Pages

Saturday, June 7, 2014

نافذة تربوية - تعليم الأبناء // إكسير المحبة





بناءً على ما سبق ذكره في المقالين السابقين (نحن وقيم علي) *و  (تربية الأجيال، مسئولية من؟!) ** بات من الواضح أن تربية الأجيال مسؤولية لا تقع على عاتق الآباء فحسب وليست شأنهم وحدهم فقط بل إنها اجتازت ذلك بنصٍّ من صادق العترة -عليه السلام-  فكانت من مسئوليات المجتمع ككل، خصوصًا إذا ما علمنا بأن الله عز وجل وأنبياءه ورسله قاموا بهذه المسئولية.

وبات من الواضح أيضًا أن أي خلل تربوي سينتج عنه خلل في المنظومة القيمية لدى الفرد والمجتمع.

ومن هنا نفتح نافذة تربوية على ظاهرة مجتمعية أراها مهمة، وهي (التعليم)..

للعلم مكانة رفيعة في الإسلام، كثرت وتكثرت روايات أهل بيت النبوة والعصمة للتأكيد والحث عليه حتى جعلت منه فريضة.ث!

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"، ولذا ولما للعلم من أهمية بالغة في صقل عقول الأجيال قرره الإسلام كحق من حقوق الأبناء ووصى به، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "رحم الله عبدًا أعان ولده على برّه بالاحسان إليه والتألف له، وتعليمه وتأديبه".

ولكن، هل هذا الحق يُعطى للأبناء بصورته الصحيحة؟!

أولا: من جانب الآباء:

لقد توجه المجتمع برمته إلاّ ما نذر نحو تعليم أبنائه أكاديميًا تحصيلًا للشهادة، ظنًا منه أن ذلك يُأمن مستقبل أبنائه الوظيفي والمعيشي، وربما من أجل الفكر والمعرفة -أقول ربما- فالسمة البارزة في مجتمعاتنا أن التعليم الأكاديمي غايته الشهادة لا الفكر والمعرفة!!
فترى الآباء يُغدقون الهدايا على أبنائهم ويعدونهم بالمكافأة شرط نجاحهم وتفوقهم، ليس هذا فحسب بل إنهم - الآباء- يذهبون بهم - الأبناء- لأفضل المعاهد الخاصة من أجل تحقيق هذا الهدف،  ولا شك ولا ريب بأن تحصيل العلم الأكاديمي بمختلف تخصصاته له أهمية خاصة تفرضها متطلبات هذا العصر بل إنه مطلوب لكل أمة تريد الارتقاء بنفسها والتقدم الحضاري ومنافسة غيرها ومؤكد عليه في الإسلام، إلا أن الكارثة تكمن حين يُقَدَّمُ هذا التعليم على كل ما سواه حتى بلغ بنا الأمر تقديمه على تعليم أبنائنا أمور دينهم عقيدةً وفقهًا وأخلاقًا، الذي يشكل الضمانة الوحيدة - كما أعتقد - من الانحراف الفكري في زمنٍ اقتحمت فيه الثقافة الغربية بكل ما فيها جميع نواحي المعمورة نتيجة للتطور التكنولوجي الهائل.

فسعي الآباء لتعليم أبنائهم القرآن وحفظه وتدريسهم أمور دينهم له الأولوية على كل العلوم الأخرى، وهذه الأولوية ليست اعتباطية وإنما جاءت من خلال وصايا أهل بيت النبوة والعصمة وممارساتهم لذلك، حيث أنك تجد في وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن - عليهما السلام - يقول: "اِبتدأتُك بِتَعليمِ كِتَاب اللهِ عزَّ وَجَلَّ وتأويلِه، وشَرائِعِ الإسلامِ وأحْكَامِه، وحَلالِهِ وحَرامِه، لا أجَاوزُ ذَلكَ بِكَ إلى غَيره"، وكذلك يمكنك أن تلاحظ في قوله عز وجل: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، يمكنك أن تلاحظ بأن واحدة من غايات بعث الرسول الأكرم - صلى الله عليه وآله - هي تعليم الكتاب والحكمة. 

