كان مديرُ الحسابات في الشّركة التي أعمل فيها ـ من إحدى الجاليات الآسيوية ـ يتناقشُ مع أحد زملائي في العمل، وممّا كان يقوله أنّه لا يوجدُ شيءٌ حرام، فإذا احتجتَ أنْ تقتلَ ولك في ذلك مصلحة تقتل، وإنْ احتجتَ لأنْ تسرقَ ولك مصلحة تسرق، وكأنّه يقول أنّ الغاية تبرّر الوسيلة، فبما أنّه يصل لهدفه عن هذا الطّريق، فإنّه يسلكه دون رادع..!
مرّت الأيام والشّهور، وتغيّرت إدارة الشّركة، وجاءت إدّارةٌ جديدة تريد إثباتَ نفسها لملّاك الشّركة دون شك، فبعد أنْ كانت الشركة تعاني كثيرًا، لزم التّعامل بحزم في عدّة جوانب، وعلى رأسها الإدارة المالية، فما إنْ هبّت رّياحها، وإذا بها تقتلع الأخضر واليابس، وما إنْ تمّ التّخلص من الكثير من الإداريين، وإذا بالدّور يصل إلى مدير الحسابات، الذي طار مع الرّياح الشّديدة كما طار غيره..
فكما أنّه كان يبرّر تصرفاته ويجوزها، فإنّ الإدارةَ الجديدة أيضًا لها غاياتٌ وأهداف، وتبرّر تصرفاتها من أجل الوصول إليها، وقد تكون أصوبُ أحيانًا.
إنّ منطق الغاية تبرّر الوسيلة، منطقٌ ضعيف، ولا ينبغي انتهاجه أبدًا، فإنّ هناك ضوابط وموازين يجب اقتفاء أثرها، وعدم مخالفتها، وعلى رأسها ضابطة مراعاة المصلحة العامة للإنسان، أمّا منطق (الغاية تبرر الوسيلة) فهو ممّا يؤدي للدّمار والخراب في كلّ مكان، فمن يجد كلّ شيءٍ يقوم به مبرّرًا، فإنّه ينهب، ويزني، ويقتل، ويدمر، ويفعل كل شيء إذا تطلبت مصلحته ذلك، وهذا ما قام به الزّميل سابق الذّكر، فإنّه قام بما قام، من أجل مصلحته الشّخصية، وقد كان يشرّع لنفسه كما رأيت، حتى قال: (لا شيء حرام).
القضيةُ ليست منحصرةً في الأشخاص، بل هي أكبر من ذلك، فقد تكون في حزب، أو تيار، أو بلد، أو تحالف، أو غيرها ممّا يكون له مصلحة، ومما يدلّ على ذلك ما ينتهجه الكثير من الأحزاب والجماعات، وليس بأوضحَ مما تقوم به داعش، من قتل وتعذيب ودمار، وهي تبرر لنفسها كل ما تفعل بأجمل المبررات، بينما لا نرى منها إلا وجهًا قبيحًا حاولت أن تلبسه قناعًا يواري سوآتها، ولكنّ وضوحها لا يخفى على أحد..
قد يأتي من يقول أنّنا يجب أنْ نسعى لأن نكوِّن أنفسنا، ولأنْ نعيشَ حياة سعيدة، بل ومرفّهة، فأقول له ذلك شأنُك ما لم تتسبّب بالأذى للآخر، الذي هو نظيرٌ لك في الخلق على أقلّ تقدير، فلا أستطيع أنْ أبرِّرَ لك ركوب ظهر غيرك، واستغلاله، واستنزاف طاقاته وحياته، والاعتداء عليه وعلى حقوقه، أو على المجتمع، من أجلِ مصلحتك الشّخصية، وأنانيتك المفرطة.
ظاهرًا، قد دار حديثي حول الفرد الواحد غالبًا، لكنك عزيزي القارئ قادر على ملاحظة سعة الدائرة التي أتحدث فيها، وعليك التطبيق.
١٧ ربيع الثاني ١٤٣٦ هـ
No comments:
Post a Comment