Pages

Friday, May 2, 2014

عاشوراء التقليد وعاشوراء التقنين

عاشوراءُ الماضي لم يكنْ مُجردَ عاشوراء، كانَ صورةً مُمتلئةً بالألوانِ والأحداثِ والفعالياتِ، رُبما كانتْ المرةَ الأولى التي شَعرتُ فيها بالإكتظاظِ والامتلاءِ لحدِ

الفوضى!
ضربُ صُدورٍ
شَقُ هاماتٍ
جَرحُ ظُهورٍ
لَطمُ وُجوهٍ
مَشيٍٍ على الجمْر
ركضةُ طويريج
مواكبُ مَشق
إنتشارِ مَضائِفٍ
تَبرعٌ بالدَم
نَصبٌ لِمجسماتٍ تَصويريةٍ
نشرٌ للراياتِ السوداءِ والخضراءِ والبيضاء،

أتودون أن أعترِف؟ أيضاً كانتْ هي المرةَ الأولى التي استهجنتُ فيها شَعيرةً ما وإن سراً، كالمشيِ على الجمرِ أو جَلدِ الظهرِ بالسلاسلِ حتى تسيلَ الدَّماء، لكني وقفتُ هُنيئةً أنظرُ لكُلِ ما يَحصُل. لا يُمكنُ أن ننظُرَ لزاويةٍ ما بِشكلٍ مُجتزءٍ مُنفصِلٍ عَن بَقيةِ الصورةِ سواءً اتفقنا مع هذه الشعيرةِ وتلكَ أو رَفَضناها، سواءً اعتبرناها إحياءٍ راقٍ أو مُشوهٍ لنهضةِ الحُسين (ع). ففضلتُ المحاولةَ بأن أُلقي نظرةً كاملةً على الحالةِ الحُسينيةِ للعامِ المُنصرمِ. تساءلتُ حقاً ماذا حصل؟! ما سِرُ زيادةِ مواكبِ التطبيرِ والمشقِ والمضائفِ حتى أثارت لغطاً وتحولت تنازعاً!
ما وراءَ إصرارِ الشباب أو بعضهم على إحياءِ مُصيبةِ كربلاءَ بِكلِ السُبلِ المُمكنةِ والغيرِ مُمكنة، العاقلةِ الرشيدةِ أو تِلكَ ذاتِ الجزعِ المهيبِ المرفوضِ أحياناً ؟!

لو فتشنا عن تاريخِ هذا الشعبْ لوجدْنا ثلاثَ سنواتٍ عِجاف عاش مثلها قبلاً لكنها ما كانت بذاتِ التركيز؛

قتلٌ على الهوية،
إستهدافٌ على الهوية،
فصلٌ على الهوية،
اعتقالٌ على الهوية،
شَتمٌ للعقائدِ والعلماء،
استهدافٌ للشعائرِ الدينيةِ،
حربٌ بِلا هوادة على كُلِ ما يَمُت للتشيعِ بصلة.

لم يَكُن المُعتقل أو المقتول أو المفصول بحاجةٍ لأن يَكونَ (مُمثلاً) حقيقياً ذائباً بهويتهِ الشيعيةِ حتى يُحارب، كان يَكفيهم ولا زال أن يكونَ شيعيَ الإنتساب وإن من طرفِ أحدِ والديه، ليُشتمَ ويُبصقَ في وَجههِ ويُستهزأَ بهِ ويُلقى بالمعتقلاتِ بتهمٍ تَصلُ للقتلِ والتفجيرِ وحيازةِ أسلحةٍ وتكوينِ خلايا وجيوش.

كان الشعبُ يُصرُ مُنذُ الوهلةِ الأولى على أنّه ليس سوى باحثٍ ومطالبٍ بحياةٍ كريمةٍ لهُ ولكلِ من يقاسِمَهُ هذهِ الأرض شيعياً كانَ أو سنياً مسيحياً أو يهودياً، هو لا يُريدُ سوى أن يكونَ ذا هامةٍ مَرفوعة، مَحفوظَ الكرامةِ كغيرهِ، لكنهم حاربُوه ولا زالوا بانتمائِهِ الدِّيني، تقّوّلوا عَليه وعلى قِياداتِ طائِفَتِهِ، ساسةً كانوا أم لم يَكونوا، تَجاوزوا في شَتمِهِم حُدودِ الوطنِ، فَوَصلوا للأئِمَةِ مِنْ وُلدِ النبيِ صلَى اللُه عليه وآله وسلم، مُروراً بِكُلِ المراجعِ المُرابِطينَ بأَوطانِهِم بل كُلِ بلدٍ يَحوي شيعياً!!

هَذا الشعب أدركَ يَقيناً وإن كانَ يعلمُ مُسبقاً أنهُ مُحارَبٌ في هَويَتِهِ، وأنهم يَحلُمونَ ويُخَطِطونَ ويُهَنْدِسُونَ ويَعْمَلونَ ويَسْهَرونَ الليالِ الطِوال، ويَصرِفونَ ثَرواتَ البِلادِ ليَنتَزِعوا مِن قَلبِ هذا الشعب انتِمائِه وليسَ أفقعَ مِنَ الحسينِ تَعبيراً عن ذلك الإنتماء.

