Pages

Friday, May 29, 2015

اقرأ، ولكَ (مفاجأة)!! \ محمد علي العلوي




 
وكذلك..
إن لم تُصلِّ الخمس صلوات جماعة في المسجد فسوف تُحرم (بدل التعطُّل) –مثلًا-..

وأيضًا..
 
محكوم بالسجن المؤبد، وإن حفظ القرآن كاملًا فسوف يلغى الحكم..

والأمثلة كثيرة لا أكاد أحصي عشرَ معشارها، فالإنسان لا يريد التوجُّه إلى الصلاح لكونِه صلاحًا، ولا يتجنَّب الفساد لفساده، إلَّا ما بان واشتهر بأثر مباشر يتضرَّر منه، أو بردع مجتمعي يعزله، وفي غير ذلك فإنَّ المقابل هو الحاكم، ومن الأمثلة على ذلك، لو أنَّ جهةً أهليَّة وفَّرت دورة علمية مجَّانية لأبناء قرية أو مدينة، ولو أنَّ أخرى أدون منها فرضتها وزارةٌ أو شركةٌ أو مؤسَّسةٌ على موظَّفيها، وجعلتْ للحضور محَفِّزًا وللتخلُّف رادعًا، ففي الأولى لن يذهب إلَّا قلَّة من المهتمين، وفي الثانية سوف يحضر الجميع راغمين..

لِمَ يا ترى؟

لماذا لا يمشي البعض إلَّا بالعصا؟ لماذا تطبَّعوا على ملاحقة الجزرة؟

لا يُمكِنُ لأحدٍ لوم المجتمع على مثل هذه الثقافات العجيبة، فالكرة الأرضية بسكَّانها قد تخمَّرت منغمسة حدَّ الآذان في وحول المادِّية ومستنقعات اقتصاد السوق، وبالفعل، أصبح المقابِلُ المادي هو الحاكم رغمًا عن الفرد، مالم يقرِّر التحرُّر من سلاسل الحديد التي تلف أطرافَه بعنقه، وعنقَه بجذعه، وجذعَه بقوامه، وهو تحرُّر يعتمد بارتكاز محوري على الإيمان بالله تعالى والثقة في أنَّه سبحانه وتعالى المخلِّص، وذلك على ضوء الحكمة العالية لأمير المؤمنين (عليه السلام): "احتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأفضِل على من شئت تكن أميره".

تسمَّى حالةُ الانغماس تلك، واقعية، وأيُّ طرح يخالفها فهو مثالية لا مكان لها، وهكذا فإنَّ أبواب التغيير موصدة، ومعادلات التصحيح مخنوقة بفلسفة الواقعية، وهي فلسفة لا يمكن التسليم بها؛ فهي لا تستقيم وموازين الإيمان والعقيدة، ومن أبجدياتها أنَّ الإسلام لا يسمح للإنسان إلَّا أن يكون مالكًا لأمر نفسه، متحرِّرًا مِنْ كلِّ عبودية لغير الله تبارك ذكره، ومِنْ كلِّ انقياد تسليمي لغير المعصومين (عليهم السلام) والقائمين بأمر الدين العظيم.

ولكِنَّ الحياة اليوم تقوم على أن طلب العلم لغاية المعاش أولًا وبالذات، وربَّما كان لنفسه ثانيًا وبالعرض، وأمَّا التخصُّص العلمي فبما يناسب سوق العمل وإن خالف ميول الطالب، وكذا، فإنَّه لا انخراط في دورة علمية أو ورشة تدريبية مالم تعقبها علاوة أو يلازم التخلف عنها عقاب!

عزيزي أيُّها المواطن الصالح.. أكتب رؤاك في مقالات وانشرها لإثراء الساحة..

أيُّها الشعب العزيز.. اقرأ ما يُكتب، ففي القراءة خيرٌ كثير كثير كثير..

تسمى تلك الدعوات: مثالية.

أمَّا الواقعية، فالأرجح أنَّ مواطننا الصالح لن يكتب مالم تُفرض عليه الكتابة بمقابل مادي، كأن يعمل في صحيفة أو ما شابه، وقد يكتب إذا كان في الكتابة مصلحة شخصية دنيوية كأن ينتصر لحزبه أو يروج لنفسه..

والواقعية، إنَّ شعبنا العزيز لن يقرأ، إلَّا لو خُصِّصت له علاوة (لا يهم اسمها)!

هذا هو الحال.. وكلمة في الختام:

أيريد الرجال تجربة أن تخطب لهم زوجاتهم ثانية وثالثة ورابعة؟

هل تريدون من كلِّ زوجة مولودًا بعد مولود بلا توقف؟

الأمر يا معشر الرجال سهل..

أتريد النساء من الرجال محاربة تعدُّد الزوجات؟

هل يردن مولودًا كُلَّ عشر سنوات؟

الأمر يا معشر النساء سهل..

لا نحتاج إلى أكثر من (علاوة)، وينتهي الأمر.


30 مايو 2015

وُرش عملٍ تجاريةٍ شكليةٍ/ محمود سهلان



 
شاركت مع بداية هذا الأسبوع في مؤتمر ووُرش عمل البيع بالتّجزئة الثّالث، وقد لفت انتباهي العديد من الأمور، بعضها يتعلّق بنفس المؤتمر، ووُرش العمل، وبعضها بالتّنظيم، وبعضها بالمدرّبين، وكذلك المشاركين بالمؤتمر.
بعضها كان إيجابيًا، وبعضها كان سلبيًا، والحقّ أنّ المجال لا يكفي لاستيعاب كلّ الجوانب في مقال واحد، لذلك فإنّني سأختار أمرًا واحدًا لأتحدّث عنه.

يتكون الكتاب المعدّ للدّورة من ستّة أبواب رئيسيّة، ويتفرّع منها عدّة فصول، في حوالي مائة وخمسين صفحة، وبمحتوى واسعٍ جدًا من المعلومات، بمختلفها، سواء كانت تعريفاتٍ أو جداولًا أو رسوماتٍ بيانيةً أو غيرها، والمراد هو خوض الدّورة خلال يومين، فإنّ اليوم الأول كان عبارة عن مؤتمر، ثمّ اليومين التّاليين للخوض في ورشة العمل، ولو جمعنا الوقت الفعليّ لورشة العمل هذه لما تجاوز الثّمان ساعات! والمطلوب هو إتمامها وتقديم اختبار فيها، وتقييم الفعالية!!

في الحقيقة يستحيل اختتام ورشة العمل بتحصيل جيّد، وذلك عائدٌ لعدّة أمور:

- طول المنهج المطلوب وغزارته.
- قصر المدّة المتاحة.
- عدد الحضور الكبير.
- ضعف اللّغة الإنجليزيّة لدى العديد من الحضور.
- اضطرار المحاضر للقراءة فقط في الكثير من المطالب.
- افتقار الورشة للفعاليات العمليّة بشكلٍ تام.
- ضغط المعلومات في ذهن الحضور بشكلٍ كبيرٍ جدًا.
- ضجر بعض الحضور وعدم رغبتهم بالمشاركة في الدّورة، وتأثيرهم على الجوّ العام.
- اختلاف بيئة وثقافة المحاضر بشكلٍ كبيرٍ جدًا عن الحضور، حيث أنّه لم يستسغ بعض ما نراه أمرًا عاديًا.

وغيرها من الأمور التي لم تساعد على اكتساب الكثير، من هذه الفعاليّة، ولذلك فقد خرجت بانطباع غير جيد عن هذه الفعاليّة ومثيلاتها (ممّا شاركت فيه)، وهو كما يلي:

- هذه الفعاليّة تعتمد كثيرًا على الشكل لا على المضمون، لذلك لم نرَ أيّ منظّمٍ أو مراقبٍ من وزارة التّجارة والصّناعة، إذ أنّ الوزير هو الراعي لها، فيبدو أنّ الأهمّ هو أنّنا نظّمنا ورعينا الفعالية!
- المسألة بالنّسبة للجهة المسؤولة عن مادة الورشة، وتوفير المدرّسين والمحاضرين هي تجاريّة بالدّرجة الأولى، فالمهم هو إكمال المنهج المطروح، والخروج بنتائج جيّدة من الحضور (قام المحاضر بالإجابة على أسئلة الاختبار).
- أمّا الحضور فإنّ نسبةً كبيرةً منهم فهم مجبرون على المشاركة، لأنّ الموارد البشريّة بشركاتهم أرسلتهم للمشاركة، وهذه أيضًا لأسبابٍ معيّنة ليس هذا مجال للحديث عنها الآن.
- الحضور الإلزاميّ يجعل المشارك المجبر على المشاركة يحضر لتسجيل حضوره فقط، وتأدية المطلوب، وهو ممّا حدث بشكلٍ ملحوظٍ في هذه الفعاليّة.

عمومًا، هذه الدّورات ووُرش العمل ليست ذات قيمةٍ حقيقيّةٍ دائمًا، فإنّ الكثير منها لا تتعدى غايتها الأهداف التّجارية للأطراف المشاركة، أو شهادةً (معترف بها)، أو ترقيةً في السّلم الوظيفي، أو ما شاكل، وأمّا علميًا وعمليًا فقيمتها ضئيلةٌ جدًا، وتحتاج لمراجعاتٍ عديدةٍ لتكون منتجةً أكثر.

 
ما ينبغي ملاحظته أنّني لا أقول أنّ كلّ ورش العمل والدّورات على هذا النّمط، ولكنّ الكثير منها هي كذلك.
 

 
30 مايو 2015
 

حجَّاب أبواب الله \ ايمان الحبيشي

 

 
قد تكون الاطلالة في الصورة أدناه، هي الاطلالة الأجمل-رغم تواضعها-بعد جمال وروعة النظر لبيت الله الحرام في مكة المكرمة. 
 
 
 


 
أما ما عدا ذلك، فمكة مؤخرا ليست سوى "موقع عمل في غاية الضخامة" يمتلأ بالآلات والحجارة ومواد البناء والعمّال الذين يدوسون أرض الحرم الطاهر بأحذيتهم!

في أرض مكة، أقدس البقاع على الاطلاق، حيث نزل الوحي على قلب محمد صلى الله عليه وآله، سيسلبك هدير الآلات وحركة العمال وزعيق سدنة الكعبة، كل سكينة كنت تحلم بأن تحياها هناك، لو لا أن الرحمة الإلهية تغمرك عميقا جدا جدا، أمام ذلك البيت المهيب المكلل بالسواد. 

