بسم الله الرحمن الرحيم
فصل الصيف:
وجاء فصل الصيف وإذا بمجاميع الطلبة يحزمون أمتعتهم سفرًا إلى بلدانهم.. غالبية العوائل الخليجية تشدّ الرحال شوقًا لزيارةٍ عِدَّتُها ثلاثة أشهر.. فأثناء بضعة أيام بعد انتهاء الامتحانات تشهد حالة من الترحال كان رجل الساعة فيها حسن أكبري ذلك الإيراني الخمسيني الشهم الذي يقوم بتأجير ناقلة "U-Haul" لشحن أغراض المسافرين من رواد المركز الإسلامي.. لكل فردٍ حقيبتان يحملهما على متن الطائرة، لكن يقوم الطلبة الخليجيون بشحن صناديق من الحجم الكبير عوضًا عن حقيبة السفر.. صندوقان لكل فرد من أفراد العائلة، فإذا كانت العائلة مكونة من أب وزوجته وثلاثة أولاد مثلًا، فتلك عشرة صناديق من الحجم الكبير ممتلئة بالهدايا والأمتعة وغيرها.. ومن دون طلب أو سؤال، يقوم أكبري بنقل الطلبة وعوائلهم وأغراضهم إلى المطار ذهابًا، وإيابًا متى ما عادوا من رحلتهم بعد انتهاء فصل الصيف. كان أكبري يقوم بذلك من تلقاء نفسه وبكل أريحية وسعادة وراحة بال. ولأكبري الكثير من الوقفات في هذه الذكريات أعرضها في وقتها..
ولا يقتصر السفر على الطلبة العرب، بل حتى الأمريكان يقومون بالسفر في فصل الصيف.. أما الطلبة الأقل حظًا مِن مَن قُدِّر لهم أن يدرسوا فصل الصيف فهم على موعدٍ مع فصل دراسي ضاغط جدًا، فالدراسة على فصلين خلال ثلاثة أشهر تكثر وتضغط فيها الواجبات والامتحانات، إلا أن فائدتها تكمن في إنهاء عدة مواد في فترة قصيرة جدًا.
وبالرغم من ضغط الدراسة إلا أن فصل الصيف في مدينة بورتلاند رائعٌ جدًا، فالمناخ جنًاوي وأقصى درجة للحرارة تصل حوالي 80 درجة فهرنهايت (27 درجة مئوية).. والشمس تطلع بازغة في فصل الصيف لتطل بأشعتها الذهبية على أرجاء المدينة التي تغطيها الغيوم طوال العام. وترى الناس تنطلق مستمتعة بأشعة الشمس الدافئة إلى الحدائق والأسواق وساحل البحر وغيرها من الأماكن الطبيعية الخلاقة في مدينة الزهور. كنتُ في البداية أستغرب هذا الوله بالشمس وأشعتها عند الأمريكان كوني قادم من بلاد لا تفارقها الشمس، بل تعودّتُ على الهروب صيفًا من شدة حرارتها، لكن بعد مضي عدة سنوات أدركتُ حينها قيمة تلك الأشعة الدافئة التي تنبثق من الشمس لتشق طريقها بين السُحب التي تخيّم على أجواء المدينة لأشهر طويلة خلال السنة. تبعث هذه الأشعة الذهبية الحياة في المدينة بعد أن خيّم عليها الظلام لشهور..
