أنْ تعتريهِ بعضَ النقائص، ولا بدّ أنّ يكونَ فيهِ العديدُ من الصفاتِ والعاداتِ مما تختلفُ عمَّا عندي، ومن المؤكدِ حدوثُ سوءِ الفهمِ والمشاكلَ بين أيّ زوجين، فهذا أمرٌ طبيعي.
 
إذن ما هو الحل؟
 
الحلُّ أنْ يحاولَ كلُّ طرفٍ أنْ يفهمَ الآخرَ، وأنْ يعملا على خلقِ حالةٍ من التفاهمِ والتوافقِ بصدق، وأنْ يسعى كلُ واحدٍ منهما لمساعدةِ الآخر للتخلص من سلبياته، وتقويةِ ايجابياته والإضافةِ إليها بحبٍ ومودة، وأنْ يجعلا ما ذكرتُ من مقدمات في الحسبان. بالاضافةِ إلى ذلكَ على كلِّ طرفٍ أنْ يبتعدَ عن التصيُّدِ على الآخر، وجمع زلاتهِ، بل عليه مداراةُ صاحبه ما أمكنَهُ ذلك، بدلًا من المشاحناتِ والغضب.
 
الحلُّ في يدِ الزوجين، لا في يدِ أحدٍ آخر.
 
هذه كلماتٌ بسيطةٌ كتبتُها، لأنني أتصورُ أنّها الأساسُ نحو الحفاظِ على حياتِنا الزوجية، وهي ليستْ كلَّ شيء، إنّما بعضُ الأساسيات مما نحتاجُ لأنْ ننظرَ فيه، ولا نتغافلَ عنه.
 
همسة: الحبُّ الحقيقي لا يكونُ عادةً إلا بعدَ الزواج، وقد يتطلبُ ذلكَ عدَّةَ شهور، بل عدَّةَ سنوات، فكنْ صبورًا.
 
 
٣ صفر ١٤٣٦ هـ

Friday, November 21, 2014

ابتسم فأنت رهين الابتلاء // ز.كاظم


بسم الله الرحمن الرحيم

دوج مورس أحد المهندسين المخضرمين في مصنعنا تعدى عمره الستين عامًا لكنه لا يزال في أوج نشاطه، فتراه منذ الصباح الباكر في المصنع يعمل بنشاط أكثر حيوية من شاب في العشرين من عمره.. ويواصل نشاطه طوال اليوم ويخرج من العمل متأخرًا تقريبًا في كل يوم. يشرب القهوة طوال اليوم ويدخن كثيرًا ولا يأكل غداءً إلا قطعتين من الحلوى.. في الأسبوع الماضي غاب فجأة فعرفتُ بعدها أنه سافر إلى ولاية ثانية بسبب أن ولده الأكبر يخضع لعملية سرطان في القولون. ولده لا يدخن وعمره في حوالي الأربعين. عندما رجع من زيارته استعلمتُ منه عن صحة ابنه فلم يكن الجواب مطمئنًا مع نجاح العملية إلا أن السرطان وصل إلى أجزاء في جسمه تعدت القولون ولم يستطع الطبيب المعالج أن يواصل في استئصال السرطان من تلك الأجزاء إذ كانت الخطورة كبيرة على حياته. كانت نبرة دوج حزينة ونفسيته مضطربة، إلا أنه بعد عدة أيام عاود نشاطه وحيويته مرة أخرى.

المفارقة في هذه الحادثة هو الابتلاء الذي أبتلي به الابن ما المفترض به أن يُصاب به الأب نتيجة تدخينه وعدم اعتنائه الجيد بأكله وصحته، ولله في خلقه شؤون. إلا أن ابتلاء الأب بمصيبة ابنه ليست بالهينة أيضًا. 

يعجز الإنسان أن يفسر الكثير من الابتلاءات التي تصيبه في نفسه وفي ماله وعياله مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكثير من الأمور الضارة التي يمارسها الإنسان لها تأثير مباشر على حيازة الإنسان لهذه الابتلاءات، إلا أن الابتلاءات بأشكالها المختلفة تظل دائمًا مرافقة ومصاحبة للإنسان. بعد أسبوع واحد سيأتي صديق عزيز لدي جمعتني إياه صداقة أيام الجامعة ولا تزال مستمرة حتى هذا اليوم. قد أبتلي هذا الصديق -وهو فلسطيني- بزوجة أمريكية -مسلمة- أنجب منها خمسة أطفال وعاشت معه ردحًا من الزمان في فلسطين، إلا أنه في نهاية الأمر هربت بالأطفال ورجعت لأمريكا لتعيش علاقة غير شرعية مع رجل أجنبي ولترجع لدينها السابق وتدخل الأطفال في المسيحية بعد أن كانوا مسلمين، وقد قامت بزرع الكراهية في نفوس الأطفال على أبيهم..

دارت الأيام وطلقها هذا الفلسطيني وحكمت المحكمة برعاية الأطفال عند هذه الأم، فتزوجت هذا الأجنبي.. لتدور عجلة الزمن ويأتي صديقي الأسبوع القادم -لأنها تطلقت من زوجها الأجنبي الذي كان يُسيء معاملتها- ليرى كيف يصنع مع أولاده الذين بلغ أكبرهم عمر الرشد، في محاولة من محاولاته اليائسة في ارجاع أولاده إلى حضن الإسلام. ومع أن هذا الصديق قد تزوج من ابنة عمه من فلسطين وأنجب منها أطفال، إلا أنه لا يزال يعيش الابتلاء مع أطفاله من مطلقته الأمريكية ويحاول أن يبني جسورًا طالما هدمتها مطلقته..