 
 
 

 
ستقف لتصلي ليدفعك عمال النظافة، حين ينقّض العشرات منهم في هبّة رجل واحد، وهم يزعقون "هيا هيا يا حاج.. تنظيف" وسترى التمييز في أبشع صوره هناك، رغم أنّ الله شاء لأن تكون الكعبة "مكان" لأبهى صور المساواة بين المسلمين، بين الأبيض والأسود، والعربي والأعجمي، والفقير والغني، والحاكم والمحكوم، عبر رداء أبيض يلتحف به جميع الحجاج، ومناسك واحدة يمر عبرها كل المسلمين المتوجهين لحرمه، المشتاقين لقربه. 

ستجد أن العمّال الذين انتُخبوا لرعاية نظافة بيت الله، لا يُجيدون الابتسام الا من رحم ربي، بل الأدهى والأمّر أنّ كثيرا منهم لا يُجيد حتى الكلام!! وبدل أن ينبّه الحاج للابتعاد عن طريقه أثناء التنظيف عبر محادثته، ستجده يركل الرجل الآسيوي الفقير-دونا عن الخليجي مثلا-الذي اتخذ من بيت الله مكانا آمنا يأوي اليه!

سينتصب رجل ذا لحية برتقالية، وثوب مُقصّر وبشت، تماما في منتصف طريق طواف المسلمين اللاهجين بذكر الله، ليقتنص أي مسلم منهم وضع يده على الكعبة خاشعا، ليُذكّره أنّ ربت الكعبة على يده "شرك ما أنزل الله به من سلطان" وليدعو الله القريب منه، الماسك بباب رحمته هو دونا عن غيره، بالهداية لك بينما ينظر لوجهك شَزرًا، في حالة من الوصاية الكاملة على نوايا المسلمين، ودينهم وحبهم واخلاصهم! 

في تلك البقاع الروحانية، لا يبحث الانسان فيها عن الله، لكنه يبحث عن نفسه قريبا من خالقه، فيود لو أن الساعات تطاولت وهو واقف ينظر لبيت الله، ويود لو أن الليل ما له فجر وهو ساجد في محراب العبادة، ويود لو أنه يرى الدين الذي آمن به متجسدا كلما حانت منه التفاتة، الا أنّ الواقع المر سينبؤك أن بيننا بشرا، يظنون أنهم حُجّاب أبواب الله، المكلّفين بفتحها في ساعات محددة وغلقها في ساعات أخرى، بل هم حجّاب أبواب الله التي لا تُفتح الا لمن وافق مقاييسهم البغيضة، فلبس كما شاءوا له أن يلبس، وصلى كما شاؤوا له أن يصلي، وذكر الله كما شاؤوا له أن يذكر الله، فالدّين عندهم ساحة حرب مع النّفس وان صلُحت، ومع الآخرين وان نطقوا بالشهادتين، هم الموكّلون بقبول ورفض اسلامك وانتمائك، وهم الموكّلون بقبول ورفض ايمانك وخشوعك، لذلك فبدل أن تكون الكعبة مكانا يدعو للحب والألفة والسلام، تستحيل الكعبة وعبر مكبرات صوت الصلاة عمود الدين، لمكان يدعو لقتل الآخر وسحقه ولعنه والدعاء عليه، وان كان الآخر عابدا لله مخلصا لدينه! 
 
 
لا يقتصر وجود أولئك الحجّاب، على أبواب الله عند الكعبة المشرفة، بل سيلحقون بك لمدينة رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث تُهان مساواة الله لعباده، حين تُصفّ النساء وفق البلد الذي جئن منه بحجة التنظيم، فيكون للآسيويات وقت، وللعربيات والخليجيات وقت آخر، لتدخلن عند روضة الرسول صلى الله عليه وآله، ولتدعين الله بخشوع تحدده أولئك النساء-سدنة قبر رسول الله-اللاتي لا يُعرف أنّ لهن ابتسامة الا من رحم ربي! ولو تمعنت قليلا، لوجدت أولئك الحجّاب هنا! على أرضك وفي مجتمعك وبين بيوتات حيك! يقتنصون نواياك ويحكمون على ظاهر أفعالك بالقفز نحو باطنها! وكأن الله قد منحهم الاطلاع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور، حتى أنهم يعلنون جزما أن فلان بقوله ذاك، وعلان بفعله ذاك انما يريد وينوي ومع سبق الإصرار والترصد أن يهين مرجعا، أو أن يشيع فاحشة، أو أن يدفن في التراب معروفا!! 

أتذكر أن صفحات الفيس بوك يوما، مُلئت قذفا وشتما لأحد خدام الحسين "ع" لأنه اختار أسلوبا يخصه في رثاء امامه! ولعمري أن رقم هاتف هذا الانسان معروف ومتوفر، وكان الاحرى بمن اتخذ من الفيس بوك وسيلة للقذف والتشهير أن يدير رقم هاتفه ليناقشه فيما وجده أمرا منكرا!

ان بيننا بشرا، يعتقدون أنهم معصومون من الخطأ، منزّهون عن الزلل، كاملون لا يمكن أن تنقص أفعالهم ولا أن تختلط نواياهم، واجبهم في الحياة أن يكونوا الأوصياء على كل شاردة وواردة للآخرين، وحين تتملكك الجرأة لتعلن أمامهم كم أنهم مخطئون، فسينالك ما ينالك من تشهير. 

من منا معصوم من الخطأ؟ ومن منا يمتلك الفهم الكامل للدين والحياة؟ كلنا معرضون لنخطأ بنية أن نصيب، وكلنا نمتلك فهما ناقصا لجانب من جوانب الحياة، انما نحتاج لبعضنا بعضا لتكتمل الصورة أمامنا، فنفهم الفهم الأشمل بقدر الإمكان، ونمارس العمل الأصلح بقدر الإمكان، ما منا غني عن التشاور والتناصح، مهما بلغ به الفهم والعلم، فهو محتاج ليستمع لنقد ونصح ومشورة الآخر، كما أن الآخر محتاج ليسمع نقده ونصحه ومشورته، والطريق الأفضل لذلك هو أن يمتلك كل واحد منا القدرة على الاصغاء، والقدرة على أن يظن بصاحبه خيرا وهو ينصحه، والتواضع ليعي كل واحد منا أن بابا من أبواب الفهم والوعي قد تُفتح له على يد هذا الصاحب، لنعي عميقا جدا أن أبواب الله لا حجّاب عليها..!

 
30 مايو 2015

ما يطفح الا اللوح \ ابو مقداد

 


 
من الأمور المؤسفة التي بُليَ بها المجتمعُ في وجهة نظري هو الاهتمامُ بسفاسف الأمور وتوافهها، فتجد الكثير من أبناء المجتمعِ لا يلفته ويشدّ انتباهه من البحرِ سوى زبده، أو حسب تمثيل المثل المذكور أعلاه لا يرى من البحر سوى ( اللوح الطافح ) ومشكلة حقيقة سنواجهها إن حولنا البحر كل البحر، لمجرد لوحٍ طافح!!
وعلى مستوياتٍ صغر حجمها أو كبر، سنجدُ أننا أمام مشكلاتٍ كبيرة ترتبت لسطحية نظرنا من جهةٍ وتفاهةِ اهتماماتنا من جهةٍ أخرى.

فمثلا نحن الشيعة أكثر ما نتمسك بهِ في عقيدتنا ويغذينا الولاء والتشيع هي قضية كربلاء الحسين، والتي تمثل الرافد الأبرز للتشيعِ، لما تحمل من قيمٍ سماويةٍ عظيمةٍ ومبادئ إسلامية مهمة وروحٍ رساليةٍ أساسية ونماذج تضحوية صريحة، وغيرها من التأسيسات المهمة والضرورية لبناء شخصية الإنسان الشيعي الحسيني، ولو اغترفنا في كلِّ يومٍ عبرةً من عِبَر كربلاء لما نفذَ بحرها الزاخر بالعطاء، إلا إننا نجد أن الكثيرون بيننا وعلى مدى سنينَ طويلةٍ نمرُّ بها، يختزل الحسينَ وقضيتهِ في مسألة موضوع التطبير مثلا، هل هو طقسٌ خرافي محرَّم، أم شعيرةٌ أساسية مستحبة؟ 
صراعٌ ننتظره كلَّ عامٍ ما إن يهلُّ هلال محرمٍ الحرام، يشغل فئة لا بأس بها ممن رفعوا " لبيك يا حسين" شعارًا لهم!
وحقيقةً لو تتبعنا أكثر الاهتمامات التي يهتم بها أبناء المذهب بالنسبة لقضية الحسين عليه السلام، لوجدنا أن الكثير منها - إن لم يكن الأكثر - هي من قشريات قضية الحسين العميقة والغزيرة والغنية بالقيمِ الكبرى. لن أدخل في التفاصيل، وسأتركها للتأمل!!


تابعتُ على مدى أيامٍ مضت .. موضوعًا  أثاره أحد علماء الدين عبر موقع التواصل بخصوص علاقة رجلٍ متزوجٍ بامرأةٍ متزوجة، وكيف برر علاقتهما وأسقطها على روايةٍ تذكر بأن سلمان المحمدي كان ينادي الصديقة الزهراء بلفظ " حبيبتي "، وتابعت الكثير من الردود التي صاحبت الموضوع في أربع مشاركات منفصلة، بالإضافة للكثير من الردود التي قرأتها خارج المواضيع الأربعة، وبشكلٍ منفصل في حسابات أخرى أو في برامجَ أخرى كالواتس أب ..

هنا لا أرغب في الهجوم على هذا العالم وموقفه وفكرته، ولا أودّ الدفاع عنه أو عن موقفه وفكرته أيضًا .. إنما ألتفتُ لأمرٍ آخر ومن زاويةٍ غير التي نوقِشت وأشبعت نقاشًا في الأيام المنصرمة، وأتمنى ممن يقرأني أن يفهم تحديدًا ما أقصد وأرمي له، إذ أني لن أناقش ما احتواهُ موضوعهُ تحديدًا وإن كان مصيبًا أو جانبَ الصواب، وإن لم يكن مقصدي واضح، سأستقبل النقاش حوله.. 