يخرج الناس في كل الأماكن، فبعضهم يذهب إلى الحدائق والغابات، والبعض يقضي صيفه عند البحر، وآخرون يتسلقون الجبال.. ومن أروع الأنشطة التي شدّتني في تلك المدينة لفصل الصيف هو قطف الفواكه والخضروات "u pick"، إذ تقوم الكثير من المزارع بوضع لافتات لقطف الفواكه والثمار وبأسعار زهيدة جدًا. وقد تعرفت على هذه الظاهرة الصيفية عن طريق أبي حسين الإحسائي وسلمان القطيفي إذ خرجنا لقطف الفواكه والخضروات في صيف 1988.. كانت المزرعة التي ذهبنا إليها شاسعة جدًا تحوي الكثير من الأشجار والفواكه كالتوت والخوخ والتفاح وغيرها من الخضروات.. فنقوم بجمع ما نريد ثم ندفع قيمته الزهيدة جدًا لصاحب المزرعة بعد أن قضينا وقتًا ممتعًا في قطف الثمار والفواكه. تشدّك الطبيعة الخلابة، فتمشي بين الشجيرات وتمسك بأوراقها لقطف الثمار، ويطرق مسامعك ضحكات الأطفال وهم ينتقلون من شجرة إلى أخرى.
ومع جمال الصيف وروعة مناخه إلا أنه يشعرك بالوحدة أيضًا، فغالبية الأصدقاء والأصحاب والزملاء بعيدون.. فترة الصيف في بداية حياتي الدراسية كانت من أصعب الفترات التي مرّت عليّ، إذ يشتد الحنين إلى البلد والأهل والأحباب.. لكنه ما يفتأ أن ينقضي لتبدأ بعده سنة دراسية جديدة تخفف قليلًا ألم الفراق والغربة..
في السنوات الأولى من دراستي في أمريكا كانت هناك عدة مجموعات تجمعني بهم صلات الصداقة، وتلك كانت بداية لتكوين الكثير من علاقات التعارف والصداقة مع أشخاص من مختلف الجنسيات والهويات.. كما أنه من الملفت أن هذه المجموعات اختلفت في جنسياتها على مدى سنوات مكوثي في تلك المدينة.. المجموعة الأكثر التصاقًا بها كانت مجموعة المركز الإسلامي وينقسمون إلى فئة القطيفيين والإحسائيين وهم الغالبية وأكثرهم عوائل بل لا أكاد أتذكر منهم أعزبًا في أول سنين الدراسة، وكذلك فغالبيتهم مبتعثون من شركة أرامكو.. وكان هناك عدة أفراد قلائل من عراقيين، وإيرانيين، ولبنانيين، وعماني واحد، وإماراتي (فيصل)، وبحراني (أنا).. وغالبية هؤلاء يسكنون في منطقة بيفرتون، ضاحية من ضواحي بورتلاند. أما الفئة الأخرى، وهم زملاء من الإمارات جمعني إياهم معهد اللغة ويشكلون نسبة لا بأس بها يسكنون في منطقة ليك أوسويجو، ضاحية أخرى من ضواحي بورتلاند. مجموعة صغيرة من هؤلاء الإماراتيين كانوا من بحارنة أبو ظبي من عائلة الصائغ والفردان، وكانت لي صداقة قوية مع أحدهم اسمه خالد الصائغ (سأفرد له فصلًا لاحقًا).
بعد رحيل أبي خليل وأبي علي الذَّيْن كنا في رعايتهما الأبوية، تلقانا برعايته السيد علي من الإحساء (جبل القارة).. يكبرنا السيد علي بعدة سنوات وله من الأولاد حينها ثلاثة وابنتين.. تتسم شخصية السيد بالهدوء والأريحية. كان السيد يؤم الصلاة في المركز، ويلقي دروس الفقه، وله شغف بالرياضة ويستمتع بقضاء الوقت معنا في المساء على كأس من الشاي.. كما كان يدعونا (فيصل وأنا) كثيرًا على وجبات العشاء في بيته.. كان للسيد علي الكثير من التأثير الإيجابي على شخصيتي وكان من أبرز المواقف التربوية موقفين تربويْن رسخا في ذهني.