وهكذا هي حياة الإنسان ملئى بالابتلاءات والامتحانات فبين كل بسمة دمعة وغصة، وبين كل عدل جور وظلم، وبين كل سعادة حزن وألم، ومن هنا بعض النقاط السريعة:

1) الإيمان بوجود قوة غيبية -الله- مهم جدًا في فهم معادلة الحياة. هذه القوة الغيبية هي التي يلجأ إليها الإنسان عند الابتلاء فهي ركن يستجير به الإنسان عندما تصدمه الابتلاءات والمِحن.

2) تزداد فرصة فهم العلاقة بين الخالق والإنسان حينما يمر بالابتلاءات لتفتح له بابًا قد تجعله أكثر قربًا من خالقه، وأكثر التصاقًا به.. ومن الضروري أن يقوم الإنسان باستثمار هذه الفرصة إيجابيًا في تقوية إيمانه ويقينه عوضًا عن الاستسلام واليأس والقنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى.

3) من المهم جدًا أن تُستثمر هذه الفرصة -في القرب من الله- في إعادة التفكير فيما مضى من عمر الإنسان وفيما بقي منه، ووضع أولوياته بشكل صحيح.. فالإنسان بطبعه يلتصق التصاقًا كبيرًا بالحياة وقلما يفكر في مآله وخاتمته.. فاستثمار الفرصة يكون بإعداد برنامج يزرع به آخرته التي أهملها طوال حياته في الغفلة والنسيان والجري وراء الدنيا ومتطلباتها ورغباتها، وأن لا يكون مصداقًا للآية الكريمة "وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ".. وهذه حالة متكررة في الإنسان أنه بمجرد أن يزول البلاء فإنه يعود إلى تفكيره وسلوكه القديم..

4) على الإنسان أن لا تشغله ابتلاءاته عن ابتلاءات الآخرين، وأن يشكر ربه على ما ابتلاه، فبالنظر الى ابتلاءات الآخرين -وابتلاءات الناس جمّة- فإنه بذلك يصبّر نفسه على تحمل البلاء ويشكر ربه أنه لم يبتلي بما ابتلي به كثير من الناس.

5) أن يستشعر آلام الآخرين ويراعيهم في ابتلاءاتهم كما يرجو أن يراعيه الناس حين البلاء. هناك حالة سقيمة من التشفي والتذاكي حينما يمر الآخرون بالبلاء وإن غُلّفت بهالة من المنطق، فكثيرًا ما تسمع لو فعل كذلك لما أُصيب بكذا.. هذه الحالة السقيمة بالرغم من أنها تشير إلى نفسية غير سليمة اتجاه الآخرين، إلا أنها تكشف عن فقدان الرحمة والشفقة من قلب الإنسان لتجعل هذا القلب قاسيًا، ناهيك أن تلك الحالة قد تجعلك معرضًا للابتلاء. فلنتراحم مع بعضنا البعض فذلك أطهر للقلوب وأنقى.

الابتلاءات محطات يمر بها الإنسان لا محالة وهي قاسية وشديدة، لكننا نستطيع أن نقلل من آثارها وتداعياتها بل ونستطيع أن نستفيد منها إيجابيًا متى ما تم التعامل معها وفق تفكير سليم ونية خالصة وعمل متقن. إن بُليت بابتلاء المرض، فقُم بكل السبل الطبيعية من العلاج ولا تنسى الدعاء.. وإن بُليت بابتلاء الفقر، فاعمل على رفع ذلك البلاء بالعمل ولا تنسى الدعاء.. وإن بُليت بابتلاء الغربة، فاعمل على خلق أجواء القربى بتعزيز التواصل ولا تنسى الدعاء..


22 نوفمبر 2014
 

من ركل القطة فقتلها؟ // أم حسين

 
 
في إحدى الشركات كان شاب  يعمل سكرتيرًا لمدير سيء الأخلاق ولا يجيد التعامل مع الناس.. أضف إلى ذلك أنه مهمل ويراكم أعماله اليومية حتى تتكدس. في يوم ما وكعادته اتصل لسكرتيره لإنجاز إحدى المعاملات العالقة  فلم يجب السكرتير على الهاتف، فداهم مكتبه بعد عشر دقائق وصرخ في وجه: اتصلت بك عدة مرات فلِمَ لم تجب؟ المكتب حينها.
 
السكرتير: أنا آسف لم أكن على مكتب حينها.
 
المدير غاضبًا: وماذا عساي أن أفعل بأسفك؟ خذ هذه المعاملة واذهب بها إلى قسم الصيانة لإنجازها حالًا.
 
تأفف وحمل أوراق المعاملة متوجهًا لمكتب مسئول قسم الصيانة، ألقى الأوراق في وجه وقال: بأمر المدير هذه المعاملة تنجز حالًا وأدار ظهره عائدًا إلى مكتبه.
 
قبل انتهاء الدوام بنصف ساعة دخل موظف من نفس القسم إلى المسئول الأخير ليخبره بانصرافه كعادته اليومية لاصطحاب أبنائه من مدارسهم، فجأة غضب المسئول وقال:
متى ستنتهي  قصة استئذانك اليومية؟
 
لن أسمح لك اليوم بالخروج باكرًا. ولكن يا حضرة المسئول أبنائي... هي مشكلتك كانت إجابة الرئيس.
 
أحتار الموظف وأمضى النصف ساعة الأخيرة يبحث عمن يقل أبنائه.
 
انتهى الدوام، عاد الموظف إلى بيته، فتح الباب وكان في استقباله ابنه مستبشرًا: أبي أبي انظر لقد أحرزت درجة كاملة في الامتحان النهائي لمادة الرياضيات.  
 
الأب بغضب: (اغرب عن وجهي الآن)..
 
غادر الابن مكسور الخاطر.. في هذه الأثناء لاعبته قطته فركلها.. اصطدمت بالجدار وماتت..
 