 * من خلال متابعتي للردود الكثيرة والتي تجاوزت الـ ألف ردٍ على الموضوع لمثار، ما ألاحظه أن أغلب الردود كانت في إتجاهين، الأول مدافعًا عن فكرة الموضوع، ليستخدمهُ كشرعيةً تناسب مقاسه، ويبرر انحرافاته ولو بجزءٍ مما قاله رجل الدين هذا بتأويلاتٍ أو تفسيرات معينة، والثاني اتجه لتسقيط شخص رجل الدين بشكلٍ مباشرٍ، أو غير مباشر ولاحظت أن بعضًا منهم كان من رجال وطلبة العلوم الدينية للأسف .. والقليل جدًا ممن رفض التسقيط لأن القائل رجل دين. والمشكلة أن أقل فئةٍ هي من ناقشت المضمون بشكلٍ علميٍّ هادئ محسنةً للظن في شخص الكاتب. 
بغضّ النظر عن صحة الفكرة من عدمها، فإن المشكلة التي ألاحظها حسب وجهة نظري، هي من جهةٍ في التوجه الشرس لإسقاط شخص صاحب الفكرة وسرعة وصفه بالضال المضل ونزع عمامته من على رأسه وغيره من الصفات، متجاهلين تأريخًا قضاه في طلب العلم ونشره، وبدون أن يتكلّف أحد بطرق بابه لمناقشته، وإن حدث فلم يُنشر أي بيانٍ بذلك حسب علمي حتى وقت كتابة هذا المقال .. أحدهم يقول إذا سقط العالم كهذه السقطات فعلى الدين السلام، والآخر يقول منذ زمنٍ كنتُ أشكُّ أصلًا في نواياه!! 

بغض النظر عن أن الشخصية المعنية هنا هو كاتب ذاك الموضوع ذاته، أنا أتحدث حول فكرة سرعة التسقيط هذه، واعلان البراءات وما لذ وطاب من الإتهامات، التي يتعرض لها، وطبعًا تعرض لها كثيرون قبله والأسماء معروفة، يطرحون فكرة تختلف عن ما هو متعارفٌ عليه في المجتمع، قد يكونونَ مخطئين فعلًا وقد لا يكونون، إلا أنهم من المؤكد أنهم ساقطون اجتماعيًا لا محالة بسبب فكرتهم هذه! أيعقل أنا لا نملك طرقا ووسائل لنعالج بها اختلافاتنا وأخطاءنا غير التسقيط والحرب؟!
ألا نملك استعدادًا لتصحيح أخطاء المجتمع الداخلية بنفس حجم استعدادنا لتسقيط أي شخصية تخطئ أو لا تتوافق مع أهوائنا أو تفكر بطريقة اختلفت عن ما نعتقده في مجتمعنا أو تديننا .. ونحن من ندّعي أننا أبناء مدرسة الباقر والصادق عليهما السلام اللذان أسسا أكبر مدارس العلم والفكر التي كانت تضربُ الأفكار بالأفكار ولم تدعُ يوما لما نمارسه هنا؟ لو نلاحظ قليلًا فقد تفوهت الكثير من الردود بما لا يرضي أهل البيت من إساءةٍ وقذفٍ وشتمٍ وتحقيرٍ وإساءة ظنٍ في كاتب الموضوع المعني، من أجل الدفاع عن مقامِ فاطمةَ الزهراء وإثبات أن سلمان المحمدي لم ينادِها بـ " حبيبتي " وكما يقول المثل الشعبي " ما يطفح الا اللوح" !!!

تأمل

* المشكلة الثانية، تُنشرُ في كل يومٍ العشرات من المقالات العلمية والدينية والثقافية والاجتماعية. وغيرها، والتي تحمل فائدة لا يستهان بها، فضلا عن الكتب الغير محدودة المتوفرة في المكتبات وفي الإنترنت، والأفكار الضخمة التي يجتهد أصحابها في التفكير والتأمل للوصول لها، سواء لهذا الكاتب أو لغيره، ولكن للأسف الشديد رغم وفرة هذه المواد إلا أننا أمة اقرأ التي لا تقرأ، وحجم التفاعل ونشر وقراءة هذه الكتب والمقالات المفيدة أقل من مجرد ضئيل، ولا تلاقي أي اهتمام، فهذه الأمور لا تجد بيننا رواجًا، ولا تجد بيننا محلًا ولا انتشارا، بينما وللأسف الشديد أن توافه الأمور وسفاسفها هي ما تلاقي الانتشار الواسع اللامحدود، واهتماما من أكثر طبقات المجتمع!!

كم كنت أتمنى - مثلا - لو تم هذا التحشيد للدعوة لصلاة الجمعة، أو الجماعة، أو لصلاة الفجر، أو لنبذِ الصراعات الحزبية داخل البيت الشيعي، أو الكثير من الأمور المهمة فعلًا والتي نغفل عنها في مجتمعنا وفي تديننا وفي مآتمنا وغيره، ولكن ربما لأن هذه الأمور تفتقد الـ"أكشن" فهي لا تستحق النشر والعناء، وكعادتهم البشر لا يميلون لحسن الظن والمصالحات والهدوء، لأنه لا يمنحهم الإثارة المطلوبة، وكما يقول المثل الشعبي " ما يطفح الا اللوح "

لست في مقام مناقشة ما طرحه كاتب الموضوع، وبغض النظر عن صوابيته من عدمه، أنا أناقش هنا سلوكيات يمارسها المجتمع، وفي كثير من الأحيان يُظلَم من لا ذنبَ له نتيجةً لهذه السلوكيات .. 

أقول في الختام: صحيح أنه : ما يطفح الا اللوح" فهو بطبيعته الخشبية لا يغوص ولكننا كبشر أصحاب عقولٍ وإدراك، لابد أن نعرفَ أن خلف اللوحِ هذا بحر كبيرٌ جدًا وفي أعماقه اللؤلؤ والمرجان، و يحتاجُ منا أن نغوصَ في أعماقهِ لننتفعَ به، وحتى اللوح الطافح هذا، ولأننا بشرٌ عقلاء، يمكننا أن نحولهُ لسفينةٍ تشقُّ أمواج البحرِ بدلَ أن نظل نشير للبحر دائمًا ونقول هناك لوح!

تأمل ..!

30 مايو 2015

Friday, May 22, 2015

سوء الحظ .. برمجة لا حقيقة فيها! / ايمان الحبيشي

 


منذ مدّة وضعتُ كتاب بعنوان "قوّة عقلك الباطن" للدكتور جوزيف ميرفي(1) على لائحة الكتب التي أود قراءتها وفق نصيحة من صديقة أخبرتني أن الكتاب يعطي دفعة من الايجابية التي نحتاجها في حياتنا.

وُفقت أخيرا لقراءة الكتاب ولم أنته بعد، على الرغم من أني بدأته منذ فترة كافية لانهاء كتابٍ يقع في 298 صفحة فقط.

ما جعلني أتوقف أو أتقطع أثناء قراءتي له، أنني وجدتُ أن الكتاب قد صيغ بطريقة اختلفت عما توقعته تماما، فصاحب الكتاب يدعو للتفاؤل والايجابية عبر "كلمات الدعاء للخالق" مؤكدا على قانون الجذب(2) الذي كنت قد سمعت عنه ولم أعطه أي اهتمام سابقا، وهو ما استوقفني لأعود لبعض كلمات الدعاء والدروس وآيات من القرآن قبل أن أكمل قراءته.

الفكرة الرئيسية التي يتحدث عنها الكاتب، هي أننا نمتلك عقل ذا وجهين أو بعدين، هو العقل الواعي الذي نفكر به وندرك من خلاله أننا نفكر عبر عمليات التفكير المنطقية، والعقل الباطن الذي لا قدرة له على التفكير أو التصحيح أو الاقتناع، انما هو المخزن الذي تقع فيه كل قناعاتنا وأفكارنا واعتقاداتنا منذ الولادة حتى الممات.

يقول الدكتور ميرفي أن عقلنا الباطن يمتلك قدرات هائلة في تحويل اعتقاداتنا لحقيقة، فمن يعتقد أنه مريض رغم كل الفحوصات الطبية التي تؤكد خلوه من المرض، فقد يقع فريسة لاعتقاده أو فريسة لايحاء الآخرين اليه بكونه مريض، حتى أنه قد يموت نتيجة هذا الاعتقاد! ذلك أن عقله الباطن يمد الجسد بما يعتقده العقل الواعي محولا اياه لحقيقة، وهو بالمناسبة سببا كافيا لنتوقف عن إسماع أطفالنا كم أنهم "أغبياء وغير نافعين وكسالى ومشاغبين وعنيدين وعصبيين" اذ أننا نساهم في اقناعهم باتصافهم بتلك الصفات ليتصرفوا بناء على ذلك الاعتقاد الخاطئ.

الأمر المثير أن الدكتور ميرفي يدعو لاستثمار قدرات العقل الباطن، في الاستشفاء والتمتع بالصحة والثراء والنجاح وراحة البال، وذلك عبر استراتيجيات معينة تساهم في "توجيه" العقل الباطن للاقتناع بما نريد أن يتحقق لا بما نعتقده، فمن أراد الثراء فعليه أن يقنع نفسه وعبر عقله الواعي بأنه سيكون ثريا بحول الله حتى تصل تلك الرسالة للعقل الباطن فيحولها لحقيقة!
لست بصدد مناقشة تلك الفكرة انما استعراضها وذلك للوصول بكم لأمر توصلت اليه من خلال هذا الكتاب قد يزيد درجة ايماننا بلطف الله ويرفع من درجة ثقتنا بكرمه.

ان ملخص دعوة الكاتب تقع في أن تثق بأن الله سيحقق آمالك ويستجيب دعائك، وبمجرد أن تنام وتصحو على هذه الفكرة فان أمرا مذهلا سيسكن قلبك وعقلك وجسدك دافعا اياك للعمل والاجتهاد لتحقيق ما تتمنى متوكلا في ذلك على الله-هذا الأمر اختبرته شخصيا تأثرا بالكتاب الذي أوصلني للثقة بحقيقة أوردها لكم بين كلمات هذا المقال-، لقد ذهلت بينما أعود لكلمات الدعاء التي أوردها لنا نبي الله محمد وعترته صلى الله عليهم، يقول ميرفي أن عليك لتوجيه عقلك الباطن استخدام طريقة الأمر لتحدث نفسك: "أنا أترك الأمر الفلاني لرحمة الله وأنا واثقة أن الله سيستجيب لدعائي" ولو عدنا لأحد أدعية الامام السجاد عليه السلام لوجدناها كما أغلب أبيات الدعاء تشتمل على تلك الصيغة حتى وأنت تحدث رب الكون -وحاشى أن نأمر الله- اذ يقول في دعاء الأمن مثلا "افتح لي يارب باب الفرج بطولك، واكسر عني سلطان الهم بحولك، وأنلني حسن النظر فيما شكوت، وأذقني حلاوة الصنع فيما سألت، وهب لي من لدنك رحمة وفرجا هنيئا" كما يؤكد الدكتور ميرفي على أهمية ان تكون ذا قلبا شاكرا اذ أن القلب الشاكر يكون قريبا من النعم وقد قال الله "وان شكرتم لأزيدنكم" وأغلب أدعيتنا تبدأ بشكر الله والتحبب اليه قبل الولوج للطلب منه وسؤاله كما في مناجاة الشاكرين "الهي أذهلني عن اقامة شكرك تتابع طولك، وأعجزني عن احصاء ثنائك فيض فضلك، وشغلني عن ذكر محامدك ترادف عوائدك…. ".

