Pages

Saturday, June 28, 2014

العراق بوابة الحل للمشكل الطائفي 2/1 // محمد علي العلوي

اعتصرتْ العراقَ على مدى أكثر من أربعة عقود أحداثٌ مؤلمةٌ، ما كان العراقيُّ ليفيق من أحدها حتى وقع في أخرى، فابن الرافدين أُجبر على صنوف من الحروب العسكرية والثقافية والتربوية والاجتماعية امتدت من ذاك الزمن حتى وصلت اليوم لحرب من نوع جديد تمامًا يستحق أن نطلق عليه (مارشال) عدواني برز بقوة، بل بشراسة في واقعة الموصل- محافظة نينوى!

مع مطلع يونيو الجاري، وتحديدًا في الثلث الأول منه، وردتْ أخبارٌ بدخول مجموعات مسلحة من تنظيم ما يسمى بدولة العراق والشام (داعش) مدينة سامراء واحتلالها، وعلى وقع هذا الخبر انتفخت العناوين بين مُهَلِّلٍ فَرِح ومسترجع غَضِب، ولم يخلو الأمر من ثالث قد أسكته العَجَبُ، غير أن الواقع الخبري يقول بأن سامراء تحت سلطة (داعش).

فَرِحَ الغاضبُ وأخذَ المهُلِّلُ مكانه، فقد حرر الجيش العراقي مدينة سامراء وانتهى الحدث.

يومان وإذا بالخبر الجديد يؤكد السقوط التام لمدينة الموصل في محافظة نينوى، والأصعب من ذلك على قلوب البعض أن هذا السقوط كان على إثر انسحابات جماعية لآمري الثكنات العسكرية ومعهم أفراد من الجيش، فبدا الأمر أنها خيانة عظمى من عمق الجسد العسكري في الموصل، ومن المهم أنْ نشير إلى أنَّ مثل هذا الحدث لم يشهده العراق منذ الانتفاضة الشعبانية في ١٩٩١ ميلادية عندما سقطت أربعة عشر محافظة في أيدي المعارضين للنظام السابق.


حصر البعض احتمالاته في أن سقوط الموصل لم يكن إلا لخيانات من رتب رفيعة في الجيش العراقي، في ما وجه آخرون إلى أن وجود نائب الرئيس العراقي السابق له بعدان تنظيميان، أحدهما قيامه على حزب البعث في العراق، والآخر أنه الزعيم والأب الروحي لأتباع الطريقة النقشبندية، وهي من الطرق الصوفية وتفرض الولاء المطلق للشيخ الأكبر، وهو عندهم اليوم عزة إبراهيم الدوري، كما ويذهب أصحاب هذا التوجيه إلى أن البعثيين والنقشبنديين تمكنوا من استمالة وكسب بعض العشائر السنية.

بالإضافة إلى هذين التوجيهين، هناك من يصر على أن البعث وداعش والقاعدة ومن معهم، ليسوا أكثر من أدوات بأيدي دول لها وزنها في المنطقة، وهي التي تدعمهم وتدفعهم وتحركهم بحسب ما تقتضيه مصالحها السياسية.

وكيف كان، فقد اتخذ النزاع في العراق طابعًا طائفيًا مذهبيًا بامتياز تام، خصوصًا بعد السطوع الملفت للفتاوى التاريخية بالجهاد الدفاعي التي صدرت عن أبرز المراجع الشيعة، فالمنعكس في الذهنية السنية أن الفتاوى إنما هي لقتل السنة، وكذلك فالمنعكس في الذهنية الشيعية أن السنة يهددون وجودهم ويريدون قتلهم، ولذلك فالحرب على أرض العراق اليوم ليست بين معارضة ونظام بقدر ما هي بين سنة ضد النظام وشيعة معه!
سواء انتهت الحرب أم لا، فإن الفتنة قد وقعت، ومن الصعب، بل —في رأيي- أن التفكير في إخمادها وبالإضافة إلى عبثيته فهو قريب من المستحيل.

ما أعتقده أننا في حاجة متعاظمة إلى مراجعة الطبيعة الثقافية التي نستند إليها في تحليلاتنا ومعالجاتنا للأحداث والوقائع بشكل عام، وما يسمى بالقضية الطائفية على وجه الخصوص، وهنا أطرح الأسئلة التالية:

ما هي أسلحةُ الفتنة والاقتتال التي استُعمِلَتْ في كل من:
باكستان.. لبنان.. العراق.. البحرين.. وغيرها من البقع الجغرافية (في الأرض)؟

يعيش الشيعة والسنة في ألفة ووئام سواء هنا أو هناك، فيتزوجون من بعضهم البعض وتنشأ بينهم علاقات الخير والمودة، وفي لحظة يقررها أحدٌ ما ترمى كلمة تُسمى (طائفية) وإذا بتلك المظاهر الجميلة تتحول إلى ذكرى.. إلى وهم!

على إثر اشتغال المطحنة الطائفية تبرز شخصيات وتجمعات بأطروحات الحوار والتفاهم ومواثيق الشرف، والواقع إنها تستمر باستمرار الحدث الطائفي إلى أن يصدر القرار من نفس الجهة التي أثارته (من هناك) فيتحول الإشغال الطائفي إلى عنوان آخر مثل المشاريع الإصلاحية والرؤى الديموقراطية وغير ذلك مما يستغرق فيه الناس حتى يحين وقت الورقة الطائفية لتطرح مجددًا، وهكذا تبقى البشرية في استهلاك الحاضر بعقلية الماضي لمصلحة من يدير اللعبة.

لا أعتقد أن المنطقة مقبلة على بركان طائفي كما يعبر البعض، فما يحدث في عراق اليوم نسخة مكررة للمرة الألف مع تغير الظرف لا أكثر، وسوف تعود الأمور إلى الهدوء لنشهد التعايش بين الطائفتين مع انحسار سياسي للتنظيمات المتطرفة بعد انهاكها في العراق وسوريا، ولكنها ليست النهاية؛ فطريقها —كما يبدو لي- إنما هو إلى استراحة ثم استعداد لحين الحاجة إليها مجددًا!

السؤال الآن:
هل يتمكن إنسان هذه البقع الجغرافية من قلب المعادلة وإبطال مفعول هذه الورقة (الجوكر

جوابي: نعم.

كيف؟
هناك مشكل تاريخي عقائدي حقيقي بين الشيعة والسنة، وهو ليس بالمشكل البسيط، وفي الواقع أن تبسيطه هو روح وجوهر الفتيل الذي يشعله (أحدٌ ما) متى ما أراد.

هناك نصوص موضوعية عند الفريقين ترتكز عند كل واحد منهما على عدم تبرئة الآخر..

هناك نصوصُ تكفيرٍ ولعنٍ لا يمكن أن تُلغى؛ إذ أنها مقدسة باعتبارات عدة، ولم تكن المشكلة —في تصوري- إلا بمحاولات تجاوز مثل هذه النصوص وتضعيفها والدعوة لمراجعتها بل والرجوع عنها.

ما هو الحل إذن؟

ما أعتقده:
أولًا:
نحن نعيش في هذه الدنيا، ولا نعلم إلى ماذا تنتهي إليه الأمور في الآخرة، فقد يموت الشيعيُّ سنيًّا وقد يموت السنيُّ شيعيًّا، بل قد يموت أحدُهما أو كلاهما لا دينيًّا أصلًا، وعليه فلينشغل كلُّ واحد بالدعاء للإنسان بحسن الخاتمة.

ثانيًا:
الشيعيُّ شيعيٌّ والسنيُّ سنيُّ، والإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره، فكما أطلب من الآخر أن يحترمني لذاتي وأعتبر اختياري لعقيدتي من الحقوق الأصيلة لي، فهي كذلك للإنسان، وإنما الحساب على الله تعالى.

ثالثًا:
يذهب السنيُّ إلى عدالة الصحابة، كما ويذهب أيضًا إلى أفضلية أول الخلفاء على الثاني والثاني على الثالث والثالث على الرابع بحسب موازينه العقدية الخاصة، أما الشيعيُّ فيعتقد يقينًا بأن الخلافة قد غُصِبتْ من أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم من الأئمة من بعده (عليهم السلام)، وعلى النظريتين تبنى أحكامٌ محوريةٌ لا يمكن تجاوزها، ولا حلَّ لهذا التصادم إلا يوم القيامة، ولذلك فإنه لا غنى عن (لكم دينكم ولي دين) وكذلك فإن الحكمة في (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، أما التناحر بين الفريقين فلا معنى له غير إراقة المزيد من الدماء، وتمكين النظام الإبليسي من تسييرنا حسبما يريد وكيفما يشتهي بحسب ما تقتضيه مصالحه.


رابعًا:
نحن كمتدينين نطلب الحكم الإسلامي في مختلف أبعاد وميادين الحياة، وينبغي أن يُفهم جيِّدًا بأنَّ الحكم الإسلامي لا يعني مصادرة الآخر على الإطلاق، بل الثابت أن الحكم بين كل ملة بشريعتها، وهذا فكر إسلامي متقدم جدًّا، ومن أراد الحقيقة فليراجع كتب الفقه ليفهم.

ما نحتاجه اليوم إنما هو التدرب على استيعاب الآخر بحكمة الإسلام، وإلا فسنبقى أُلعوبةً يحركها الاستكبار العالمي متى ما شاء.

هذه الأحداث تتوالى علينا، وآخرها ما يجري في العراق، فإما أن نتعلم ونتعظ، وإلا فلا أدري إن كنَّا نستحق الحياة أو لا!
25 يونيه 2014

Friday, June 27, 2014

رجالٌ مع وَقفِ التنفيذ // إيمان الحبيشي




كان مُتلهفًا جدًا ليُكمل نصف دينه، يحثُّ والدته كُل حين على البحث الحثيث عمن ستكون أمًا لعياله، وما إن وقعَ نظره عليها حتى هتف منتشيًا (خير البر عاجله)، وعن طيب خاطر قدَّم المهر وسلَّم تكاليف الحفل، واستعد بكل ما يملك من قوة لليلة عقد قرانه.. تهندم ووضع العطر واختار بزة لم يلبس مثلها قط، ثم تأبط ذراع زوجته بعمق حفلتهما وتنهد تنهيدة من حقق كل ما يُريده من الحياة.

