Pages

Friday, June 27, 2014

الخداعُ بسمِ الدِّين // أبو مقداد

 
 
عطفًا على المقالِ السابقِ، المعنوَنِ بـ "إصلاحُ الأمةِ مشروعُ الإسلامِ الأوَّل*" وانطلاقًا من حادثةِ سقيفةِ بني ساعدة، والمؤامرةِ التي خالفت الشرط الصريح لإكمال الدين الذي صرَّح بهِ رسول الله، وابتكار أول عملية ديمقراطية في الإسلام، بعنوان (انتخاب خليفة المسلمين) من هذه الحادثة الخطيرة، والتي ترتب عليها تغييرٌ كبيرٌ في مجرى مسير الإسلام لنا عدة وقفات لا بد من الوقوف عندها.. للاعتبار!
 
أولا.. تزويرُ الدّين..
قد نستصعبُ أحيانًا أداءَ تكليفٍ شرعيٍّ يأمرنا الله بأدائه ونتثاقلُ فيه، ولكي نهربَ من أدائه، قد نلجأُ لابتكار الحِيل الشرعية، ونتفنن فيها، كأنْ نهبَ ما نملكُ من أموال لأحدهم، للهروبِ من فرضِ دفعِ مبالغ الخُمس، ونسترد المبلغ بعد انتهاءِ وقتِ الخمس، فنكون قد تجنبنا ارتكاب المُحرَّم، ولم نضطر لأن ننفقَ فلسًا واحدًا من أملاكنا العزيزة، متناسين أننا بهذا الفعل قد صنعنا لأنفسنا قوانين جديدة قبال الخطة التي وضعها الإسلام لرعاية الأرض، وتنظيمها!

أيضًا.. حينَ أنزل الله الدينَ الإسلامي، وأعلنَ في حادثة الغديرِ اكتماله، لم يدع فرصةً لأيٍّ كان أن يظن بأنه سيجري أي تعديلٍ على الدين المكتملِ هذا، فالشرعُ المقدس، بمثابةِ خارطةِ طريقٍ للسداد والهداية، في كلّ جوانب الحياة بلا استثناء، ومن طمعَ في بلوغِ الغاية التي رسمها الله له، لا بد له من الالتزام بهذه الخارطة، وتحمُّل ما فيها من مخاطر وضيق، والاستئناس بما فيها من راحات وسرور، لا أن يبحث له عن طريقٍ آخرٍ، ثم يحاولُ جرَّ الدينِ، والطريق الأساسي لطريقه الجديد، فهذا تزييفٌ صريح وتزويرٌ يصنعُ لنا دينًا جديدًا من بنات أفكارنا. لذا ينبغي أن تُعرفَ حدودُ الله جيدًا، ثم نُكيف أفكارنا أو أهواءنا وفقَ خارطة الطريق هذه، لا أن نصنعَ أفكارنا وأهواءنا، ثمَّ نبحثُ لها عن دينٍ يُلائمها!
 
ثانيًا.. استغلال الدين..
بإمكان أحدٍ ما، أن يفتح بيتًا للدعارةِ والبغي والفساد -أجلَّ الله القارئ- ويلصق عندَ بوابتهِ عبارة مزخرفةً بنقوشٍ إسلامية، مكتوبٌ عليها "ادخلوها بسلامٍ آمنين". هذه آيةٌ قرآنيةٌ لا تقبلُ الشَّك والنقاش، وعنونة هذا البيت بهذه الآية يُرادُ لها أن تكونَ دليلَ براءته، وهكذا يُمكننا تمريرُ أي فساد وأيّ عملٍ صالحٍ وطالحٍ فقط عبر عنونتهِ بالإسلام، وقد يبدو للقارئ صعوبة تصديق المثال المذكور، إلا أن التأريخ يثبتُ أنّ مثلَ هذهِ السذاجات تحصل وبشدة، كرفع المصاحف في صفين، وكمحاربة البعض للحسين سبط رسولِ الله من أجل نيل كرسي خلافة المسلمين وغيرها من الأمثلة التي لا تحصى، ونشهدُ هذا اليوم أكبر مثالٍ فيما يحصلُ في أرضِ العراق مع الجماعات الإرهابية، التي ترفع التوحيد شعارًا لها للفتك وسفك الدماء، و ترفع شعارَ التكبير لبدء حزِّ النحور!!

