Pages

Friday, September 19, 2014

مرضُ الظاهر، ومرضُ الباطن // محمود سهلان

 
 
إذا مرضَ الإنسانُ فعقلهُ يقولُ له: ابحثْ عن العلاجِ المناسبِ، وعلى الأغلبِ لن يترددَ في طلبِ العلاجِ، والحفاظِ على حياتهِ بأغلى الأثمانِ وأصعبَ الطرقِ، وليسَ ذلكَ إلا لحبِ الخلودِ الأبدي لدَى الإنسان، والخوفِ ممّا بعدَ الموت.
 
لكنّ هذا الإنسانَ نفسه يغفلُ عمّا هو أهمُّ بكثيرٍ من صحةِ بدنه، فصحةُ القلبِ وسلامتهِ أهم بكثير من صحةِ البدن، فإنّ مرضَ البدنِ وموتَه لا يمنعُ إلا لذائذَ الدنيا الفانية، والتي لا تخلوا من ألمٍ جسدي ونفساني أيضًا، أمّا مرضُ القلب فهو يؤثرُ على صحةِ هذا البدن الذي تحرسُه، ويؤثرُ على عقلكَ وتفكيرك، ويؤثر على ملذّاتك الدنيوية، وعلى حياتك الأخروية، وعلى الخلود الأبدي، وهو الأهم.
 
فكم هيَ حالاتُ الانتحارِ التي نسمعُ عنها، بسببِ ألمٍ نفسي غالبًا، وكم نسمع عن أمراضٍ جسديةٍ منشأها مرضٌ قلبي أو مرضٌ نفساني، وبالنتيجة إمّا أنْ تحرمَكَ هذه الأمراضُ من الملذاتِ الدنيويةِ وأنتَ حيٌ، وإمّا أن تحرمك منها بالموتِ مؤبدًا.
 
المحركُ لكل فردٍ هو ما بداخلِهِ، ما بنفسهِ، ما بعقلهِ، وفطرتهِ، وملكاتهِ الباطنية، فإنَّ ما أقومُ به من أعمالٍ لا يكون إلا انعكاسًا للفكرِ الذي أحملهُ، وللعقائدِ التي أؤمنُ بها، والأخلاقِ التي أتحلّى بها، وما نقومُ به من أعمالٍ تعكسُ ما في باطننا، ولذلكَ فالإنسانُ أعلمُ بنفسه من غيره، سوى الله تعالى، فهو يعلمُ قطعًا ـ إلا الغافل ـ دوافعَ أعماله، ويعلمُ نيته، وما يريدُ فعلًا، ولذلك صارتْ النيةُ خيرًا من العملِ في الخير، وقد تكون شرًا من العملِ في الشر.
 
عطفًا على ما سبقَ ذكرهُ، فإنّ الخلودَ الذي يحبهُ كلُ إنسانٍ، وإنّ الكمالَ الذي يريده، لا يكونُ إلا عن طريقِ الباطن، وإذا صحَّ هذا باتَ من الواضحِ أنّ ما بباطنِ الإنسان أهمّ بكثيرٍ من جسده وظاهره، ومن الأولى أنْ يدعوَه العقلُ للاهتمام به، فيعالج أمراضَهُ النفسيةَ والقلبية، ويصحح معتقداته، ويعمل على ذلك بشكلٍ دائم، فبه يكون الخلود، إمّا بالجنةِ وإمّا بالنار.
 
ما نحتاجهُ فعلًا هو مراقبة أنفسنا دائمًا، فلا ينبغي أنْ يغفلَ المؤمنُ عن ذلك، ولذلك درجاتٌ أيضًا، فالبعضُ قد يراقبُ نفسَه عن طريقِ أعماله بالخارجِ فقط، ولكنه لا يراقبُ دوافعَ العملِ ونيته، والآخرُ يراقب دوافعه ونواياه ولكنّه لا يراقب مدى إخلاصه لله، وغيرُهم يراقب نفسه بدقةٍ متناهية، حتى يصلَ بها لأعلى درجاتِ الكمالِ وسلامةِ القلب، لذلك فلنعمل تدريجيًا على علاج قلوبنا وأنفسنا، فإنّ الأعمّ الأغلبَ لا يخلوا قلبه من مرضٍ ـ مع الاعتذار ـ فهي الحقيقة، ولنعمل لنكونَ سعداءَ خالدينَ في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، لا نصبَ فيها ولا لغوب.
 
 
٢٤ ذو القعدة ١٤٣٥

No comments:

Post a Comment