في لاحق الأيام نسي الشاب هندامه وعطره، وعلَّق بزته التي لم يقترب منها بعد حفلة قرانه، وعلى الرغم من أنه كان يمتلك صوتًا جهوريًا مطالبًا والدته بترشيح زوجة له، إلا أن صوته لم يعد مسموعًا، فكانت زوجته تقترب من وجهه كثيرًا لتسمع همس (تعليقه) عن سؤال خطر في بالها، وكانت سعيدة بأن تُلقيه على مسامع زوجها، ليُبعد رأسه عنها بكل تقزز (وش فيش صمخه!)
كل اللهفة التي كانت بعيني ذلك الزوج انطفأت بعد أيام أو أسابيع أو أشهر، ولم تكن تتضح تلك اللهفة سوى في لحيظات صغيرة يختطفها من تلك الشابة عنوة!
تساؤلات كثيرة كانت تخطر ببال تلك الشابة ولم تجد لها إجابة..
من أكون في نظر هذا الزوج؟ ماهي الصورة التي يراني فيها: (الشابة المثقفة الجميلة / أم الشر الذي لا بد منه؟!) كيف ستكون أيامنا الجميلة التي لم (أعشها) بعد؟ كيف سنُخاطب أطفالنا الصغار غدًا حين يمُّن الله بهم علينا؟ حتى متى سنكون ضيوفًا في بيت عائلته؟ ما هي الخطة الخمسية التي وضعها ذلك الزوج لحياتهما القادمة؟ ما رأي زوجها في اللون البنفسجي؟ هل لاحظ ملابسها الجديدة اليوم؟ هل لاحظ أن آخر حوارٍ دار بينهما كان منذ ..... لا تعلم من الأيام؟ هل يعلم أن والدته تحبها كثيرًا كثيرًا حتى أنها تنهره حين يُحدِّث زوجته أمامها بكل تعجرف؟
اكتشفت تلك الزوجة أن تساؤلاتها لا يُمكن أن يُجيب عليها ذلك الزوج!
فتمردت بعد حين وطالبته بإنهاء عقد زواج مرّ أذاقها معنى الحرمان والإهمال، رغم أنها ظنته عقدًا للاحتواء ولإغداق الرعاية وتحقيقًا لحياة مشتركة متكاملة! كان كل ما يهم ذلك الشاب هو أن يُدفع له مقابل خسائره على هندامه وحفلتهما ومهرها الذي لم تعد تستحقه!
وصار يُساومها عقدًا مقابل المال!
لستُ بصدد الحكم على صحة موقف تلك الزوجة، أو حتى الحكم على مطالبة ذلك الزوج، إلا أني أتساؤل حقاً،، كم هو عدد الزوجات اللاتي يعشن تحت جناح الزوج، محرومات مُهملات تشعرنَ بالذّل مع كل لفتةٍ يبتعدُ فيها الزوج عن النظر لوجه زوجته! كم حجم الإهانه التي تشعرها نساءٌ في ظل رِجالٍ يعتقدون، أن الحياة الزوجية مُكونة من غرفة واحدة، فإن لم تقبل أن تدخلها تلك الزوجة بطريقته هو، أو إن أصرت على الخروج منها، فقد استحقت عقابًا ماديًا يمكّنه من استبدالها سريعًا بامرأة أخرى مدفوعة التكاليف سلفًا!
مُحزن أننا وفي هذه الألفية، وبين تلاطم أمواج الثورة المعلوماتية، وتحت براثن وسائل التواصل الاجتماعية، وبينما نحن أمة رسولٍ قال: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)، إلا أن بيننا رجال يفتقدون الرجولة، أو يحصرون رجولتهم في الفحولة، قاذفين زوجاتهم في بحر لُجّي من الحاجة للاهتمام، و لتبادل الرؤى وللشكوى وللفرح ولتفاصيل إنسانية دقيقة لا غنى لأي حياة مشتركة عنها، ليتلقفهم وحوشٌ خارج أسوار منازل الزوج، يُسمعونهن عذب الكلام ويُشعرونهن بحجم عقولهن، وروعة شخصياتهن.

لست بصدد الدفاع عن المرأة التي لا سبيل لسد حاجاتها إلا عبر زوجها، بينما يتمكن الأخير من سدِّ حاجته، أياً كانت بمثنى وثلاث ورباع من الزوجات، إلا أنني بصدد مُحاولة للفتِ نظر رِجالِ هذا المجتمع؛
احتفظ بهندامك ولهفتك واهتمامك لما بعد حفلة الزواج، وثق أن المنزل الزوجي مُكوّن من عدة مرافق!
25 يونيه 2014

سَلَامًا سَلَامًا // أم حنين

 
هذا غبي وذاك لا يفهم، هذا ساقط وذاك منحرف، هذا يحرّف في الدين وذاك يشوّه المذهب، هذا ضال وذاك كافر، هذا عميل وذاك خائن.. هذا هو حال بعض الناس وهذه أحكامهم المعلّبة والجاهزة دائماً لإدانة كل موقف وكل شخص، وكل ذلك في سبيل الله ونيل رضاه، طالباً أن يجعله الله خالصًا لوجهه الكريم.

عندما وصف الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أهل الجنة قال بأن خطابهم وأساس حديثهم قائم على شيء واحد (سَلَامًا سَلَامًا)، وعندما أتى على ذكر أهل النار وذكر علاقتهم بعضهم ببعض، وكيفية خطابهم قال سبحانه وتعالى: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا)، فكل جماعة تدخل النار تلعن وتشتم الجماعة الأخرى من أهل ملتها ودينها وتتهمها بأنها السبب في ضلالها وتطالب الله عز وجل أن يعاقبها.. وتأتي جماعة أخرى لتلعن أختها.. وهكذا..

إنها موازين واضحة وبيّنة أعطانا اياها الله سبحانه وتعالى لنشخّص بها حياتنا، وبناءً عليها لا نحتاج أن ننتظر الآخرة لنعرف إن كنّا من أهل الجنة أم من أهل النار والعياذ بالله، فلننظر إلى علاقاتنا الاجتماعية والروابط التي تربط بعضنا ببعض، خطاباتنا، وطريقة تعاملنا مع الآخرين، هل هي (سَلَامًا سَلَامًا) أم (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا)؟؟
 
13 مايو 2014

دورةٌ تدريبيةٌ في التقوى // محمود سهلان



 
قالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). [البقرة: 183]. 

يُعدُّ شهرُ رمضانَ المبارك فرصةً لتحصيلِ التقوى، بل قد تكونُ هي النتيجةَ المرجوةَ الأهمَ من صيامِه، فإنَ لكلِ عبادةٍ فلسفةً ما، سواءٌ كانت ظاهرةً لنا أم خافيةً علينا، ولكن معرفةَ هذه الفلسفة مهمة جدًا، وهي تساعدُ المكلفَ بشكلٍ كبيرٍ لتحقيقِ نتائجٍ رائعةٍ، وذلك عبرَ المعرفةِ التامةِ بالعملِ ورسمِ الطريقِ الموصلِ للنتائجِ المرجوةِ.
 
شهرُ رمضانَ لا يتجاوزُ الثلاثينَ يومًا، فهل المطلوبُ منا الصيامُ خلالَ هذهِ الفترةِ فقط؟ وهل هي كافيةٌ لتحقيقِ الهدفِ الكبيرِ منها؟ وهل سيظلُ الكثيرُ منَّا يعتبِرُها فترةَ التزامٍ شاقةٍ؟ وهل سيظلُ الكثيرُ منا ينتظرُ يومَ العيدِ ليجتازَ مرحلةَ الصيامِ؟ وهل سنظلُ بعيدينَ عنْ فهمِ هذا الشهر بِما فِيه؟ 
 
أسئلةٌ كثيرةٌ قدْ تدورُ في البالِ، ولكنْ.. 

صحيحٌ أننا قدْ نُعاني مشقةَ الصيامِ، وقدْ نُعاني صُعوبةَ محاربةِ النفسِ وكبحِ جِماحِها عن الكثيرِ من ذنوبِها وجرائِرِها وأخطائِها، وقد نُعاني منْ مغبةِ تغييرِ نظامِ حياتِنا اليومِي، وقد نُعاني أمورًا أخرى، لكنَ هذا كلَّهُ لا يتعدى كونَهُ نظرةً سطحيةً بسيطةً لا تصلُ للعمقِ.
 
تعالَ معي لهذهِ النظرةِ..

إنَّ شهرَ رمضانَ دورةٌ تدريبيةٌ مستمرةٌ لمدةِ شهرٍ، تَهدُفُ للارْتِقَاءِ بالإنسانِ والمجتمعِ نحو الفضيلةِ، وهدفُها الأكبرُ تحقيقُ التقوى في كلِ نفسٍ مؤمنةٍ، لتبقى تلكَ التقوى ملازِمةً للنفسِ طِوالَ العامِ، بل على مدى الحياةِ، حتَّى توافِ الإنسانُ المنيةَ. 

أرَى أنَّ هذِهِ النظرةُ أعمقُ كثيرًا منَ الأولى، وأكثرُ إيجابيةً منْها، فلمْ تقفْ هذِه النظرةُ عندَ الجوعِ والعطشِ والألمِ والحرمانِ وغيرِهَا من أمورٍ، بل لاحظتْ الهدفَ والفلسفةَ العميقةَ خلفَها، ونظرتْ بإيجابيةٍ لهَذِه الفريضةِ المقدسةِ. 

إذا تعاملنا جيدًا معَ هذِه (المحطةِ) الرائعةِ ستتغيرُ نظرتَنَا لَهَا، وكلَفتةٍ بسيطةٍ أقولُ أنَّ الجوعَ والعطشَ يُذكِرانِنَا بمَا يعانِيه الفقراءُ ليكونَ دافعًا لنا للإحساسِ بهِم ومساعدَتِهم، كمَا تُساعِدُنا محاربةُ النفسِ علَى التخلصِ من ذنوبِنا وعاداتِنا السيئةِ، وكذلكَ تغييرُ النظامِ يُعلِمُنا التأقلمَ مع الظروفِ المختلفةِ، والالتزامُ التامُ بأوامرِ اللهِ تعالَى حينَ الصيامِ دافعٌ للاستمرارِ على الطاعةِ بقيةَ العمرِ، وهَكذَا في كلِ لحظةِ من شهرِ رمضانَ فرصةٌ للتعلمِ أكثرَ والارتقاءَ أكثر.
 
همسةٌ: شهرُ رمضانَ ليسَ شهرًا للطعامِ المتنوعِ، ولا للإبداعِ في المطبخِ، وليسَ هوَ لمتابعةِ المسلسلاتِ والبرامجِ المتنوعةِ عبرَ التلفازِ، ولا للتجولِ من مقهًى إلى آخرٍ، ولا من مكانٍ ترفيهيٍ لآخرٍ، بلْ هو شهرٌ للعبادةِ والتقوى.

28 يونيه 2014 

عندما تتحول الفكرة إلى واقع // ز.كاظم



جاءني يومًا أخٌ عماني بفكرة إصدار نشرة تخاطب الجالية الإسلامية في المنطقة التي كنّا ندرس فيها.. كانت الفكرة أن تكون هذه النشرة باللغتين: العربية والإنجليزية إذ كانت الجالية الإسلامية خليطًا من العرب والإيرانيين والهنود والأفغان وغيرهم. كنّا حينها في بداية دراستنا الجامعية مطلع عقد التسعينات من القرن المنصرم.. أبدى العماني استعداده الكامل في توفير مواد النشرة من مقالات ومعلومات ومواضيع، والمطلوب مني أن أقوم بخط مواضيع اللغة العربية إذ لم تكن برامج الكمبيوتر في اللغة العربية منتشرة حينها كما هي الآن. وافقتُ على الفكرة وبادرنا على عجل بالعمل عليها. أطلقنا على النشرة اسم نشرة "الانتظار" تيمنًا بالإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف آملين أن يكون انتظارنا انتظارٌ إيجابي يُعدّنا ويُهيؤنا لمقدمه الشريف.
 
بدأنا العمل على النشرة بهمة ونشاط، وبعد الانتهاء من إخراج النشرة جاءتنا فكرة طرح النشرة على رئيس المركز الإسلامي -وهو رجل ذو وقار نكنّ له كل الاحترام والتقدير- أملًا في الأخذ بإرشاداته وتوجيهاته. جئنا إليه يملؤنا حماس الدنيا كله ووضعنا النشرة بين يديه إذ لم نكن لنطرح الفكرة فقط بل أردنا تقديم النشرة جاهزة لئلا يكون هناك بعض الشك في القدرة على إخراجها.. جلسنا معه، وقدمنا النشرة له واعطيناه نبذة عن فكرتها وأهدافها.. قال لنا: لا فائدة.. لا تتعبوا أنفسكم ولا تضيعوا أوقاتكم.. نزلت كلماته كالصاعقة علينا وطفقنا ننظر إليه ولا نكاد نبصر.. واصل حديثه: انظروا حواليكم في المركز.. لاحظوا أرشيف المجلات والصحف والنشرات.. كم منها يُقرأ؟ المشكلة ليست في نُدرة مواد القراءة.. المشكلة في عدم وجود حافز عند الناس ليقرؤوا..
 