الموقف الأول كان أثناء لعبنا كرة الطائرة إذ مزح السيد بمزحة لم تعجبني بل جعلتني في حالة غضب عارم بالرغم من احترامي الشديد له، حينها ذهبت إليه ووقفتُ وجهًا لوجه أمامه إلا أنه عاجلني بابتسامة عريضة وقال: "أنا آسف"، مع أن الغضب ظل يفور في داخلي إلا أنه بتصرفه هذا حجّمه بصورة ماهرة وكأنما صبَّ عليَّ ماءً باردًا. بعد عدة أيام كلمته على انفراد حول ذلك الموقف، فقال لي: "إننا في علاقاتنا الاجتماعية نتعرف على بعضنا البعض، نتحاور ونمزح ونضحك، ونبدأ برسم حدود تلك العلاقة تبعًا لاختلاف أو تشابه الطبائع والثقافة والسلوك لكل فرد منا. فما يغضبك مثلًا ربما بالنسبة للآخر شيئًا عاديًا، والعكس صحيح. لكن من واجبنا اتجاه بعضنا البعض أن نتحمل الآخر، وأن نخبر الآخر بطريقة حسنة ما لا نقبله من تصرف أو سلوك لكي يكون على علم وبيّنة. لم أعرف أن ما فعلته في الملعب كان يغضبك، ولكني الآن أعرف ذلك وثق أنني لن أمارسه معك مرة أخرى".
هذا الموقف فتح لدي أفق جديد فهو نبّهني لطبيعة الاختلافات بين البشر في سلوكياتهم وتعاملاتهم، فأكثرنا لا يستطيع أن يعرف الخطوط الحمراء في التعامل مع الآخر، وبالعادة نحن لا نسأل عن ذلك بل نتعرف من خلال العِشرة والمخالطة. فإما أن تكون ضريبة تلك المعرفة للخطوط الحمراء على رؤوس الآخرين فنشهدها ونتعلم منها، وإما أن تكون ضريبة المعرفة على رؤوسنا وحينها قد نُحسن التصرف أو ينتابنا الغضب أو العزة بالإثم. من الجميل جدًا أن يتحمل الفرد منا الآخر، ويستخدم الحكمة في إيصال ما لا يقبل به من سلوك وتصرف للآخر سرًا، وكذلك أن نتحمل غضب الآخر إذا ما أخطأنا في حقه ونحجّم غضبه بالأسلوب الحسن والاعتذار.
أما الموقف الثاني فكان في محل للتسوّق.. كان المكان يحوي الكثير من البضائع من ثياب وأمتعة وأدوات ومعدات كهربية، والكثير من السلع. في تلك الأثناء سألته عن سلوك بعض المتدينين الذين يعتمدون فتاوى تجيز لهم أخذ أموال الكافر بعناوين معينة، منها أن أمريكا بلد مُحارب للمسلمين.. يقوم البعض بإخفاء السلع تحت ثيابهم أو إبدال بطاقة السعر من سلعة أقل ثمنًا بوضعها على سلعة أغلى ثمنًا، فيتم شراء السلعة الأغلى بالسعر الأقل، وغيرها الكثير من الطرق والحِيَل.. سألتُ السيد علي عن تلك الفتاوى ربما لرغبة داخل نفسي لممارسة تلك السلوكيات خصوصًا أن الحياة المعيشية صعبة، ولِمَ لا أفعل وهناك مخرج شرعي يجيز تلك السلوكيات، فقال: "نعم، توجد فتاوى تُجيز أخذ أموال الكافر، فإن كان مرجعك يُجيز لك ذلك فلك أن تفعل أو لا تفعل، ولكني أنا لا أفعل ذلك." فسألته عن السبب؟ فقال: "لكي لا أعوّد نفسي على أخذ مال الآخر حتى لو كان ذلك مُجاز شرعًا.. فما ليس لي، لا حق لي فيه". تركت هذه الحادثة أثرًا بليغًا في نفسي، فالأمانة جوهرة وكرامة وعزة للمؤمن من الإجحاف أن يتم سحقها تحت أقدام حفنة دولارات.