لقد وجدت أن الفكرة الرئيسية التي يتحدث عنها هذا الكتاب انما هي تقع في "حسن الظن بالله" وان لم يستخدم ذات المصطلحات والكلمات التي نعرفها في وصف هذه الحالة، فمتى ما وثقت أن عقلك سيمدك بعون الله بما يحقق امنياتك في حل مشكلاتك أو في شفاء أمراضك أو في الغنى عن الحاجة للآخرين ماديا ومعنويا، فستتحقق تلك الأمنيات بقدر ثقتك وقد وجدت ذلك ماثلا في كلمات الله ونبيه وأهل بيته اذ يقول الامام الرضا (ع) : "ﺃﺣﺴﻦ ﺍﻟﻈﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻳﻘﻮﻝ: ﺃﻧﺎ ﻋﻨﺪ ﻇﻦ ﻋﺒﺪﻱ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺑﻲ، ﺇﻥ ﺧﻴﺮﺍ ﻓﺨﻴﺮﺍ، ﻭﺇﻥ ﺷﺮﺍ ﻓﺸﺮﺍ" وهو ذات الأمر الذي يدعو اليه الرسول صلى الله عليه وآله في قوله: "ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﻫﻮ، ﻻ ﻳﺤﺴﻦ ﻇﻦ ﻋﺒﺪ ﻣﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺇﻻ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﺪ ﻇﻦ ﻋﺒﺪﻩ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ، ﻷﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﺮﻳﻢ ﺑﻴﺪﻩ اﻟﺨﻴﺮﺍﺕ، ﻳﺴﺘﺤﻴﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺒﺪﻩ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻗﺪ ﺃﺣﺴﻦ ﺑﻪ ﺍﻟﻈﻦ ﺛﻢ ﻳﺨﻠﻒ ﻇﻨﻪ ﻭﺭﺟﺎﺀﻩ، ﻓﺄﺣﺴﻨﻮﺍ ﺑﺎﻟﻠﻪ اﻟﻈﻦ ﻭﺍﺭﻏﺒﻮﺍ ﺇﻟﻴﻪ"
وعلى الطرف الآخر فمن أساء ظنه بالله فلا يلومن الا نفسه يقول رب العزة في محكم كتابه: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) كما يقول في موضع آخر (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ).

ان ما دعاني للكتابة تعليقا على هذا الكتاب، هو أني وجدت في كلماتي قبل آخرين غيري، أننا نسئ الظن بالله، ونخشى من التفاؤل خوفا من خيبة الأمل، غير مدركين لفاعلية حسن الظن بالله والثقة بلطفه، حارمي أنفسنا من حلاوة التفاؤل والنظرة الايجابية، مستمتعين بروحية المهزوم المظلوم المغبون سئ الحظ التي تتقمص أرواحنا لتطرد منها سعة البال وراحة النفس وصدق التوكل على الله.

هذا المقال ليس دعوة للتواكل والاكتفاء بالدعاء والتمني والأمل دونا عن السعي، لكنه دعوة للتفكر والثقة ولا أدعي أن ربطي واسقاطي بين كلمات هذا الرجل وحقيقة الثقة بالله "حقيقة مطلقة" لكن أدري أن حسن الظن بالله هو الحقيقة الكاملة المفقودة في أرواحنا التائهة التي أعياها الحديث عن الظلم والغبن ..

ليس مهما أن تكون القوة المحركة للأمل بداخلنا، قوة معروفة ولها اسم محدد ونعرف دهاليزها، قد تكون قوة عقلنا الباطن أو لتكن قوة الثقة بالله، النتيجة ان من أعلق يديه بذيل كرم الله ما خاب.

لنثق بالله ونحسن الظن به .. انه غفور رحيم مجيب الدعوات ..


------------------
(1)الدكتور جوزيف ميرفي: ولد في العشرين من مايو 1898م بايرلندا ثم انتقل للعيش في امريكا حيث درس الصيدلة لكنه ونتيجة شغفه بعلم الاديان فقد ترك عمله كصيدلي وتحول للسفر للاطلاع على مختلف الديانات، أكد على اهمية فهم قوة العقل الباطن ومبادئ الحياة القائمة على الاعتقاد بوجود إله واحد "التوحيد" وقد كتب اكثر من ثلاثين كتاب المذكور أعلاه هو أحدها وأحد اكثر الكتب مبيعا على مدى سنوات طوال

(2) قانون الجذب : ينص قانون الجذب الفكري على أن مجريات حياتنا اليومية أو ما توصلنا إليه إلى الآن هو ناتج لأفكارنا في الماضي وأن أفكارنا الحالية هي التي تصنع مستقبلنا، بالأحرى يقول القانون أن قوة أفكار المرء لها خاصية جذب كبيرة جدا فكلما فكرت في أشياء أو مواقف سلبية اجتذبتها إليك وكلما فكرت أو حلمت أو تمنيت وتخيلت كل شيء جميل وجيد ورائع تريد أن تصبح عليه أو تقتنيه في حياتك فإن قوة هذا الأفكار الصادرة من العقل البشري تجتذب إليها كل ما يتمناه المرء (موسوعة ويكيبيديا).
 

ايمان الحبيشي
23 مايو 2015

حواجزٌ علميّة/ محمود سهلان


 

ترد في العديد من الكتب العلميّة بعض الكلمات المنفّرة، توحي وأنّ الكاتب وصل إلى الحقّ الذي لا يناقش، فيضطر لتسخيف آراء الآخرين أو ضربها، بل ضربِهم وتسخيف آرائهم أحيانًا، سواءٌ كانوا من السابقين أو المعاصرين أو اللاحقين، حيث أنّه وحده من وصل إلى الحق، وربّما من شاركه الرأي، أمّا الآخرون فلم يروا الحقّ ولم يعرفوا من العلم شيئا.

الأسوء من ذلك أنْ تأتي هذه الكلمات في بعض الكتب الدّراسية، وممّن هم من أصحاب الفضل والعلم والخُلق الحسن، فتجد أنّها تأخذ مأخذها من الطّالب، خصوصًا إذا كانت طريقة التّدريس لا تتجاوز الإلقاء والتّلقي، فإنّ هذه العبارات والأوصاف مع تكرارها تركز في ذهن الطّالب، فتصبح عاديّةً عنده ولا إشكال فيها، ممّا يجعله جاهزًا لاستعمال نفس الخطّ والمنهج.

طبعًا الأمرُ ليس متوقّفًا على الكتابة فقط، بل هو يتعدّى ذلك بعد الاعتياد عليه، فيُصبح سلوكًا يمارسه الفرد في حياته بشكلٍ طبيعيّ، فلا يرى الحقّ إلا فيما يقول وما يقرّ به، وأمّا الآخر فلا يملك إلا الباطل ما دام يخالف رأيه. وانعكاسات ذلك واضحةٌ على المجتمع بشكلٍ عام، وبالأخصّ طلبة العلوم اللّذين اعتمدوا تقنيّة التّلقي، وعدم النّقد والتّفكير، فتراهم يجمدون على ما تلقّوه، ومنه ما ذكرناه من عبارات وكلمات تتناثر من هنا وهناك، وأمثلتها كثيرة، لا داعي لذكرها الآن.

أظنّ أنّ هؤلاء لم ينتبهوا لأمرين على أقلّ تقدير، وهما:

الأول: أنّ ما وصلوا إليه لا يتجاوز كونه جهدًا بشريًّا، بذلوه للوصول إلى العلم المطابق للواقع، وما داموا بشرًا فإنّهم قد يخطئون كما يخطئ غيرهم.
الثاني: أنّ مثل هذه العبارات تضع الحواجز بين علومهم وبين طالب العلم الحقيقيّ الواعي، فإنّه على الأغلب لن يقبل بها لبعدها عن الطّرح العلميّ والأخلاقيّ المطلوب منه عادة.

لذلك فإنّ علينا جميعًا عدم إغفال هذه الأمور الدّقيقة، والتي تسبّب الكوارث العلميّة والاجتماعيّة الكبيرة والكثيرة، ومن أمثلة ذلك على المستوى الواسع، هو ما نراه من بعض الحزبيّات الضّيقة، التي ترى الحقّ عندها دون غيرها، وهي مسألة واضحة، وأنا إذ لا أنسب السّبب لهذه العبارات وحدها، إلا أنّني أرى أنّ لها دورًا بارزًا، خصوصًا في واقعنا الإسلامي، ومنطلقاتها ليست مختلفةً كثيرًا إنْ لم تكن واحدة.

إشارةٌ: من أهمّ ما أنتجته هذه المنهجيّة (إنْ صحّ وصفها بالمنهجيّة) هو عدم التّمكن من مناقشة آراء بعض العلماء السّابقين، وليس ذلك إلا لأنّه رأي فلان، وفلان هذا جعله آخرون لاحقون (خطًّا أحمر) لا يمكن المساس به وبآرائه، حتّى وإنْ لم يدّعِ هو نفسه الحق، لكنْ هناك من طوّقه بسياجٍ لا يمكن المساس به.


محمود سهلان
4 شبعان 1436 هـ

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها (30) / السيد محمد علي العلوي



خِتَامٌ وانْطِلَاقٌ


أنقل السؤالين من الخاتمة إلى الصدر:

بأيِّ عينٍ وثقافةٍ ونَفْسِيَّةٍ ورُوحيَّةٍ نقرأ كتابَ الله المجيد وأحاديثَ المعصومين (عليهم السلام)؟

هل نحن على الطريق الصحيح أو أنَّنا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟

لم أجد في الأطروحة الشيوعية بعدًا إصلاحيًا ينطلق من الذات إلى الخارج، ولكِنَّ الذي وقفت عليه هو اتِّهام الوضع العام، والتَّوجُّه لتكسيره من أجل وضع جديد يتساوى فيه الجميع، ولأنَّنا نُدرِك تمامًا بأنَّ المعلول لن يتخلف عن علَّته، فالمتحصَّل هو العلم بحتميَّة تكرُّر الخلل مع كل وضع جديد تسعى النظريَّة الشيوعيَّة لخلقه، وبذلك فإنَّ الصراع لن ينتهي، ولن يتولد صراعٌ إلَّا من رحِمِ صِراعٍ غيره، ولن يكون هذا الغير إلى رحمًا لآخر، وهكذا يستمرُّ طحنُ الإنسان للإنسان باسم الحرية والسلام وإشاعة الأمن والأمان.