شعرنا بالإحباط الشديد واظلمّت الدنيا في أعيننا إذ كان لوقع كلماته أقسى الأثر علينا.. لم يرق لنا كلامه، وعلى بوابة المركز ونحن خارجين حادثنا بعضنا وقررنا المضي قدمًا في إخراج النشرة.. وهكذا كان.. أصدرنا أول عدد من النشرة في شهر رمضان الكريم أملًا في حلول بركة الشهر الفضيل على هذا العمل.. كانت نشرة بسيطة جدًا.. أربع صفحات باللغة العربية يقابلها أربع صفحات باللغة الإنجليزية.. أتذكر أحد مواضيعها عن استشهاد السيد عباس الموسوي رحمه الله إذ كان استشهاده قبل شهر واحد من إصدار النشرة.. حوت النشرة على بعض المواضيع عن شهر رمضان مع بعض المعلومات.. أردناها أن تكون نشرة خفيفة يسهل قراءتها.. صدرت بخط اليد باللغة العربية وبخط الكمبيوتر (ماكنتوش) باللغة الإنجليزية.. كان لون غلافها أحمرًا (لا أعلم لماذا اخترنا هذا اللون إذ لم يكن جميلًا، وكان عليها شعار اسم النشرة بشكل بهيّ، ورسم لصورة المسجد الأقصى).
 
على عكس تنبؤ رئيس المركز، استقبل أفراد المركز النشرة بكل سعادة.. الكثير أثنى على المجلة وعلى هذا العمل الرائع، مما أعطانا شحنة ودفعة على مواصلة الدرب في هذا العمل البسيط جدًا والذي كان كبيرًا وعظيمًا في قلوبنا.. صدر العدد الثاني والثالث..  انضم الى طاقم النشرة شبابٌ أكثر وأصبح لها كادر خاص يشرف على مختلف المسؤوليات كالطباعة على الكمبيوتر، الإخراج الفني، الطباعة، جمع المقالات، .. إلخ. كان الكادر يسهر الليالي في الطباعة والإخراج وكانوا يقضون الساعات الطوال حتى الفجر في محل الطباعة لإخراج المجلة بثوب جميل وحلة بهية خصوصًا أن تقنية الإخراج لم تكن سهلة كما هي الآن..
 
هناك بعض الإفادات التي تعلمتها من هذا العمل أطرحها على شكل نقاط:

1. تحقيق الأفكار ممكن جدًا متى ما توافرت الإرادة والإصرار والسعي الحثيث.. أتفهم الآن موقف رئيس المركز، لكني مع احترامي له أختلف معه.. إذ أن الفكرة لم تكن فقط للحث على القراءة، بل إن لهذا العمل آثار وايجابيات كثيرة جدًا أطرحها في النقاط التالية.

2. قدّم هذا العمل للقائمين عليه الكثير من الخبرة في مجال الإدارة وطوّر من قدراتهم الذاتية.. إذ تشكّل فريقٌ وقُسِّمت المسؤوليات، وحُددت المواعيد، فكانت هناك مواعيد لجهوزية المقالات، ولطباعة النشرة وليوم النشر.. ووضعت آلية لمتابعة أداء العاملين.. أشرف على عمل النشرة طاقم كامل من العاملين لكل فرد منه مسؤوليته المحددة ومع ذلك كانوا يتعاونون مع بعضهم البعض إذا ما دعت الحاجة.
 
3. من إيجابيات هذا العمل أنه شجع الكثيرين على الكتابة وطرح أفكارهم في مقالاتٍ يتم نشرها على صفحات النشرة.. كانت المواضيع بدايةً يتم نقلها من كتب أو مجلات، لكن بعد ذلك تطوّر الأمر وشارك الكثير من الجالية الإسلامية في المنطقة في كتابة المقالات أو الأشعار، ثم تطورّت النشرة بعد أن ذاع صيتها فكانت تستقبل المقالات من كتّابٍ في مدن ومناطق أخرى.. بل تشجع البعض وقام بالبدء في الكتابة وهو ليس بالأمر السهل لمَن لم يكن متعودًا على الكتابة، إلا أن وجود النشرة ساهم في تشجعيهم و دفعهم للكتابة.. فالإحساس بأن هذه النشرة صوتُ الكاتب للمجتمع الذي يعيش فيه ولّد شعورًا بالمسؤولية عند الكاتب في أن يخاطب مجتمعه بعباراته المكتوبة ويساهم في طرح أفكاره على صفحاتها.

4. أعطى هذا العمل حسًا بالمسؤولية عند كادر النشرة وهذا الإحساس تعاظم بالتفاعل مع أفراد الجالية خصوصًا عندما يسألون عن موعد إصدار النشرة ولماذا تأخرت، وما هي الأسباب، وكم وصل عدد توزيع النشرات ووو.. كانت روح المسؤولية تجعل الكادر جليس الحاسوب أو المطبعة لساعاتٍ طوالٍ على التزامًا بأداء مسؤوليته الملقاة على عاتقه.

5. ذاع صيت النشرة حتى قامت الكثير من المراكز الإسلامية بالاشتراك فيها.. كما أن مؤسسة عريقة لها حضور واسع بعثت بمسؤوليها ليتم ضم النشرة إلى الأعمال التي تقوم بها.. طبعًا تم رفض الفكرة إذ كانت النشرة تمثل هوية.. انتماء. ولم يكن ليُسمح أن يتم مصادرتها تحت كيان أو مؤسسة أخرى.. لا أناقش فكرة صحة هذا الموقف من خطئه، إلا أن الجدير بالذكر أن هذا العمل البسيط ولّد عند العاملين شعورًا بالانتماء لهذا العمل.
 
6. أظهر هذا العمل طاقات وكفاءات كانت مدفونة أو غير ظاهرة تمثلت في حسن الإدارة، حسن التعامل، الإصرار، الثبات، القوة في تحمل الضغوط، تنظيم الوقت والعمل، رفع مستوى حس المسؤولية، وغيرها من الأمور المخبئة في العاملين والقارئين والمتابعين.
 
7. أعطى هذا العمل شعورًا بالفخر لأفراد الجالية، إذ كانوا يشعرون أن هذا العمل وليدهم.. كانوا يساهمون في المساعدة ماديًا، لكن العامل المؤثر تفاعلهم الإيجابي الذي كان بمثابة الوقود في قلوب الكادر العامل.. كان احتفاؤهم بالنشرة وانتقاداتهم وتشجيعهم مع المساهمة في الكتابة من أفضل الخدمات التي قدموها لهذا العمل.
 
8. ما كان لله ينمو.. كان هذا الشعار هو الذي يدفع العاملين للتخلي عن الأنانية وحب الذات والظهور كلما أراد الشيطان الوسوسة في صدورهم. هذا الشعار هو الذي جعل الكادر يحاذر من أن يشوب عمله نوع من الرياء والعُجب.
 
للأسف الشديد لم يقدّر لهذا العمل أن يستمر مع أنه تواصل لعدة سنوات.. توقفت النشرة بعد سنين من العطاء.. كان لرحيل الكثير من العاملين بعد انتهاء فترة دراستهم أكبر الأثر في توقف النشرة، وكذلك عدم العمل على تهيئة كوادر جديدة ساهم أيضًا في القضاء على هذا المشروع الجميل.. من المهم جدًا أن يفكر القائمون على أي مشروع في كيفية استمرار ضخ الحياة فيه ليظل مثمرًا معطاءً.. الكثير من المشاريع البناءة الجميلة تموت بعد فترة وجيزة أو حتى طويلة.. والنظر الجدي إلى الأسباب التي تؤدي إلى توقف هذه المشاريع هو الخطوة الأولى التي يمكن الانطلاق منها في العمل جديًا على إزالة تلك الأسباب لتدوم وتستمر مثل هذه المشاريع المفيدة.
 
23 يونيه 2014

الخداعُ بسمِ الدِّين // أبو مقداد

 
 
عطفًا على المقالِ السابقِ، المعنوَنِ بـ "إصلاحُ الأمةِ مشروعُ الإسلامِ الأوَّل*" وانطلاقًا من حادثةِ سقيفةِ بني ساعدة، والمؤامرةِ التي خالفت الشرط الصريح لإكمال الدين الذي صرَّح بهِ رسول الله، وابتكار أول عملية ديمقراطية في الإسلام، بعنوان (انتخاب خليفة المسلمين) من هذه الحادثة الخطيرة، والتي ترتب عليها تغييرٌ كبيرٌ في مجرى مسير الإسلام لنا عدة وقفات لا بد من الوقوف عندها.. للاعتبار!
 
أولا.. تزويرُ الدّين..
قد نستصعبُ أحيانًا أداءَ تكليفٍ شرعيٍّ يأمرنا الله بأدائه ونتثاقلُ فيه، ولكي نهربَ من أدائه، قد نلجأُ لابتكار الحِيل الشرعية، ونتفنن فيها، كأنْ نهبَ ما نملكُ من أموال لأحدهم، للهروبِ من فرضِ دفعِ مبالغ الخُمس، ونسترد المبلغ بعد انتهاءِ وقتِ الخمس، فنكون قد تجنبنا ارتكاب المُحرَّم، ولم نضطر لأن ننفقَ فلسًا واحدًا من أملاكنا العزيزة، متناسين أننا بهذا الفعل قد صنعنا لأنفسنا قوانين جديدة قبال الخطة التي وضعها الإسلام لرعاية الأرض، وتنظيمها!

أيضًا.. حينَ أنزل الله الدينَ الإسلامي، وأعلنَ في حادثة الغديرِ اكتماله، لم يدع فرصةً لأيٍّ كان أن يظن بأنه سيجري أي تعديلٍ على الدين المكتملِ هذا، فالشرعُ المقدس، بمثابةِ خارطةِ طريقٍ للسداد والهداية، في كلّ جوانب الحياة بلا استثناء، ومن طمعَ في بلوغِ الغاية التي رسمها الله له، لا بد له من الالتزام بهذه الخارطة، وتحمُّل ما فيها من مخاطر وضيق، والاستئناس بما فيها من راحات وسرور، لا أن يبحث له عن طريقٍ آخرٍ، ثم يحاولُ جرَّ الدينِ، والطريق الأساسي لطريقه الجديد، فهذا تزييفٌ صريح وتزويرٌ يصنعُ لنا دينًا جديدًا من بنات أفكارنا. لذا ينبغي أن تُعرفَ حدودُ الله جيدًا، ثم نُكيف أفكارنا أو أهواءنا وفقَ خارطة الطريق هذه، لا أن نصنعَ أفكارنا وأهواءنا، ثمَّ نبحثُ لها عن دينٍ يُلائمها!
 
ثانيًا.. استغلال الدين..
بإمكان أحدٍ ما، أن يفتح بيتًا للدعارةِ والبغي والفساد -أجلَّ الله القارئ- ويلصق عندَ بوابتهِ عبارة مزخرفةً بنقوشٍ إسلامية، مكتوبٌ عليها "ادخلوها بسلامٍ آمنين". هذه آيةٌ قرآنيةٌ لا تقبلُ الشَّك والنقاش، وعنونة هذا البيت بهذه الآية يُرادُ لها أن تكونَ دليلَ براءته، وهكذا يُمكننا تمريرُ أي فساد وأيّ عملٍ صالحٍ وطالحٍ فقط عبر عنونتهِ بالإسلام، وقد يبدو للقارئ صعوبة تصديق المثال المذكور، إلا أن التأريخ يثبتُ أنّ مثلَ هذهِ السذاجات تحصل وبشدة، كرفع المصاحف في صفين، وكمحاربة البعض للحسين سبط رسولِ الله من أجل نيل كرسي خلافة المسلمين وغيرها من الأمثلة التي لا تحصى، ونشهدُ هذا اليوم أكبر مثالٍ فيما يحصلُ في أرضِ العراق مع الجماعات الإرهابية، التي ترفع التوحيد شعارًا لها للفتك وسفك الدماء، و ترفع شعارَ التكبير لبدء حزِّ النحور!!

كل هذهِ السلوكيات، شيطانيةٌ صرفة، ولكنها غُلِّفت بغلافٍ شرعي لإضافة الشرعية لها، وقد أسست السقيفةُ لهذا الاستغلال، حيثُ كانت أول عمليةِ استغلالٍ عندما تمَّ عقد اجتماع السقيفة لتوزيع المناصب، أثناء غياب الوريث الوحيدِ المُنَصَّبِ من السماء!
لذلكَ فغلاف الدينِ يجب أن لا يُضفي الشرعيةَ على أيَّ عمل، ولا بد من اختبار فحوى العملِ قبل التعاملِ معه، إن كان ينطبقُ مع حدود الله، أم هوَ مُختلف، بل يجب رفضُ وردع كل من يعملُ في طريق الاستغلال هذا، لأنه سيكون من أكبر أعمدة تشويه هذا الدين!
 