فصل الصيف:
وجاء فصل الصيف وإذا بمجاميع الطلبة يحزمون أمتعتهم سفرًا إلى بلدانهم.. غالبية العوائل الخليجية تشدّ الرحال شوقًا لزيارةٍ عِدَّتُها ثلاثة أشهر.. فأثناء بضعة أيام بعد انتهاء الامتحانات تشهد حالة من الترحال كان رجل الساعة فيها حسن أكبري ذلك الإيراني الخمسيني الشهم الذي يقوم بتأجير ناقلة "U-Haul" لشحن أغراض المسافرين من رواد المركز الإسلامي.. لكل فردٍ حقيبتان يحملهما على متن الطائرة، لكن يقوم الطلبة الخليجيون بشحن صناديق من الحجم الكبير عوضًا عن حقيبة السفر.. صندوقان لكل فرد من أفراد العائلة، فإذا كانت العائلة مكونة من أب وزوجته وثلاثة أولاد مثلًا، فتلك عشرة صناديق من الحجم الكبير ممتلئة بالهدايا والأمتعة وغيرها.. ومن دون طلب أو سؤال، يقوم أكبري بنقل الطلبة وعوائلهم وأغراضهم إلى المطار ذهابًا، وإيابًا متى ما عادوا من رحلتهم بعد انتهاء فصل الصيف. كان أكبري يقوم بذلك من تلقاء نفسه وبكل أريحية وسعادة وراحة بال. ولأكبري الكثير من الوقفات في هذه الذكريات أعرضها في وقتها..
ولا يقتصر السفر على الطلبة العرب، بل حتى الأمريكان يقومون بالسفر في فصل الصيف.. أما الطلبة الأقل حظًا مِن مَن قُدِّر لهم أن يدرسوا فصل الصيف فهم على موعدٍ مع فصل دراسي ضاغط جدًا، فالدراسة على فصلين خلال ثلاثة أشهر تكثر وتضغط فيها الواجبات والامتحانات، إلا أن فائدتها تكمن في إنهاء عدة مواد في فترة قصيرة جدًا.
وبالرغم من ضغط الدراسة إلا أن فصل الصيف في مدينة بورتلاند رائعٌ جدًا، فالمناخ جنًاوي وأقصى درجة للحرارة تصل حوالي 80 درجة فهرنهايت (27 درجة مئوية).. والشمس تطلع بازغة في فصل الصيف لتطل بأشعتها الذهبية على أرجاء المدينة التي تغطيها الغيوم طوال العام. وترى الناس تنطلق مستمتعة بأشعة الشمس الدافئة إلى الحدائق والأسواق وساحل البحر وغيرها من الأماكن الطبيعية الخلاقة في مدينة الزهور. كنتُ في البداية أستغرب هذا الوله بالشمس وأشعتها عند الأمريكان كوني قادم من بلاد لا تفارقها الشمس، بل تعودّتُ على الهروب صيفًا من شدة حرارتها، لكن بعد مضي عدة سنوات أدركتُ حينها قيمة تلك الأشعة الدافئة التي تنبثق من الشمس لتشق طريقها بين السُحب التي تخيّم على أجواء المدينة لأشهر طويلة خلال السنة. تبعث هذه الأشعة الذهبية الحياة في المدينة بعد أن خيّم عليها الظلام لشهور..
