سوف يقال بعد عشر سنين: قيل قبل عشرٍ. (نقطة نهاية لبداية).
قد لا يتصور البعض، وربما الكثير مِن بني البشر دور وخطر السياسة الإعلامية في منظومة الرؤية والعمل السياسي العالمي، وقد تُرْفَضُ فكرة البرمجة الثقافية التي يخضع لها الإنسان تحت قوة الآلة التثقيفية العظمى.. ومنشأ هذا الرفض السخرية والاستهزاء بنظرية (المؤامرة)، وفي تصوري أن هذا التسويق لرفض نظرية المؤامرة هو في واقعه جزء من نفس المؤامرة، كما والنظر إلى نفس هذه النظرة على أنها (فوبيا) هو أيضًا مما يقع على خط المؤامرة!!
نعم، قد لا يروق للبعض تسميتها بـ(المؤامرة)، وهذا حق نفساني لا أتدخل فيه، ولهم أن يطلقوا على التنظيم السياسي العالمي أي عنوان يعجبهم، ولكن بشرط أن يكون دالًا على حقيقة الحالة بلا تسامح أو تخفيف..
فلننتبه جيدًا..
أي تغيير سياسي فهو في حاجة أولًا إلى تحقيق تناسق معين في ثقافة المجتمع، وهذا التناسق يتطلب الكثير من الدراسة في مجالات وعلى مستويات مختلفة، يعقبها وضع الخطوط العامة للرؤية، ثم جمع مخططات التنفيذ ودراستها وتمحيصها، لينتهي الأمر إلى انتخاب الخطة الأم وبمعيتها خطط بديلة لكل موقف محتمل.. وهكذا يشتغل التنظير مقدمة أصيلة للعمل..
عندما نتابع القنوات الفضائية (...) فإننا نقف على استشراف تحول ثقافي جوهري خلال العقد القادم، ونفهم ذلك جيدًا بمجرد أن ننتقل بالذاكرة إلى ذاك الزمن الذي كانت فيها قنوات نفس الدولة (...) تترجم (الخمرة) بـ(العصير)، ولا تسمح بظهور المرأة على الشاشة وإن التحفت بالسواد من قمة رأسها إلى أخمص قدميها..
تلك مرحلة أعقبتها أخرى حينما بدأوا بإظهار المرأة من دولتهم في مسلسلات تلفزيونية من إنتاج دولة أخرى (..)، وشيئًا فشيئًا وبعد أن استوعب الشارع (الصدمة) الأولى، وبعد تحولها إلى حالة طبيعية لا تَرِدُ عليها إنكارات أو امتعاضات، أدخلوا المرأة في مسلسلات محلية تميزت بقوة الطرح السياسي والإجتماعي وفي قوالب كوميدية طغت على ما لم يكن معتادًا، بل وكان مرفوضًا جدًا، فأصبح عاديًا طبيعيًا!
ثم جاء المنعطف بانسيابية عجيبة، فقد تقدم (أغنياؤهم) ففتحوا باقات من القنوات الفضائية التي جذبت الصغار والكبار، وفيها المرأة من الجنسية نفسها (...) بكامل زينتها من تسريحة الشعر إلى المكياج انتهاءً بالأزياء التي تُعتَبَرُ في النظر الثقافي (راقية)، ومن الجميل المريح المفرح ما يشاهده الناس من مزاح ومظارفة بين المذيعة و(زميلها)، ثم أن القناة تنظم رحلة سفرٍ إلى أوربا (ترفيهًا) للموظفين والموظفات (الزملاء) ومن مختلف الجنسيات ومنها جنسية (عصير الخمر)، وهناك يركبون الخيل سوية ويذهبون في رحلات بحرية وبرية مع بعضهم البعض، وتصور الرحلة كاملة وتعرض كبرنامج (ممتع) على نفس القناة، وأما مذيعات نفس الدولة فيتحدثن بلهجتهن (...)، وفي ذلك رسالة. فتأمل.
وفي حلقة (تثقيفية) على نفس القناة ذات الجنسية (...) تشتغل المسلسلات التركية (الطويلة) على الترسيخ لثقافة العلاقة (المؤدبة) بين الجنسين، فالأب يعزم في بيته (صديق) ابنته، ويسمح لها بالسفر معه (سفرة داخلية)، بل ويحثهما على القراءة والثقافة وأن يخلصا لبعضهما البعض، ومن بعد ذلك تتزوج البنت من شخص آخر، وربما رجعت لحبيبها الأول عند الضيق والمشاكل، وقد تتفاهم على الطلاق من زوجها لأنها اكتشفت أن الأول لا يزال يسكن قلبها.. والزوج يتفهم ويبارك ويطلب منها أن تبقى مع عشيقها ولا تستعجل الطلاق، فلربما بدا لها أمر!!
عندما أتابع مثل هذه المسلسلات فلا علاقة للأمر بالقصة أو الانشداد، ولكن الذي أريده هو أن أفهم ما يدور حولي وماذا يخطط (الكبار) لأمثالنا من (الصغار)، فقناعتي أن الآلة الإعلامية تمثل البروز الدلالي الأظهر لما يريده رؤساء ومديرو العالم..
هذه البرامج والمسلسلات والأفلام ومعها الفعاليات الدينية المفصلة على مقاس معين مدروس جيدًا، تشكل تيارًا ثقافيًا لن –وأقولها بضرس قاطع لن- نتمكن من مقاومته، والذي أتوقعه قويًا أن المجتمع سوف يتحرك تلقائيًا في اتجاه تسويغ (المستقبل) وتشكيل (الدين) على نسقه!!
أفهم جيدًا بأن البعض يستبعد هذا الطرح، بل يراه مستحيلًا، فنحن نمتلك المساجد والمآتم الحسينية والتجمعات الدينية المستمرة، مما يصعب على مثل هذه الثقافات أمر اختراقنا..
أقول: قارنوا بين مسجد الأمس ومسجد اليوم.. بين مأتم الأمس ومأتم اليوم.. بين مواكب العزاء بالأمس ومواكب عزاء اليوم..
هؤلاء لا يغيرون بشكل مباشر، ولكنهم يمتلكون أدمغة قادرة على التخطيط بدقة فائقة وعلى المدى الطويل دون ملل ولا استعجال، وما لم ننتبه ونعي ونفهم ثم ندرس ونخطط وننفذ مع صدور واسعة ونفس طويل، فإن المآل إلى ما لا يريد الكثيرون تصوره اليوم، ولكنهم عمَّا قريب سوف يدعمونه وربما شرعنوا قيامه ووجوده.. وهذا لا أتصوره في أكثر من عشر سنوات قادمة، فقد قرر (الكبار) أن ذاك انقضى، والزمن القادم قد قُرِّرَ شَكْلُهُ بعد الحرب العالمية الثانية..
أما نحن فلا زلنا نتوقع ضربة أمريكية لسوريا!!
محمد علي العلوي
19 مايو 2014
No comments:
Post a Comment