ترى من الذي قتل القطة!!؟
 
سؤال أنهت به المدربة إيمان قصتها التي كانت من أكثر الأجزاء المؤثرة في محاضرتها (ضغوطات العمل).
 
ساعتان كانتا كفيلتين بخلق حالة من الإصرار لدى الحضور لرسم خطة معالجة ضرورية لحياتهم اليومية في العمل.
 
أغلبنا يغادر مكان عمله حاملًا على كتفيه ضغوطات كثيرة وما أن يصل إلى المنزل حتى يصبّها على أسرته وبالخصوص أطفاله باعتبارهم الحلقة الأضعف، فمن المؤكد إن قضاء ثمان ساعات يوميًا في العمل سيترك آثارًا نفسية جراء المشاكل التي يتعرض لها وتسبب له قلق وتوتر.. وكلما زادت مسؤوليات الفرد العملية يكون أكثر عرضة للتوتر.
 
عالم العمل نموذج مصغر لعالمنا الكبير، يحتوي على أصناف لشخصيات مختلفة، وكما عليك أن تتعايش معهم في الحياة عليك أن تتعايش معهم في العمل.. نعم قد يكون مديرك جافًا ولا يجيد التعامل مع الآخرين، وزميلك غيور وحاقد وآخر ينتظر زلتك فيؤول كلامك ويفتعل مشكلة، والكثير من تلك النفسيات المريضة التي تترك بصماتها السيئة على نفسيتك.
 
تشير الإحصائيات إلى أن 82% من الأفراد العاملين يعانون من ضغوطات العمل، وإن أكثر من نصف العدد يعانون من ضغوط شديدة جدًا.
 
فكيف نتفادى هذه الضغوطات!!؟
 
(عاطفتك هي ملكك أنت وليست ملك لأحد آخر).
 
كان وقع هذه الجملة كزلزال هز نفسي بعنف.. ترى إلى متى سنسمح للآخرين بالتلاعب بعواطفنا ونفسياتنا،  فلان أحرجني وآخر تجاهلني وضايقني؟!
 
اللوم كل اللوم يقع علينا لا على الآخرين.. فنحن من نسمح لهم بذلك لا هم.. فحاول رؤية الجانب المرح والمفيد من مواقف التوتر التي تصادفك.
 
(الانفصال والاندماج)
 
عواقب وخيمة تنتج من وراء حمل ضغوطات العمل إلى المنزل ولتجنب ذلك قم بهذا التمرين: اغمض عينيك وارخي عضلات جسمك.. تخيل أنك تقف عند باب منزلك عائدًا من العمل.. ارسم دائرة بلونك المفضل.. قف داخل الدائرة وانفصل عن شخصية الموظف.. البس شخصيتك في المنزل (أم، أب، أخت أو أخ).. بعدها ادخل إلى منزلك.. قف كل يوم في نفس الدائرة وكرر التمرين.
 
نحتاج أن نقف وقفة مراجعة مع أنفسنا لنحدد مدى تأثير هذه الضغوطات على حياتنا بشكل عام، ومن ثم اتخاذ قرار بوقفه بالبحث عن تعزيز علاقاتنا في العمل بالمرونة واحترام جميع وتقبلها بروح مرحة.. فلنكن عاملًا إيجابيًا ليتأثر بنا الآخرون، فعندما ننشر الخير ينحصر الشر في زاوية حتى يتلاشى.
 
17/11/2014

لقاء على هامش (الحج) // إيمان الحبيشي

 
 
28/9/2014
 
لم يكن زحام الحج يترك لنا الفرص متاحة للتوجه للحرم المكي كلما رغبنا بذلك.. وكلما مضت الأيام زاد زحام الحجاج وتقلصت معه فرص التواجد بالحرم، فرحلة الذهاب التي يجب أن لا تستغرق أكثر من نصف ساعه للذهاب وأخرى للإياب كانت تحتاج منا للكثير من الجهد والكثير من ساعات الانتظار مع تحمل مشقة التنقل.
 
كانت الناس تتقاطر على أرض مكة من كل حدب وصوب.. جماعات من أفريقيا وشرق آسيا، جماعات من كندا وتركيا، وطبعًا من كل البلاد العربية.. مزيج هائل من الثقافات والحضارات يجمعها الله لتوحيده هناك حيث كعبته المشرفة، معجزة يكررها الله كل عام.
 
كنت أتمنى لو سمحت لنا الفرص لتبادل أطراف الحديث مع كل حضارة تمر علينا هناك، إلى أن شاء الله أن ألتقي بثلاث شقيقات يمنيات، تعمل إحداهن كممرضة بينما الاثنتان الأخريتان معلمتان.. تجاذبنا أطراف الحديث حول بلدنا البحرين وبلدهم اليمن وكان المدخل لنقاشنا (اللكنة العربية)، ففي حين اعتقدت الأخوات أني وزميلتي في الرحلة أردنيات، كنا نعتقد أنهن سعوديات.. تحدثنا معهن حول طبيعة بلدنا الزراعي البحري والذي لم يعد موجودًا بفعل الطمع الرسمي وعدم الاكتراث لطبيعة الشعب الساحلية، وحدثونا عن اليمن ذات الطبيعة الخلابة التي لا زالت تحوي مناطق فائقة الجمال (جنة من جنان الله على الأرض).
 
تحدثنا عن طبيعة شعب البحرين الأعزل وكيف تستحوذ السلطة على عملية التسليح وتوظف مرتزقة في سلك العسكر بمن فيهم اليمنيين لأهداف واضحة بينما أخبرتنا الأخوات أن شعب اليمن شعب مسلح بامتياز فمنازلهم تحوي صواريخ سكود أحيانا! بينما مناطقهم الجبلية ملئى بالقنابل. وتفاجأنا حين أخبرتنا اليمنيات بمعرفتهن عن تجنيس العرب بما فيهم اليمنيين وأنهن يدركن أسبابه تمامًا ويرفضونها، حتى أنهن ذكرن كيف رفض الجيش اليمني قتل الشعب ذلك أنه منهم.
 
