Pages

Friday, April 4, 2014

وسلاحه الدعاء




تمر الأمة اليوم بمنعطف تاريخي حرج جدا على مستوى تغيير البنية السياسية والإجتماعية وكذلك الثقافية، قد نستطيع أن نشبهها بالفترة التي وقعت بعد مقتل الإمام الحسين بن علي (ع). إن اجتراء بني أمية على حز رأس الإمام الحسين (ع) ورفع رأسه فوق الرماح وسبيهم لنساء بني هاشم كان من أفدح ما وقع على مر العصور، فالمسلمين كانوا يرون في ذرية محمد (ص) تجسيدا لدينه وبالتالي تجسيدا للتعاليم والمثل التي يمثلها الدين، وسفك تلك الدماء بما تمثله من قداسة جعلهم يستهينون بكل ماهو دونها.
يحدثنا التاريخ وما يحويه من مآسي أنه اجتمعت في الكوفة بعد هلاك الخليفة الأموي يزيد بن معاوية جماعة من أتباع أهل البيت (ع) بقيادة عبدالله بن صرد الخزاعي وهو أحد أعيان ووجوه قومه الذين تخلفوا عن نصرة الحسين (ع) وتخاذلوا عنه حتى مقتله في إحدى أحياء بني خزاعة يولولون ويلطمون على ما ارتكبوه من جرم بتركهم الحسين (ع) وتركهم نصرته. بعد هذا الإجتماع برزت حركة تسمى بالتوابين يقودها عبدالله بن صرد اتفقوا على أن يجتمعوا جميعا في كربلاء عند قبر الحسين (ع)، وهناك أقسموا على أخذ الثأر له وقاموا بتكسير أغمدة سيوفهم معاهدين الحسين (ع) بالثأر له. عبدالله بن صرد ومن معه أو من بقي منهم كانوا نواة لدولة المختار بن أبي عبيدة الثقفي الذي استطاع أن يتغلب على والي بني الزبير ويفصل الكوفه عن جسم الدولة الزبيرية والأموية لمدة ١٨ شهرا.
ثمانية عشر شهرا قيل أن المختار بن أبي عبيدة في أقل التقديرات قد قتل ١٨ ألفا ممن شاركوا في مذبحة عاشوراء في حق عترة المصطفى (ص)، حتى أنه قد بلغ ما بلغ أن العبد كان يهدد مولاه إن لم يحمله على ظهره بأنه سيذهب لجند المختار ليخبرهم أن سيده شارك في قتل الحسين (ع) يوم عاشوراء. وبغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع ما قام به المختار فإن ذلك أمر مهول في زمن قياسي جدا.
وبعيدا عن مسرح احداث الكوفة كان في المدينة رجل يعرف بعلي بن الحسين (ع)، كان الناجي الوحيد من ذرية الحسين بن علي (ع) في مذبحة عاشوراء. وعى علي بن الحسين (ع) ما أصاب الأمة الإسلامية من بعد مقتل والده وكيف أن القلوب قد قست وعادت جاهلية أخرى تحت غطاء الإسلام، فتوجه لتهذيب النفوس بالدعاء والبكاء والإرتباط بالله سبحانه وتعالى. كان عبئ إصلاح وتهذيب المجتمع يقع على عاتقه للحفاظ على البقية الباقية من أمة جده. ولأن الدعاء يلين القلوب وينيرها كان تركيزه عليه، فعرف بين الناس ب(زين العابدين). كان يبكي ليلا نهارا تارة من خشية الله وتارة أخرى على هول ما قاسوه في يوم عاشوراء، وربما بكى على حال هذه الأمة وما نابها بعد قتل أبيه.
لا شك لدي بأن تواجد شخصية بحجم الإمام زين العابدين (ع) لم يكن صنيع صدفة ما، فالأنموذج الذي مثله في تلك الحقبة هو أنموذج الشخصية الرسالية في مجتمع نزت فيه بنو أمية على منابر الدين وطمسوا معالمه ولم يبق منه إلا رسمه. فنراه عليه السلام يهذب قلوب المؤمنين بصحيفته السجادية ويلين قلوب العباد بها بعدما قست، ومن ثم يسجل في رسالته للحقوق أسمى معاني الإنسانية التي اجتمعت في قلبه.
* واليوم بعد ١٤٠٠ عام على تلكم الأحداث نمر بأسوء حرب طائفية تعصف بالمنطقة فيها انتشر سفك الدم في كل انحاء العالم. أكاد أجزم بأنها فترة نحن في أمس الحاجة للتسلح بسلاح الإمام زين العابدين (ع)، في حين نرى قلوبنا قد قست من هول ما نشهده من جرائم الإبادة على مستوى البشرية في حق المستضعفين. وإن كنت أذكركم فإني أذكر نفسي أولاً بأننا كلما ابتعدنا عن هذا الإرث الرائد الذي خلفه لنا أئمة الهدى من أهل البيت (ع) كلما قست قلوبنا فهي كالحجارة أو أشد. فهذا السلاح يعيد لنا ما نفقده تدريجيا وبشكل يومي وهي إنسانيتنا ...


محمد الأشتر 
٣٠/٣/٢٠١٤ 

No comments:

Post a Comment