يخرج الناس في كل الأماكن، فبعضهم يذهب إلى الحدائق والغابات، والبعض يقضي صيفه عند البحر، وآخرون يتسلقون الجبال.. ومن أروع الأنشطة التي شدّتني في تلك المدينة لفصل الصيف هو قطف الفواكه والخضروات "u pick"، إذ تقوم الكثير من المزارع بوضع لافتات لقطف الفواكه والثمار وبأسعار زهيدة جدًا. وقد تعرفت على هذه الظاهرة الصيفية عن طريق أبي حسين الإحسائي وسلمان القطيفي إذ خرجنا لقطف الفواكه والخضروات في صيف 1988.. كانت المزرعة التي ذهبنا إليها شاسعة جدًا تحوي الكثير من الأشجار والفواكه كالتوت والخوخ والتفاح وغيرها من الخضروات.. فنقوم بجمع ما نريد ثم ندفع قيمته الزهيدة جدًا لصاحب المزرعة بعد أن قضينا وقتًا ممتعًا في قطف الثمار والفواكه. تشدّك الطبيعة الخلابة، فتمشي بين الشجيرات وتمسك بأوراقها لقطف الثمار، ويطرق مسامعك ضحكات الأطفال وهم ينتقلون من شجرة إلى أخرى.
ومع جمال الصيف وروعة مناخه إلا أنه يشعرك بالوحدة أيضًا، فغالبية الأصدقاء والأصحاب والزملاء بعيدون.. فترة الصيف في بداية حياتي الدراسية كانت من أصعب الفترات التي مرّت عليّ، إذ يشتد الحنين إلى البلد والأهل والأحباب.. لكنه ما يفتأ أن ينقضي لتبدأ بعده سنة دراسية جديدة تخفف قليلًا ألم الفراق والغربة..
في السنوات الأولى من دراستي في أمريكا كانت هناك عدة مجموعات تجمعني بهم صلات الصداقة، وتلك كانت بداية لتكوين الكثير من علاقات التعارف والصداقة مع أشخاص من مختلف الجنسيات والهويات.. كما أنه من الملفت أن هذه المجموعات اختلفت في جنسياتها على مدى سنوات مكوثي في تلك المدينة.. المجموعة الأكثر التصاقًا بها كانت مجموعة المركز الإسلامي وينقسمون إلى فئة القطيفيين والإحسائيين وهم الغالبية وأكثرهم عوائل بل لا أكاد أتذكر منهم أعزبًا في أول سنين الدراسة، وكذلك فغالبيتهم مبتعثون من شركة أرامكو.. وكان هناك عدة أفراد قلائل من عراقيين، وإيرانيين، ولبنانيين، وعماني واحد، وإماراتي (فيصل)، وبحراني (أنا).. وغالبية هؤلاء يسكنون في منطقة بيفرتون، ضاحية من ضواحي بورتلاند. أما الفئة الأخرى، وهم زملاء من الإمارات جمعني إياهم معهد اللغة ويشكلون نسبة لا بأس بها يسكنون في منطقة ليك أوسويجو، ضاحية أخرى من ضواحي بورتلاند. مجموعة صغيرة من هؤلاء الإماراتيين كانوا من بحارنة أبو ظبي من عائلة الصائغ والفردان، وكانت لي صداقة قوية مع أحدهم اسمه خالد الصائغ (سأفرد له فصلًا لاحقًا).
بعد رحيل أبي خليل وأبي علي الذَّيْن كنا في رعايتهما الأبوية، تلقانا برعايته السيد علي من الإحساء (جبل القارة).. يكبرنا السيد علي بعدة سنوات وله من الأولاد حينها ثلاثة وابنتين.. تتسم شخصية السيد بالهدوء والأريحية. كان السيد يؤم الصلاة في المركز، ويلقي دروس الفقه، وله شغف بالرياضة ويستمتع بقضاء الوقت معنا في المساء على كأس من الشاي.. كما كان يدعونا (فيصل وأنا) كثيرًا على وجبات العشاء في بيته.. كان للسيد علي الكثير من التأثير الإيجابي على شخصيتي وكان من أبرز المواقف التربوية موقفين تربويْن رسخا في ذهني.
