Pages

Thursday, October 2, 2014

عبث في خرائط النفوس (٢) // إيمان الحبيشي

 
 
لا زلتُ متوقفة عند محطة رياض الأطفال، حيث البيئة التي نختارها ربما بكل عناية لنلقي داخلها أطفالنا ليلعبوا ويتعلموا بينما ننصرف لشؤون الحياة التي فرضت نفسها علينا أو فرضناها على أنفسنا. وقد تحدثتُ في مقال سابق عن أهمية متابعة الأطفال داخل روضاتهم، وعن حق أولياء الأمور في إبداء ملاحظاتهم على أداء منتسبات الروضة في الهيئتين الإدارية والتعليمية لما لهذه المرحلة من بالغ الأثر على نفسيات الصغار الذين سيكبرون ليشكلوا القوة البشرية ضمن مجتمعنا.(١)
 
ربما تحدثتُ في مقالي السابق وبشكل مستفيض عن مرحلة الطفولة وكيف من الممكن أن يُساء لها بقصد أو بغير قصد داخل رياض الأطفال، إلا أن الضوء لا بد أن يُلقى في ذات الوقت على القائمين على تلك الروضات إذ لا يخفى عليكم أن رياض الأطفال تعدّ (عملًا استثماريًا ومشروعًا تجاريًا) من الدرجة الأولى يستثمر حاجة الأهالي لمن يرعى صغارهم أثناء غيابهم.
 
نعيش في بلد يقدَم فيه التعليم للمواطن مدفوعًا من حصة الفرد من ثروات البلاد وبالتالي لا يوجد رسوم مادية رسمية تُدفع مقابل التعليم إلا أن مرحلة رياض الأطفال مستثناة من مراحل التعليم مما يعني أن لرياض الأطفال شيء من الاستقلالية، فلا يُشترط أن تحمل القائمات على تلك الرياض شهادة تعليمية ذات درجة علمية معينة، وعليه لا تحصل العاملات في هذا المجال على أية امتيازات مادية ووظيفية واجتماعية أسوة ببقية العاملين في ذات المجال بالمراحل التعليمية اللاحقة إلا ما رحم ربي. هذا يعني أن رياض الأطفال لا يعدّ مجال جاذب للقوة البشرية القادرة والمؤهلة للعمل بل حقيقة ومع كامل الاعتذار للعاملين في هذا المجال هو مجال يُضطر الإنسان للعمل فيه تحت وقع حاجة مادية أو ربما عملية أو حتى اجتماعية. إن ذلك يقودنا إلى حقيقة مزعجة جدًا وهو أن المجال الذي لا بدّ أن تتوفر للعاملين فيه (قدرة كبيرة على التعامل مع الطفل وبشكل تربوي واحترافي) هو من أقل المجالات التي توظف ما يتناسب وحاجتها. إنه مجال يتم فيه سد النواقص والحاجات بشكل عشوائي ظالم للعاملات فيه وللمستهدفين منه إلا أن الضرر الواقع على الفئة الأخيرة ضرر كبير يعود على المجتمع ككل.
 
ربما تمتلك العديد من العاملات في مجال رياض الأطفال قدرة على تعليم الأطفال أو سعة في التعامل معهم - وكثيرات منهن يقدمن ما يقدمنه بكل حب وإخلاص - إلا أن ذلك لا يعني أن دور أصحاب تلكم الروضات أو أولياء الأمور أو حتى المؤسسة التعليمية في البلاد قد انتهى بتوفر مجموعات متمكنة في جانب من جوانب عملية تعليم ومتابعة الطفل بل إن على عاتق الجميع مسؤولية تقييم وتقويم العملية التربوية داخل رياض الأطفال وإن عنى ذلك أن تعتبر مرحلة رياض الأطفال إحدى أهم مراحل التعليم فتضم للمؤسسة التعليمية الرسمية وبالتالي يفرض وصفًا وظيفيًا يتلاءم ومتطلبات العمل مع هذه الفئة العمرية.
 
إن العملية التربوية المقدمة لهذه الفئة العمرية بحاجة لإصلاح جذري حقيقي ولا بد أن نسعى لذلك الإصلاح ولو استلزم إعادة تخطيط وإدارة هذه العملية من ألفها لياءها وأعي أن ما أقوله صعب جدًا ولا يمكن أن يخرج من أمرين أحلاهما مر:
 
1- إما أن ترتفع رسوم رياض الأطفال مقابل توفير بيئات وعاملين قادرين على إدارة العملية التربوية والتعليمية باحترافية وضمن مراقبة حقيقية ومحاسبة مباشرة مما يعني زيادة العبء على كاهل الأسر. 
 
 
2- أو أن تبدأ المؤسسة التعليمية الرسمية في البلاد باعتبار هذه المرحلة إحدى مراحل التعليم فتعيد صياغتها من جديد وهو أمر قد لا تُقدِم عليه المؤسسة الرسمية عن رضا واقتناع لكن ربما تخضع له تحت إلحاح أولياء الأمور وعبر إجراءات القانون تحت قبة برلمان حقيقي حين نصبح مواطنين في بلدنا.
 
 

4 أكتوبر 2014
____________________________________________________
** راجع المقال السابق: عبث في خرائط النفوس (١) 

No comments:

Post a Comment