Pages

Friday, October 24, 2014

الفضيلة .. بين الافراط والتفريط // إيمان الحبيشي

 
 

لفتت نظري مجموعة من التغريدات لأحد المدونين العرب، انتقد فيها (فريضة الجهاد) بصورتها التقليدية القائمة على ثقافة المدد الإلهي، ورغم أني أختلف معه في بضع توصيفات كتبها، إلا أن تغريداته تقاطعت في بعض جزئياتها مع أفكار كنتُ قد مررت عليها، إما عبر قراءاتي أو بين بضع مناقشات خضتها مع آخرين، منها على سبيل المثال فكرة للدكتور علي شريعتي في كتابه النباهة والاستحمار تتلخص في الفقرة التالية:
 
(عندما يشب حريق في بيتك، ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرع إلى الله، ينبغي عليك أن تعلم أنها دعوة خائن، فكيف إلى عمل آخر؟ فالاهتمام بغير إطفاء الحريق والانصراف إلى عمل آخر ما هو إلا استحمار وإن كان عملًا مقدس أو غير مقدس)!


في اعتقادي إن فكرة ترتيب الأولويات هنا هي الفكرة التي تسيطر على منتقدي المجتمعات الإسلامية في تعاطيهم مع بعض القيم والواجبات الدينية، فالتصرف الطبيعي مثلًا لمن احترق بيته أن يحمل الماء ويستنجد بالجيران لينقذ عياله وممتلكاته، لا أن يصلي صلاة الاستسقاء حتى ينقذه الله بغيث من السماء!

أتصور أننا نحمل الكثير من القيم، بصورتها التقليدية التي تخلق منا بشرًا متواكلين وكسالى، وتُخرج من تحت أيدينا مجتمعات استهلاكية مغلوبة على أمرها، يبتزها الحاكم جهرًا والدول العظمى مواراة وسرًا.


بنظرة سريعة على المجتمعات الإسلامية ستجد أن الأسلوب السلبي في حملنا لقيم السماء هي أساس للكثير من مشكلاتنا، نحن مجتمعات مهزوزة لا تثق بقدراتها ولا بقيمها، وإلا فعلام نُمنى بالهزيمة كل حين؟! لأننا كثيرًا ما ظننا أن النصر يعني أن نحمل السيف ونتقدم، دون خطة، دون مراقبة، دون علم مادي نستثمره في دراسة مقدمات المعركة ثم أسباب النصر، ثم حين تغرقنا الهزيمة ندفع بالاتهامات تجاه قيم السماء (الي ما تجيب خبر) ثم صرنا نفتش بين دفات الشعوب المنتصرة عن قيم بديله وأنظمة أخرى غير التي منَّ الله بها علينا!


اليوم يهرب كثيرون من القيم النبيلة، لأن هناك من استخدمها بصورتها البالية الفجة، حتى أثبت لهم فشلها، وكأنها باتت مجرد فضائل أو قيم نظرية فحسب ولا تصلح للحياة الواقعية. كثير من المجتمعات الإسلامية اليوم تعيش أزمة الاستغراق في الماضي، كالجماعات الإسلامية التي ربما تعيش أكذوبة أن الحق كل الحق في أن ترجع أيام الخلافة الإسلامية على الطريقة الأموية، فتسبي النساء وتقطع الرؤوس وتأكل أكباد البشر!! وكثير من المجتمعات الإسلامية تريد الانطلاق نحو مستقبل غريب لا يعرفونه ولا يعرفهم، لا يربطهم في بالإسلام رابط، فالإسلام ليس سوى مكبل للشعوب، وقاهر لها، ومحارب للعلم، متوحش يدعو لافتراس الآخر وسحقه دون رحمة!!

كثيرات كفرن بالالتزام الديني، ذلك أنهن اخترن لهن أزواجًا ملتزمين دينيًا ظاهرًا، يظنون أن الدين هو أن لا يبتسموا في وجوههن، وأن يشاوروهن ليخالفوهن، وأن يعاملوهن من منطلق أنهن ناقصات عقل ودين!! حتى إذا ما اراد لها الله أن تخرج من حلق ذلك الزواج حتى تصر على أن تتزوج بآخر لا يستمع للخطب الدينية، ولا يكترث بالمتوارث من الأقوال والعادات، حريص على الاستماع للأغاني، متدبر في برامج التلفاز، مستغرق في المقاهي، نسي الطريق للمسجد!!
 
كثيرون سئموا من مقولة (رضا الله من رضا الوالدين)، ذلك أن والدهم لم يرض عنهم يومًا، رغم أنهم أطاعوه حين قرروا أن يدرسوا تخصصًا أراده هو ولم يريدوه هم، ذلك أنهم حين تزوجوا اختاروا زوجة يريدها هو لا هم من أرادوها، ولا زالوا يعنفون صبحًا ومساء تحت ذريعة هذه العبارة وتلك، ناسين أو متناسين أن رضا الله لا يتوافق مع قهرهم وكبت حاجاتهم والتدخل بكل شؤونهم، وأن نصيب الوالدين هو البر والإحسان لا الطاعة العمياء!


كثيرون صاروا يطالبون بقوانين وضعية تلغي قوانين السماء كقانون الأحوال الشخصية، ذلك أن المحاكم الشرعية ملئى بظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ذلك أن كثيرون ممن وضعوا أنفسهم تحت طائل مسؤولية الحكم بين الناس، قد فقدوا عدلهم واتجهوا نحو شهواتهم واستغلوا مطرقة سلطتهم لينفذوا رغباتهم لا عدل الله وإحسانه!

لا أدري حقًا إن كان من حقنا أن نلوم أفرادًا تمردوا على مجتمعهم الذي يكبل الفضائل، ليحولها من معناها المرن الإنساني الوادع، لسجن بغيض يحبس داخله إرادة الإنسان وحريته وسعادته التي أراد الله لها أن تحفظ، لكني أثق أننا مطالبون بتصحيح الأمور.
أنه من واجب كل فرد أن يتعرف حقًا، على دين الإسلام بصورته المحمدية الأصيلة، التي تتباهى في أروع صورها عند أهل بيت نبي الرحمة، الذين عبدوا الله حق عبادته، وأدوا إليه حقوقه، وكانوا كالبلسم الشافي يضمدون جراح الأمة التي ما هدأت جراحها منذ وفد نبي الرحمة على العلي الأعلى.


لنحفظ فضائل الصبر والحب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمداراة والإحسان للوالدين وغيرهم من سندان الإفراط ومطرقة التفريط، حتى تثق الأجيال بما تحمل من ثقافة إسلامية إنسانية لا يأتي عليها الدهر أبدًا.


25 أكتوبر 2014

No comments:

Post a Comment