ثمَّ إنَّني لم أجد في النظرية الشيوعيَّة توجيهًا للتغيير بغير القوَّة ونشر ثقافتها، ومعها الترويج لاتهام من لا يتَّفق معها إمَّا بالعمالة أو التخاذل، فهي تحصر الحقَّ في رؤاها، وتوجه لتجاوز المخالف بالسحقِّ المعنوي تارة والمادي أخرى، وللقارئ الكريم مراجعة الحلقات السابقة للوقوف على ما أُلخِّصه هنا.

ملكَ الحِراكُ الشيوعيُّ شريحة من المجتمع العالمي من خلال فتح أبواب العلم والمعرفة أمامها في الدولة السوفيتيَّة السابقة، ودخل من خلالها ومن خلال التركيز على المطبوعات والتأسيسات الحزبية إلى العمق في المجتمعي في كثير من الدول، وخصوصًا دول الشرق، وعندما ظهر له الخطر الذي يواجهه على يد الديموقراطية الرأسمالية، وذلك منذ خمسينيات القرن المنصرم وحتى سبعينياته، فإنَّه اتَّخذ –في ما يبدو لي- قرارًا بالتراجع تراجعًا تكتيكيًا، يقترن بتقديم قوى شعبية أخرى بعد تغذيتها بثقافة القوة والانتزاع، ولم يكن ذلك التثقيف اقتحاميًّا أرعنًا، ولكِنَّه كان استراتيجيًّا مدروسًا، عمِل على اختزال الرؤى والنظريات الفكرية لتلك القوى الشعبية المجتمعية في نظرية القوة والانتزاع.

لا شكَّ ولا زيادة كلامٍ في أهمِّية القوة وضرورة التسلُّح، ولهذه المسألة البنائية مُصَدِّقات كثيرة في النص الشرعي، ولكِنَّه ليس من المقوِّمات للثَّقافة الإسلامية.

نعم، في الإسلام قِوامة للقوة على مستوى المفهوم الكلِّي (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ)، ثُمَّ يذكر الداخل على الأصل، فيقول (وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ)، وأمَّا الغاية فهي (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ)، ولكِنَّ هذه الغاية متوقِّفة على تحقُّق الكلمة التوافقية بين المؤمنين، وإلَّا فالقوة ورباط الخيل لا معنى له، وهذا ما يُفهم من قوله تعالى (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، فالتنازع وتراجع الصفاء الداخلي متبوعة بالفشل وذهاب الريح لا محالة، وهذا الأخير يعني خِفَّة الوزن والاعتبار في أعين الآخرين.

ما أراه، هو أنَّ آية (وَلاَ تَنَازَعُواْ) لها الحاكميَّة العلميَّة على (وَأَعِدُّواْ) ومثيلاتها، ثمَّ إنَّ التحقُّق يعني قيام الحِكمة في عقل المجتمع المؤمن (تُرْهِبُونَ)، وليس كما في النظرية الشيوعيَّة، فتأمَّل جيِّدًا.

أجِدُني مدفوعًا مضطرًا للتصريح بأنَّني لا أنفي ضرورة التوفُّر على قوةٍ رادعةٍ قادرةٍ، فهذا عامل من عوامل القيام لأيِّ حضارة مدنيَّة عاقلة، وأُلفِتُ إلى أنَّ منشأ هذا الدفع والاضطرار هو تراجع القدرة على مخاطبة الكثير من العقليات المبنية على نظريات القبضة والضرب وكسر العظم وطحنه وسحق الجماجم والانتزاع وما نحوها، فهي –كما أرى- تخشى كثيرًا من أيِّ دعوة للهدوء والدفع بالَّتي هي أحسن؛ والسبب أنَّ مبتنياتها أصبحت هويَّة عقائديَّة، ترى المساس بها مساسًا بالإسلام من رأس!

تُحمِّل النظريَّةُ الشيوعيَّة الإنسانَ فردًا ومجتمعًا كامل مسؤولية التغيير، وتجيز له كافة الوسائل مُبرَّرةً بالغاية، ولذلك فالعقلية القائمة على أسسها لا تتمكن من الخروج عن دائرة المعادلات الواضحة، ولا تجد لنفسها مفرًّا من إنكار كل مقدَّمة تفضي للنظر في معادلات خارجية، والمؤمنون وإن قامت عقيدتهم على حقيقة المعادلات الكامنة وراء الظهور الملحوظ، إلَّا أنَّ المتأثرين منهم بالنظرية الشيوعية يتعبَّدون بتأويل تلك المعادلات لمصلحة تحمُّل كامل مسؤولية التغيير، وهنا مكمنٌ من مكامن التعقيد في مشكلة البحث.

أعتقد بأنَّ رؤى الكثير من المتصدِّين للتنظير من المسلمين وبمختلف مستوياتهم متأثِّرة في العمق بالطرحة الشيوعية، وأعتقد بأنَّ المزج الذي تمارسه تلك العقليات بين مسائل النظرية الشيوعية من جهة والنص الشرعي من جهة أخرى قد وصل إلى النخاع الثقافي والفكري، وقد كان نتاج ذلك انعطافة تاريخية في البعد عن معنويات الإسلام وعلميَّته التي كان من المنتظر أن تكون راية الدعوة الأوحدية إلى الحركة التغييرية الإلهية على يد الإمام القائد المهدي المنتظر (أرواحنا فداه).

أدعو في ختام هذه السلسلة إلى وقفة مراجعة واعية، ولست أنتظر موافقة أو معارضة، ففي نهاية المطاف (بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)، ووظيفة كل واحد منَّا التقدم بطرح ما يحمل من فكر مع تجنُّب الإساءة للآخر، وهذا ما تحرَّيتُ إصابته على مدى ثلاثين حلقة، وهي حلقات قصدتُّها مفاتيح يستفيدها القارئ في مشوار بحثه، فمقام المقالات لا يناسبه الإسهاب والتفصيل، وإن وفقني المولى تبارك ذكره لجمعها في كتاب، فمن المفروغ منه أنَّني سوف أقوم بإعادة صياغتها بما يناسب موازين البحث العلمي.

وكيف كان، فهذه عناوين موزَّعة بين يدي القارئ، ورجائي أن أكون قد وفِّقت لإثارة شيء من دفائن العقول ولمعات النظر، ويبقى أنَّ:

نَقْدُ الثقَافَةِ أكْثَرُ مشَقَّةً مِنْ نَحْتِ الجِبالِ قُصُورًا للسَلَاطِين..
 
السيد محمد علي العلوي
23/5/2015

Friday, May 15, 2015

تنويه : على ضفاف الذكريات / ز. كاظم


القراء الأعزاء..

أشكر لكم السؤال عن مساحتي (على ضفاف الذكريات)، وما كنتُ لأفارق صفحات عيونكم لولا بعض الظروف الخارجة عن إرادتي..

أعِدُكم إن شاء الله تعالى بالعودة قريبًا مع: 
على ضفاف الذكريات..

ز. كاظم

هل فرَّقتنا الفرقة الناجية؟! / أبو مقداد




نعيش في مجتمعٍ يحكمه الدين الإسلامي والنهج العلوي في صورته العامة، وبسبب تعرضهِ للعديد من عوامل التعرية والتجوية، ومشاكل الغزو الثقافي، والحرب على المذهب، وإهمالِه للاهتمام بتثقيف نفسه وحماية نفسه من الوهن والضعف، فقد تعرَّض المجتمع الإسلامي الشيعي للعديد من النكسات على مرّ التاريخ، التي تركت آثارها على جبينه، فصار الخلاص منها ومـن تباعتها اليوم من أصعب الأمور، حتى ظن بعض أفراد المجتمع أن بعض هذه النكسات أو آثارها من سمة المذهب وأساسياتها فتكرست أكثـر فأكثر ...

ولأننا أمة إسلاميةٌ اعتمد إسلامها – للأسف- بشكلٍ كبيرٍ على البحث عن الفرقة الناجية استنادًا لرواية مرويةٍ عن رسول الله أنه تحدث عن الفرقة الناجية في إحدى وصاياه لأمته، فقد انشغلت كل أطياف المجتمع إما في البحث عن هذه الفرقة الناجية، أو في الصراع مع بقية الفرق الهالكة لإثبات أن فرقتها هي الناجية!

وهكذا نطوي سنين العمر في هذه الصراعات، التي لم نحصد منها أن عثرنا على هذه الفرقة من جهة ولم تتمكن أي فرقةٍ من اثبات نفسها أنها الناجية حتماً!


وفي خضمِّ هذا البحث المستمر، وفي مساحة شعارات تحرير العقول، والحريات كحرية التعبير عن الرأي، وأن لا شيء فوق النقد، كنوعٍ من الغزو الثقافي الذي تعرض له مجتمعنا، نجد أننا نواجه عدة مشاكل، منها: 

أن فهم مصطلح الفرقة الناجية والأمة الفائزة بشكلٍ خاطئ، وتكرسيه بذات الشكل، جعل كل الفرق المقابلة لهذه الفرقة - المحظوظة والتي يظن جميع المسلمين أنهم ينتمون إليها – في الفرق الخاسرة، وفرق النار والجحيم ومن هذا ما يمارسه علنًا الدواعش، ويستنكره الجميع عليهم، ولكن لو فتشنا في داخل مجتمعاتنا .. ترى . . على كم فكرٍ داعشي سنعثر؟
نحن لا نسفك الدماء ولا نستحيي النساء، ولكنا على استعدادِ بأن نقابل كل فكرةٍ لا تتفق مع أفكارنا أو انتماءاتنا أو خياراتنا بالتكفير المبطن أو غير ذلك، وكله باسم حرية التعبير وحرية النقد، صرنا أمةً تريد أن تنتقد كل شيءٍ في الوجود، وبالطبع فهي تحرم انتقادها، لأنها الفرقة الناجية ومن تنتقدهم هم من فرق النار كما أسلفنا!

فصار الجميع يعتقد بأنه الوحيد والأفضل وأنه شعب الله المختار، وأن سواه للأسف في قعر جهنم، بالرغم من أن فكر الغالبية وعقائدهم تتعلق بموروثات لا دخل لهم في اختيارها بشكلٍ رئيسي.

ولذلك فما إن تختلف فكريًا مع أحدهم، حتى تكون قد خرجتَ تلقائِيًّا من صفوف الفرقة الناجية للفرق الخاسرة، وتخلفت عن جيش الحسين لصالح جيش يزيد.

