Pages

Friday, October 31, 2014

الحزن // أم علي

 
 
يُمارسُ بعضٌ فلسفته الخاصة اتجاه الحزن إما بالتجاهل أو الكبت أو الصراخ.. ونتفق على مقولة يعتبرها البعض أمرًا مسلمًا به ألا وهي أنه الشيء الوحيد الذي يولد كبيرًا ثم يصغر ونهمل إكمال التعريف بأنه الشيء الذي يترك ندبًا وعلامات على النفس والقلب.. الشيء الذي يعتصر الروح فلا تعود كما كانت قبل أن يمر بها. ولعل الحزن الذي يخلفه الموت هو أشد أنواع الحزن إيلامًا، وأكثرها شراسة في مهاجمة القلوب وذبحها بقسوة وبلا هوادة. ولعل بعضنا بل أكثرنا قد ذاق مرارة هذا الحزن بموت عزيز أو قريب.
الموت الذي يمثل ذروة سنام الحزن هو ذاك الشيء المحير الذي ما آتى به الله تعالي في كتابه العزيز إلا مقرونًا بالحياة، كما الليل والنهار فهو برغم قسوته ضرورة لتكون بعده حياة وهو كما ذكرنا المتسبب الأول والأهم للحزن.
 
ويتحكم في حجم الحزن الذي يعترينا بسبب الموت مدي قرب من فارقنا لقلبنا، كما أنه يحدد صورة الحزن التي تكون متعددة فنرى مَن يحزن ولا يذرف ولو دمعة واحدة، ومَن يُغرق الدنيا بالدموع ويصم الآذان بالنحيب لفراق حبيب. يقول علماء النفس إن الحزن المتفجر والذي يستطيع صاحبه أن يعبر عنه هو أيسر أنواع الحزن وأقلها تأثيرًا على القلب والنفس ذلك لأن صاحبه يستنفذ طاقة الحزن المختزنة بالتعبير عنه. أما مَن يكتم حزنه فإنه يشقى به ويعتصرة الألم وقد لا يفارقه حزنه إلا بتفجر حزن أكبر في قلبه أو بالتعبير عنه ولو بعد حين.
والحزن هو الشعور الأكثر ظهورًا في صور متعدده فهو إما حزن مرير وقاسي أو حزن يشوبه غضب أو حزن يتلبسه الشجن. والأول غالبًا ما يكون نتيجه لحدث جلل يغير حياة الإنسان وطريقة عيشه ويترك أبلغ الأثر علي نفسه. وتطول مدة معايشة هذا النوع من الحزن وتؤثر سلبًا علي من يصاب به مهما كانت قوة عزيمته وشدة شكيمته. أما النوع الثاني والذي يشوبه الغضب فهو وليد حدث عرضي ويظهر أكثر لدى أشخاص بسطاء يتعاملون مع ظاهر الحدث في الغالب، وسرعان ما ينجلي حزنهم بمجرد زوال السبب. أما النوع الثالث فهو حزن خفيف في الغالب لا يكون له سببًا محددًا، وتمر النفس البشرية به من آن لآخر خاصة الأشخاص ذوي الأنفس الرقيقة والأحاسيس المرهفة. وكثيرًا ما يُصاب به الأدباء والكتاب وهو نوع غريب من الحزن ليس له سببًا محددًا لكنه حالة من حالات الشجن تقترب من حدود الإكتئاب والانطواء علي النفس لكنها وبلا مقدمات تنفرج ويخرج منها صاحبها معافى.

والحزن كشعور إنساني مثله مثل باقي المشاعر والأحاسيس الإنسانية التي جبل عليها البشر. وكما هو الحال مع باقي المشاعر الإنسانية الأخرى فقد بين الله عز وجل وبينت السنة النبوية المطهرة سبل معالجة هذا الحزن مهما كانت صورته. فبداية نحن مطالبون بأن نكون في هذه الدنيا كالمسافر الذي استظل بظل شجرة ساعة ثم ارتحل فما يضره ما حدث في تلك الساعة وهو المسافر إلي ربه وإلي الدار الآخرة. وهو توجيه نبوي أتى علي لسان رسولنا الكريم صلي الله عليه وآله وسلم، ثم تأتي آية كريمة تبين كشف الحزن مهما بلغت درجاته (الغم وهو أقصى درجات الحزن) عن أي أنسان بمجرد قرائتها -وقد جربت هذا شخصيًا ونجحت في كشف الهم عن قلبي في كل مرة- كما جاء على لسان نبي الله يونس عليه السلام في سورة الأنبياء إذ قال تعالى:
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَٰهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
 
فعلاج الحزن مهما كان نوعه وقدره وقوة تأثيره بسيط ودرجة بساطته تتحكم فيه عوامل أهمها قوة إيمان الشخص وشدة تعلق قلبه بالله وهوان الحياة الدنيا بزينتها ومتاعها على نفسه وإدراك أنها مجرد متاع وزينة وتفاخر وتكاثر بين الخلق في الأموال والأولاد، متاع نأخذ منه بقدر ما يقيم حياتنا ويضمن لنا حظًا من السعاده والهناء وتطبيق شرع الله في إعمار الارض وتحقيق سنة الله في خلقه وتأدية ما علينا من عبادة هي في الأصل سبب خلقنا ووجودنا على الأرض.

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (56)
فهل نوقن بعد هذا أننا قادرين على هزيمة الحزن والعيش في سلام بمنأى عنه بعدما عرفنا طريقنا لهزيمته؟
 
 
1 نوفمبر 2014

 

No comments:

Post a Comment