أما في وقتنا الحاضر فيبدو أننا نسير للنقيض من ذلك تمامًا، فقد برزت ظاهرة تعليم الأبناء اللغة الإنكليزية مثلاً وأعطاءها الأولوية وهي - أي الظاهرة - في توسع وانتشار ملحوظ جدًا، ستقود المجتمع نحو منزلقات خَطِرة ومأساوية. وأريد أن أؤكد أنه ليست الدعوة هنا إلى إهمال التحصيل العلمي للأبناء بقدر ما هي إعطاء التعاليم السماوية الأولوية ومن ثم التوجه للتعليم الأكاديمي وبأهمية بالغة وكبيرة.

ثانيًا: من جانب المجتمع:

أوضحتُ سابقًا بأن مسئولية تربية الأجيال تقع على عاتق جميع  فئات المجتمعمن علماء.. وجهاء.. مثقفين.. ومؤسسات دينية وثقافية.. الخ..
ومن خلال تجربتي المتواضعة في العمل التطوعي سأركز على بعض الجوانب من واقع التعليم الديني للمؤسسات بشكل عام. 

ما الهدف من الأنشطة الدينية لهذه المؤسسات؟

أعتقد أن من أهم الأهداف التي تعمل عليها المؤسسات:

١/ بناء مجتمع متدين متقيد بتوجيهات الشريعة الإسلامية المحمدية.

٢/ إصلاح المجتمع الإسلامي مما لا علاقة له ولا صلة بالإسلام من مفاهيم وممارسات دخيلة عليه.

وإذا ما اتفقنا على ذلك فإن من المُسَلَّم به أن التخطيط ووضع الإستراتيجيات قصيرة وبعيدة المدى هي أول الخطوات في هذا الصدد ومن ثم العمل الدؤوب والمستمر، إلا أن الملاحظ هو عكس ذلك، فعمل المؤسسات الدينية وهي مشكورة على جهودها المبذولة يتسم بالآنية من جهة، حيث أن أغلب أنشطتها ودوراتها الدينية تقتصر على الإجازات الصيفية.. 

ومن جهة ثانية لا ترى ولا تشعر بأن هنالك تخطيطًا دقيقًا لهذه الأنشطة والدورات، فكم من مؤسسات المجتمع تعمل على جمع إحصاء عدد الناشئة في المجتمع مثلا؟ وإحصاء عدد الملتحقين في الأنشطة سنويًا ومقارنتها بما سبق؟ وما هي المناهج المناسبة لهذه الفئات؟ ما هي النتائج التي تحقق في السنة الأولى؟ بعد عشر سنوات؟ وكم نمَّت من قدرات ومهارات الناشئة ليقودوا المسيرة من بعدك وهكذا..

ماذا تتوقع من نتائج حينما تطرح نشاطًا دينيًا لفترة زمنية قصيرة ثم تكرم الملتحقين به بعد إنتهائه وتأخذ الصور الفوتوغرافية للتوثيق والذكرى؟!

الأجدر من المؤسسات أن تخطط  للمستقبل وتعمل على بناء مجتمع إسلامي قوي العقيدة متقيد بأحكام الشريعة ملتزم بالأخلاق المحمدية وإصلاح أي خلل يصيبه.

وأحب أن أختم بقول الصادق -عليه السلام- وتقسيمه لطلبة العلم ولنتأمله جيدًا..

عن الإمام الصادق -عليه السلام- قال: "طلبة العلم ثلاثة فاعرفوهم بأعيانهم وصفاتهم: صنف يطلبه للجهل والمراء، وصنف يطلبه للاستطالة والختل، وصنف يطلبه للفقه والعقل.
فصاحب الجهل والمراء مؤذ ممار متعرض للمقال في أندية الرجال، بتذاكر العلم وصفة الحلم، قد تسربل بالخشوع وتخلى من الورع، فدق الله خيشومه وقطع منه حيزومه.
وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق، يستطيل على مثله من أشباهه ويتواضع للأغنياء ممن هو دونه، فهو لحلاوتهم هاضم، ولدينه حاطم، فأعمى الله على هذا بصره، وقطع من آثار العلماء أثره.
وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر، قد انحنى في برنسه وقام الليل في حندسه، يعمل ويخشى وجلا داعيا مشفقا، مقبلا على شأنه، عارفا بأهل زمانه، مستوحشا من أوثق إخوانه، فشد الله من هذا أركانه وأعطاه يوم القيامة أمانه".


* http://ertiqabh.blogspot.com/2014/05/blog-post_3671.html
** http://ertiqabh.blogspot.com/2014/05/blog-post_661.html

٧/٦/٢٠١٤

No comments:

Post a Comment