إن هذا الفكر وسيطرته على عقول الكثير حوّلنا فعلًا لأمة مفككة جدًّا، ليبني صاحب كل فكرٍ فيها فرقته الخاصة، فلا ضير أن تكون لوحدك تؤمن بشيء ما، فما دمت مقتنعًا، إذا أنت ناج، وهكذا صار يتولَد لنا من كلِّ فرقةِ فرق، في كل فرقةٍ منهم عدد لا بأس به من الفرق، وكلهم يدّعون بأنهم الفرقة الناجية، والأمر بالطبع لا يقف عند الإنشقاق الطائفي والمذهبي، إنما وللأسف الشديد يصل حتى لإختلاف الأذواق أحيانا ..!!

الكثير منا –وللأسف- لا يتمكن أبدًا من فهم الإختلافات هذه، ويقصر نظره عن الرؤية التعددية للأشياء، ولا يتمكن حتى من التعامل معها بشكلٍ عقلاني متزن، لذلك تجده قبال أي دعوة لفهم الآخر المختلف واحتوائه ينجر للتطرف لفكرته فورًا، يبتكر الجدل، ويخلق المبررات، ويستعين بأي شيءٍ قد يدعم رأيه أو فكرته أو ذوقه، وكأنه وحده من تسلّم الوحيَ الذي أملى عليه ما يحمله حاليا من أفكار.

حتى يكون من أصعب ما يمكننا أن ندعوا له في مجتمعنا هو أن نقبل الآخرين على ما هم عليه، من أفكار، آراء، أذواق، وجهات نظر، وغيره ..
وتعدُّ الدعوة هذه كلامًا إنشائيًا، بعيدًا عن إمكانية التطبيق، لا لشيء سوى أن الداعشية الفكرية أصبحت سمة بارزة!


في تصوري أن الفرقة الناجية التي يبحث عنها الجميع، من يؤمن بوجودها ومن لم يؤمن، لم تَدعُ يوما لبث الفتنة ولا لمحاربة أفكار الآخرين وقمعها، ولا بمحاكمة النوايا والضمائر، بل كانت تدعو دائمًا للألفة والتسامح والأخوَّة، نحن وللأسف نغفل عن الكثير مما يحث عليه الإسلام الذي نبحث عن فرقته الناجية، بينما نركز على قشريات أو جزئيات الأمور لنكفر بعضنا البعض من خلالها!

 وحيث أن الرواية هذه تكررت  بأكثر من صياغة لذات المضمون، فإن مدلولاتها لا يمكن أن تكون داعية لرفض الفرق الأخرى، ولا يمكن أن تهدف لتكفير هذه الفِرق على حساب الفرقة الناجية، فالفرقة الناجية هذه لا يمكنُ أن تُعرفَ تحديدًا قبل يوم الظهورِ أو القيامة، ولا نملك إلا أن ندعوا الله أن يجعلنا من الناجين، ويثبتنا على دينه القويم، وسراطه المستقيم.

سأختم مقالي بسؤالٍ لا أنتظر إجابته، وأتركه للتأمل ..
كم عدد الغاضبين لخلو الكثير من المساجد في  فترة صلاة الصبح..
وكم عمر الصراع بين أتباع المرجع الفلاني .. والمرجع الآخر؟!

بالإجابة على هذا التساؤل، يتضح حجم المشكلة الحاصلة ما بين الفرقة الناجية .. ومن يدعي الانتماء إليها!


16 مايو 2015

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها (29) "رُؤى من القرآن والعترة (10)/ أطروحة التوافق -2-" / محمد علي العلوي

نَقْدُ الثقَافَةِ أكْثَرُ مشَقَّةً مِنْ نَحْتِ الجِبالِ قُصُورًا للسَلَاطِين....

يتشكَّلُ المجتمعُ من تيَّارات تُكوِّنُها توجُّهات ثقافيَّة وفكريَّة وعقائديَّة، يبقى بعضُها شتاتًا لا يشغل أكثرَ من مساحات المجالس وبعض الأعمدة المقالية، ويتطوَّر بعضٌ آخر في تنظيمات تتدرَّج من مجرَّد التقاءات تؤطرها التواقعات الثقافية، إلى تيَّارات أكثر تنظِّيمًا، فأحزاب قد تكون رسميَّة مُعلنة، وقد تكون سرِّية متوارية.

يخضعُ المجتمع إلى سلطة نظاميَّة، ربَّما كانت لأحد التيارات الموجودة، وربَّما تكون لتنظيم طارئ على المجتمع، وفي جميع الأحوال فإنَّ الدولةَ "هي تجمُّع سياسي يؤسِّس كيانًا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدَّد، ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة" (تعريف الدولة – موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية).

حاول المجتمع الفرار من تحكُّم السلطة الواحدة واستبدادها بالمواقع السيادية في الدولة، فابتكر أطروحة (الدولة المدنية)، وهي: "دولةٌ تحافِظُ وتحمي كُلَّ أعضاء المجتمع بغضِّ النظر عن انتماءاتِهم القومية أو الدينة أو الفكرية" (تعريف الدولة – موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية)، وبالتالي فهي نظام يحكم على أساس نفي أيِّ موقف يبتني على أُسس قومية أو دينية أو فكرية، وبذلك فإنَّه لا مكان للتوجهات القومية أو الدينية أو الفكرية في المنظومة السياسية للدولة؛ وتوضيح هذا البناء: إنَّ الدولة القومية مالم تلتزم مبانيها القومية في منظومة الحكم فموضوع القومية حينها سالب، وبالتالي فهي ليست دولة قومية، وكذلك الدينية وغيرها من التوجُّهات الفكرية الواضحة.

وبعبارة أخرى: الدولة المدنية تقوم على فصل وإبعاد كُلِّ ما يميِّز بين المواطنين عن دستورها السياسي الحكام، وعلى رأس القائمة تأتي المباني القومية والدينية والفكرية، مع المحافظة عليها في مساحات بعيدة عن السياسة العامة نظرًا وعملًا.

نصل في المحصِّلة إلى أنَّه لا خيار للقوميِّ في الدولة المدنيَّة غير التخلي عن نظرياته في الحكم، ومثله الديني، وصاحب كل توجه فكري معين، ولا تمام في المقام إلَّا لصاحب نظرية (الدولة المدنية)!

نعم، هي تحمي القومي حماية مشروطة بعدم ممارسته لمبانيه القومية على المستوى السياسي، وهكذا مع الديني والفكري، وإلَّا لبطلت أسُسُها المدنية.
بعد قيام الأسُس العامة للدولة المدنية، فإنَّها تعتمد تكوين سلطات سياسية من نفس الشعب، ولذلك يقولون فيها بأنَّ (الشعب مصدر السلطات)، ومن أبرز مظاهر هذه العملية التداولية، اعتماد الانتخابات الحرَّة محورًا ثابتًا تدور عليه رحى الدستور المدني العام.

الانتخابات هي عملية تسليط الأضواء على شخصيات معيَّنة يتوجه لها المُنتَخِبُون بأصواتهم في ضمن نظام تصفية يصعد بواحدة أو أكثر إلى المناصب الشاغرة، فيكون صعودها بإرادة شعبية –كما يُعبِّرون-، غير إنَّ الذي أراه خلاف المُدَّعى!

فلندقِّق قليلًا..

تتوزع أصواتُ المُنتَخِبين على عدد المُتَرشِّحين، ثُمَّ إنَّها تتوزع ثانية على المجموعة التي تجاوزت الدور الأول، وفي الغالب يصل إلى المنصب المقصود من (لم ينتخِبه) أغلب المُنتَخِبين، ويتكرَّر هذا الأمر في مختلف الأشكال الانتخابية، ثمَّ يقال، وعن قناعة تامَّة، بأنَّه وصل إلى منصبه بإرادة شعبية!

في الواقع، لا يملك الناس غير التسليم لهذه العملية (الانتخابية)، بل وأكثر من ذلك حالة الطرب والانتشاء التي تقترن بها، فالأجواء تبعث على مثل ذلك؛ حيثُ الصور التي تملأ الشوارع، والمهرجانات الخطابية، واللقاءات والتغطيات الإعلامية، وغير ذلك من ظروف تنافسية تجعل من الانتخابات متعة تُوصف بـ(العرس)، ولست في مقام الاستهزاء أو السخرية على الإطلاق، ولكِنَّ العملية الانتخابية تعتمد في بعد من أبعادها الثقافية تقنيات التعامل مع سايكولوجية الجماهير.

الانتخابات معتركٌ سياسيٌّ يفتح الأبواب أمام مسوِّغات كبرى تتقدَّم ما يوفِّر الأصوات بأي ثمن كان، ولستُ في مقام الاستطراد بشواهد وأدلة مقدورة بالتتبع للقارئ الفطِن، ولذلك فإنَّني أنتقل مباشرة إلى القول بعدم صلاحية الانتخابات بجميع أشكالها، وأعلم جيِّدًا بأنَّ الأمر في حاجة إلى زيادة بيان وبسط، ولكنَّني أحجم عن ذلك لمصلحة مناسبة قادمة إن شاء الله تعالى.

• إشكال:
عندما ترفض الدولة المدنية الممارسة السياسية للقومية والدينية، فهذا أمر طبيعي؛ إذ إنَّ القومي أيضًا إذا ما كان الحكم بيده، فإنَّه يحافظ على منظومته السياسية برفض التدخل السياسي المبني على أسس دينية أو (مدنية)، ومثله الديني.

الجواب: إذا كان الأمر كذلك، فلا مُرَجِّح لتقديم الدولة المدنية على غيرها، بل قد تُقدَّم غيرها بالمُرجِّح المفقود في حال ثبوته.

• ما هو نِظام الحكم المفترض؟

أطرح هنا نظريتين، أُولهما النظرية الإسلامية العامة، وأقول (العامة) فرارًا من التفصيل في قرابة العشر نظريات يتبنَّاها فُقهاء المدارس الاجتهادية الإسلامية، ومنها حكومة الدولة المدنية المشار إليها، ولكن ببعض التعديلات، فمن أراد فليراجع بعض الكتب الفقهية المتخصصة في فقه السياسة وأنظمة الحكم.

وكيف كان، فإنَّ الإسلام يعطي الولاية المطلقة للفقه عن طريق الفقيه صاحب الولاية المطلقة، وبعضٌ لا يراها ممكنة في غير المعصوم (عليه السلام)، وبالتالي فهي تضيق بحسب ضيق ولاية الفقيه؛ وذلك لقصوره عن تحمُّل سعتها، ولكِن هناك من يراها في الولي الفقيه المعيَّن من مجلس خاص للخبراء القادرين على تعريف الأمة بالفقيه الأعرف والأعدل والأقدر على القيام بالأمر، وفي كلا الحالتين ليست الولاية للفقيه مستقلًّا عن الفقه، ولكِنَّها في الواقع للفقه من خلال الفقيه.

