Pages

Friday, October 31, 2014

الإسلامُ "كاتالوج" حياة // أبو مقداد



 
مدخل:-

من يصنعُ آلةً ما، هو أعرفُ الناس بكيفيةِ تشغيلها، وما تحتاجهُ لتعمل بشكلٍ صحيح،  وما يصلُحُ لها ليضمنَ استمراريتها في العمل، لذلكَ  فإن أصلحَ نظامٍ لإدارة هذه الآلة هو النظام الذي وضعهُ مخترع أو صانع الآلة هذه، لأنهُ الوحيدُ العارف بكلِّ تفاصيلها ومداخلها ومخارجها، ومهما حاول الآخرون تكييف التعامل هذه الآلة على حسب أهوائهم، سيبقى هو وحده المتمكن من برمجتها بالشكل الدقيق لأنه وحده يعرفُ أسرارها، ودهاليزها، وهو واضعها أصلًا، ومن السذاجةِ أن يجيء أحدٌ ما، ليعلم صانعَ الآلة عن الطريقة التي تعملُ بها آلته.


تقديم:-

المثاليةُ مأخوذةٌ من المثال السليم والذي لا بُدّ للإنسان أن يطمحَ للوصولِ له. ولكن حين نتحدثُ عنِ المثاليةِ، فقد نصطدمُ بكثيرينَ ممن سيقولونَ بأن الحالة المثالية هي حالةٌ غير ممكنةِ الحدوث، والوصولُ لها أقربُ للمستحيل، بسبب أن الظروف الواقعية، لا تتناسب مع المثال، فلا يمكن أن نعيش الحالة المثالية مهما حاولنا. والجدير بالذكر أن أول من حارب المثاليات، هم المذاهب الماديَّة الاشتراكية، وخصوصًا الماركسية منها، بحجَّةِ أن الحالة المثالية غير واقعية ولا تناسب الظروف الآنية، متغافلين عن تناقضات ومساوئ الحالة المادية التي يعيشونها، ويوظفونها في تحريك المجتمعات وتحديد مصائرها.


تأصيل:-

من الممكن أن يفترضَ أيًّا منا الحالة المثالية التي يراها، ولكن منطقيًا واستنادًا على المدخل المذكور في بداية المقال، لايمكن لأي بشرٍ أن يضع قوانين الحالة المثالية أو أن يصنع المثال الذي يُمكِّنُ من يتبعهُ ويلتزمُ بهِ أن يمارسَ حياتهُ كفردٍ وكمجتمعٍ بصورةٍ سليمةٍ وقويمة، إلا صانع هذا الكونِ وخالقه، وهو اللهُ سبحانهُ وتعالى وحدهُ لا شريكَ له. الله الذي صنع نظام السماء، فخلق الكواكب والمجرات والنجوم والأفلاك، بدون أن تصطدمَ أو تتبعثر، وهو أقدرُ على ذلك.

لذلكَ، فإنَّ رسالة خاتمِ الأنبياء، لم تكن مجردَ دينٍ يُمارسُ مُعتنقوهُ بعضَ الطقوس الفارغةِ من المحتوى، وحتى لم يكن الدينُ الذي يجتهدُ ليُعرِّفَ الناس بالله جلَّ وعلا فقط، إنما كان دينُ محمدٍ نظامًا سماويًا مثاليًا يُنظِّمُ للناسِ جميعًا خُطط حياتهم، عباداتهم، وعلاقاتهم، واقتصادهم، وثقافتهم، ووو.. ولن تجدَ صغيرةً، ولا كبيرةً إلا ولها في هذا النظامِ مثالًا ليُسيِّرها بشكلٍ سليم، في شتى مجالات الحياة، وهذا من عظم الخالق عزَّ وجل. فالدينُ الإسلامي الذي أنزلهُ الله للبشريةِ بمثابة "دليل المستخدم" لهذه البشرية ولهذه الأرض بما فيها. فكل ما يطرحه الإسلام من نظريات وقواعد هو ما يصلحُ لهذه الحياةِ وما عدا ذلك ففيهِ نظرٌ، ويحتاجُ لمقارنتهُ مع النظام الإلهي.
 