جميل كان حديثهن المفعم بالأمل حول بلدهن بعد الثورة وأملهن في أنه يسير بخطى صعبة نحو الكمال، وكان لهن شاهد إذ كانت العوائل المتنفذة تقتل المختلفين معها دون قصاص، ذلك أن الحكومة ستقف معهم بالمرصاد دون أن تنتصر للفقير الذي قتل بينما صارت تخشى من تفشي شعار (ارحل) فبدأت بمحاسبة المتنفذين وانتصرت في كثير من الأحيان لأصحاب الحق.
 
موضوع البطالة أخذ حقه من النقاش إذ تشابهت ظروف الخريجين العاطلين مع اختلاف أسباب عدم التوظف. أما الغريب في حديثنا فكان حول القات اليمني، إذ نفت الأخوات أن يكون للقات اليمني أي أثر مسكر أو مخدر وقلن إن أحد أنواع القات يشبه الحشيش وهو النوع الممنوع تمامًا في بلدهن. أما القات المتداول فيقوم الشاب اليمني بتخزينه في فمه ليمضغه كالعلكة طمعًا في قدرته المنشطة، إذ أنه يعطيهم -بحسب كلامها- طاقة كبيرة ذهنيًا وجسديًا. سألناهن إن كن قد جربن تخزين القات فنفين، ذلك إذ قليل ما تستخدمه النساء. قد يكون هذا الموضوع من أغرب المواضيع التي لم أتوقع ان أتلاقها بصدر رحب وعقل منفتح، ورغم أني أدرك في قرارة نفسي أن للقات مساوئه التي يجب أن تبعد الإنسان عنه إلا أني وجدت الاحترام لنظرتهن أمرًا ماثلًا أمامي. ختام حديثنا كان حول الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.. أخبرناهن أن روايات أهل البيت (ع) أخبرتنا أن كثيرًا من أنصار المهدي من أرض اليمن فسألنا الله أن يكن ونكون منهم.
 
قد يكون مجرد لقاء، وقد يكون الحديث الذي تبادلناه مجرد حديث بسيط، لكنه فتح الآفاق كثيرًا عندي. لماذا لا يكون موسم الحج موسم تلاقح الأدمغة وانفتاح القلوب؟ ولماذا يقتصر على أداء المناسك؟ فرغم جمالها وجمال الانشغال بها إلا أن هناك متسع قبل بدء أعمال الحج وبعد الانتهاء منها، لافتتاح بوابة كبيرة جدًا لتتعرف الشعوب على بعضها، ولتتفتح الأذهان حول الآخرين بشكل ودي وصحيح قد يبعد شبح التعصب والحقد الأعمى عن قلوب من اجتمعوا إرضاءً لله، ذلك أن مناسبة اللقاء ستلقي بظلالها على أجواء التعارف، فيكون منطلقه توحيد الله والإقرار بالعبودية له، مترفعين عن كل الفوارق الطبقية والمذهبية والجغرافية والمادية، عائدين لأراضيهم وبيئاتهم محملين بالحب والمعرفة بالشعوب الأخرى.
بكل أمانه ترك حديثي مع الشقيقات اليمنيات لفتتة طيبة بعمق نفسي ذلك أني ربما تحاشيت أهل تلك الحضارة على أرضي رفضًا لوجودهم واشمئزازًا من موقفهم، لكن هناك تفتحت لنا آفاق من المحبة والتسامح لن تتفتح مثلها إلا على تلك الأرض التي حباها الله كثيرًا من الامتيازات.
 
يقول رب العزة (وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا) وقطعًا ما جعل الله ذلك التعارف.. عبثًا.
 
 
22 نوفمبر 2014

الدين والدّنيا في محكمة العقل // أبو مقداد

 
 
قبل أن يُبعث نبيُّ الإسلامِ محمد صلى الله عليه وآله، لم يكُن هناكَ إسلام يُحتكمُ إليه ويمثّل القانون الخاص الذي يكون به المرءُ صالحًا أو فاسدًا.. إنما كانت هناك مجموعة أديان نعتبرها اليومَ كُفرًا، أو شبهَ كفر، كاليهودية التي هي من أشد أعدائنا، كانت هناك مجموعة قيم ومبادئ وأفكار تُسيّرُ أمور الحياة..
والإسلام جاء بعد تمهيد هذه الأديان والأفكار والقيم ليهذب وينظم سلوك البشرية ويوجهه لجادة الصواب، وهو بمعنى آخر منظومة قيمٍ ومبادئٍ وأخلاقٍ وفكر مهذِّبة وراشِدة، وتمثل شمال البوصلة الدائم. الإسلام ليس مجرد أحكامٍ شرعيةٍ وأصول فقهية تدار بقوانينها الحياة، وليس مجرد عقائد نرتبط بها ونتمسك بها ونقضي العمر في محاولة إثباتها والدفاع عنها، إنما هو مشروعٌ أيديولوجي متكامل، وما العقائدُ إلا أبوابٌ ووسائل وسُبل توصلنا لحقيقة الإسلام، ومن الخطأ الفادح أن نتمسك بالقشور حينَ تكونُ في اللبُّ كل القيمة.
وهذا المشروع الضخم لا بد له أن يكون مشروعًا منطقيًا يتمكن عقل الإنسان من فهمه وتحليله والتفاعل معه، حيث أن الإنسان هو المُنفّذ له.
 