ثالثا.. الغايات؟!
أهمُّ جزءٍ في أيِّ عملٍ هي نيتهُ، لذلك فالأعمالُ قيمتها في غاياتها، فالممتنع عن الشرب والأكل طوال النهار، لن يُحتسبَ لهُ أجرَ صائم، إن لم ينوِ الصيام، ومن ينوي الصيام، ويأكلُ ناسيًا، كمن صامَ صومًا صحيحًا يؤجرُ عليه، والنيةُ هي الفاصلُ في العمل، على هذا كان اجتماعُ السقيفة، حيثُ ظاهرهُ كان خوفًا على ضياع رسالة السماء، واختيار المتصدي لحفظٍ دين محمد، ولكن ما وراء هذا كانَ صراعًا عنيفًا على اقتناصِ المناصبٍ معَ أهميةِ عزلِ صاحبها المنصوص عليه، ففسدَ الاجتماع!

جميعُ السُّلوكيات هذه ستكونُ بظاهرٍ حَسَن، لتُخفي خلفها نيةً سيئة، ولا بدَّ من أنها ستكونُ سلوكيات مميزة، ومقبولة في الوسط المراد ترويج النيات فيه، وقد لا تظهر ملامح النيات بشكلٍ لحظي، لكن أيّ عملٍ يقومُ به أيّ أحدٍ، ويضمرُ خلفهُ نيةً فاسدة، حتمًا ستُفسدُ النيةُ العملَ، ولو لم تظهر النية، فمثلًا، لا يوجدُ على وجهِ الكرة الأرضيةِ من يروجُ للقرآن كأعداء الاسلام "النواصب"، ولكن، لا يمكن أن نحتسبَ نشرهم وترويجهم للقرآن الكريم منقبة أبدًا، بل هي مثلبةٌ في حقيقتها، فنشرهم للقرآن أولًا هو من أجلِ أن يُنسبَ الفضلُ لهم فيه، ثانيًا ان نشرَ الدين على يدهم، إساءةٌ للدين، ورسمُ صورةٍ للدينِ بأنه دين تطرفٍ وسفكٍ للدماءٍ ووو !

لذلك لا يمكن تمرير أي سلوكٍ بحجةِ أنه سلوكٌ قويمٌ قبل أن نعرفَ ما وراء هذا السلوك، والمحرِّكَ له أصلًا!!
العديد من المواقف التي نحتاجُ أن نقفَ عندها في هذه المحطات التاريخية، ونقرأها بموضوعيةٍ ثم نُسقطها على واقعنا، لنكتشف كيف أن التأريخ، لا يتوقف عن إعادة نفسهِ، رغم تطور الزمن بشكلٍ رهيب، إلا أن هذهِ المشاكل، تتكرر وتكرر نفسها، لذلكَ ما دامت قريشٌ تتكرر، فلا بُدَّ أن يتكرر بيننا النبي، ليردعَ شيطانَ قريش، ولا بدَّ من أن يكون في داخلِ كلِّ فردٍ منا "محمدٌ" يُدلي بنبوته، ويحملُ مشروعَهُ الرسالي، في نشر الدينِ بتفعيلهِ وتبليغه، كما جاءَ به النبي الأكرم عليه وعلى آلهِ أفضلُ الصلوات، ويجب أن لا نَخدَعَ، ولا نُخدَع بسمِ الدين، مهما تصاغر حجم الخدعة، فسقيفةُ بني ساعدة، كما تحدثنا عنها، خدعةٌ دينيةٌ صغيرةٌ ابتكرها كبار القوم في قريش، نعاني منها اليوم بعد أكثر من ألفِ سنة !!
 
28 يونيه 2014
 
______________________________ 
* وصلة المقال السابق: http://ertiqabh.blogspot.com/2014/06/blog-post_1376.html?m=1
** سورة الحجر

Saturday, June 21, 2014

دور المرأة في التنمية الحقوقية // إيمان الحبيشي


 
ورقة بعنوان: (دور المرأة في التنمية الحقوقية) / أعددتها وقدمتها في المؤتمر الوطني للمرأة البحرينية بتنظيم جمعية الوفاق الوطني الإسلامية يوم السبت ٢١/٦/٢٠١٤
 
مقدمة:
لم يعد الحديث عن جدلية الدور الذي تُمارسه المرأة موضوعاً بحاجة للمزيد من البحث والتحليل، إذ حسمته كل الجدليات لصالح المرأة وعلى اختلاف الانتماءات والتيارات الفكرية، ولأن التغيير عملية قيادية تراكمية يُمارسها جناحا المجتمع نساء ورجال، فمن الطبيعي أن نُركز على دور المرأة تارة ودور الرجل تارة أخرى، لكن شخصياً أتبنى الاعتقاد بأن المرأة حجر أساس في عملية التغيير الاجتماعي الثقافي بالذات.
 
في مجتمعٍ كمجتمع البحرين، مرت على المرأة كما الرجل ثلاث سنوات مريرة بل صادمة أحياناً، فمن كان يتوقع كمَّ الانتهاكات التي طالت المرأة بذاتها منذ الرابع عشر من فبراير حتى اليوم؟ ناهيك عن معاناتها نتيجة الانتهاكات التي طالت الرجل أباً وزوجاً وابناً.
على مدى هذه السنوات، قادت المرأة ولعدة اعتبارات عملية تغييرٍ في بناء المجتمع يراه البعض إيجابياً ويراه آخرون أحياناً ذا تبعاتٍ سلبية، قد تكون عمليات التغيير تلك بالنسبة للمرأة عملية عشوائية فرضتها الظروف أحياناً، كما فرضها تحدي المرأة لتلك الظروف في أحايين أخرى، إلا أن عملية التغيير لا بد أن تخرج من إطارها العشوائي، لتنتقل لأن تكون عملية مدروسة، مخططة وموجهة اتجاه ما يعود على المجتمع ككل بالفائدة، بحيث تُمارس المرأة دورها دون تكلف ولا شعور بعبء وكذلك دون قفز على الأدوار، ما يخلق تشتت الجهود وضياع الموارد.
 
المرأة والتصدي للعمل الحقوقي
الواقع:
من المجالات الجديدة التي دخلتها المرأة بشكل ملحوظ؛ المجال الحقوقي، فصارت ترصد الانتهاكات على الأرض، أو تُلاحقها بين جنبات المُنتهكِ حقه، تُدونها وتُوثقها وتُرسلها للجهات المعنية داخل وخارج البلاد، تُخاطب بها مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان، وتقود حملات الدفاع عن حق الانسان في التعبير عن رأيه، وممارسة حرية معتقده، مُصرة على حقه في الأمن على نفسه مُستشهدة بالعهود والمواثيق المحلية والدولية التي ألزمت السلطةُ بها نفسها، حبراً على ورق كاشفة الوجه القبيح للسلطة التي استهدفت كل أشكال الحياة والحرية والكرامة لمن عارضها على هذه الأرض، وربما تجاوزت حتى حدودها، ومن خلال هذا العمل برزت العديد من القيادات النسائية الحقوقية التي لم تُفوِّت السلطة أية فرصة لاستهدافها ومضايقتها ومعاقبتها على العمل الذي قامت ولا زالت تقوم به، وهو ما أُعده من مصاديق التغيير الذي خاضته المرأة تحت سلطة الظروف متحدية إياها بكل جدارة.
 
الطموح:
لكن ماذا عما يمكن أن تقوم به المرأة ومن بوابة اشتغالها كناشطة أو مُدافعة أو حتى مُهتمة بمجال حقوق الإنسان ضمن عملية تغيير مدروسة تستهدف ما هو أبعد من مُجرد الحديث عن انتهاكات السلطة أو رصدها وتوثيقها؟
ماذا عن دورها في إعداد مجتمع يحمل ثقافة سلوكية حقوقية بات من الواضح أننا نحتاجها في مُواجهة سلطة سلبتنا كل حقوقنا؟

أليس من الممكن أن يكون للمرأة دورها في تغيير ما راكمته سنوات القمع والتهميش؟
 
لا يُمكن أن يرزح مجتمع تحت سلطة قمعية كسلطاتنا العربية والخليجية كل هذه العقود دون أن يكتسب شيئاً من صفاتها.
 
عمليات الفرز والتحزب، عمليات تسقيط المختلفين، عمليات الانقضاض على المختلف وعزله ومهاجمته، كل تلك العمليات تمزقات صرنا نعانيها داخلياً، ولا أعتقد أن النضال في وجه السلطة يُغنينا أو مسموح له ان يُشغلنا عن عملية النضال الداخلي التي لا بد أن تكون مستمرة، منظمة، تخضع للتقييم الداخلي، وتتعرض للتقويم بين حين وآخر.
 
المرأة هي الأم في دورها الأول، هي المعلمة في رياض الأطفال ومختلف مراحل التعليم، هي الطبيبة والسياسية والخطيبة والمتطوعه وربة البيت والعاملة.
 
وحدة التغيير الأساسي في كل المجتمعات هي الفرد، فمتي ما وضعت كل امرأة في مجتمعنا نصب عينيها أهمية خلق جيل واع يمارس ثقافة حقوقية سلوكية تقوم على احترام الآخر مهما اختلفت فئته العمرية ومكانته الاجتماعية وخلفيته الثقافية، ثقافة تقوم على نقد الأفكار واحترام عملية التفكير مع صون كل ذات بشرية من التسقيط والإذلال الفكري فضلاً عن الإذلال النفسي والاجتماعي. أثق أننا حينها سنخطو بضع خطوات للأمام، ولن نحصد ثمارها اليوم فحسب بل على المدى الطويل جداً.
 
إن نجاح المرأة بشكل محدد يتبعه نجاح الوحدة الأساس في كل المجتمعات ألا وهي الأسرة وبالضرورة يتبع ذلك النجاح نجاح مجتمع بأكمله أفراداً وجماعات.
 
هل أحتاج أن أُذكركم بأن المجتمع الذي يقوم في أساسه على حرية التفكير بمسؤولية، المجتمع الذي يحترم عقول أفراده فيُخاطب تلك العقول مربياً النشأ على حرية مسؤولة قادرة على التغيير، هو مجتمع قادر على مواجهة كل التحديات التي تهدف لإخضاعه، ذلك أنه مجتمع حي منصرف لقضاياه الأهم ثم المهم، مجتمع يدفع باتجاه المصالح العامة محترماً المصالح الخاصة دون أن يلغيها (أي المصالح الخاصة) ودون أن تتفوق الأخيرة عليها (أي المصالح العامة)، مجتمع قادر على ابتكار مشاريعه الخاصة التي تحميه ممن يتربص به سوءاً، ولا أسهل من سحق مجتمع يعاني من التشرذم الاجتماعي والثقافي.
 
كلمة من هنا أدفعها تجاه كل امرأة وأُخاطب بها نفسي، لنكن بحجم التحدي ولنرفض عمليات التهام فئات المجتمع لبعضها بعضاً، بفتح ممرات وطرق التحاور والتفاهم ولا أقدر من المرأة على عملية البناء الشاقة هذه.
 
20 يونيه 2014

ارفع خشمك.. أنت الأفضل // أم علي


من حَقِّك أن تكون الأفضل والأميز بين المحيطين بك، لكن لا بدَّ أن لا يكون ذلك على حساب تهميشهم..
 
