Pages

Thursday, July 3, 2014

شهرُ رمضان .. بالنسخة الـ الديجيتال // أبو مقداد

 
 
لا يمكنُ أن أدعوكم للانحرافِ بشكلٍ مباشرٍ فأُطاع، ولا يمكنُ أن أعرضَ عليكم دينًا بديلًا فيُتَّبع، لأننا مجتمعٌ عقائديٌّ بالدرجةِ الأولى، إذْ لو أنَّ قرارًا من الجهة الرسميةِ أُصدرَ لمنعِ صلاةِ الجماعة في مساجدنا، فستثورُ الطائفةُ برمّتها لتقفَ في وجهِ هذا القرار، وتمنع تعطيلَ هذهِ الصلاة، وقد شهِدْنا حالات شبيهة حين تم هدمُ المساجدِ وحرق كتاب الله، في ٢٠١١ المنصرم، إذ أننا عقائديون منذُ الولادة، والغيرةُ الدينيةُ في دمنا لا تسمحُ لنا بتمرير المساس بثوابتنا ومقدساتنا وعقائدنا الدينية!

لكن، ماذا لو عُرضَ علينا أن نستبدلَ شهرَ رمضان المبارك، بشهرٍ آخر من أشهرِ السنة؟ أو أن نستبدلَ الصيام والقيامَ فيهِ لفعاليةٍ أُخرى أكثر رقِيًا، وتناسب عصر التكنولوجيا الحديثة؟

أترانا نقبل، أم سنقفُ في وجهها؟(حقيقةً لا أدري)

شهرُ رمضان، الموسمُ الخاص جدًا والإستثنائي بين كلِّ مسلمٍ وربَّه، في الماضي القريب -حيثُ أتذكر- كان قدومُ شهرُ رمضان يعني لنا قراءة القرآن الفردية في النهار، ثم وجبة الإفطار البسيطة، ثم التنقل بين مجالس القرآن في القرية ثم الحضورُ للإستماع للخطيب في المأتم، ثم الاستعداد لوجبة السحور والنوم. ما يُميِّز هذا الشهر هو أجواءهُ العبادية ومجالس قرآنه، بعيدًا عن الأجواء العبادية، -كما اذكر- كان يتخلل البرنامج المذكور بعض البرامج الثانوية الكاميرا الخفية، ومشاهدة مسلسل شهر رمضان أثناء تناول الفطور، وأحيانًا كنا نلعبُ في الطرقاتِ في الوقت بين مجالس القرآن والمأتم، بينما كان الآباء منشغلون بالزيارات الأهلية والمجالس.
 
هذا الموسمُ الإستثنائي يتحولُ بقدرةِ قادر من شهر الدين والعبادة، لشهر المتعةِ والدنيا، وتتحولُ كل ممارساتهِ لممارسات "دجيتال" بعيدةً عن الروحيةِ المعهودة التي اختص بها هذا الشهر، فشهرُ رمضان قد تحوَّل بالدرجةِ الأولى لشهرِ الأطعمةِ والتلفاز، وشهر الصوتيات والمرئيات، وشهرُ البرامجِ والسهرات. الجميع يجتهدُ لابتكار برامجهِ الجديدة والتي اختِيرَ شهرُ الله محطةً لبثها وانطلاقها، ففي جانبٍ سنلاحظُ المسلسلات الخليجية* والعربية وما بها من تفسُّخٍ وانحلالٍ لايليقُ نشرها في أي شهرٍ فضلاً عن نشرها في شهر العبادة، أو برامج المسابقات والانحلالِ التي تبث خصيصًا في هذا الشهر. في الجانب الآخر قد يجتهدُ معارضوا تلك المسلسلات والبرامج في صنع برامجهم ومسلسلاتهم المضادةُ لتلك، فيكتظُّ الشهرُ الكريم ببرامج ومسلسلاتٍ بعضها تحارب الأجواء الإيمانية بشكلٍ صريح، والبعضُ الآخر ربما بدون قصدٍ سيساهمُ في عزوف أو انشغال الكثير عن الأجواء الإيمانية، لمشاهدة هذا المسلسل أو الفيلم او البرنامج، وكثيرٌ منها وإن كان محترمًا إلا أنَّه خالٍ من هذه الأجواء، أو قد يعتمدُ على أجواء الكوميديا، بطريقة إسلامية فقط!!
 