الموقف الأول كان أثناء لعبنا كرة الطائرة إذ مزح السيد بمزحة لم تعجبني بل جعلتني في حالة غضب عارم بالرغم من احترامي الشديد له، حينها ذهبت إليه ووقفتُ وجهًا لوجه أمامه إلا أنه عاجلني بابتسامة عريضة وقال: "أنا آسف"، مع أن الغضب ظل يفور في داخلي إلا أنه بتصرفه هذا حجّمه بصورة ماهرة وكأنما صبَّ عليَّ ماءً باردًا. بعد عدة أيام كلمته على انفراد حول ذلك الموقف، فقال لي: "إننا في علاقاتنا الاجتماعية نتعرف على بعضنا البعض، نتحاور ونمزح ونضحك، ونبدأ برسم حدود تلك العلاقة تبعًا لاختلاف أو تشابه الطبائع والثقافة والسلوك لكل فرد منا. فما يغضبك مثلًا ربما بالنسبة للآخر شيئًا عاديًا، والعكس صحيح. لكن من واجبنا اتجاه بعضنا البعض أن نتحمل الآخر، وأن نخبر الآخر بطريقة حسنة ما لا نقبله من تصرف أو سلوك لكي يكون على علم وبيّنة. لم أعرف أن ما فعلته في الملعب كان يغضبك، ولكني الآن أعرف ذلك وثق أنني لن أمارسه معك مرة أخرى".
هذا الموقف فتح لدي أفق جديد فهو نبّهني لطبيعة الاختلافات بين البشر في سلوكياتهم وتعاملاتهم، فأكثرنا لا يستطيع أن يعرف الخطوط الحمراء في التعامل مع الآخر، وبالعادة نحن لا نسأل عن ذلك بل نتعرف من خلال العِشرة والمخالطة. فإما أن تكون ضريبة تلك المعرفة للخطوط الحمراء على رؤوس الآخرين فنشهدها ونتعلم منها، وإما أن تكون ضريبة المعرفة على رؤوسنا وحينها قد نُحسن التصرف أو ينتابنا الغضب أو العزة بالإثم. من الجميل جدًا أن يتحمل الفرد منا الآخر، ويستخدم الحكمة في إيصال ما لا يقبل به من سلوك وتصرف للآخر سرًا، وكذلك أن نتحمل غضب الآخر إذا ما أخطأنا في حقه ونحجّم غضبه بالأسلوب الحسن والاعتذار.
أما الموقف الثاني فكان في محل للتسوّق.. كان المكان يحوي الكثير من البضائع من ثياب وأمتعة وأدوات ومعدات كهربية، والكثير من السلع. في تلك الأثناء سألته عن سلوك بعض المتدينين الذين يعتمدون فتاوى تجيز لهم أخذ أموال الكافر بعناوين معينة، منها أن أمريكا بلد مُحارب للمسلمين.. يقوم البعض بإخفاء السلع تحت ثيابهم أو إبدال بطاقة السعر من سلعة أقل ثمنًا بوضعها على سلعة أغلى ثمنًا، فيتم شراء السلعة الأغلى بالسعر الأقل، وغيرها الكثير من الطرق والحِيَل.. سألتُ السيد علي عن تلك الفتاوى ربما لرغبة داخل نفسي لممارسة تلك السلوكيات خصوصًا أن الحياة المعيشية صعبة، ولِمَ لا أفعل وهناك مخرج شرعي يجيز تلك السلوكيات، فقال: "نعم، توجد فتاوى تُجيز أخذ أموال الكافر، فإن كان مرجعك يُجيز لك ذلك فلك أن تفعل أو لا تفعل، ولكني أنا لا أفعل ذلك." فسألته عن السبب؟ فقال: "لكي لا أعوّد نفسي على أخذ مال الآخر حتى لو كان ذلك مُجاز شرعًا.. فما ليس لي، لا حق لي فيه". تركت هذه الحادثة أثرًا بليغًا في نفسي، فالأمانة جوهرة وكرامة وعزة للمؤمن من الإجحاف أن يتم سحقها تحت أقدام حفنة دولارات.
يتبع في الحلقة القادمة..