يولد الإنسان لا يعرف من عقائده شيئًا، لا يفهم الإسلام ولا المسيحية، لا يعرف الفرق بين السنة والشيعة، لا يعرف من أي أتى أو كيف أتى أو من أوجده، فيكبرُ معهُ فطرتهُ التي وُلِدَ عليها، وبيئته التي يتربى فيها. ولن يكونَ هذا الطفل سوى نتاجًا من تأثيرات بيئتهِ عليه، فمَن يتعلّم في صغره بأن حلق شعر الرأس ضرورة إنسانية، وتكون بيئتهُ ومجتمعه وأسرته تمارس ذات السلوك، فسيلتزم به وسيصبح عقيدة وثقافة بالنسبة له، سيعلمها أبناءه بالتأكيد، فهذا ما وجد عليه آباءه الأولين. مَن يولد في غرفة، ويُسجن في حدودها طوال عمره والغرفة بها أثاث ملونٌ بكل الألوان عدا اللون الأحمر، ويُمنع على هذا الطفل أن يرى أي شيء أحمرٍ، فمن الطبيعي بعد سنوات إن لم يرَ شيئًا أحمرًا سيظل عاجزًا عن فهم كيف يكون شكل اللون هذا وكيف يُرى.
كذلك نتحدث على مستوىً أعمق، نحن نُولدُ مسلمين.. شيعة.. هذه هي بيئتنا، نتربى في القرى والأرياف بذات الصفة المجتمعية الشيعية وذات المفاهيم، نكبر على قاعدة أساسية جدًا هي أن التشيع هو الطريق الصحيح الخالص وأن الشيعة هم الفرقة الناجية التي قصدها رسول الله في حديثه وأننا شعب الله المختار، وحتى في الانتماءات الداخلية في المذهب نظن أن انتماءنا هو الطريق الذي لا بد لنا أن نسلكه ليؤدي بنا إلى حيثُ الحق والرشاد.. وكلٌّ يغنّي على ليلاه..
لست هنا بصدد التشكيك في العقيدة.. ولا في محاولة إثبات صحتها من عدمه؛ فهذا بحثٌ آخر..
إنما هنا أود الإشارة لضرورة فهم المعتقدات.. الانتماءات.. الموروثات.. العادات.. التقاليد.. الظواهر.. الممارسات.. السلوكيات.. الأطباع..
لماذا أنت مسلم؟ ولماذا أنت شيعي؟ ولماذا تؤمن بالغيب؟ ولماذا تصلي؟ ولماذا ولماذا..
إن قلتَ هذا ما ورثناه من الجدود، أو هذا ما أوصى به المعصومون وأمر به الله، فهذا ليس هو الرّد الشافي، لأنك ستواجه أسئلة أشد.. لذلك فالمرجو منك أن تبحث في أصل عقيدتك، والسبب المقنع ورائها، أن تقرأ، تتفكر، تتأمل، تسأل، لا أن تأخذها جاهزة من ورّثها الأباء فقط!
 
العقل هو فيصل التمييز بين الإنسان والحيوان، طاقةٌ جبّارة أودعها الله في الإنسان، آلة التطور العبقرية التي لا تتوقف، مكّنته من التحول من عصرٍ حجريٍّ لا يجد ما يكسو عورته به، لعصرٍ سريعٍ جدًا، نووي، تكنلوجي، فضائي، لا حدودَ لتقنياته. عقل الإنسان هو الذي اكتشفها واخترعها وطوّر الكون..
فالكمبيوتر لم يُخترع بمعجزةٍ إلهية، ونواة الذرّات لم تعرفها البشرية عن طريق حلمٍ في منامِ رجلٍ ما..
إنه عقلُ الإنسان يا سادة..
 
والله إذ رزقناه هذه الآلة العظيمة وكرّمنا بها، كان حريٌّ بنا أن نسثمر هذا التكريم وأن يبقى معمل الفكر هذا متوقدًا لا يخفت، مابقت الحياة..
 
قد تختلف إمكانيات عقل عن عقل، وهذا أمرٌ طبيعي، وبالطبع لن يصل عقل الإنسان لكماله مهما سعى "وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا"، ولكن من جهةٍ أخرى قال القرآن الناطق، "أتحسب أنك جرمٌ صغير وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ" وهذا العقل الجبار الذي كرم اللهُ الإنسانَ به لا يمكن أن يطلب منه أن يؤمنَ بشيء خلاف المنطق والعقلانية، لذلك كان الدينُ الإسلامي، أو المشروع الإسلامي المراد من الإنسان تنفيذهُ هو قمة المنطقية والتعقّل، وبسبب محدودية عقل الإنسان وبعض العوائق التي تمنعه من بلوغ العلم فإنه يعجز من أن يصل لكماله. كما أن الله لم يكشف للإنسان كل شيء وجعل لمملكته بعض الأسرار التي لم يكشفها للبشرية، وهذا أبدًا لا يتعارض مع عقلانية المشروع الإسلامي.
 
ما أقولهُ هنا، أنه لو فكّر الإنسان في أي مسألة إسلامية، عقائدية أو قيمية أو أخلاقية أو ما شابه، فإنهُ سيصل لنقطةٍ من نقطتين، إما أن يصل لفلسفتها ويكشف ماهيتها، وحكمتها المنطقية، أو أنه سيصل لـ لا جواب، لنهاية طريقٍ بلا نهاية، لـ لا شيء، فعليه أن يعيد ويكرر البحث والتفكّر، ويبحث عن طرقٍ أخرى، لكن حين يصل لإجابةٍ تناقض وتعاكس المنطق فبالتأكيد بأن عقله انحرف به لمسارٍ خاطئٍ تمامًا، وعليه تصحيح مسار عقله فورًا..
 