أنا لا أدعو هنا لإنهاء ومحاربة تلكَ المظاهرِ الإبداعية و الفنية والترفيهية وغيرها أبدًا، بل العكس، نحن نحتاج لتفعيل وتحريك كل الطاقات والكوادر بما يخدم الدين والمذهب والطائفة، ولكن ما أدعو له هو:

أولًا: تقنين هذه الفعاليات الكثيرة، والتي يتكفل الانشغالُ بها بالقضاء على كلِّ وقتٍ متاح للعبادة.

ثانيًا: توجيهها بالطريقة التي تخدم الدينَ ومتطلبات هذا الشهر، لا أن تكون عشوائية.

ثالثًا: توزيعها طوال السنة بحيثُ لا تقتصر على شهرٍ واحد، يملأُ الفراغ بقيةُ الأشهر، وأيضًا كي لايزدحمُ شهر العبادة بهذه الأعمال .. ويطغى عليها.

رابعًا: ابتكار الفعاليات التي تحقق أهدافَ الشهرِ وفضيلته، على سبيلِ المثال فعاليتان مبتكرتان تتم إقامتهما في البحرين الأولى هي عبارة عن فعالية قضاء الصلوات الفائتة بصورة جماعية في أحد المساجد، والثانية هي فعالية صلاة الليل بصورة جماعيةٍ في أحد المساجد أيضًا!

هناك الكثير مما يمكننا فعلهُ طوال الشهر، أكثر من إنتاج الأفلام والمسابقات والفعاليات الترفيهية التي تضيع علينا وقتًا ثمينًا لا يمكننا تعويضَ أي دقيقةٍ منه، وما زال شهرُ رمضانٍ بصورتهِ التقليديةِ المتمثلةِ بقراءة كتاب الله، والاجتهاد في ختمه، أحلى وأزهى من شهرِ رمضان بنسخته "الديجيتال" هذه.
 
عودة لمقدمة المقال، فقد قمنا نحن باستبدال شهر الله تلقائيًا بمجموعةِ الفعاليات هذه، فضلًا عن أنه موسمٌ صاخبٌ لزيارةِ المقاهي، والمجمعات والأسواق، وموسمٌ غني بما لذًّ وطاب من الأطعمة، وإن كان هدفٌ من أهداف الصيام، وفلسفةٌ من فلسفاتهِ أن يستشعر الجميعُ حالَ الفقير، فقد بات الجميعُ في دورِ الملوك من شدةٍ الإسراف في موائدِ الأكلِ في شهر الصيام!

تبدّلت المفاهيم، وتغيرت الممارسات، وكما أصبحت عليه حال الكثير من الممارسات الدينية، فقد بات شهر الله مجرد شهرٍ لممارسةِ طقوسٍ خاوية، نمتنعُ فيها عن أكلنا وشربنا فقط، متناسينَ أنه شهرٌ لتهذيب النفس والارتقاءِ بها قبل كل شيء، هنا.. لا أُعمم هذه الحالة في كل المجتمع الاسلامي طبعًا، ولكنها للأسف حالةٌ جرفت معها الكثيرين.. دونَ شعور.

2 يوليو 2014
___________________________________
*حسب دراسة شاهدتها هذا العام فإنَّ مجموع المسلسلات الخليجية التي بُثَّت هذا العام هو 99 مسلسل.. ولك أيها القارئ الكريم أن تفهم الغاية وراء هذا العدد الضخم!

No comments:

Post a Comment