لن ينفعَ تشذيبُ الأشجارِ، إن كانَ الخللُ في أصلِ البذرة!!
فمهما شذَّبتَ، وقلمت أطرافها، سيبقى الدافعُ الرئيسي، والذي سيغذيها بالإعوجاجِ والخلل، يوصلها في كل مرةٍ لذات المشكلة!!
لذلك فإن كلَّ مشكلةِ لابُدَّ لها من تأصيلٍ قبل الشروعِ في حلِّها، كي يتسنى لمن يبحثُ عن حلِّها أن يتمكنَ من اجتثاثها من العمق، ولا يتعلق ببقاياها ويضمنُ عدمَ نموها من جديد ..
كذلك، الدنيا قائمةُ على نظام العلل، فلكل علةٍ معلول، - أيضًا- البحث في المعلولات وغض النظر عن العلل الأساس هو ما سيجعلُها تستمر في بث معلولاتها في كلِّ مرة، مما يجعل عملية المعالجه غير ممكنة ومضيعة للوقت، وهنا تكمن فائدة التأصيل هذه.
تعاني مجتمعاتنا على المستوى الخاص، والعام من الكثير من المشاكل التي تستمرُّ محاولات علاجها، بالمستوى الفردي والجماعي، وقد تُنشأ المؤسسات والجمعيات التي تجاهدُ في حل وعلاج هذه المشكلات، دون جدوى أو دون الوصول لعلاج دائم في أحايينَ كثيرة، والسبب غالبا سيعود لمحاولة علاج نتائج المشكلة ويتم غض الطرف عن المشكلة الأساس والمسببة لكل هذه المشاكل!!
الفقرُ مثلا، لو حققنا سنجد الكثير من المؤسسات الأهلية، والخيرية، وبعض الأيدي السخية تهتم بشؤون الفقراء، وتُخصص لهم أموالا يتم صرفها لهم بشكل جزئي أو دوري، أو ربما يتم تزويجهم أو تأثيث منازلهم. طبعا أعمالهم خيّرة، هم مشكورون عليها، ولكن .. هل مثل هذه المشاريع تعالج مشكلة الفقر تمامًا؟! هل إشباع بطن فقير سيُنهي معاناة جوعه؟! هذه حلول تخديرية وترقيعية مؤقتة، وسرعان ما سيعودُ الفتقُ من جديد وتعود المشكلة بشكلٍ أكبر؛ إذا فالبذل للفقراء لن يحل مشكلة فقرهم أبدًا، لذلك لابد من معالجةِ فكرة الفقر في أصلها ومن جذورها. وهناك العديد من الأفكار التي من الممكن أن تُولَدَ لو تمَّ التركيرُ على المشكلةِ الأساسية، كـ محاولة إيجاد فرص عملٍِ لهُم، أو تعليمهم حرفةً ما، أو توجيههم في سوق العمل لينطلقوا فيقضونَ على فقرهم بأيديهم، وغيرها العديد من الأفكار التي تعالج الفقر نفسه، حتى يُقضى على فقر الفقراءِ حينئذ.
الفقر في الفقرة السابقةِ مجردُ مثالٍ يمكننا استبدالهُ بالظلمِ، أو السرقة، أو أي مشكلة يعاني منها المجتمع، فالحديثُ هنا عن آلية وليست عن حالة بعينها، مهما عالجنا النتائج سنظلُّ نتعثر بالأسباب، وسنساهمُ في تضخمها!!
مجتمعاتنا -وكما أثبت في المقالات السابقة- تتعرضُ للعديد من موارد الغزو الثقافي، بالإضافة لمنابع التشويه الثقافي الداخلي، والذي ينتج عنه مجتمعٌ مليئٌ بالتشوهات، فتكون المشكلة المجتمعية هي الخلل الأم، المشكلة المجتمعية التي تكون في علاقات الناس مع بعضها، في تكافلها الاجتماعي، في عاداتها وتقاليدها، في ممارساتها وسلوكياتها، في علاقتها مع الله سبحانه وتعالى، ووووو..
إذ لا يصحُّ -على سبيل المثال - أن يُجتَهدُ في حلِّ المشاكل السياسية مع النظامِ في البلدِ، حين يعاني المجتمعِ من ألف مشكلة ومشكلة تساهم في تفريقه، وإضعاف سياسته بينه وبين نفسه، فإقواءُ المجتمعِ وحل مشاكله سيساهمُ قطعا في صنعِ مجتمعٍ متمكنٍ من حل كل مشاكله مع غيره، لاسيما النظام السياسي في الدولة أو المنطقة!!
لذلك لابدَّ من مشروعٍ متكاملٍ يبحث في مشاكل المجتمعِ، ويحلها قبل أن يشرع في حل مشاكل مجتمعه مع غيره، لا لشيء إنما ليواجه المجتمع أي مشكلة بقوة قادرة على تذليلها، فأي جماعة يملكون كيانهم الخاص القوي المتين، سيصنع لهم هذا الكيان هيبة من الصعبِ أن تُكسر، أو تُواجه، وإن لم تكن في موقع القرار بشكل مباشر !!
فكيف نحن.. و كيفَ يجب أن نكون؟ وما هي مواصفات المشروع الذي يمكنه حمايتنا من أي غزوٍ خارجي؟!
تابعونا ..
أبو مقداد ،،
16 مايو 2014
No comments:
Post a Comment