28 فبراير 2015
افضل شركة تنظيف مساجد بمكة
ReplyDeleteشركة مقاولات بمكة
ReplyDeleteأفضل شركة مقاولات بمكة
دليل شركات المقاولات بمكة
شركات المقاولات بمكة المكرمة
ReplyDeleteشركة تاج لتنظيف المنازل وتسليك المجاري ومكافحة الحشرات بالدمام 0551844053 تمتلك الشركة افضل الادوات المثالية التى تستخدم في
عمليات التنظيف بمفهومها الشامل والحديث شركة تنظيف منازل بالدمام
ومن خدمات شركة تاج ايضا بمدينة الدمام ومنها :
شركة تسليك مجاري بالدمام
شركة مكافحة حشرات بالدمام
شركة مكافحة النمل الابيض بالدمام
شركة مكافحة الحمام بالدمام والخبر
ReplyDeleteشركة تاج للخدمات المنزلية بالقطيف 0551844053 تنظيف منازل وتسليك المجاري ومكافحة الحشرات وكشف تسربات المياه بالقطيف شركة تسليك مجاري بالقطيف
شركة مكافحة حشرات بالقطيف
شركة مكافحة النمل الابيض بالقطيف
شركة كشف تسربات المياه بالقطيف
شركة تنظيف منازل بالقطيف
شركة مكافحة حشرات بسيهات
نور الهدى 0509344560 شركة الاولى فى مجال الخدمات المنزلية بمكة
ReplyDeleteونقدم خدمات تنظيف وتعقيم الخزانات بمكة ونقوم بازالة الصدى والرواسب الراكدة فى الخزانات حتى تحصل على خزانات صحية وامنة على صحة اسرتك وتحصل على مياة نقية
شركة تنظيف خزانات بمكة
شركة تعقيم خزانات بمكة
ونقدم فى شركتنا شركة مكافحة حشرات ورشها بالمبيدات الحشرية الامنة على اسرتك ونمتلكم مبيدات برائحة وبدون رائحة ونقوم بمكافحة النمل الابيض والصراصير بمكة
شركة مكافحة حشرات بمكة
مكافحة حشرات بمكة
ونقدم ايضا خدمات تنظيف المنازل بمكة والتنظيف الشامل من تنظيف الشقق والفلل والمنازل
ونقوم بتنظيفها عن طريق افضل العمالة المدربة ذات الخبرة الكبيرة فى هذا المجال
شركة تنظيف بمكة
شركة تنظيف منازل بمكة
شركة تنظيف سجاد وموكيت بمكة
ReplyDeleteشركة تنظيف سجاد و موكيت بمكة تقدم لكم أفضل الحلول والنتائج للحصول على كل ما تريده ربة المنزل من مستوى نظافة تفخر به وذلك لأن شركة تنظيف سجاد وموكيت بمكة تعتبر أفضل شركة تعمل في مجال تنظيف السجاد والموكيت لما تتميز به من كفاءة وخبرة وجودة في الأدوات التي تقوم باستخدامها والأعمال التي تقدمها مع أفضل العروض والخصومات لذلك دعونا نتعرف أكثر عن الأعمال والخدمات التي تقوم بها شركة تنظيف سجاد وموكيت بمكة من خلال هذا المقال .
شركة تنظيف سجاد بمكة
شركة تنظيف موكيت بمكة
شركة غسيل الموكيت بمكة
شركة غسيل السجاد بمكة
شركه سما الصقر للمقاولات العامه
ReplyDeleteوكشف التسربات بالرياض
كشف تسربات المياة بالرياض
شركة كشف تسربات المياه بالرياض
شركة كشف تسربات
ارخص شركة كشف تسربات المياه
كشف تسربات المياه بدون تكسير
شركة كشف تسربات مياه بالرياض
كشف تسربات بالرياض
كشف تسربات المياة
شركة فحص تسربات المياة بالرياض
كشف تسربات مياه