إنَّ السعي للارتقاء غايةً طبيعية، إلا أنَّ الفوز بالمراكز الأولى والمراتب العليا يدفع البعض أحيانًا للاكتساء بالغرور، ويتناسى وربما يغفل فعلًا عن أنَّ التغني بالأفضلية والتعالي على الغير أمر مذموم ولا ترضاه أي نفس غايتها في الدنيا العمل لمرضاة الله عز وجل، فالغرور مقبرة وسقوط علني في الهاوية، بل هو بداية الموت لأي شخص يترفع على غيره خاصة إذا كان هذا الترفع لنجومية عابرة أو تميز هش مصيره في النهاية الزوال.
 
التعالي والاغترار بالنفس سمة للبعض خاصة أولئك الذين يصلون إلى المناصب أو عموم التفوق على الغير في ساحة ما.
 
المتعالون عقدتهم الإحساس بالنقص، لذا فإن فور حصولهم على أفضلية في موقع أو مجال معين لا يفكرون إلا برفع خشومهم والتغطرس على من حولهم، وهم جهلاء يهملون التركيز على أعمالهم وانضباط أمورهم ويركزون في كيفية إثبات أفضليتهم للآخرين وبذلك يكونون غير مسيطرين على مواقعهم وأفضليتهم بل منشغلين بالتكبر، فالمشي كالطاووس غاية يمارسونها يوميًا والصراخ والعويل أسلوبهم لإشباع (الأنا) لديهم معتقدين أنهم بذلك يسيطرون على القمة ويبعدون الآخرين عنها.
 
هوس التفوق والفوقية والأستذة صنوف وسلوكيات بغيضة نلحظها في تفاصيل حياتنا اليومية في المرافق العامة والخاصة بل بين الزملاء في المهنة الواحدة ولا نبالغ إذا قلنا بأنها موجودة في منازلنا.
 
شخصيًا أستغرب من سير بعض الشباب والفتيات بصدور «منتفخة» ملئت بالغطرسة والنظر إلى الناس بعين الاستصغار.
 
التهذب في التصرفات والسلوكيات أمر لا بد منه في حياتنا بل إن الواحد منَّا لا بد أن يحاسب نفسه في أي لحظة عابرة من يومه كأن يتساءل عمن عاملهم بسوء ظن أو بغيبة أو بتلفيق تهمة من التهم.
 
لو أننا حاسبنا أنفسنا على تصرفاتنا اليومية (قبل النوم أو بعده) لابتسمت لنا الحياة ولعرفنا أن حسن الخلق هو الفطرة التي لا بد أن نلزم حدودها وأن نجعلها هدفاً ساميًا نرتقي للوصول إليه حتى تسمو الحياة إلى الأفضل وتخلو من أشكال الغرور وصنوف الغطرسة الزائفة، وتذكروا بأن هذه الدنيا نهايتها الزوال وبأنها في ملكوت الله لا تساوي (جناح ذبابة)
 
20 يوينه 2014

العلم العقلي يحقق إنسانيتي // محمود سهلان



يذكر علماء المنطق أن هناك أربع مراحل للعلم، وبعضهم قال ثلاث، وبداية سأطرح عليك المراحل مع توضيح مختصر لكل مرحلة.
 
المرحلة الأولى: وهي مرحلة العلم الحسي، وهي مرحلة إدراك الأشياء عن طريق الحواس الخمس الظاهرة، وهي الباصرة، والسامعة، واللامسة، والشامة، والذائقة، وتكون جلية واضحة عند الأطفال، ومن ذلك معرفتك بحلاوة شيء ما عند تذوقه، فتتكون لديك صورة في الذهن مع وجود نفس الشيء.

المرحلة الثانية: وهي مرحلة العلم الخيالي، وهو ليس إلا تخزين صور الأشياء التي نحس بها في الذهن، ثم استحضارها مع الإنفصال عن الخارج، ولك أن تنظر للهاتف في يدك ثم تغمض عينك فتجد الصورة حاضرة في ذهنك، ويكون للصورة حينها مقدار لكن لا مادة لها كما في العلم الحسي.

المرحلة الثالثة: مرحلة العلم الوهمي، وهي مرحلة ندركها في المعاني الجزئية التي لا مادة لها ولا مقدار، كحب الأبوين، والخوف من المرض، وهكذا، فندرك أشياء لا مادة لها ولا مقدار لكنها جزئية لا تنطبق على كثيرين. وهذه المرحلة يقول بعض المناطقة أنها غير موجودة.

المرحلة الرابعة: وهي مرحلة العلم العقلي، أو مرحلة إدراك الكليات، وفيها ندرك المعاني الكلية، أي التي تنطبق على كثيرين، وهي لا مادة لها ولا مقدار كذلك، وفيها يتميز الإنسان عن باقي الحيوانات، فهي تشترك معه في المراحل الثلاث السابقة ولو بدرجة ما، وقد تتفوق عليه في بعضها أحياناً ولو جزئياً.

مرحلة العلم العقلي هي التي يكون الإنسان بها إنساناً بالفعل، فيرتقي بنفسه من مرحلة الإنسان بالقوة، ومن مرحلة الاستعداد والقابليات، فيكون إنساناً. وحتى هذه الإنسانية تكون متفاوتة من شخص لآخر، فعلى قدر ما تملك من عقل تكون إنسانيتك، وكلما كمل العقل وازداد الإنسان عقلانية ارتقى في مدارج الكمال، وكلما ابتعد عن العقل (الحجة الباطنة) تسافل في مراتب الانحطاط. وقد نتمكن من تقسيم المستويات إلى ثلاثة رئيسية:

الأول: وهو من يستخدم عقله ويؤمره على قواه النفسانية الأخرى فيكون إنساناً، ويبقى في حدود الإنسانية.
 
الثاني: وهو من يكون عقله أسير قواه النفسانية من شهوة وغضب وغيرها، فيكون كما قال تعالى: (كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان:44].

الثالث: وهو من تجاوز بعقله كل مدارج الكمال حتى وصل لأعلاها مستوى، وتجاوز حتى الملائكة المقربين، بل هم في خدمته دائماً، وهو بالطبع قد أمر عقله على قواه جميعاً، وبلغ ما بلغ، وليس بمثال أوضح من رسول الله محمد (ص)، وخير دليل قوله تعالى: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (*) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) [النجم: 8 - 9]. وأنت تعلم أن هناك حداً وصل إليه جبرائيل (ع) فتوقف لأن لا يمكنه تجاوزه، لكن رسول الله وخير خلق الله محمد (ص) استطاع ذلك، وهو خير خلق الله دون أدنى شك.

لا نريد أن نكون في مستوى من هم كالأنعام بل أضل، ولا نستطيع أن نصل لمرحلة التفوق على الملائكة على الأغلب، وهو على أقل تقدير صعب جداً، ولذلك أقول فلنسعى لتحقيق إنسانيتنا، وطريق ذلك هو العقل لا غير، فبه أكون عابداً، وبه أكون خلوقاً، وبه أكون عالماً، وبه أكون حكيماً، وهكذا، فهو الطريق المستقيم المودع داخل الإنسان.

والمتتبع لآيات القرآن الكريم يجد كماً هائلاً من الآيات الداعية للتعقل والتدبر والتفكر (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: 24]، وكماً كبيراً آخراً من الخطابات الموجهة بشكل خاص لأولي الألباب وأولي الأبصار (أصحاب العقول)، كقوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ) [الحشر: 2].

وفي الختام أدعوك لمطالعة حديث الإمام الكاظم (ع) لهشام بن الحكم والتدبر فيه، فإن فيه معارفاً عظيمة، وهو الحديث الثاني عشر من الجزء الأول في أصول الكافي.

20 يونيه 2014

تغاير الأفهام وتعدد الصور // ز.كاظم



قبل فترة طويلة طُرِحت علينا فكرة أن نجتمع كمجموعة شباب ونقوم بمطالعة كتاب على شكل جماعي. الطريقة هي أن يقوم جميع أفراد المجموعة بالاجتماع أسبوعياً لفترة ساعة واحدة، على أن يقوم جميع أفراد المجموعة بقراءة الأجزاء المقررة بينما يقوم أحدنا -بالتناوب- بشرح الأجزاء المقروءة. تم الاتفاق على قراءة كتاب "المرسل.. الرسول.. الرسول" للشهيد محمد باقر الصدر (قده).

الجميل في هذه الفكرة هي عدة نقاط:

1. أن الجميع يقومون بالقراءة قبل الاجتماع، وفي هذه الطريقة عملية من التحضير والإعداد تساعد الأفراد في جعل اجتماعهم مثمراً ومفيداً. وقد استفدتُ كثيراً من هذه الطريقة في حياتي العملية. فهناك فارق بين أن تحضر اجتماعاً وانت مستعدٌ له وقد قمت بالتحضير المسبق وبين أن تحضر وأنت لا تعلم من الاجتماع إلا عنوانه.

2. عملية التحضير والإعداد المُبكّر تساهم في أن تكون الاجتماعات أكثر فائدة فلا يتم تضييع الوقت في شرح الأجزاء المقروءة للأفراد الآخرين بل تتم عملية المناقشة والحوار بعد تقديم موجز عن ما تم قراءته في الأجزاء المقررة. وهذه الفائدة أرى أهميتها الآن في الحياة العملية، فالكثير من الاجتماعات تُستنزف على البعض الذي لم يكلف نفسه عناء الاطلاع والبحث المبكّر. هناك بعض الأفراد قد يتم استغراق الاجتماع لأكثر من نصفه على إجابة لأسئلتهم التي كان بالإمكان الإجابة منهم عليها لم قاموا ببعض الإعداد والتحضير. 

3. اختلاف الأفهام، وهذا هو محور هذه المقالة وعليه أقول:

كان من أغرب الأمور وأشوقها بالنسبة لي هو اختلاف أفهامنا كمجموعة نقرأ أسطراً محددة من كتاب واحد ولكاتب واحد.. يأتي الذي عليه مهمة الشرح فيشرح فهمه للأفكار المطروحة في الأجزاء المقرر قراءتها، فينبري الآخر معترضاً على الشرح ويطرح فهماً مغايراً، ويقوم ثالث معترضاً إما على الإثنين أو متفقاً مع أحدهما، وهكذا.. كانت تلك الأجواء بحق ممتعة إذ ترى بصورة جلية تغاير الأفهام بين مجموعة مترابطة ومتقاربة في الأعمار، لكنها مختلفة في أبعاد أخرى من ضمنها الفهم.. ليس بالضرورة أحدنا أفهم من الآخر، فهذا ليس ما أعنيه، بل الذي أعنيه هو اختلاف الفهم وتباينه وهي حالة جميلة جداً تجعلك تنظر للأمر الواحد بعدة زوايا وأبعاد مختلفة..

في أحد مواد الإلقاء "speech" في الجامعة أمثلة تُطرح على مسألة تغاير واختلاف الأفهام أطرح منها اثنين. المثال الأول: تجعل مجموعة في حلقة دائرية وتهمس في أذن الأول بمعلومة أو قضية ما بدون أن يسمع الآخرين، فيقوم الآخر بهمس ما قلته له في أذن الذي على يمينه، وهكذا تستمر العملية حتى يتم نقل المعلومة على جميع أفراد الدائرة. ثم يُطلب من الأخير أن يصرح بالمعلومة على الملأ. في أغلب الأحيان تكون المعلومة الأخيرة مختلفة جداً عن الذي همستَ به في أذن الأول. تأمل الآن في مسألة سماعك عَن ما يُنقل لك، فليس بالضرورة أن يكون الذي نقل لك كاذباً أو مفترياً وإنما قد يكون فهمه مخالفاً للنقل، وبالتالي فهو ينقل لك فهمه للمعلومة أو للأمر.

المثال الثاني: عند يحدث حادث -أي حادث، سواء حادث سيارة أو عراك أو حوار- أمام أنظار عدة أشخاص، فعندما تقوم باستطلاع ما رأوه بأعينهم وسمعوه بآذانهم كلاً على حِدة، فإنك تجد اختلافاً بينهم، وهذا راجع لعدم أمور من ضمنها تفاوت الأفهام واختلافها. وقد يتحكم في هذا التفاوت عدة أمور، من ضمنها الزاوية التي يُنظر منها، أو الالتفات الدقيق للحادث والتركيز عليه، أو الحالة النفسية والذهنية للأشخاص.. إلخ. وعند الاستطلاع تكتشف أن لديك ربما صوراً متعددة ومختلفة لحادث واحد.