وينبغي الإطمئنان إلى أنَّ الفقه الإسلامي لا يستبدَّ بحكم على الإطلاق، ومثال ذلك عدم أخذه الزكاة من غير المسلم، وإن وجبت عليه؛ فهي لا تصح منه لانتفاء شرط القربة –كما يفيد بعض الفقهاء-، وهذا على خلاف الضرائب المفروضة في الدولة المدنيَّة على الجميع!

وليس ببعيد عن الأذهان الموقف السياسي لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) مع من خرج عليه في صفين بمباني دينية فكرية يعلمُ هو بطلانها، هذا وهو الحاكم وله ثوابته في منظومة الحكم، ولكِنَّها لا تكون على حساب الإرادة الشعبية؛ إذ إنَّه لا معنى لفرض الحكم أيًّا كان ما لم تتوافق عليه الثقافة السياسيَّة العامة.

قد يقال:

إذا كان الأمر كما تقول، فإنَّه لن يستقيم حكم على الإطلاق.

أقول:

تسيطر فكرة توحش المجتمعات على الثقافة العامة وبشكل عميق جِدًّا، ولذلك فإنَّ قمع المخالف خيارٌ استراتيجي تدَّعى له العلمية وتكتب لمصلحته البحوث المسوِّغة، ولكِنَّ الرؤية الإسلامية تقوم على محاربة الفتنة من جهة ورفض تجاوز الآخرين لأيِّ مصلحة كانت، كما وإنَّه يرى العقيدة محورًا لا يمكن التنكُّر إليه، فاليهودي -مثلًا- يهودي ومن حقِّه ممارسة يهوديَّته عباديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا وغير ذلك.

يقول الإسلام (لا يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ)، ويقول في قِمَّةٍ من قممه (الْيَوْمَ أُحِلّ لَكُمُ الطّيّبَاتُ وَطَعَامُ الّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ حِلّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)..

وقال عليٌّ (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر: "فإنَّهم صِنفان: إمَّا أخٌ لك في الدين، وإمَّا نظيرٌ لك في الخَلْق"، وكلُّ الأمان لأهل الذمَّة مقابل جزية يدفعونها، وكذلك لأهل الصلح أو الهدنة، والغريب أنَّ دعاة الدولة المدنية يستهجنون الجزية ويستنكرونها، ولكِنَّهما يعدُّون الدفع لتأشيرة الدخول والإقامة (حضارة ومدنية)!

فالتعامل الإسلامي يقوم على احترام العقائد في إطار الدولة السياسية، وليس نفيها.

ترفض (النخب) السياسية أطروحة النظام الإسلامي، ويبرِّرون رفضهم ببعض النماذج المخزية، وكأنَّ الذي يدعون إليه تُبرِزه نماذج ناصعة البياض، والواقع إنَّه أشدُّ خزيًا وأكثر ظلامًا، وزيادة على ذلك فإنَّ النظام الإسلامي شوهه التطبيق، ولكِنَّ النظام المدني يعاني الكثير في أصل قوامه، وهذا ما يحتاج منَّا إلى تأمل ودِقَّة.

وعلى أيَّة حال، فإنَّ الإسلام لا يفرض دولته لا بالقوة ولا بشيء غير القناعة، ولذلك، لا تقوم دولة الإسلام إلا من خلال إرادة شعبية حقيقية تطلق النواة وتروي التربة وترعى النبتة وتداري الثمرة، وما لم تتوفر على القناعة الشعبية الكافية، فإنَّها تكتفي بالفرد الواحد، وهنا الفرق بين العقلية الإسلامية الإيمانية، وبين غيرها.

ولكن، إن كان ولا بد من (المدنية)، فلتكن في طرحة (ديموقراطية حقيقية)..
قلنا في صدر المقال بأنَّ المجتمع يتشكَّل من تيَّارات تُكوِّنُها توجُّهات ثقافيَّة وفكريَّة وعقائديَّة، يبقى بعضُها شتاتًا لا يشغل أكثرَ من مساحات المجالس وبعض الأعمدة المقالية، ويتطوَّر بعضٌ آخر في تنظيمات تتدرَّج من مجرَّد التقاءات تؤطرها التواقعات الثقافية، إلى تيَّارات أكثر تنظِّيمًا، فأحزاب قد تكون رسميَّة مُعلنة، وقد تكون سرِّية متوارية.

ما أطرحه هنا، هو أن يُسجَّل الأفراد تسجيلًا رسميًا كل بحسب انتمائه، ومن ضمن الانتماءات جماعة (المستقلين)، ثم تقاس نسبة كل تيار أو حزب، ويُعطى مقاعد نيابية بحسبها، فيكون لكل توجُّه وجود واقعي في مجلس نيابي يمثل الشعب تمثيلًا حقيقيًا.

أمَّا الأفراد الذين يشكلون النسبة، فأمرهم راجع للجهة التي ينتمون إليها.
ومن جهة أخرى، فإنَّ التيارات والأحزاب تُلزَم باستعراض أدبياتها وأصولها الفكرية ونُظُمِها وخارطة أدائها بشكل دوري أمام جماهير الشعب، ثم تتاح الفرصة للانتقالات دون قيود على الإطلاق، وبهذا يكون التنافس فيما بينها تنافس ثقافي فكري بامتياز.

من خلال هذا التمثيل الواقعي يُصَاغُ نِظامُ الحُكمِ بعد تصدِّي المتخصصين لاستعراض مختلف الأنظمة وبشكل لا يتدخَّل فيه غيرُ العارفين بحيثيات كلِّ نظام ودقائقه، ومن هنا تنطلق الدولة ذات السيادة الشعبية الواقعية الواعية، ولن تحتاج في مثل مقامها لغير متحدِّث عن مجلسها المنتخب، مستغنية عن منصب الرئاسة الذي تكون ولايته لها مطلقًا من ولاية الدستور المصاغ عن علم ومعرفة.

لا شكَّ ولا شبهة في أنَّ المقام لا يحتمل التفصيل، هذا والحال أن الموضوع ضخم كبير، غير إنَّني أكتفي بهذه الخطوط العامة، على أمل أن يوفقني المولى تبارك ذكره للكتابة المفصلة في مناسبة خاصة.

ويبقى سؤالان أطرحهُما الآن وفي خاتِمَة كل حلقة من حلقات هذه السلسلة:

بأيِّ عينٍ وثقافةٍ ونَفْسِيَّةٍ ورُوحيَّةٍ نقرأ كتابَ الله المجيد وأحاديثَ المعصومين (عليهم السلام)؟

هل نحن على الطريق الصحيح أو أنَّنا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟

نلتقي في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى..
16 مايو 2015

مسلمون بلا إسلام ..! // إيمان الحبيشي



لستُ ممن يعتقد بالصحة المطلقة للعبارة التي يحلو لكثيرين ترديدها والاستشهاد بها: 
"إن في الشرق مسلمون بلا إسلام، وفي الغرب إسلام بلا مسلمون" حيث تضع هذه العبارة بلاد المسلمين وشعوبها، في قبال البلدان الغربية وشعوبها، في إشارة لاعتناق الشعوب الشرقية عامة والعربية خاصة لدين الإسلام دونا عن مبادئه وأخلاقياته، في حين تروج هذه العبارة لوجود إسلام يتربع بين جنبات سلوكيات ومبادئ الإنسان الغربي على الرغم من عدم اعتناقه له.  

وفي حين أني أقر آسفة بصحة وجود حالة من عدم إسلام المسلمين، لكني قطعا لا أجد أي درجة لصحة وجود الإسلام عند الغرب، وإن تلاقت المبادئ الإسلامية مع بعض ما تمارسه تلك الشعوب من احترام للوقت والعلم والعمل مثلا، إدراكا بقيمة تلك المبادئ واستثمارا لمردودها الذي يدركه الإسلام ويحض عليه. ذلك أنَ الكثير من الكوارث الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية تختبئ بين جنبات بعض المجتمعات الغربية، وتلقي بظلالها المأساوية على بقية الشعوب، أسوأها ربما احترام الإنسان الغربي لحقوق الإنسان الغربي فحسب، وتسلَط تلك المجتمعات على عموم مجتمعات الكون في محاولة لسحق كل خصوصية لتلك المجتمعات، من أجل فتحها كأسواق استهلاكية لبضائع الدول الغربية وإن كان عبر تدمير مختلف الشعوب في مختلف الحروب العقائدية والسياسية والجغرافية.

إلا أن المؤلم أننا نفتقد للكثير من روحية الإسلام ومبادئه داخل مجتمعاتنا، وفي أساليب وأخلاقيات تعاملنا. 

إنّنا مجتمع مبّتلى بالكثير الكثير من الأمراض الاجتماعية والنفسية التي جاء الإسلام مهذبا لها، ألم يخبرنا الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله من أنه بُعث ليُتم مكارم الأخلاق؛ (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

لقد طرقت الشريعة كل أبواب ودهاليز النفس الإنسانية، وكل دهاليز وممرات الحياة الاجتماعية، وذلك من أجل وضع الأطر الصحيحة للتعامل وصولا بالإنسان ومجتمعه لدرجات الكمال البشري والاجتماعي. معترفة بالحاجات البشرية والاجتماعية كاملة، محترمة وجودها مهذبة إياها، محافظة على إنسانيتها رادعة الإنسان من أن يتحول لحيوان بشري يلبّي حاجاته بكل أنانية، زارعة في الفرد روح المسؤولية الاجتماعية من خلال توضيح آثار السلوك الفردي على المجتمع، بل وإيقاع العقوبات على من يعرّض المجتمع لخطورة سلوكياته الفردية. لذلك فقد كتبتُ سابقا عما أعتقده من أن للعبادات على اختلافها "الصلاة-الصيام-الحجاب-الحج-الزكاة" أبعادا اجتماعية* لا بد وأن نفهمها حتى تنمو بين جنبات أرواحنا فلسفتها، فنُقبل عليها بروحيتها لا تسليما بكونها جاءت من الخالق الذي له علينا حق العبادة فحسب، بل لنُقبل عليها حبا في الله والإنسان والمجتمع. 

إلا أنه من الظلم أن نقف بالإسلام عند تلك العبادات لنحوّله لدين طقوسي جامد!

يقول رب العزّة (وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) مؤكدا على أهمية المحافظة عليها وأدائها صحيحة وبروحيتها، ومن أهم مصاديق المحافظة عليها – بعد شدة الاعتناء بإقامتها – هو اجتناب الظلم بأنواعه، بأن لا نعتدي ولا نغش ولا نخون ولا نكذب ولا نستغيب وأن لا نمشي بين الناس بالنميمة..إذ نكون بإرتكاب هذه الجرائم وأمثالها قد ضيعنا أجرها فإنه (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ)!