هل مِن المُمكنِ أن يؤخذ هذا الواقِعُ بعينِ الإعتِبار، إن كانَ كذلِكَ فرُبما لا يُطبِّر بعضَ هؤلاءِ الشبابِ إستفزازاً، ولا يَرسُمُ آخرونَ ترفاً، ولا تُنصَبُ المُجسَمات أو يُهرَعُ لركضةِ طويريج عِناداً، وقطعاً لا يلطمُ الصدرُ تعنتاً، ولا تُنشر المضائف إسرافاً، ربما أنهم ببساطةٍ شديدةٍ يُحيونَ انتمائهم بداخلهم (ظمأً) واحتياجاً والحاجاتِ أمُّ الإختراعات فما بالكم ونحنُ أصحابُ حضارة!!

لستُ بِصددِ الدفاعِ عن أُمورٍ قدْ يَجِدُها البعضُ إسرافاً وأجِدُها تحتاجُ لتوجيهٍ وتَقنين، لكني أدعو لبَحثِ الأسبابِ وتشخيصِ التداعياتِ ومُحاورةِ العِلل لتَجاوزِ المُشكَّل سَواءَ وَقَعَ أو مَنْعِهِ إن كانَ على وَشَكِ الوُقُوعِ، نَحنُ اليوم على أبوابِ شهرِ رَمضان، ولن نَجِدَ أنفُسنا إلا ونَحنُ بِعُمقِ أيامِ عاشوراءْ. حَذارِ حَذارِ مِن مُحَاربَةِ فِكْرةٍ ما أو فعالية، فذلك ليس السبيلَ الصحيح لإيقافها أو تَقنِينِها أو توضيح خَطَأها مثلاً، لكني صِدقاً أقِفُ أمامَ مجموعةٍ مِن تِلكَ الأفكارِ التي صِرنا نُقلِدها إقتِباساً (بِغَضِ النظرِ عن الأسباب) مِن بُلدانَ تَختلِفُ جُغرافِيتها وطِباعِ أهلِها وطبيعةِ عاداتِها عن مجتمعاتنا وإن تَشابهنا في التشيع، نُكرِرُ عمليةَ التقليدِ بميكانيكيةٍ يَتنَزهُ عنها البشر الذين وهبهم الله عقلاً ليُفكروا. لا بأس أن تُقتَبَسَ الأفكارُ والإبداعات، لكن لا بُد أولاً مِن تَوطِينِها وتقنينها. هُناكَ هدفٌ نَسعى إليهِ مِن وَراءِ إحياءِ عاشوراء ليسَ أحدهُ التنازعِ ضِمنَ هذا الإحياء بل التَنافُس لِقَطفِ ثِمارِه إن أينَعتِ الثمار. نَتحدثُ عَن مَجالِسِ عاشوراءَ كثيراً، داعينَ الخطباءَ لطرحٍ عَقلانيٍ مُتَحضِرٍ راقٍ يَمُسُ اهتماماتِ أبناءِ المُجتمع، ويَنتَشِل شَبابهُ مِن الفراغِ، والجهلِ والتَمَلمُلِ والعيشِ بِلا هَدف بعيداً عنِ اللهِ وأهلِه، ثُمَ نَهجُرُ تِلكَ المَجالِسِ لنَتَنازعَ حَولَ رَكضَةِ طويريج!

التَقليد ليسَ أمراً مُسْتَهجَناً بِحَدِ ذاتِه لكنهُ أيضاً ليسَ عَمليةً مَنْزوعَةَ البَصرِ والبَصيرةِ والتَعقُل. في أحدِ الأعوامِ وفقني الله لزيارة الأربعين في العراق قبل عاشوراء الفائت، ووجدتُ العديدَ مِن وسائلِ الإحياء التي لم أعتَدها والتي تَميزت بِطِباع أهلها، بينما مَرَّ موكبُ أبناءِ البحرينِ مُنَظماً، مهيباً خاشعاً. لِوهلةِ شعرتُ أن أبناءَنا قادرينَ على تصديرِ هذا الكمِ من المهابةِ والتنظيمِ والحضورِ الخاشع بمجردِ تواجدِ هذا الموكب كل عام. لكني تفاجأتُ حينَ وجدتُ أننا استوردنا اللطمَ والركضَ والجرحَ على طريقةِ الآخَرين. نَحنُ بحاجةٍ ماسةٍ لوقفة لإعادةِ عاشوراءنا المهيب، جامِعِ الكلمِ، مُوحِّد القُلوب. لنَكُن مُتفهمين لأنفسنا ومجتمعنا وطبائعنا، لِتكُن صُدورنا رحبةً حتى نَستطيعَ بذلكَ احتواءَ ما قد نجدهُ إحياءاً لا يمتُ للحسين بصلةٍ بأخلاقٍ مُستمدةٍ من سيرةِ مُحمدٍ و آلِ مُحمد.

إيمان الحبيشي
2 مايو 2014

No comments:

Post a Comment