Pages

Friday, January 16, 2015

أو تسريحٌ بإحسان // محمود سهلان

 
 
قالَ تعالى: (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) [البقرة: ٢٢٩].
 
تتشكّل العائلة ـ في الإسلام ـ عبر عقدٍ بين ذكر وأنثى، ومن خلال ذلك تتكون خليةٌ جديدة من خلايا المجتمع، سواء رُزقوا أولادًا أم لا، فإنَّ الخليةَ تكوَّنت بلا ريب، وأنّها باتت مؤثرةً في المجتمع.
 
هذه الخلية إمّا أن تضيفَ للمجتمع وتساهمَ في رُقيه، وإمّا أنّها تكون عالةً عليه وتؤثر عليه سلبًا، وقد تبقى في حالٍ وسطٍ فلا تؤثرُ إيجابًا ولا سلبًا، وإن كان هذا التعطيل لدورها يعني السلب أيضًا.
 
إذا كانت هذه العائلةُ إيجابيةً بالنسبة لأفرادها، والمجتمع، فهذا ما نريده جميعًا، وإيجابيتها لا أقصد بها عدم وجود بعضِ الخلافات وسوءِ الفهم بين أفرادها نهائيًا، بل كونها صالحةً لتكون لبنةً من لبنات المجتمع، فسوءُ الفهم وبعضُ الخلافات الطّارئة من هنا أو هناك واردةٌ على أيّ علاقة، ففي النهاية نحن بشرٌ ولسنا بمعصومين، وفي هذه الحالةِ ينبغي الحفاظ على العائلة، ودعمها، والسعي نحو رقيها أكثر فأكثر.
 
أمّا إذا كانتِ العائلةُ سلبيةً لأفرادها، والمجتمع، فلا ينبغي أن تترك على حالها هكذا، فلا بدَّ من السعي في إصلاحها. فيبدأ قطبا العائلة (الزوج والزوجة) في محاولاتهما الإصلاحية، وتقريبِ وجهات النّظر بينهما. إذا نجحا فبها ونِعمت، وإذا لم ينجحا فيوسطا من يثقانِ به. وهكذا يستمرَّان في المحاولة، ويستمرُّ الأهلُ والمقربون في ذلك. ولكن إذا لم يتمْ لهما الصِلح، ولم تتقارب وجهات النظر بينهما بعد كلِّ هذا، ماذا يعني لنا ذلك؟
 
أرى أنّه يعني أنّ استمرارَ هذه العائلة يصبح عاملًا عكسيًا. فبدلًا من أن تكون هذه العائلةُ لبنةً من اللّبنات الصالحةِ لبناء المجتمع، تتحول لعاملِ هدمٍ ينبغي التّخلص منه، فإنّ إنهاء العلاقة حينها هو البناء الذي يحتاجه الطّرفان والمجتمع.
 
قد يعترض البعض على الذهابِ لهذا الحل، خصوصًا إذا كان في البين أبناءٌ، خوفًا على مصلحةِ الأبناء كما يرون. بينما أرى بقاءَ الأطفال في مثل هذه الأجواء المشحونة بين أطرافٍ متنافرةٍ إلا هدمًا وتدميرًا لشخصيّاتهم، وتراجعًا في البناء لديهم. فهذا السبب لبقاءِ علاقةٍ كهذه ليس بصحيح، ونقضُه ليس بتلك الصعوبة، أعني نقضَ السبب، لا نفسَ حالةِ الانفصال مع وجودِ الأبناء. وأقول أيضًا أنّ التّسريح بإحسانٍ حلٌّ واردٌ عقلًا وشرعًا، فلا ضيرَ فيه، ولا ينبغي النّظر بسلبيةٍ إليه، ولا حتى لطرفيه المنفصلان.
 
انظر للتالي:
 
هبَ أنَّ رجلًا يطرد زوجته في أيّ وقتٍ يحلو له، لسببٍ أو لآخر، ولا يتحدثُ إليها، ويعاملها كخادمةٍ له ولأهلِه، ويمنعُها من العمل، ولا ينفقُ عليها. وهبَ أنّ له ابنةً منها لا يكترثُ لها، وترى كلَّ ما يجري بين أبويها من خلافاتٍ بأم عينيها، دون أيّ حاجز، وكأمِّها فإنّه لا ينفقُ على ابنته، ولا يزورها، ولا يتواصل معها بأيّ طريق، وأكثر من ذلك..
 
ما سبق ليس خيالًا، بل هو واقعٌ تعيشه بعض النساء، وما ذكرته هو ملامحٌ عامةٌ لإحدى القصص، على لسان الزّوجة نفسها، فتأمَّل جيدًا، وفكّر معي في الحل..
 
في الختامِ أقول، أنَّ الخلايا الفاسدة، لا بدَّ من استئصالها إذا لم نجدْ لها علاجًا، وليست هذه الحالات ببعيدةٍ عن كونها خليةً فاسدةً بالمجتمع، شئنا أم أبينا..
 
قالَ تعالى: (وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: ٢٢٧].
 
 
٢٥ ربيع الأول ١٤٣٦ هـ

No comments:

Post a Comment