Pages

Saturday, May 9, 2015

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها (28) - "رُؤى من القرآن والعترة (9) / أطروحة التوافق -1-" // محمد علي العلوي



نَقْدُ الثقَافَةِ أكْثَرُ مشَقَّةً مِنْ نَحْتِ الجِبالِ قُصُورًا للسَلَاطِين..

يسعى الإنسان للاستقرار، وللسلام والأمان، ولا يمكِنُ تصوُّرُ إنسانًا يسعى للتَّقاتل والحروب وسفك الدماء والاضطراب، ولكِنَّ المشكلة تنشأ مع بداية التفكير في الطرق التي من خلالها يتمكَّن من تحقيق ما يسعى إليه، ولأنَّ العقول متكثِّرة، والأمزجة متغايرة ومتعاكسة، فإنَّ الطرق تتبعها في تكثُّرِها وتغايرها وتعاكسها، ويتبع ذلك تكوُّنُ الجبهات المتقابلة، ومعها تنطَّلق شرارة التقاتل والحروب، وغاية كل جبهة هي الوصول بالبشرية إلى الاستقرار والسلام والأمان، وإن استدعى ذلك إشغال طائفة من البشر في قتال مستمر!

عندما يحصرُ الإنسان نفسه بين خيارين فعليين، فإنَّ القيمة الأخلاقية، والمبدأ الإنساني يغادر –غالبًا-، ومثال ذلك أن ينغلق على المواجهة مع الآخر وإلَّا فالهزيمة والذل، فإنَّه وسواء اختار هذا أو ذاك، لن يتمكن من مقاومة التبرير للوسيلة لمصلحة الغاية، ويدَّعي التزاحم الذي لا يُعالَج إلَّا بتقديم خيار على الآخر.. وهكذا تشتغل الدورة دون توقف، حتى تُعقِّدَ المشهد وتحجب عنه نور الشمس!

إنَّنا لو تصورنا تَغيُّر العقليَّة البرجوازيَّة ونزولها من التعالي، إلى حياة الإنصاف والرحمة وحبِّ الخير للآخرين، فهل ستكون للبروليتاريا دوافع (للثورة)؟

قَطَعَ المُنظِّر الشيوعي باستحالة تغيُّر العقلية البرجوازية، كما وإنَّه من الذل والخنوع أن يسكت العمَّال عن المطالبة بحقوقهم، ولأنَّ المطالبة لن تجدي مع عقليات طبقيَّة جامدة، فلا طريق إذن لغير الثورة (نقطة، نهاية سطر).

إنَّني أطرح السؤال التالي:

ما هو حجم الحوارات في القرآن الكريم، وإلى أيِّ مدى يذهب الحقُّ في محاوراته مع الباطل؟

بدأها الله تعالى مع الملائكة في حوار بنَّاء، وحاور إبليس الرجيم دون قمع ولا إقصاء من المعادلة، ثمَّ حاور آدم (عليه السلام) وأتاح من خلاله للإنسانية فرصة العودة إلى الجنَّة..

ومن هناك، انطلق الأنبياء والرسل (عليهم السلام) في حركة حواريَّة امتدَّت من ابني آدم (عليه السلام) إلى نبيِّ الرحمة (صلى الله عليه وآله)، ولم تكن الدماء فيها إلَّا في موارد خاصَّة، وتحت عناية المعصوم (عليه السلام) كما أشرتُ في مقالات سابقة.

تعتمِدُ السمَاءُ مبدأ الحِوارِ على طول الخطِّ؛ فالتغيير ما لم يكن ناشئًا من تحوُّلات ثقافيَّة عن قناعات واضحة، فهو ليس أكثر من جري مريض مهما تلوَّن وتشكَّل، وهذا ما تكشفه حادثة السقيفة بوضوح شديد..

أين أصحاب بدر وأحد والخندق؟ أين الَّذين ضحوا وبذلوا؟

ألم يكن أمرُ عليٍّ (عليه السلام) أوضحَ لهم من الشمس في رابعة النهار؟

في تصوري أنَّ التحولات في صدر الإسلام بَدَتْ ثقافيَّة، ولكنَّها في الواقع ذات مناشئ مصلحية برزت سافرةً مِنْ الشام في سُنَّة التوريث الأُمويَّة، وفي الجانب الآخر ظهر البعد الثقافي ناصعًا في خطِّ أهل البيت (عليهم السلام) والخواص من أصحابهم، وهو خط العناية بالفكر الثابت على مستويات العقيدة والفقه والأخلاق، ولذلك تدرَّجت مراحل البناء العلمي من التهذيب المعنوي في مدرسة الإمام زين العابدين إلى حلقات الدرس العظمى للباقر والصادق، ثمَّ المكاتبات والمناظرات حتى الإمام العسكري (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

هذا والحالُ أنَّ الحكم بقي في تقلُّبه بين أيادي الأُمويين ومن بعدهم العبَّاسيين، وإن تخلَّلتْ الأيَّامَ تداخلاتٌ تركيَّة وبويهيَّة وغير ذلك.

بقي أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) وأصحابُهم في شُغلٍ بالحديث وجمعِه والتفريع عليه والتدريب على منظومة التعاطي بين عامَّة الناس والفقهاء والمفكِّرين، ولم تتوقَّف منهجيَّة الحوار مع الآخر مهما كان؛ فالغاية هي إحياء العقول وبث الروح في الفكر.

هل نفعتْ هذه المنهجية مع الظالمين والطواغيت؟

سؤالٌ في مقام الجواب:

ولِمَ هذا السؤال؟

استطراد:

لا تُعرف صوابيَّة المنهج من نتائجه، وإلَّا لانتهت الحياة باكِرًا بقرار إلهي سماوي يقلب عليها سافلها، فالإنسان لم يزل في خُسر مع سبق إصرار وترصَّد، ولكِنَّ الله تعالى لم يقطع عنه نعمة العقل والتعقل، لعلَّه يستنقذ بها نفسه يومًا.

ولذلك، فإنَّ المنهجيَّةَ صحيحةٌ تمامًا، وليس العيب إلَّا في الإنسان الذي عجز عن احترام نفسه، غير إنَّ هذا العجز يعجز عن تغيير قيمة الحوار، ويعجز ثالثة عن استبداله بثقافة المواجهة الصِدَاميةَّ في غير مواطن محدَّدة ومقنَّنة بدقة عالية.

وبالرجوع إلى مشكلة الطبقيَّة نجد إنَّ الإنسان يدرك خطورة ما أقلق المُنَظِّرَ الشيوعي، ولذلك انطلقت العقول في صياغة مجموعة من النُظُم التي وجدها كفيلة بوضع حدٍّ للاستبداد والاستفراد، ومن جملتها نظام الانتخاب (الديموقراطية).

وهذا ما سوف أتوقف عنده في المقال القادم، قبل إقفال السلسلة بالمقال رقم (30) إن شاء الله تعالى.


ويبقى سؤالان أطرحهُما الآن وفي خاتِمَة كل حلقة من حلقات هذه السلسلة:

بأيِّ عينٍ وثقافةٍ ونَفْسِيَّةٍ ورُوحيَّةٍ نقرأ كتابَ الله المجيد وأحاديثَ المعصومين (عليهم السلام)؟

هل نحن على الطريق الصحيح أو أنَّنا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟

نلتقي في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى..


9 مايو 2015

No comments:

Post a Comment