يدعو الإسلام لحسن الظن (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) لكننا نسيء الظن، ويدعو الإسلام لصلة الرحم لكنا نقطعها ونمزقها غير آبهين بوقعها في نفوس أصحابها، يدعو الإسلام للامتناع عن ذكر المسلم بما يكره في غيبته (وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) إلا أن ألسنتنا - وواأسفاه علينا - غارقة في الغيبة، يدعو الإسلام وبصريح العبارة بأن (لَا تَجَسَّسُوا) إلا أننا نستغرق ساعات طوال من يومنا ونحن نحاول معرفة (أمور لا شأن لنا بها عن صديق أو جار أو قريب) بل يتعمّد بعضنا بأن يزج كلمة جارحة في حديثه مع آخر ليكشف عما يراه عارا هازئا به مشهّرا بسيرته مسببا له الحرج بين الآخرين! يدعو الإسلام بأن (لا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ) الا أن لكل فرد في مجتمعنا لقب نناديه به، يستهزأ وبشكل مباشر بقدرته اللغوية أو سيرته العائلية أو خلقه البدني وإن كان فاقدا للإدراك لاحول له ولا قوة!

يقول تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) لكننا نُسقِّط ونُشّهر بمن يختلف معنا في رأي!  بل أننا وبكل تعجرف نُخرجه من ملة الدين على ذمة اختلافنا! يدعو الإسلام للستر : " مَنْ سَتَرَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" الا أننا نُصدق ما نسمعه فضلا عما ظننا أننا رأيناه ثم نسير بين الناس لنذيع ما صدقناه!

نحفظ أن الله قد ذكر في كتابه (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) إلا أننا ننسى أو نتناسى أن الله قد ذكر في ذات الكتاب بل وفي ذات السورة أن (فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ) وأن من صفات المؤمنين أنهم (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) لنقلب الوصف رأسا على عقب، لنرحم خصومنا وخصوم الإسلام، ونشّتد على بعضنا بعضا! 

نجتزئ من الدين ما يوافق رغباتنا، ونلقي في سلة المهملات ما يشق علينا ذلك أن الدين عندنا "دين يسر"! فيكتفي بعضنا بممارسة الإسلام طقوسا فارغة من محتواها، ويكتفي بعضنا بالعض على أهمية مبادئه - بحسب زعمه - ملق بعباداته في سلة المهملات، في حين أنّ الإسلام الحقيقي له جناحان لا يطير إلى ملكوت الله دونهما، أحدهما التسليم لله بالعبودية والصبر على طاعات أراد منا الله أن نؤديها إليه، وثانيها كف الأذى ف"المسلم من سلم الناس من يده ولسانه والمؤمن من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم" ولا يكون ذلك إلا عبر تطهير النفس وتزكيتها من الأوبئة النفسية كالحقد والحسد والغيرة والنميمة التي حملت الكثير منا للتسبب بكوارث إنسانية بعمق قلوب أخوة وأخوات لنا في المجتمع، أدت أحيانا لانعزالهم أو فقدانهم لحياتهم وعلاقاتهم وأحبتهم غير آبهين بخسارتهم، قد ملأ قلبنا الغرور والكبر وكأن الحياة إنما خُلقت حكرا لنا.

---------------------
المقال السابق بعنوان: 
الأبعاد الاجتماعية للواجبات الشرعية


16 مايو 2015

Saturday, May 9, 2015

الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها (28) - "رُؤى من القرآن والعترة (9) / أطروحة التوافق -1-" // محمد علي العلوي



نَقْدُ الثقَافَةِ أكْثَرُ مشَقَّةً مِنْ نَحْتِ الجِبالِ قُصُورًا للسَلَاطِين..

يسعى الإنسان للاستقرار، وللسلام والأمان، ولا يمكِنُ تصوُّرُ إنسانًا يسعى للتَّقاتل والحروب وسفك الدماء والاضطراب، ولكِنَّ المشكلة تنشأ مع بداية التفكير في الطرق التي من خلالها يتمكَّن من تحقيق ما يسعى إليه، ولأنَّ العقول متكثِّرة، والأمزجة متغايرة ومتعاكسة، فإنَّ الطرق تتبعها في تكثُّرِها وتغايرها وتعاكسها، ويتبع ذلك تكوُّنُ الجبهات المتقابلة، ومعها تنطَّلق شرارة التقاتل والحروب، وغاية كل جبهة هي الوصول بالبشرية إلى الاستقرار والسلام والأمان، وإن استدعى ذلك إشغال طائفة من البشر في قتال مستمر!

عندما يحصرُ الإنسان نفسه بين خيارين فعليين، فإنَّ القيمة الأخلاقية، والمبدأ الإنساني يغادر –غالبًا-، ومثال ذلك أن ينغلق على المواجهة مع الآخر وإلَّا فالهزيمة والذل، فإنَّه وسواء اختار هذا أو ذاك، لن يتمكن من مقاومة التبرير للوسيلة لمصلحة الغاية، ويدَّعي التزاحم الذي لا يُعالَج إلَّا بتقديم خيار على الآخر.. وهكذا تشتغل الدورة دون توقف، حتى تُعقِّدَ المشهد وتحجب عنه نور الشمس!

إنَّنا لو تصورنا تَغيُّر العقليَّة البرجوازيَّة ونزولها من التعالي، إلى حياة الإنصاف والرحمة وحبِّ الخير للآخرين، فهل ستكون للبروليتاريا دوافع (للثورة)؟

قَطَعَ المُنظِّر الشيوعي باستحالة تغيُّر العقلية البرجوازية، كما وإنَّه من الذل والخنوع أن يسكت العمَّال عن المطالبة بحقوقهم، ولأنَّ المطالبة لن تجدي مع عقليات طبقيَّة جامدة، فلا طريق إذن لغير الثورة (نقطة، نهاية سطر).

إنَّني أطرح السؤال التالي:

ما هو حجم الحوارات في القرآن الكريم، وإلى أيِّ مدى يذهب الحقُّ في محاوراته مع الباطل؟

بدأها الله تعالى مع الملائكة في حوار بنَّاء، وحاور إبليس الرجيم دون قمع ولا إقصاء من المعادلة، ثمَّ حاور آدم (عليه السلام) وأتاح من خلاله للإنسانية فرصة العودة إلى الجنَّة..

ومن هناك، انطلق الأنبياء والرسل (عليهم السلام) في حركة حواريَّة امتدَّت من ابني آدم (عليه السلام) إلى نبيِّ الرحمة (صلى الله عليه وآله)، ولم تكن الدماء فيها إلَّا في موارد خاصَّة، وتحت عناية المعصوم (عليه السلام) كما أشرتُ في مقالات سابقة.

تعتمِدُ السمَاءُ مبدأ الحِوارِ على طول الخطِّ؛ فالتغيير ما لم يكن ناشئًا من تحوُّلات ثقافيَّة عن قناعات واضحة، فهو ليس أكثر من جري مريض مهما تلوَّن وتشكَّل، وهذا ما تكشفه حادثة السقيفة بوضوح شديد..

أين أصحاب بدر وأحد والخندق؟ أين الَّذين ضحوا وبذلوا؟

ألم يكن أمرُ عليٍّ (عليه السلام) أوضحَ لهم من الشمس في رابعة النهار؟

في تصوري أنَّ التحولات في صدر الإسلام بَدَتْ ثقافيَّة، ولكنَّها في الواقع ذات مناشئ مصلحية برزت سافرةً مِنْ الشام في سُنَّة التوريث الأُمويَّة، وفي الجانب الآخر ظهر البعد الثقافي ناصعًا في خطِّ أهل البيت (عليهم السلام) والخواص من أصحابهم، وهو خط العناية بالفكر الثابت على مستويات العقيدة والفقه والأخلاق، ولذلك تدرَّجت مراحل البناء العلمي من التهذيب المعنوي في مدرسة الإمام زين العابدين إلى حلقات الدرس العظمى للباقر والصادق، ثمَّ المكاتبات والمناظرات حتى الإمام العسكري (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

هذا والحالُ أنَّ الحكم بقي في تقلُّبه بين أيادي الأُمويين ومن بعدهم العبَّاسيين، وإن تخلَّلتْ الأيَّامَ تداخلاتٌ تركيَّة وبويهيَّة وغير ذلك.

بقي أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) وأصحابُهم في شُغلٍ بالحديث وجمعِه والتفريع عليه والتدريب على منظومة التعاطي بين عامَّة الناس والفقهاء والمفكِّرين، ولم تتوقَّف منهجيَّة الحوار مع الآخر مهما كان؛ فالغاية هي إحياء العقول وبث الروح في الفكر.

هل نفعتْ هذه المنهجية مع الظالمين والطواغيت؟

سؤالٌ في مقام الجواب:

ولِمَ هذا السؤال؟

استطراد:

لا تُعرف صوابيَّة المنهج من نتائجه، وإلَّا لانتهت الحياة باكِرًا بقرار إلهي سماوي يقلب عليها سافلها، فالإنسان لم يزل في خُسر مع سبق إصرار وترصَّد، ولكِنَّ الله تعالى لم يقطع عنه نعمة العقل والتعقل، لعلَّه يستنقذ بها نفسه يومًا.

ولذلك، فإنَّ المنهجيَّةَ صحيحةٌ تمامًا، وليس العيب إلَّا في الإنسان الذي عجز عن احترام نفسه، غير إنَّ هذا العجز يعجز عن تغيير قيمة الحوار، ويعجز ثالثة عن استبداله بثقافة المواجهة الصِدَاميةَّ في غير مواطن محدَّدة ومقنَّنة بدقة عالية.

وبالرجوع إلى مشكلة الطبقيَّة نجد إنَّ الإنسان يدرك خطورة ما أقلق المُنَظِّرَ الشيوعي، ولذلك انطلقت العقول في صياغة مجموعة من النُظُم التي وجدها كفيلة بوضع حدٍّ للاستبداد والاستفراد، ومن جملتها نظام الانتخاب (الديموقراطية).

وهذا ما سوف أتوقف عنده في المقال القادم، قبل إقفال السلسلة بالمقال رقم (30) إن شاء الله تعالى.


ويبقى سؤالان أطرحهُما الآن وفي خاتِمَة كل حلقة من حلقات هذه السلسلة:

بأيِّ عينٍ وثقافةٍ ونَفْسِيَّةٍ ورُوحيَّةٍ نقرأ كتابَ الله المجيد وأحاديثَ المعصومين (عليهم السلام)؟

هل نحن على الطريق الصحيح أو أنَّنا في حاجة إلى مراجعات عاجلة وجادَّة جِدًّا؟

نلتقي في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى..


9 مايو 2015