الأمثلة من الحياة الأسرية والاجتماعية والسياسية وووو كثيرة على تغاير الأفهام وتباينها، فعندما يأتي إليك ابنك ليخبرك عن مسألة ما، فحذاري من أن تتسرع وتتهمه بالكذب (وهذه عادة تربوية خاطئة جداً تساهم في تعليم الطفل الكذب) فلربما فهمه أوصل له الصورة التي نقلها لك وليس بالضرورة أن تكون الصورة كاملة أو سليمة. وعندما تسمع من الآخر رأياً معيناً أو قصة ما، فحاذر من أن تقبل أو ترفض ما يقوله بل حاول أن تفهم فهمه فلربما تتساعدان على الوصول إلى الصورة الحقيقية للقصة أو الرأي.

التغاير في الأفهام عملية جميلة جداً متى ما تم التعامل معها بصورة صحيحة، فهي قد تكون محركاً لفهم الأمور من زوايا عديدة، وقد تشكّل في ايضاح المواقف وفهم الأمور بشكل بدقة أكثر وأشمل. من الأمور التي تساهم في عرقلة عملية فهم الآخر هو الاستعجال في الحكم على فهم الآخر بدون النظر إلى فهمه من زاويته، وكذلك أيضاً فإننا قد نجعل من تغاير الأفهام مدعاة وسبباً للخلاف والتناحر وهذه علمية تستنزف الجهود والطاقات ولا تساهم في حلحلة وفهم القضايا.. هناك اختلاف وتغاير في الأذواق والأشكال والألوان و في كل زاوية من زوايا هذه الدنيا ترى عملية التغاير والتمايز ولا تشكل هذه الحقيقة من التمايز والتغاير أي حساسية عندنا بل نتقبلها كحقيقة وواقع موجود في هذه الحياة، بل نستفيد منها كثيراً في تشكيل لوحات فنية جميلة بتمايز الألوان، وتنتعش التجارة باختلاف الأذواق، ألا يجدر بنا أن نجعل من تغاير الأفهام وتمايزها قوة حقيقة تفيدنا وتفيد مجتمعاتنا؟

20 يونيه 2014

إصلاحُ الأُمَّة .. مشروعُ الإسلام الأول // أبو مقداد


 
 
المشروعُ النهضوي الفكري، الذي بدأهُ خاتمُ الأنبياءِ مُحمدٍ صلى الله عليه وآله، والذي أعلنَ اكتمالهِ في يومِ الغدير، تعرَّضَ لنكسةِ انقلابِ الغالبيةِ الكاسحةِ على أعقابهم، وما كأن نبيهم أوصاهُم بشي، إذ تمت مخالفة أهم شرطين اشترطهما النبي، في نجاح واكتمال مشروعه السماوي، وهما ولاية علي بن أبي طالبٍ كشرطٍ لاكتمال الدين، والالتزام بالقرآن والعترة في حديث الثقلين كشرطٍ للهداية عن طريق الضلال. والشرطان متكاملان، فبعد سنينِ دعوة الرسولِ لدين الحق، وبعد إشاراته الواضحة -التي لا تحتاج لأي تأويل- إلى الطريق السليم، يبقى مع الإمام علي أربعةٌ من أصحابهِ ثابتين فقط على ذات الطريق، بينما جميعُ من شهد الحديثان وغيرهم، منشغل بالعمليةِ الانتخابية الديمقراطية الكبرى، والأولى في الإسلام لانتخابِ الخليفةِ الأول، ضاربين بها كلام نبيهم عرضَ الحائط، هادمين في السقيفة، البناءَ الذي اجتهد النبي في تشييده طيلة ثلاثٌ وعشرونَ سنة، وبهذا يعودُ غالبية مجتمع قريش للجاهلية التي خلصهم منها الإسلام، فماذا صنعَ أمير المؤمنينَ علي (ع)؟

كانت المرحلةُ صعبة جدًا، ومسؤوليةٌ ثقيلةٌ على كاهلِ أمير المؤمنين (ع)،  فاليوم هو بات يحملُ مسؤليةَ تفعيل وإحياء دين النبي الأكرم، وإعادةِ البوصلةِ لشمالها الحقيقي، وهدمِ أصنام الجاهلية التي بُنيت في العقول، مع ملاحظةِ أن كل ما يملكهُ من الرجال، غيرَ أهلِ بيتهِ أربعةٌ فقط!

نظرةٌ من خارجَ الصُّندوقِ للمشهد، بمقارنةٍ بسيطة، يقولُ المؤرخونَ أن عدد المسلمين الذين شهدوا حادثةَ عيدِ الغديرِ الأغر يتراوح بينَ مائة ألف، ومائةٌ وعشرونَ ألفًا، وكما ينقلُ لنا ذاتَ التأريخِ أن من بقي مع عليٍّ أربعةُ أشخاصٍ فقط، نلاحظُ أن هناكَ مشكلةٌ رئيسيةٍ عندَ ما يُسمَونَ بأشرافِ قُريش، وفي حُبهم للسلطة، وجشعهم الطائل، والتضحية بالمجتمع الإسلامي كلهِ من أجلِ إشباعِ رغباتهم. والمشكلة الثانية والكبرى تكون في المائة وعشرون ألفا الذين شهدواحادثةَ الغدير، وبايعوا علياً في تنصيبهِ للخلافةِ بعدَ النبيّ ص)، ثم عادوا لينتخبون غيرهُ ليكونَ خليفةً على المسلمين، وعُنوِنَ عملهم بأنهُ قُربةً للهِ تعالى!!

لهذه المشكلة بُعدان، البُعدُ الأوّلُ هوَ جهلُ الناسِ وركوبهم أي موجةِ ارتفعت أمامهُم، دونَ أي يدركوا فداحةَ ما يفعلون، وهذا الجهلُ إن كان بسيطاً ومقصودًا في بدايته، فتلقائياً سيتحولُ لمشكلةٍ كبيرةٍ وجهلٍ مُرَكَّب في قادمِ الأيام. أما البُعدُ الثاني للمشكلة، فهو معصيةُ الله، ومخالفةِ أوامر ووصايا الرسولِ علنًا باسمٍ الدينِ والإسلام، الأمرُ الذي منحَ السقيفة شرف صناعةَ دينٍ آخرٍ ضدَّ الدينٍ الحقيقي الذي أنزلهُ الله على قلبِ محمد صلوات الله وسلامُه عليه!
 
(سنناقشُ في هذا المقال، البُعدُ الأولُ لنوفيه حقَّهُ، وقد يكونُ البُعدُ الثاني هو انطلاقة مقالِ الأسبوعِ القادم)

الإمام علي عليه السلام:
أسوأُ من الأعداءِ، هم الجهلةُ المُغيبةُ عقولهم، والذين ينعقون خلفَ كل ناعق، فهؤلاء، لا تتمكن من إزاحتهم عن طريقك، ولا تتمكن من الثقةِ بوجودهم معك، وهم يشكلون عقبةً وأزمةً حقيقية في كلٍّ عملٍ ستقومُ بهِ معهم أو بدونهم، لذلكَ كانت مهمتهُ الأولى هي مواجهةِ جهلهم وإكمالِ عقولهم.


واجه أميرُ المؤمنين سياسات الدولةُ الغاصبةِ بشكلٍ ضمني في الغالب، ولكن تركيزهُ الأول كانَ يصبُّ في هذهِ الأمةِ ووعيها، وقوتها، وصلابتها، لا في مواجهةِ مع الدولةُ التي لا يملكَ الأدوات التي تمكنه من محاربتهم بها.. فكان يضربُ أروع وأكبر مثالٍ في العدالة، والإحسان، والصدق، وكان الرجل الوحيد بعد النبي محمد (ص) الذي التزمَ بجميع القيم التي يتبناها الدينُ الحنيف، وكانَ مثالًا للقائدِ المُعارِض الذي لَم يتغيَّر حينَ استلمَ منصبه وقادَ الدولة، فصنع من نفسهِ نموذجًا للمسلمِ المثالي، وأثبتَ إمكانية تطبيقِ هذا الدين، لدرجةِ أن تمثَّلَ الإسلامَ في شخصٍ وهوَ "علي"، وبهذا المنهج كانت سيرةُ المعصومينَ جميعاً، حيثُ صُبَّ جُلَّ اهتمامهم على هذا المجتمع الذي ارتدَّ بعدَ هَديِه، ولن يسَعنا في مقالٍ أن نستعرضَ دورهم جميعهم، لذلك سنطوفُ ببعضِ المحطات المهمة، التي نتمكنُ من إيصالِ الفكرةِ العامة.

الحسين عليه السلام:
على الرغم من تهديدِ يزيدِ المباشَرِ للحسينِ، وإباحة سفكِ دمه ولو كانَ مُتعلقًا بأستارِ الكعبة، إلا أنه لم يتجه في بادئ الأمرِ للمواجهة المُباشرةِ مع يزيدٍ الفاجر، إنما خرجَ ليُعالجَ الأسباب التي مكّنت يزيدَ من الطغيان لهذا الحد، فحجَ متسترًا من مكةٍ وشعارهُ الأوّل "إنما خرجتُ لطلبِ الإصلاحِ في أمَّةِ جدِّي" فقد كان إصلاحُ الأمةِ هو هدفهُ الذي ينشده، وحتى في معركتِهِ كان همّهُ إصلاحَ الأمةِ لولا أنه اضطّرَ لحربه ضد جيش يزيد!( ١)

الإمام الباقر، والإمام الصادق عليهما السلام:
عكفَ الإمام الباقر عليهِ السلام على تأسيس المدرسة العلمية التي تحولت لعملاقةِ المدارس فيما بعد، والتي اعتمت بشكل رئيسي على نشر أنواعَ العلومِ المُختلفة والمتنوعة في الأمةِ والمجتمع الإسلامي، ووضع أساس البحث العلمي، والحث على طلبِ العلمِ والكتابةِ والقراءة، ليكملَ من بعدهِ الإمام جعفر الصادق عليه السلام ما بدأهُ الباقر، فيبتَّ في مُختلف العلوم، العقلية والدينية والفيزيائية والكيميائية والتاريخية والفلكية والطبية والرياضية وووو...، متفادينَ بشكلٍ كبيرٍ خلق الصدام والتحدي مع الدولةِ الظالمةِ آنذاك من أجلِ انجاح مشروع إصلاح الأمة والمجتمع، فازدهرت في عصرهما العلوم، والرغبة في طلبِ العلم ونشرهِ، وهذا كانَ تأسيسًا مكَّن الكثير من العلماء آنذاك من التوسع في الكثير من العلوم المختلفة، ولو انشغلَ الإمامان بمواجهة السلطة، لما تمكنا من إنجاح مشروع المدرسةِ العلمية التي لم تُنشَأ في التأريخِ مدرسة مثلها!!

وقد كان يتيح المجال لكل عالمٍ وجاهل أن يطرح آراءه وبحوثه العلمية وحُججه وبراهينه، بل ويشجِّع عليها، ولا يكاد أن يمرَّ يومٌ في بغداد آنذاك بدون أن يتم إصدار كتاب جديد أو رسالة علمية، وإن كان بعضها في قمة الانحراف عن الحقيقة، بل أسس الصادق عليه السلام ثقافة الورَّاقة(٢) التي ازدهرت كمهنة رائجة في عصره، حتى يتيح لكل من يحمل الفكر أن ينشر فكرهُ، وكان يُقابل الحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان والفكرة بالفكرة، كما هو في حال ابن الراوندي الذي كاد في بعض مؤلفاته أن يمس الأصول الثلاثة للإسلام " التوحيد والنبوة والمعاد"، ولم يكن يعاقِب أو يسخط على من يخالفهُ من هؤلاء كما هو الحال بالنسبة لبلاد فارس وبعض دول الغرب آنذاك.