حقيقة:-

وضعَ لنا الإسلامُ القواعد الأساسية للمعاملات في العديد من أمورِ حياتنا، ولأن الحالة المثالية هذه لا تُناسبُ واقعنا وظروفنا، فقد ابتكر الإنسان ما أسماهُ حيلةً شرعية ليتمكنَ بقدرةِ قادرٍ أن يُحللَ حرامًا ما، أو يُحرِّمَ حلالًا ما، فيتحوِّلَ الرِّبا لهديةٍ أو مكافئة، والسرقةُ لاستعارة، ويهرُب المسلمَ من خمسه بالهبَة، والكثير من الأمثلة التي أوجد الإنسان لنفسه نظامًا فيها واعتمدهُ عوضًا عن النظام المثالي، هكذا أوجد الحيلةَ الشرعية.

ومن الأمثلة الواقعية التي ترفض الحالة المثالية التي أكد عليها النظامُ الإسلامي، هي حالة العدالة في الزواج، يقول الله تعالى في محكم كتابه


"وإن خِفتُم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساءِ، مثنى وثلاث ورُباع، فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعدلوا"

هذه تعليمات مثالية من خالق الكونِ وصانع نظامه، إلا أن هذه الآيةُ حين تتعرضُ لسطوة الواقع، يتم تحريفها من الطرفين اللذَين تستهدفهما الآية، فلا النساء تتقبل فكرةُ تعدد الزوجات، ولا الرجال ينظرون لمسألة العدالة، وفي النتيجة يكون تطبيق هذه القاعدة المثالية غير ممكن ومرفوض مقارنةً بالواقع المجتمعي، فتكون القاعدة الجديدة أن يكتفي كل رجلٍ بامرأة واحدة، وربما الكثير ينسى مسألة "فإن خفتم أن لا تعدلوا". هذه القاعدة الجديدة قبال القاعدة المثالية هي ما تسبب خللًا في المجتمعات المسلمة، حيث أنها عكست المضمون واعتبرت أن الحالة الواقعية هي السليمة والمناسبة بينما القاعدة المثالية خطرًا علينا، مما ينتج من تعطيل هذه القاعدة العديد من المشاكل من قبيل كثرةِ المطلقات، وكثرة النساء بلا أزواج، فيؤدي لزيادةِ الانحرافات وانتشار الفواحش، والعديد من المشاكل التي يسببها تعطيل هذه القاعدة. والحديثُ هنا طبعًا ليس عن فكرة تعدد الزوجات، وقبولهِ أو رفضه، إنما لتوضيح كيفية صنع أنظمة جديدة قبال الأنظمة التي وضعها الله لإدارة الحياة بشكلٍ سليم.


لفتة:-

دين اليُسرِ الذي نؤمنُ بهِ أتاح لنا بعض التنَزُّلات في القواعد المثالية، بحيث أننا نحافظُ على حدود النظام الإلهي المثالي، مراعاةً للظروف الزمكانية، ولكن لا يصح أن تنستغل هذه التنزُّلات في تحوير الدين كما يتناسب مع أهوائنا. وطبعًا لا يمكن لأيٍّ كان أن يُشَرِّع هذه التنازلات الا المختص في الدين، فالدين ليسَ نظامًا جامدًا بل هو نظامٌ صالحٌ لكل زمانٍ ومكان، ولأيِّ ظرفٍ كان.


استنتاج:-

إذا قلنا بأنَّ العبث في  بعضِ قواعدِ الدين المثالية سيسبب خللًا في المجتمع، وفي خط سير ِالحياة، تُرى ماذا سيسبب من ينادي بأن تحكمَ العالم الدول الغير إسلامية بحجة أنها لا تُناسب الواقع؟ وبهذا هو يلغي النظام المثالي الذي خصصه الله لإدارة وحكم العالم، وهو النظام الإسلامي، ويستبدلهُ بنظامٍ جديد، أول خصائصه هو فصل الدينِ عن كلِّ شيء، مما يعني فصل الدين عن الحياة وحصره في طقوسٍ مُفرغةٍ من أي معنى، كما لم يجيءَ به رسولُ الله!


1 نوفمبر 2014

No comments:

Post a Comment