كل هذهِ السلوكيات، شيطانيةٌ صرفة، ولكنها غُلِّفت بغلافٍ شرعي لإضافة الشرعية لها، وقد أسست السقيفةُ لهذا الاستغلال، حيثُ كانت أول عمليةِ استغلالٍ عندما تمَّ عقد اجتماع السقيفة لتوزيع المناصب، أثناء غياب الوريث الوحيدِ المُنَصَّبِ من السماء!
لذلكَ فغلاف الدينِ يجب أن لا يُضفي الشرعيةَ على أيَّ عمل، ولا بد من اختبار فحوى العملِ قبل التعاملِ معه، إن كان ينطبقُ مع حدود الله، أم هوَ مُختلف، بل يجب رفضُ وردع كل من يعملُ في طريق الاستغلال هذا، لأنه سيكون من أكبر أعمدة تشويه هذا الدين!
 
ثالثا.. الغايات؟!
أهمُّ جزءٍ في أيِّ عملٍ هي نيتهُ، لذلك فالأعمالُ قيمتها في غاياتها، فالممتنع عن الشرب والأكل طوال النهار، لن يُحتسبَ لهُ أجرَ صائم، إن لم ينوِ الصيام، ومن ينوي الصيام، ويأكلُ ناسيًا، كمن صامَ صومًا صحيحًا يؤجرُ عليه، والنيةُ هي الفاصلُ في العمل، على هذا كان اجتماعُ السقيفة، حيثُ ظاهرهُ كان خوفًا على ضياع رسالة السماء، واختيار المتصدي لحفظٍ دين محمد، ولكن ما وراء هذا كانَ صراعًا عنيفًا على اقتناصِ المناصبٍ معَ أهميةِ عزلِ صاحبها المنصوص عليه، ففسدَ الاجتماع!

جميعُ السُّلوكيات هذه ستكونُ بظاهرٍ حَسَن، لتُخفي خلفها نيةً سيئة، ولا بدَّ من أنها ستكونُ سلوكيات مميزة، ومقبولة في الوسط المراد ترويج النيات فيه، وقد لا تظهر ملامح النيات بشكلٍ لحظي، لكن أيّ عملٍ يقومُ به أيّ أحدٍ، ويضمرُ خلفهُ نيةً فاسدة، حتمًا ستُفسدُ النيةُ العملَ، ولو لم تظهر النية، فمثلًا، لا يوجدُ على وجهِ الكرة الأرضيةِ من يروجُ للقرآن كأعداء الاسلام "النواصب"، ولكن، لا يمكن أن نحتسبَ نشرهم وترويجهم للقرآن الكريم منقبة أبدًا، بل هي مثلبةٌ في حقيقتها، فنشرهم للقرآن أولًا هو من أجلِ أن يُنسبَ الفضلُ لهم فيه، ثانيًا ان نشرَ الدين على يدهم، إساءةٌ للدين، ورسمُ صورةٍ للدينِ بأنه دين تطرفٍ وسفكٍ للدماءٍ ووو !

لذلك لا يمكن تمرير أي سلوكٍ بحجةِ أنه سلوكٌ قويمٌ قبل أن نعرفَ ما وراء هذا السلوك، والمحرِّكَ له أصلًا!!
العديد من المواقف التي نحتاجُ أن نقفَ عندها في هذه المحطات التاريخية، ونقرأها بموضوعيةٍ ثم نُسقطها على واقعنا، لنكتشف كيف أن التأريخ، لا يتوقف عن إعادة نفسهِ، رغم تطور الزمن بشكلٍ رهيب، إلا أن هذهِ المشاكل، تتكرر وتكرر نفسها، لذلكَ ما دامت قريشٌ تتكرر، فلا بُدَّ أن يتكرر بيننا النبي، ليردعَ شيطانَ قريش، ولا بدَّ من أن يكون في داخلِ كلِّ فردٍ منا "محمدٌ" يُدلي بنبوته، ويحملُ مشروعَهُ الرسالي، في نشر الدينِ بتفعيلهِ وتبليغه، كما جاءَ به النبي الأكرم عليه وعلى آلهِ أفضلُ الصلوات، ويجب أن لا نَخدَعَ، ولا نُخدَع بسمِ الدين، مهما تصاغر حجم الخدعة، فسقيفةُ بني ساعدة، كما تحدثنا عنها، خدعةٌ دينيةٌ صغيرةٌ ابتكرها كبار القوم في قريش، نعاني منها اليوم بعد أكثر من ألفِ سنة !!
 
28 يونيه 2014
 
______________________________ 
* وصلة المقال السابق: http://ertiqabh.blogspot.com/2014/06/blog-post_1376.html?m=1
** سورة الحجر

1 comment:

  1. مقال جميل .. الله يرحمك ابو غدير ..

    ReplyDelete