في الإسلام نحن نؤمن بالكثير من الغيبيات، وجميع هذه الغيبيات كثير منا أُخبر بها من بيئته والمجتمع، لم تكن يومًا نتيجة بحث ودراسة ومحل تفكر وتأمل. حين كنا صغارًا، نسأل الآباء، من الله؟ ماهو الله؟ كيف الله؟ أين الله؟ لماذا لا نراه؟ لم تكن هناك إجابات، فينشأ الجيل على أن يؤمن بالغيب لأنه غيب فقط، والله هو نورٌ خلق السماوات والأرض وكل شيء، يقول للشيء كن فيكون، وبعض الأجولة السطحية التي تولّد أسئلة أكثر.. وهكذا -بتصوري- تغيب روح العبودية الحقّه، وبنفس النهج، يُعطّل عمل المشروع السماوي الحقيقي، ويُفرَّغ من محتواه، بالرغم من أن حتى قضية وجود الخالق الغيبية، يمكن الاستدلال عليها وإثباتها وبرهنتها عقليًا ومنطقيًا كما كتب الأستاذ العلّامة السيد حسن مكي العاملي في كتابه الرائع "بداية المعرفة"*.
 
بهذه المنهجية تكون حتى عبادة الله عن وعي وعقلانية واختيار، الله ربُّ الكون والأرباب، رغمًا عن كل شيء، ولكن نحن بهذه الطريقة اخترناه إلهً ربًّا أحدًا فردًا صمدًا، اخترناه عن قناعةٍ بأنه وحدهُ لا شريكَ لهُ بالملك، عقلنا وكل وجداننا يدلنا على أنه الربّ الذي لا خالق سواه، ولا صانع لهذا الكون غيره، وأن لا يكون هذا الإيمان مجرد إرثٍ أو نتيجة ولادتنا في مجتمع مسلم فقط!
 
ويجري الأمر على كل شيء في حياتنا، نحن من يجب علينا أن نختار أين نكون وكيف نكون، حتى في قضية ولائنا للمعصومين، فنحن حين نؤمن بالله بعقل ووعي، سنؤمن بنبيه بذات العقل والوعي، ونؤمن بالإمامة بمثل الوعي والعقل، وبإيماننا بهم سنثق بكل ما يصدر منهم ونسلم لهم تسليمًا. ولكن مطلوبٌ منا أيضًا أن نسعى للكمال من خلالهم وأن نجعل ثقتنا بما يصدر منهم طريق سعيٍ يوصلنا لمعرفة الله جل وعلا فيكون اختيارنا للتسليم لهم هو اختيارٌ عقلاني ومنطقي جدًا.
 
وخصوصًا في زمن الفتنة الكبير الذي نعيشه اليوم، يختلط الحق بالباطل، ويختلط الصالح بالفاسد لا بد من ضرورة تفعيل دور هذا العقل في كل ما يطرأ عليه من أحداثٍ وأفكار ونظريات. ولا بد من أن يُحصّن الإنسان نفسهُ جيدًا من الناحية العلمية والفكرية والبحثية والثقافية حتى يتمكن من تمييز الحب الصالح من الفاسد بين كل ما يطرأ على عقله.. ولا يمكنُ للإنسان أن يسحق نفسهُ وعقله أمام أي فكرةٍ أو عقلٍ أو شخصيةٍ أو معتقَدٍ أو جهةٍ أو انتماءٍ أو أي شيء لا يمكنه أن يلغي وجودَه لشيء آخر وإن كان يفوقهُ عظمة، فالله خلقنا وكرمنا بالعقل، ليكون لنا وجود، لا لكي نحيا عدمًا. وأعجبُ كل العجب ممن يتفنن في إلغاء نفسه، كيف يمكنه احترام وجود الآخر، لذلك سنجد أن من يلغي نفسه وعقله لحساب شيء ما، سيلغي بالطبع كل من لم يشاركه الإلغاء!
 
ختاما أقول من جديد.. العقل هو تكريم الله بنا.. فلنشكره بالوعي.
 
 
22 نوفمبر 2014
 
______________________________________________
هامش:
*كتاب بداية المعرفة بصيغة pdf
 

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها(4) "الشعارات الشيوعية ونظرية إلغاء العائلة" // محمد علي العلوي

 
 
هل تريد الشيوعيِّةُ (إلغاء العائلة)؟
 
أتطرق في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى إلى هذا الطرح الشيوعي، وأمَّا اليوم فالإشارات إلى شيءٍ من مقدِّماته الموضوعية.
 
أرجو أنْ يكون القارئ الكريم قد وقف على الهيكل العام للطرحة الشيوعية، ومن أهم معالمها توجيه وحصر الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية، فالشيوعيُّ لا يرى خِيارًا أمام البروليتاريا غير مواجهة البرجوازية والتطاحن معها في مراحل متعاقبة وبصور مختلفة حتَّى تضمحل كُلُّ الطبقات في طبقة واحدة ليعُمَّ السلامُ أرجاءَ المعمورة.
 
كنتُ قد وعدتُّ منذ البداية بأن أترك القارئ وتتبعاته دون تدخل مباشر، ولا زلتُ عند وعدي، غير أنَّ الحاجة ملحة لطرح سؤال في المقام، وهو:
 
هل إنَّ حصر الخلاص من ظلم البرجوازية في المواجهة المذكورة أمرٌ صحيح، أم أنَّ هناك خيارات أكثر صحة ودقة من المواجهة المباشرة كما يصرح الشيوعي في بيانه وفي غير مكان؟
 
الجواب متروكٌ لكم..
................................................
 
