Pages

Friday, March 27, 2015

صناعةُ الكذب.. وأكثر // محمود سهلان

 
 
يكبر ابنه فيسمعه يكذب في كلّ شيء، من أصغر الأمور لأكبرها، فيما قد يبرّره له وفي غيره، فيغضب عليه، ويصرخ في وجهه، ويضربه على أيّ مكان من جسمه، فيزيد الأمر تعقيدًا..
 
مهلًا. أيّها السّيّد/ أيّتها السّيّدة: مَن الذي جعل هذا الولد أو تلك الفتاة يفعلان هذا؟
 
تتعدّد الأسباب والمؤثّرات التي تحوِّل الإنسان إلى كذّاب، تلتصق به صفة الكذب، ويُعرف بها، ومن هذه الأسباب ما يربِّي الوالدان أبناءهما عليه، وهي متعدّدة، أذكر منها ما يلي:
 
١/ الخوف من العقاب: فإنّنا نعاقب الأبناء بالصّراخ والضّرب والحرمان وغيرها لأيّ سبب، سواءٌ كان خطأً أم لا، وكان يستحقُّ اتّخاذ إجراءٍ أم لا، فلمجرّد أنّه كثير الحركة نعتبره (شيطانًا)، ولسقوط كأسٍ من يده وتكسّره نعتبره (مجرمًا) مستحقًّا للعقاب، ولأنّه كتب على الجدار لزم ضربه وتأديبه، كلّ ذلك لأنّه كان ولدًا طبيعيًا!!
 
٢/ دروس الأبوين العمليّة: يُدَقُّ جرسُ الباب، ويطلب أحدهم لقاء الأب والحديث معه، ولسببٍ أو لآخرٍ يمتنع الأب عن مقابلته، ولكنْ كيف؟
بكلّ بساطة يطلب من ابنه أنْ يذهب للرّجل الواقف على الباب، ليخبره أنّ والده ليس موجودًا بالمنزل! بعد هذا الدّرس العمليّ وأشباهه، يجد هذا الطّفل أنّ والده تخلّص من أمر أزعجه بسهولة، فيكون هذا الدّرس العمليّ حاضرًا في ذهنه حتّى يكبر، ليلجأ إليه عندَ الحاجة..
 
هناك العديد من الأسباب لصناعة الكذّاب لا محالة، لكنّني اخترت الوقوف على هذين السّببين، لما لهما من أثرٍ كبيرٍ بنفس الطّفل، يصنعه أقرب المقرّبين إليه، فيجعلون هذا الطّفل مليئًا بالعقد النّفسيّة والفكريّة، فيخلقون لديه ثقافاتٍ سيّئةٍ، منها الكذب، وإلّا فإنّها ليست الصّفة الوحيدة التي يكتسبها الطّفل، بسبب هذه التّصرفات السّابقة الذّكر وشبهها.
 
إذا كان ما سبق ذكره صحيحًا، فإنّ تصرّفات الأبوين من أهمّ أسباب كون الطّفل بهذه الحال، سواءً في صغره أو بعد كبره، فيما يتعلّق بهذه الصّفة أو غيرها، فلا ينبغي إغفال ذلك، ولا التّقاعس في فهم حياة الأطفال، ولا في تعلّم طرق تربيتهم. ومن الواضح أيضًا إنْ كان هناك أثرًا سلبيًّا لبعض سلوك الآباء مع وأمام أبنائهم، فدون شكٍّ لبعض سلوكيّاتهم أثرٌ إيجابيٌّ عليهم، فلزم مراعاة ذلك، ومحاولة التّأثير على الأبناء إيجابًا لا سلبًا، بما يتوافق مع الفطرة الإنسانيّة، فيكون كلّ واحدٍ من الأبوين قدوةً حسنةً للطّفل.
 
آمل أنْ أكون قد أعطيت صورةً مقاربةً للواقع الذي نعيشه، وللغفلة التي نحن فيها عن الأسباب التي أوصلتنا إلى هنا، سواءً في الحديث عن الكذب، أو غيره من السّلوكيات والصّفات.
 

٧ جمادى الثاني ١٤٣٦ هـ

No comments:

Post a Comment