وبهذه الطريقة أسس الإمام جعفر بن محمدٍ الصادق مدرسة المذهب الكبرى التي فرضت نفسها بقوة منطقها وحججها، لا بقمع الفكر الآخر والسيطرة عليه، ليؤسس لفكرة أن لا حصر للفكرِ، وأن البحث وتحصيل العلم يجب أن لا يُحتكرَ في فئةٍ أو شخوصٍ أو جهات، بل هو أمرٌ مطلوبٌ من الجميع ممارسته قبل أن يكون من ضمن حقوقهم، حتى مع وجودِ الإمام المعصوم.(٣)
 
فيما سبق، مررنا مرورًا سريعاً على لمحات من بعضِ مواقف المعصومين، نلاحظُ فيها اهتمامَ المعصومين في إصلاح المجتمع والأمة، في مختلفِ الجوانب، ليرسلوا لنا نموذجًا عن المنهج المثالي للعملِ في هذا الإصلاح، لذلكَ أقولُ أنه لا بدَ لنا من إيجاد مشروعٍ يستندُ على منهج ونموذج المعصومين، ليكملَ مسيرتهم ويُفَعِّلَ خطتهم في الإصلاح، فلا بد من وجود الخطة العلمية، والثقافية، والاقتصادية، والدينية، والسياسية، ووووو ...، والخطوةُ الأولى في تفعيل مشروعهم هو الإطلاع على سيرتهم وقراءتها قراءةً موضوعيةً، وفهم دورهم الحقيقي في إصلاحِ المجتمع، وفي الهامش أسماء لثلاث كتبٍ، استفدتُ منها في كتابة هذا المقال، ومن المهم والمفيد جدًا الإطلاع عليهم وقراءتهم.(٤)

20 يونيه 2014

_____________________________
(١) يمكنُ للقارئ العزيز متابعة كتاب فاجعة الطف، لمؤلفه السيد محسن الحكيم، لتوضيح الفكرة المشار لها.
(٢) الوراق: هم جماعة يعملون على نسخ الكتب يدوياً بعد تأليفها من قبل العلماء، أي كعملِ المطبعة في عصرنا هذا.
(٣)يمكنُ للقارئ العزيز متابعة كتاب "الإمام الصادق في نظر علماء الغرب" لتوضيح الفكرة المشار لها.
(٤) يمكنُ للقارئ الاطلاع على كتاب "الحياة السياسية للإمام الرضا" لمؤلفه السيد جعفر مرتضى العاملي

Friday, June 20, 2014

أين نحن من الثورة .. ؟! // زينب م

 
 
بمجرد أن نقرأ تلك الجملة سيتبادر للذهن شعبٌ خرج قبل الثلاث سنين من منزله، متمردًا، حاملاً روحه بيده، طالبًا تغيير وضعه البائس، فرفع شعاراته، قاوم من أجلها وقُمِعَ لأجل أنْ يتراجع ولكنه لازال يقاوم، منتظرًا أن يشهد بشرى انتصاره قريبًا.
 
ولكن لحظة!..
 
ثمة سؤال! أين الثورة في نفوسنا؟ هل فعلاً ما قمنا بها من ثورة لتغيير وضعنا السياسي، قد أثرت بالإيجاب على النفوس ومن ثم في المجتمع على التوالي؟ هل زادنا هذا البلاء قوة على إعادة برمجة ذواتنا، وتحسين أفعالنا؟ أفهل ساهمت في زيادة تكاتفنا ووحدتنا؟ وتعزيز قوتنا! هل زادتنا نضجًا فكرياً ووعياً لما يجب أن نكون عليه؟ فنعالج نقاط ضعفنا ونرتقي بأنفسنا ليرتقي المجتمع.
 
مانراه واقعاً القلوب مثقلة بالأحقاد، مغلولة بهوى الحزبية، النفوس متقوقعه على نفسها لا تقبل اختلافاً معها..
ألسنٌ سليطة، كلمات نابية، شجارات، قد أصبح المجتمع مليء بالخلافات الشخصية فأخذنا نتراشق الاتهامات بيننا، هذا خائن وذاك ذليل وهؤلاء حمقى وذاك متراقص على الجراح! بل قد وصل بنا الحد إلى التشهير وتشويه سمعة من نختلف معهم، هل هذا ماخرجنا من أجله؟ هل هذا التغيير المنشود الذي نرجوه؟! هل نجح النظام في حصرنا في خندق "الصراع البيني" بدلاً أن نكون في  صراع  ضده؟ هل تحولت الثورة من ثورة على نظام إلى ثورة ضد بعضنا؟
 
هنا رجاء..
لنفكر في تأخر انفراج الأزمة، هل من الممكن أن ما آل إليه حالنا أحد أسبابها؟ إذ يقول الله -تبارك وتعالى- في سورة الرعد: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ[الرعد:11]

لذلك فلننظر في ذواتنا، وضعنا، مجتمعنا، نُعيد البوصلة تجاه أنفسنا، لنغير من سلوكنا، لنستطيع تغيير المجتمع من حولنا.
 
20 يونيه 2014

الكرة البرازيلية وسلطة الواقع الثقافي // محمد علي العلوي





لم تكن المؤشرات حينها في صالح المنتخب العراقي لكرة القدم، فسقوط النظام البعثي في ٢٠٠٣م بعد ثلاثة عقود من الانغلاق الإجرامي الخانق، وبعد تمكن القاعدة وأخواتها من الإثارات الإرهابية في ظل غياب السيطرة الأمنية، وبعد تحول العراق إلى ساحة من الخوف والدماء، فإن مسألة نجاح المنتخب العراقي في اجتياز الأدوار التمهيدية لبطولة كأس آسيا لكرة القدم ٢٠٠٧م كان أمرًا بعيدًا جدًا فضلًا عن أن يحرز البطولة ويعود بكأسها إلى بغداد!!
 
فاز العراقيون وحملوا الكأس عاليًا بعد أن أزاحوا مجموعة من المنتخبات العريقة والقوية مثل كوريا الجنوبية في نصف النهائي وأخضر شبه الجزيرة العربية في النهائي!
 
كتبتُ حينها مقالًا يدور حول نتيجة دلالية محورها أن أبناء گلگامش عندما يتحركون باسم العراق فمن الصعب أن يُهزموا..
 
إنها قوة الانتماء وما ينتج من غِيَرٍ تُحَرِّكُ الطاقات إبداعًا على طريق الإنجازات والظفر، ومن هنا قد نفهم بُعدًا من أبعاد الاستهداف الإمبريالي للعراق والعراقيين.. القضية فكرية ثقافية، فتأمل جيدًا..
 
أذكر في بطولة كأس العالم لعام ١٩٨٢م أن المنتخب البرازيلي كان صورة فنية متحركة غاية في الرشاقة والبهاء.. لم يكن فريقًا كرويًا عاديًا، ولكنه كان بالضبط فلكلورًا برازيليًا أقل ما يقال عنه أنه: مبهر!
 
كانت الكرة البرازيلية على أصولها.. حِسٌّ.. فَنٌّ.. إمتاع إلى أبعد الحدود، ولكن المفاجأة الصادمة كانت عندما خرج البرازيليون على أيدي الإيطاليين في مباراة دراماتيكية لن ينساها جمهور كرة القدم.
 
بعد البطولة هاج الرأي العام الرياضي في البرازيل مطالبًا أجهزة كرة القدم بالكف عن الاستعراض واستحداث طريقة لعب جديدة تجلب لهم البطولات وإن لم تستمع الجماهير بالكرة البرازيلية الساحرة، وبالفعل كان للرأي العام ما أراد فجاء منتخب ١٩٨٦م مشروع مسخٍ كبر في بطولات أخرى، فقد حاول البرازيليون التخلي عن عشقهم لفنون الكرة ومهاراتها، والتحول إلى ما لا يناسبهم ولا يفقهون في كرة القدم، وبالرغم من إحرازهم لبعض البطولات العالمية غير أن صورة ١٩٨٢م لا تزال عالقة في الأذهان تنتظرها الجماهير مع كل بطولة يكون للبرازيل فيها حضور..
 
تعالوا معي للحظات..
 
لم يتخلى الإنجليز عن كرتهم الإنجليزية التي تعتمد الكرات الطويلة والاقتحامات العرضية..
 
لم يتخلى الألمان عن لونهم الخاص الذي تميز بالقوة والسرعة واللعب الجاد حتى اللحظة الأخيرة..

فالسؤال الآن:
 
لماذا تخلى البرازيليون فتاهوا، والتزم الإنجليز والألمان بالرغم من إخفاقاتهم؟

في تصوري أن العامل أو العوامل التي أثرت وتؤثر في الالتزامات الإنجليزية والألمانية مشتركة إلى حَدٍّ كبير مع تلك التي يتميز بها العراقيون، أما البرازيل فإلى البحرين أقرب!!
 
عندما يُميزُك أمرٌ ما، فاحرص على التزامه وتطويره واحذر التخلي عنه، خصوصًا عندما تكون ضعيفًا في انتمائك إلى حزب أو تيار أو.. وطن، والتزم ما يُميزُك عندما تكون مُحَاربًا في انتمائك الحزبي أو التياري.. أو الوطني، واحذر حذر الغزال من السبع أن تلبس قميصًا ليس لك كما حاول البرازيليون.
 
إن للواقع الثقافي والفكري الذي يعيشه الإنسانُ فردًا وأسرةً وعائلةً ومجتمعًا وشعبًا، حضور حقيقي وقوي جدًا على نتاجه في مختلف الميادين دون فرق على الإطلاق..
وتذكير أخير، ثم فالقياس عليك..
 
هل تذكرون منتخب البحرين لكرة القدم في كأس آسيا ٢٠٠٤م عندما كان الشعب يعيش وعود الإصلاحات والعدل والإنصاف؟

أحرز حينها المركز الرابع، وكان مستعدًا لما هو أفضل لو لا عامل الخبرة..

أما اليوم، فكما يقول شعب (السيسي): إبئى أبيلني..

يوم // أم حسين (2376)

يذهب (ابنك/ابنتك) من الأحد حتى الخميس إسبوعياً إلى المدرسة على مدى تسعة أشهر فما هو عدد الأيام التي يقضيها (ابنك/ابنتك) على المقعد الدراسي على مدى 12 عام!!؟
 
5*4*9*12= (2376) يوم
 
نعم 2376 يوم، مرحلة عشناها نحن كأمهات وآباء بكل ما فيها من نجاح وفشل وألم وفرح قبل أن يعيشها أبنائنا، ولذلك  يفترض بنا أن نجنبهم ما تعرضنا له وعانيناه خلال تلك المرحلة، إلا أننا وللأسف نصرّ على عكس ذلك، فنمارس عليهم ما مورس علينا وكأننا نعيش في دائرة انتقامية لا نريد لها أن تنتهي، فما فعله أبائنا بنا سابقاً نعيده ونمارسه حالياً على أبنائنا.
 
أكثر ما يثير حفيظتي حقاً هي حالة الاستنفار التي تعيشها معظم الأسر خلال فترة الامتحانات، والتي تضغط على نفسية الطفل لدرجة أنه لا يأكل وﻻ ينام، وإن نام يستيقظ مرعوباً لأنه رأى في حلمه أن أداءه في الامتحان لم يكن بالشكل المرضي. وكل ذلك ناتج من ربطنا الخاطئ  بين الأجواء الضاغظة وتحقيق النتائج الجيدة.

وليتنا نكتفي عند هذا الحد!!
 
فما إن تنتهي فترة الامتحانات بضغوطاتها الجسدية والنفسية حتى نبدأ بضغظ نفسي من نوع آخر نمارسة من خلال التهديد والوعيد والترديد على مسامع أبنائنا جميع أصناف العقوبات والحرمان في حال ـن نتيجتك أيها الابن ليست مرضية لنا.
 
والويل والثبور لذلك الطفل ان لم يتفوق.
ليستمر مسلسل التعذيب بحلقة جديدة عنوانها (أنت لست متفوق) ..
 
