Pages

Saturday, June 20, 2015

كن جميلا بين أمواج القبح / ايمان الحبيشي




الانسان كائن اجتماعي، مقولة نرددها ونؤمن بها، ولم أجد حتى الآن من يدعو لانكار هذه المقولة، او حتى للتشكيك من كونها حقيقة. الانسان كائن اجتماعي يولد ضمن اسرته، لينشأ بين أفرادها ومتى ما تمزقت تلك الأسرة كاد ان يتمزق هو، وتلك حقيقة تعج بها الكتب والابحاث والمقالات، بل هي قصص عايشناها من قريب أو بعيد.

يحتاج الانسان لأخيه الانسان، ليس ضمن مصلحة تجمعهما، بل ضمن مشاعر حقيقية تجتاح الانسان وتستقر بروحه، وتعد حاجات أساسية لا تستقيم روح الانسان الا عبر تحقيقها، فالرجل يحتاج لزوجة وصديق ووالدان وابناء كذلك، والمرأة تحتاج لزوج وصديقات ووالدان وابناء، وكلما ارتقت علاقة المرء بمحيطه مترفعة عن المصالح والاهواء والتنازعات، كلما حقق الانسان داخل محيطه درجة عالية من الاستقرار والانسجام النفسي والاجتماعي والاخلاقي والذهني، ليكون هذا الانسان عنصرا فاعلا في مجتمعه، اكتسب منه ويحلم ويسعى ليعطيه.

الاسرة هي العالم الأول الذي يعرفه الانسان، ليتوسع بعد ذلك ضمن سلسلة من العلاقات التي تكاد لا تنتهي، تبدأ بمحيط العائلة الكبير، فالجيران ضمن الحي الواحد والقرية الواحدة، فالزملاء والاصدقاء في المدرسة ثم الجامعة، فزملاء العمل والزوجة وأهلها ومحيطها، والعكس للزوجة أيضا، وفي خضم ذلك الكم من العلاقات، يكتسب الانسان خبرة اجتماعية كبيرة يترتب عليها نضجه الاجتماعي والانساني والاخلاقي والثقافي، ولا يكون مسؤولا عن هذا النضج ما اكتسبه الانسان من حب واحترام فحسب، بل أيضا هو حصيلة لتجارب مؤلمة قد يمر بها في جملة علاقاته، فالامراض الاجتماعية التي عالجها الاسلام ودعا لجهادها، موجودة بيننا ولطالما جرحت قلوبا طاهرة، بقصد او بغير قصد، فالنميمة والغيبة والنفاق والكذب والأنانية والحقد والبهتان والحسد وغيرهم، سهام وجهها الكثير من الناس تجاه مقربين منهم اما خبثا او ضعفا او جهلا.

ان الوجود ضمن سلسلة واسعة من العلاقات الاجتماعية، يتطلب درجة كبيرة من الحلم والصبر والمرونة المغلفة بالثبات وكذلك الحكمة، الحلم والصبر في مواجهة غضب الآخرين او سوء سلوكياتهم، المرونة في اكتساب حسن التعامل مع مختلف الأمزجة والنفسيات، والثبات على ما يحمله الانسان من صفات ايجابية اخلاقيا واجتماعيا، بحيث يكون ذلك الانسان ورغم وجوده تحت مرمى سهام تلك الأمراض الاجتماعية، قادر على ان يحتفظ بطهارته وصفائه، قادر على ان يحتضن حسن ظنه، قادر على ان يتشبث بابتسامته الصادقة وحبه للعطاء دون مقابل، كثير منا كان يحمل صفاتا ايجابية رائعة، ونتيجة وجوده ضمن علاقات اجتماعية لم يحسن اختيارها، أو لم يجد التعامل معها اكتسب منها سوءً فخسر شيئا من جماله لصالح فساد ذلك المحيط.

ان الانسان مخلوق غير ثابت، فهو يؤثر ويتأثر بشكل دائم، ولذلك كان هناك حرص في التوجيه الاسلامي نحو اختيار الصديق مثلا، اذ يقول الامام علي عليه السلام: ( قارن أهل الخير تكن منهم وباين أهل الشر تبن منهم) وكما ان هناك توجيه في اختيار الصديق، فان هناك توجيه أيضا في كيفية معاملته، حيث يوصي الامام الصادق عليه السلام: (ان اردت ان يصفو لك ود اخيك فلا تمازحنه "والمراد هنا المزاح الثقيل" ولا تمارينه "اي لا تدخل معه في جدال" ولا تباهينه "اي لا تستعرض وجاهتك عليه"  ولا تشارينه "اي لا تدخل معه في عملية قد تخلق بينكما شقاقا" ) الا ان الواقع يحكي عن الكثير من الصداقات والعلاقات التي آلمت أصحابها، فكم من المؤلم ان يعرف انسان كيف اغتابه آخر بهتانا! وكم من المؤلم أن يشعر انسان أن علاقته بآخر كانت من أجل مصلحة أنانية وبمجرد حصولها تنتهي تلك العلاقة! وكم مؤلم أن يشعر انسان بغيرة زميل له يحاول دفعه دائما من اجل اسقاطه والتقدم عليه؟! فهل يعني كل ذلك أن يبادل الانسان السوء بسوء؟ أو أن يعتزل الآخرين ويبتعد عن مخالطتهم؟!

ان وجودك في مجتمعك قد يتسبب لك بالألم حتما، لكن لا يزال هذا المجتمع بحاجتك خصوصا ان كنت ذا نفس سليمة قادرة على ان تصدر للآخرين حبا واحتراما ومواساة ووفاء، لا تستسلم لعيوب مجتمعك وكن أنت مادة التغيير، قابل الاساءة بحسنة، وجادل بالتي هي أحسن، وعلم الآخرين كيف يمكنك الربت على كتف انسان صفعك يوما، كلنا قادرون على التحول لوحوش كاسرة تجيد الانتقام ورد الاساءة بالاساءة، لكن البطل الحقيقي هو من يستطيع ان يحتفظ بانسانيته حتى لو وجد نفسه بين وحوش بشرية تحاول التهام جمال روحه مستسلمين لحاجات آنية تنتهي حتما في طرفة عين، ليبقى من كل ذلك (الجمال) الذي تركته انت مقابل قبحهم.

20 يونيه 2015

No comments:

Post a Comment