Pages

Friday, July 18, 2014

ما في تطورات // محمود سهلان




كثيرًا ما نسألُ الآخرين: هلْ من جديد؟
مَا هي آخر التطورات في حياتكم؟
وبالعامية (ويش آخر التطورات
 
طبعًا تختلف الإجاباتُ بين إيجابيةٍ وسلبيةٍ، وبين مُقنعةٍ وغير مُقنعةٍ، وبين جديةٍ وهزليةٍ، لكن ما يلفت الانتباه أنَّ الكثيرَ ممن نسألهم يجيبون بالجوابِ التالي: ما في شيء جديد أو ما في تطورات!
 
أعجبُ من مثلِ هذا الجواب حقيقةً، فكل هذه الحياة بحركاتِها وسكناتِها، وكل التغيرات اليومية التي تحدثُ في حياتنا، إلا أنَّكَ تجدُ من يجيبك بهذه الإجابة، فأينَ هؤلاءِ في واقعِ هذه الحياة؟
 
في محاولةٍ لمعرفة الأسباب ـ والتي أظن أنَّ الأغلبَ يجهلُها فلمْ يتغير حاله ـ وَجدتُ أنَّ هناك سببين رئيسين لذلك، وهما:
 
1- عدم تحديد الأهداف.
2- عدم التخطيط للوصول للهدف.
 
الأول: أجده أهمَ الأسباب، فإنَّكَ عندمَا تخرج في نزهةٍ قصيرةٍ دون أنْ تحددَ الهدفَ تجدُ أنَّك في ضياع، ولا تدري أينَ تذهب، فكيف برحلةِ الحياةِ الطويلةِ، التي تمتدُ لسنوات وسنوات، ومحطاتها المتعددة، وصعوباتها المتكررة؟
 
عندما يكونُ هدفُكَ واضحًا فإنَّكَ تملكُ المقياسَ لهذه التغيرات والتطورات، ودون تحديدِ هدفٍ واضحٍ فإنَّكَ فقدتَ هذا المقياس، فمن دخلَ الجامعة ـ مثلًا ـ واختارَ التخصص الذي يريده، وبدأ دراسته واضعًا لهدفٍ ما، فإنَّه يستطيع قياسَ مدى تقدمه نحو الهدف وتأخره عنه، أما من دخلَ الجامعة وبدأَ دراستَهُ ولمْ يحددْ لهُ هدفًا، فمن الصعب أنْ يحددَ ما إذا كان هناك تقدم أم لا، فإنه لا يملك مقياسًا لذلك.
 
الثاني: وهو يتفرعُ على الأول ويليه في الأهمية، فبعد تحديد الهدف تحتاجُ لرسم خارطةٍ واضحةِ المعالم، كي تتمكنَ منْ تحديد مَا تحتاجه في هذا الطريق، وكي تتعرفَ على العقبات المحتملة وتستعدَ لها، وكي تضعَ الخططَ البديلةَ، وكي تتزودَ بكلِ ما تحتاجه قبل بدء المسير.
 
واعلمْ أنَّ مجردَ انتقالك من نقطة لأخرى قريبة منها يحتاجُ لخارطةِ طريق، ودونها قد لا تتمكن من الوصولِ للنقطةِ المطلوبةِ (الهدف).
 
قد يقولُ البعض ـ للأسف ـ أنا هنَا لأعيشَ وأكفَ نفسي وعيالي، مدعيًا أنَّه مجرد إنسان عادي لا يملك ما يُؤهلُه للتقدم والارتقاء بمدارجِ الكمالِ على اختلافها، وهو قولٌ باطلٌ لا محالة، فقد نسِي هذا البعض أو تَنَاسَى قولَ أمير المؤمنين (ع): (أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير, وَفيكَ انطَوى العالَمُ الأَكبَرُ) [ديوان الإمام علي ص175]، فإنَّ الله خلقَ الإنسانَ وخلقَ معه الاستعدادات اللازمة لخوضِ غِمار هذه الحياة، فكمَا كانَ للعالمِ الفلاني عقلًا، فأنتَ تملك عقلًا، وكمَا كانتْ له حواسه فأنتَ تملكها أيضًا، وكما وُجدتْ أمامَهُ بعض الفرص، فأنتَ أيضًا أُتيحت لكَ بعض الفرص، فالخلل إذن ليسَ في مدَى الاستعداد لديك كإنسان، إنَّما الخلل في أمورٍ أخرى، قد يكونُ الكسل، وعدمُ الشعور بالمسؤولية، وانعدامُ الصبر، وفقدان العزيمة والإرادة، من أهمها.
 
أيها الأحبة.. عندما تمرُ عليكم هذه الحالة أو غيرها عليكم بدراسةِ أسبابها جيدًا، فإنَّهَا تختلفُ من شخصٍ لآخر، لكنها موجودةٌ بكل تأكيد، فإنَّ لكل شيء سبب، ولا يمكن أنْ يكونَ شيئًا مَا جزافًا، وإنَّما ذكرتُ السببين الماضيين لأنَّهما قد يجتمعان أو نجد ثانيهما موجودًا في أغلبِ الحالات، إنْ لمْ نقلْ كلَ الحالات، ومعرفةُ باقي الأسباب هي من مهَامِّكُم، فلا تتجاهلُوهَا، فإنَّ الحياةَ مهما طالَ العمرُ قصيرةٌ، وهي فرصتنا الوحيدة للتقدم والارتقاء في مدارج الكمال. والتطوراتُ قادمةٌ بكل تأكيد لكلِ من يسعَى نحو تغيير واقعه، أمَّا منْ يقفُ ليتفرجَ فإنَّه لا يتقدمُ خطوةً واحدةً للأمام، وسَيُجيبُ دائمًا: ما في تطورات. فإنَّ الله تعالَى يقولُ: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم) [الرعد:15].
 
محمود سهلان
16 رمضان 1435
 

1 comment:

  1. التفاتة عبقرية من الكاتب الكريم.. إثارة في منتهى الأهمية ينبغي أن ننتبه إلأيها جيدًا لعلنا نجنب أنفسنا الوقوع في حبائل السلبية..

    ReplyDelete