إمَّا أن تكون (ثائرًا) وإلا فأنتَّ عبدٌ تستعملك البرجوازية ما دُمتَ مُدِرًّا لمعائشها، ولا يمكنك التخلص من شباكها الغليظة الدقيقة، وإن توهَّمْتَ نفسك حرًا، وفي ذلك يقول البيان:
 
"إنَّ كون المرء رأسماليًا لا يعني أنَّه يشغل مركزًا شخصيًا فحسب، بل يشغل أيضًا مركزًا مجتمعيًا في الإنتاج، فرأس المال هو نتاج جماعي، لا يمكن تحريكه إلا بنشاط مشترك لأعضاء كثيرين، بل إنَّه، في التحليل الأخير، لا يُحرَّك إلا بالنشاط المشترك لجميع أعضاء المجتمع.
 
فرأس المال إذن ليس فاعلية شخصية، بل فاعلية مجتمعية".
 
وبذلك فإنَّ الكُلَّ يعمل في خِدمة البرجوازية، شاء أم أبى، ومحور الوجود والبقاء لهذه الأخيرة هو استثمار العامل لمصلحتها. يقول البيان:
 
"فإنَّ الثمن الوسط للعمل المأجور هو الحدُّ الأدنى لأجر العمل، أي جملة وسائل العيش الضرورية لبقاء العامل كعامل على قيد الحياة. ومن ثُمَّ، فإنَّ ما يمتلكه العامل المأجور بجهده يكفي لإعادة إنتاج حياته".
 
هذا تحليلٌ شيوعي لفلسفة الأجور في الفكر البرجوازي، فمتوسط الأجور لا يساوي إلَّا الحدَّ الأدنى لأجر العمل، ووظيفته هي أن يعيد به العاملُ إنتاج نفسه لمواصلة بيع الجهد المحرك للعجلة الرأسمالية، فالعامل في حقيقته ليس أكثر من آلة صَمَّاء يُحافظ عليها بعمليات الصيانة المنتظمة والمستمرة حتى تُستهلك تمامًا أو ترمى بعد انتاج آلة أفضل وأكثر كفاءة منها، وهذه الصيانة الدورية للعامل في فلك المنظومة البرجوازية هي الأجر والإجازات السنوية والعلاوات والمنح الدراسية وتوفير السكن وغير ذلك..
 
ثُمَّ يقول الشيوعي في بيانه:
"فالعمل الحرُّ، في المجتمع البرجوازي، ليس سوى وسيلة لزيادة العمل المتراكم، والعمل المتراكم في المجتمع الشيوعي ليس سوى وسيلة لتوسيع السيرورة الحياتية للعمَّال، ولإغنائها وترقيتها".
 
وهنا يسجل البيان فرقًا مبنائيًّا بين البرجوازية والشيوعية، ومحلُّه أنَّ البرجوازية تدفع البروليتاريا للعمل والإنتاج من أجل بقائها وازدهار وجودها، في حين أنَّ الشيوعية تحارب أصل هذه الطبقية، فتُرجِع كُلَّ شيءٍ لمصلحة نفس العامل، لا للطبقية التي تُكَرِّسُ لها البرجوازية، ويؤكد على هذه الرؤية، فيقول:
 
"فالشيوعية لا تجرِّد أحدًا من القدرة على تملك منتجات مجتمعه، بل تنتَّزع فقط القدرة على استعباد عمل الغير بواسطة هذا التملك".
 
ويرى الشيوعي أنَّ هذا التوجه منه، هو منشأ التحرك الرأسمالي البرجوازي ضد الشيوعية، فيقول:
 
"لقد أُصِبتُم بالذعر -ويقصد البرجوازيين- لأنَّنا أردنا إلغاءَ الملكية الخاصَّة، ولكنَّ الملكية الخاصة في مجتمعكم الراهن، مُلغاة بالنسبة إلى تسعة أعشار أعضائه. إنَّها ضبطًا موجودة لأنَّها غير موجودة بالنسبة إلى الأعشار التسعة؛ فأنتُّم إذن تلوموننا لأنَّنا نريد إلغاء مُلكيَّةً تُفرض، كشرط ضروري لوجودها، انعدام الملكية بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة من المجتمع.
 
وبكلمة، فإنَّكم تتَّهِمُونَنَا بأنَّنا نريد إلغاء ملكيتكم، وهذا بالتأكيد ما نريده".
 
يرفع الشيوعيُّ شعاراته لمصلحة البروليتاريا بفضحه للبرجوازية ومبانيها الفكرية، فهو إلى جانب المسحوقين الذين تعمل البرجوازية على استهلاك كلِّ ما يمكن استهلاكه فيهم لأجل بقائها مزدهرة، ولا خلاص من هذه العبودية المقيتة إلا (بانتزاع) حقِّ المساواة وإعدام الطبقية البرجوازية، والطريق الطبيعي إلى ذلك -بحسب الفكرة الشيوعية- هو:
 
(الثورة.. المقاومة.. النضال)، فإمَّا أن يلتحق (الأحرار) بشرف حركة البروليتاريا وإلا فالموت خيار قسري.
............................
 
لا يمكن فصل المنظومة الفكرية للبرجوازية عن الثقافة التربوية في المجتمع، ومن هنا يقول البيان:
 
"وإلغاء العائلة! حتى أكثر الراديكاليين تطرفًا تثور ثائرتهم على هذا القصد الدنيء للشيوعيين.
 
فعلامَ ترتكز العائلة الراهنة، العائلة البرجوازية؟ على رأس المال والتملك الخاص، وهي لا تُوجد بتمام تطورها إلا بالنسبة إلى البرجوازية، لكنَّها تجد تكملتها في الحرمان القسري من العائلة، بالنسبة للبروليتاري، وفي البغاء العلني.
 
والعائلة البرجوازية تضمحل طبعًا باضمحلال تكملتها، فلكتاهما تزولان بزوال رأس المال.
 
