لكل الأبعاد الدنيوية هنالِك (واجب)، وهو إلزام تأدية فِعل ما أو الإفصاح بقَولٍ، يكون هذا التحريك أو التصريح في سبيل التَنْجيّة. الأخلاق إحدى تلكَ المقوِمات فهيَ رُكنٌ أساسي من أبعاد الفعل الإنساني وتكون صادرة إما عن سلطة المجتمع - أي الإكراه الخارجي الضاغط من المحيط الاجتماعي -، أو عن شعور الإنسان ووعيه - أي سلطة صادرة عن الضمير الإنساني الخالص - والأخيرة هي التي تكون قد تأتت من وازع إنساني، فنصل إلى أن الواجب الأخلاقي يتمخّض عن إكراهٍ أو إرادة حرة ولكن بأي حال من الأحوال فإننا نتحصل على "فِعل محسوب على الواجبات الأخلاقية".
للواجب ضرورة حتمية ليست في تأديته وحسب، بل إلزام عدم تركه، فالواجب المُراد هو المدفوع بالوازع الأخلاقي للناحية الإنسانية من إحساسٍ بمسؤوليةِ الفِعل أو الترك، وليس ذلك المتَحصِل لغرض مخطوط في ﻻئحة الأجندة الشخصيّة أو المؤسساتية أو الفكرية.
اليوم في عالمٍ متنازع، يجد فيه المرء نفسه على مواقدٍ من نار، حيث تستعر النزاعات فيه بكافة اشكالها، وتجد الثنائية الأزلية ماثلة أمامك، ظالم يعتدي ومظلوم يدافع أو ربما لا يدافع، والواجب يحتم على الفرد والمجتمع - مكرهًا - تحت إحدى السلطتين - الداخلية أو الخارجية - ليتخذ موقفًا واضحًا، مع أو ضد أحد هذه الأطراف وﻻ يميل الواجب هنا إلا لنصرة المظلوم.
فلا يجوز أخلاقيًا - بالعموم - ترك الواجب عند مفترقات الطرق وتعاكس الآراء واختلاف الأشخاص، وخصُوصًا عندما يكون تَركه يترتب عليه مَضرة لفرد أو جماعة، ففي صِراع الباطِل على الحق - ﻹخماده وإزالته - وصِراع الحق على الباطِل - ﻹحياءه وتثبيته - مُحرمٌ أن يكون المَوْقِف "حِيادِية" لأنَهُ: حقٌ باطِل.
فالظاِلم والباطِل كِيانان عديما الضَمير مسلوخا المبادئ؛ يجْرِمانَ و يعتَدين، يظلِمانَ وينْهبان، وللمُحايِد طِباعٌ أقبح، يَملِكُ المبدأ وفَراسة التشخِيص ليُدرِكَ في تَعمُقِه للحالة مَنِ الظالِمُ ومَنِ المَظلوم ليُضفي بنفسِهِ قرارًا يتخلى فيه عن المظلوم أو الحق ليُشجعَ الباطِل والظالم في عَدمِ نُصرةِ الحق أو المَظلوم.
عجَباً عَجبا! العالمُ المَذكور أعلاه يُصَفِقُ للمُحايِد لظُلمِهِ المُستَتِر مُتناسِيًا و ليسَ بِناسٍ أنهُ فرّطَ بالواجِب و تَركَهُ، فالإنسان بما يحمِلُ في طيّاتِهِ من إنسانية يُمارِس المَوقِف أو يُفصِح بِهِ قَولًا - إن لم يلزِم تَحرِيكُ الجَوارِح لترجَمَتِهِ - فلا مُقامة للحِياديّة أمام مَنْطِق رَفضِها عِلمًا بأنها أمْست تُجسّد شمّاعة التارِك المُتخاذِل، أخشى أن يكون تمهيدًا أيديولوجيًا لنشهَدَ العالَمَ المُقَدِس للظالِم لِظُلمِهِ الظّاهِرِ القِليل، حيثُ غَفيْنا يُثنى على صاحِب الفعل الحَسن وفِقْنا نَثني على تارِك الفِعل القبيح، فالثْناءُ شكّلَ النَمطَ السلبي في وقت الغَفوةِ لليَقضة.
18 إبريل 2015
No comments:
Post a Comment