Pages

Friday, April 24, 2015

الأنا المذمومة،، والأنا الممدوحة / محمود سهلان


اعتدنا على استعمال الأنا في مواقع الذّمّ فقط، وهو الغالب على ألسنة النّاس، فعندما تُذكر الأنا، تراها بمعنى الذّمّ والنّقص، إلا فيما ندر، فنستعملها عادةً لمن يحبّ الخير لنفسه طمعًا دون غيره، ولو توسّع حبّ الخير للنّفس أحيانا، لينال غيرها.

حسبما أراه فليست الأنا سوى ما نعبّر عنه بالنّفس، فهل المراد أنْ يدوس الإنسان على نفسه؟ أم الأمر ليس كذلك؟

حينما نطّلع على الآية الكريمة التّالية، قد نصل لشيء مهم، حيث قال تعالى: (وَنَفْسٍ  وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) [الشمس: ٧/٨].

دعني أدّعي أنّك تتّفق معي أنّ الأنا هي النّفس، تلك النّفس التي ألهمها الله الفجور وألهمها التقوى، فإذا كان كذلك، هل يمكن أنْ تكون كلّ الأنا مذمومة؟

بالطّبع لا يمكن أنْ تكون كذلك، فلو كانت كلّها فجور لاستحقّت أنْ تداس، وأنْ تهان، وتُجابه بالقوّة دائمًا، أمّا لكونها مشتملةً على التّقوى، فذلك غير ممكن.

إذن بماذا يمكن أنْ نجيب على ما ورد عن رسول الله (ص) في بعض كلامه، ما يتضمّن أنّ جهاد النّفس هو الجهاد الأكبر، أو غيرها من الأحاديث الواردة عنه وعن أهل البيت (ع)، مما يتعلّق بجهاد النّفس؟

الجواب عليه يلزم جمع كلّ ما سبق، فأقول: ما دام الله ألهم النّفس الإنسانيّة فجورها وتقواها، وما دام قد ورد كلامٌ من المعصوم يحثّ على جهاد النّفس، فإنّ المطلوب هو جهاد النّفس بالنّفس، بتغليب جانب التّقوى على جانب الفجور، والسّيطرة على النّفس بدحره، وإلا فالطّريقان متاحان للإنسان، وهما كامنان بداخله، وعليه أنْ يختار، فإمّا أنْ يميل لجانب الفجور بدعم الشّيطان ومغريات الدّنيا، أو يميل لجانب التّقوى، أو تظلّ الحرب قائمةً بين الجهتين مدّة عمر هذا الإنسان.

في روايةٍ استوقفتني قبل مدّة ليست بالقصيرة قال الصادق (ع): "حبّ الدّنيا رأس كلّ خطيئة"، ومنذ تلك اللّحظات كنت أفكّر في هذه الكلمات، فلما لم يقل (حبّ النّفس)، فوصلت لكون حبّ الدّنيا هو فعلًا ما يبعدنا عن الآخرة، أمّا حب النّفس لا يمكن أنْ يكون دائمًا دافعًا نحو الخطايا والذّنوب، بل قد يكون دافعًا نحو الطّاعة وما يستوجب الجنّة، وليس من يعمل الطاعات، ويترك المعاصي، إلا محبًّا لنفسه أشدّ محبة.

ما توصّلت إليه هو: أنّ النّفس (الأنا) لا يمكن أنْ تكون مذمومةً دائمًا، فقد تكون مذمومةً مرّة، وقد تكون ممدوحةً أخرى، بلا إشكال.

قد يقول البعض هذا ما تعارفنا عليه من جهة استعمال الكلمة، فأقول بأنّ ذلك وإنْ كان له أهمّيّته، لكنّه ليس كلّ الحقيقة، وإنْ كان استعمال الكلمة لفظًا أو معنىً يأتي بمعنى الذّمّ والمنقصة غالبًا، إلا أنّ كونه يأتي بمعنى المدح والثناء لا محذور فيه.

فأنا أحبّ نفسي، لذلك أسعى لنيل رضى ربّي..
 

25 أبريل 2015


No comments:

Post a Comment