أتأخذون علينا أنَّنا نريد إلغاء استغلال الآباء والأمهات لأبنائهم؟ هذه الجريمة نعترف بها..".
 
من هنا يبدأ مقال الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى..
 
ويبقى سؤالان أطرحهما الآن وفي خاتمة كل حلقة من حلقات هذه السلسلة:
بأيِّ عينٍ وثقافةٍ ونَفْسِيَّةٍ ورُوحيَّةٍ نقرأ كتابَ الله المجيد وأحاديثَ المعصومين (عليهم السلام)؟
هل نحن على الطريق الصحيح أو أنَّنا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟

رمز الحياة كتاب // أم علي

 
 
يقول سقراط:
 
"إذا أردت أن أحكم على إنسان، فإني أسأله كم كتابًا قرأت وماذا قرأت"
 
كثير هم من يتساءلون: ماذا تجدون في قراءة الكتب؟ وكيف تستمتعون بالقراءة؟
فالبعض يظن أن القراءة مضيعة للوقت بين حفنة أوراق!
 
القراءة سفر مع كل كتاب، نتعرف على ظهر صفحاته على دول متعددة، ونقابل أشخاصًا من مختلف الأعراق والجذور، نعيش معهم حكاياتهم وكأننا نحيا بينهم.. نفرح ونحزن.. نضحك ونبكي.. نتفاعل مع الشخصيات والأمكنة بكل حواسنا ومشاعرنا..

يقول المثل: "الكتاب خير صديق"
 
فهو يخلو من الأنانية، ويتمتع بالوفاء والإخلاص.. إنه صديق موجود في كل وقت، وأي وقت. إن كان الحزن ينثر عليك غباره، فهو مستعد أن يمحيه بقطرات كلماته، ودفئ سطوره. وهو يترفع عن الأخذ، ولا يرضى إلا بالعطاء المستمر دون أي مقابل، لأنه بخلاف بعض الأصدقاء البشر لا يمن بالخير والوقت الذي يقدمه، فنتلحف أوراقه ونتوسد سطوره آمنين من تقلباته المزاجية وطعناته الخفية.
 
سُئلَ أحد العلماء لماذا تقرأ كثيرًا؟
 
فقال: "لأن حياة واحدة لا تكفيني.
 
الكتاب حكيم مسن.. خبر من أسرار الحياة ما يعيننا على إكمال مشوار الحياة دون تعثر أو زلل إن اخترنا أن نستفيد من تجاربه."
 
مَن يرى اليابان وتطورها الرهيب المخيف يقف مندهشًا فاغرًا فمه. فمَن هم هؤلاء الذين يخلقون من الذرة جوهرة كريمة؟ ومن أين تغزو عقولهم الأفكار الرهيبة؟ إنها القراءة التي مهدت لهم آفاقًا واسعة.. فالصغير يقرأ والكبير يقرأ، في كل مكان وزاوية يهيمون بالقراءة، حتى الذي يعمل حطابًا، تراه يأخذ راحة ليقرأ، فهي أوكسجين الروح والعقل تمامًا مثل ما الهواء أوكسجين القلب والجسم. ومن حرصهم على تشجيع القراءة، توفر اليابان في مكتباتها الواسعة الجذابة مقاعد بمجرد أن تضع عليها البطاقة الخاصة بها، تتبعك أينما ذهبت لتقرأ وأنت جالس براحة واطمئنان.
 
بعض العرب يفتخر باقتناء وجمع أندر الكتب وأقيمها، لا يهم قراءتها جميعها، إلا أن وجودها يخلق جوًا من الرقي والرفعة ومرجعًا لكل ذي حاجة. لا يتخيل البعض منزلًا يخلو ولو من مكتبة صغيرة، فالكتب هي بحر العلم والحياة، وطوبى لكل من أدرك قيمتها.
 
قال شكسبير: "عندما لا تجد أحدًا يسمعك، فاكتب، فالورقة كفيلة بأن تنصت لقلمك".
 
تؤدي كثرة القراءة، وسجن الكلمات والجمل في العقل الباطني إلى انفجار نووي، لا يقي القارئ أضرارها إلا سلاح القلم ليحقن الدماء ويجمعها في سطور بيضاء. 
 
"القلم سلاح قد يعمر أو يدمر"، فاستخدمه بالتي هي أحسن، يعد عليك خيره، وتعم الفائدة.
 
يقول البعض:"آفة الكتب الإعارة"
 
يعتبر البعض أن الكتاب أغلى من الجوهر والماس، فلا مانع لديه من أن يعير أغلى وأثمن ممتلكاته، ولكنه لا يعير كتابًا أبدًا، أذكر أن أحدهم قال لي:
 
"أنا بخيل في إعارة كتبي لأي كان، لأنني أعتبرها شيئًا شخصيًا جدًا، أكتب فيها كل ما يدور بخلدي، حتى أني أسجل العطسة التي أعطسها على الصفحة التي أقف عندها."
 
والبعض يعشق الإعارة، لأنه يحب أن ينشر حب القراءة عند الجميع. ولكن للأسف فمن الناس من لا يقدر الأمانات ويحافظ عليها، فإما أنه يرجع الكتاب ممزق الأوراق، أو يلقيه جثة هامدة في ركن ما، غير آبه بصرخات سطوره التي عانت الذل والمهان وتستغيث للرجوع عند صاحبها الذي يقدرها. فلا هم يعبئون لصرخات الكتب، ولايصغون لنداء إرجاع الأمانة لأصحابها!
 
ماذا جنى كتابي فاستحق به، سجنًا طويلًا وتغييبًا عن الناس؟ أطلقه نسأله عما حل به، في عقر دارك من ضر ومن باس.
 
 
22 نوفمبر 2014