يُهان ويُضرب ويُخاصم بحجة (فشلتني بين الناس تمنيت أشوفك بين المتفوقين)، ونأبي أن نقف عند حد فنبدأ سلسلة المقارنات بابن فلان وعلان ونتائجه الأفضل.. أنظر إلى أمه كيف تفتخر به أمام الناس وما فعلت أنت بي!! وكأننا نصرّ إصراراً جاهلاً منا لتحطيم اي أمل لإنجاز قد يحمله المستقبل لهذا الابن.
 
والله والله والله أننا نقتل أبنائنا بهذه الكلمات والمقارنات الهدامة، فكل كلمة كطعنة تصيب قلوبهم الصغيرة. مخطئ من يدّعي أنه يفعل ما يفعل بهؤلاء الأطفال لأجل مصلحتهم ومستقبلهم، في الحقيقة نحن نطالب بتفوقهم لنباهي بأنفسنا أمام الناس ونحقق ما عجزنا عنه أو أننا نستنسخ أنفسنا من خلالهم، نحن لا نفكر بهم بل بأنفسنا، ويخادع نفسه من يعتقد غير ذلك.
 
فلو كنا كما ندّعي لاكتفينا بتوجيههم بما يساعدهم ولم نكن لنقدم على التفوه بكلمة تهينهم وتكسرعزيمتهم للتقدم إلى الأفضل، فنحن نعلم بأن الله خلق الإنسان بقدرات ومهارات تختلف في النوع والكم من شخص لآخر. فكل ما يتوجب علينا فعله هو الحرص على مساعدتهم لبذل ما باستطاعتهم، ودعمهم بالتشجيع، وإن لم يحرزوا نتيجة مرضية نبارك لهم ما حققوه وإن كان مخالفاً لتوقعاتنا، ونتمنى لهم التوفيق وإحراز نتيجة أفضل مرة أخرى حتى وإن كانت في مجال آخر.
 
فعدم مقدرة الطفل على تحقيق التفوق ﻻ تعني أنه يعاني خللاً ما في الفهم والإدراك، أبداً.. كل ما هنالك أنه قد يكون متفوقاً ولديه مهارات في الجانب العملي أكثر من الجانب النظري.. فالأمر جداً طبيعي.
 
ورسالتي لنفسي وإلى كل أم:
 
2376 يوم من حياة ابنك ارسمي فيها بحنانك أجمل الصور فحنانك ما يدفعه لبناء مستقبل باهر، ولا تسمحي لنفسك أن تكوني سبباً لفشله ليقف يوماً حتى لو كانت وقفة بينه وبين نفسه ليلومك على فشله.
 
اعتذار..
 
أقدمه لورداتي الصغيرات من خلال هذا المقال على فترة مضت مارست فيها بجهل ما كتبته، فألتمس العذر من قلوبكن حبيباتي.. فالقادم بكن أجمل بإذن الله..
 
20 يونيه 2014 

Saturday, June 14, 2014

~ ..اعتكافٌ .. في سردابِ الانتظار .. ~ // أبو مقداد

دع كـــــل شيءٍ فـــي وصالك حلوا
فالقلبُ دونكَ سيـــدي لا يقـــــــــوى
أنا في اعتكافِ الحُبِّ ، ذبتُ تهجُّدًا
لي فـــــي مناجاة التلهِّف سلـــــوى
يا ساقي العَطشى، قصدتكَ ظامئًا
هب لي عيونكَ سيّدي كـــــي أُروى
يا أعمَـــــــــقَ الآبارِ فــي وجدانهِ
سأغوصُ عمقَ العمقِ، خذني دلْــوا
دعنا نُثيرُ الشـــوق نُربِكُ موجَــــــهُ
كي لا يكونَ الحُبُّ بحرًا رهـــــــــوا
يا أيهـــــا الماءُ الـَّــــذي بخلُـــــودِهِ
يهبُ الحياةَ بقاءَها والفـــــحْـــــوى
مطرٌ يُرشُّ علـــــــى المشَاعرِ شَوقَهُ
فيذوبُ صبــرُ الناسِ منهُ ويُكــــوى
أبتزُّ قلبِي كَــــــي يدلَّ جوارحـــي
أيـــــنَ الحقيقةُ فالحنينُ تلـــــــوَّى
قـــــــد تهتُ فيكَ تفكُّرًا وتحَــــــيُّرًا
وتعبُّدًا، فسرحـــــتُ كلِّيَ نجــــوى
مهديُّ أشرقْ ها ثماركَ أينَـــعـــت
يفديكَ كُلِّـــي جئتُ عضوًا عضـوا
وأتتك يا "صدرَ الخلائِق" أذرُعـي
لتضمَّ روحَكَ، واحتضانك مــــأوى
يا ليتَ شِعري، كم عزيـزٌ أن أرى
كــــــــل الأنامِ، ولا أنالكَ سهوا !!
وبكَ النَّوى أين استقرّت ســـيِّدي
أولا تُحيطُكَ من ضَجيجي شكوى
فمتى نـــــــــراكَ نُقِــــرُّ فيكَ عُيونَنا
ومتى مسافاتُ التصبِّرِ تُطــــــوى
وإلى متى؟ حارَت متايَ ولــم تعُـد
تدري أهل في ذي طوى؟أم رضوى!
أشرِق بنفسِي أنتَ مِــــن متغيِّبٍ
لم يخلُ منَّا حَيــــــثُ نُملأُ شَجوا
أدمنتُ مِحرابَ المناجاةِ التــــــــي
نَدَبتكَ "عـَــــجّــــل"، والتَّرقُّبُ دوَّى
أنا في هواكَ العذبُ صرتُ مُعذَّباً
تنمو بروحي، حيثُ صبري يُذوَى
سردابكَ القلب الذي شـــــــريانهُ
يهواك .. لا يرنو سواكَ ليهـــوى
فاسكُن بــــــــهٍ حتى يقرَّ شعورهُ
فالقربُ منكَ يُحيلُ قلبيَ صحـوا
لي في هواكَ هوىً، يعطر مهجتي
ليكونَ حبكَ فــــي ضلوعيَ حلوا
مهديُّ معجزَةُ الوجـــودِ بحــــبهِ
سبحانَ من في القلب حبُّك سوى

١٥ شعبان ١٤٣٥
١٤ يونيه ٢٠١٤

Friday, June 13, 2014

عندما ترتعد الفكرة // محمد علي العلوي


 
لستُ في حاجة لا لمقدمة ولا لمدخل ولا لتوطئة، فما قد هَيَّجَ الحِبْرَ في القلم هيَّجَه قبلُ في قلوب حرة..

فِكْرَةٌ تجول في خاطرك، ولا إساءة فيها لأحد، غير أنها ترتعد في داخلك وتمتنع عن الانطلاق خوفًا من مُعارِضٍ يسُبُّها أو مُخَالِفٍ يخوض في عِرْضِها فيُظهِرُها داعرةً عاهرةً خبيثةً، وهذا لو سَلِمْتَ يا صاحبها من مخالب الضباع تمزق أحشاءك بسم الله والله أكبر!

عندما يصِلُ المجتَمَعُ إلى هذا المستوى من الدناءة، وعندما يلصِقُ دناءته في الدين فيجعلها غيرةً وحَمِيَةً ومروءةً ورجولةً، فإنه حينها مستحق لوالي السوء يسومه العذاب وقبيح الفعال.. كيف لا وقد سحق أجمل ما يميز الإنسانية؟

وهل أجمل من الفكرة مائِزًا بين الإنسان و(اللا) إنسان؟


إن كُنَّا قد عشنا أكذوبة (الميل مع الدليل)، وإن كُنَّا قد اسْتُخْرِفنا بأننا ننتمي إلى مدرسة التعدُّدِية وحُرِّيَة الرأي، فالوقت اليوم قد حان لتصحيح المعادلة وقلب الأكذوبة إلى حقيقة وواقع، والاستخراف إلى تعقل وحكمة، فلست أنت ولست أنا من يقرر وقد فاض الكتاب العزيز ونضحت عن العترة الطاهرة نصوص ونصوص تؤصل لاحترام العقل وتقدير الفكرة وإعذار المخطئ مادامه يبحث بصدق، كما وأن التكثر الصريح في الثقلين قد حسم الموقف لصالح التعدُّدية الثقافية والفكرية، وجعل التقوى ميزانًا وحاكمًا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، بل وقبل النص ما كانت الإنسانية لتستقيم إلا بأصلي الفكر والتعدُّدية، وقد يكون الأمر محسومًا باكرًا لو أننا نقف قليلًا عند قوله تعالى (لِتَعَارَفُوا)، فالمعرفة ليست إلا نتيجة للانفتاح على ثقافة الآخر وعلومه ومبانيه وما نحو ذلك، كما وأن الآية الكريمة أرجعت المعرفة المطلوبة إلى التقوى، وجعلت هذه الأخيرة ميزانًا للإنسان عند الله تعالى.

هناك نظرية يبدو لي، بل أراها نظرية تكوينية، وهي رجوع النتائج في تحققها دائمًا وأبدًا لأحد أمرين:


الأول: التطارد بين القوى:

بمعنى أنه لا وجود لألف إلا بعدم ضده، ومثال ذلك اللون على الجسم، فسطح الطاولة لا يمكن إلا أن يكون أحد الألوان، ومحال أن يكون أزرق وأخضر في نفس الوقت ومن نفس الجهة.

الثاني: التزاوج بين القوى:

ومثاله الجنين في رحم الأم، ومثال آخر الماء بعد اندماج الأكسجين والهيدروجين بنسب معينة، والحالة هنا إنما هي إنتاج مع المحافظة والإبقاء على روح الاستقلالية وجوهرها، فالرجل يبقى رجل والمرأة تبقى إمرأة، ويضاف لكل منهما عنوان جديد بعد خلق الولد منهما، فالأبوة للرجل والأمومة للمرأة.

يظهر أن عقلية التطارد غالبة في مجتمعنا، وأن نظرية إما أنا وإلا فالطوفان باتت وأصبحت محورًا ثقافيًا حتى بين الآباء والأبناء، ولذلك فإن البقاء اليوم ليس للأقوى، ولكنه للأكثر وقاحة وجرأة على انتهاك القيم ومحارمها، وقد طغت هذه السادية المعنوية حتى تحولت إلى استراتيجية علمية تُدَوَّنُ وتُدَرَّسُ، وأما من يتقنها ويجيد فنونها فهو في نظر المجتمع صاحب الحنكة والفطنة والكياسة!

تعالوا لنتخيل مجتمعًا يبحث عن المزاوجة بين الأفكار وخلق الجديد منها، وهذا ممكن جدًا شريطة الاستعداد المجتمعي للتخلي عن (الأنا) من جهة والتحفز للتنازل انتصارًا للخلق الفكري الجديد من جهة أخرى، غير أن هذا ممتنع جدًا ما لم نراجع أحكامنا على الأمور والتي عادة ما نحصرها في عنوان (التناقض)، والحال أنها ليست كذلك، بل هي على النقيض تمامًا..

أهمس هنا في آذان واعية:

كم من المتصارعين في مجتمعنا التقوا للحوار والبحث في ما بينهم عن منطلقات مشتركة؟
بضرس قاطع أقول: قليل جدًا، بل نادر جدًا، فالضرب والتصارع والتلاسن والتنازع غالبًا ما يكون عن بعد ومن خلف الشاشات أو الأوراق من صحف وما شابه، وما إن تقترح على طرف أن يزور الآخر ويبرز عنده وجهة نظره، إلا وقال: لا فائدة.. هؤلاء لا يفهمون ولا يريدون الآخر أصلًا!!

وبذلك فإنه لا بديل عن الضرب من بعيد وتحوله إلى إنجاز في سوح الجهاد..
وعادت الفكرة لترتعد خوفًا من ألسنة (العظماء) من سياسويين ودينويين، الذين لا يتورعون عن الزنا بها حفاظًا على (الإنسانية) ووحدة الحق!!!
 
 
14 يونيه 2014