Pages

Thursday, September 25, 2014

عبث في خرائط النفوس (١) // إيمان الحبيشي




لم تعدّ (رياض الأطّفال) مجرَّد موقع يلجأ إليه أولياء الأمور لرعاية أطفالهم، بل صارت محطة يمر عبرها أغلب الأطفال قبل مرحلة الدراسة، وصارت دور رياض الأطفال تتفنن لاجتذاب أولياء الأمور ولحصد ثقتهم عبر تعدد مرافقها، ووجود معلمات أجنبيات لتعليم اللغة الإنجليزية، وتوفير أماكن للهو واللعب، وعبر حرصها على إقامة مختلف الفعاليات والرحلات الترفيهية، ولأن رياض الأطفال قطاع خاص يقوم على نفقة أولياء الأمور، فمن الطبيعي أن تتعدد تكاليفها، وفق ما تقدِّمه من خدمات في رعاية الأطفال، إذ أنه ونتيجة التطور السريع الذي يعيشه مجتمعنا، ونتيجة لدخول العديد من النساء لسوق العمل، صارت رياض الأطفال ضرورة ملحة للرعاية وللتعليم، وصدقًا تُقدِّم تلك الدور خدمة للأطفال وأولياء الأمور، إذا ما التزمت برعاية صحيحة وتعليم مبدع، إذ يبتعد الأطفال عن جو المنزل، ليختلطوا بجو أقرانهم في الروضة، فيتعلمون كيف يتفاعلون مع بعضهم، وكيف يتصرفون بعيدًا عن أمهاتهم وآبائهم. كما قد تكتشف بعض المعلمات مواهب وقدرات أولئك الأطفال، فتتم رعاية مواهبهم واستثمارها وشحذها واكسابها الثقة عبر إبرازها.
 
لكني أتساءل، هل تنتهي مسؤولية الوالدين على أعتاب باب رياض الأطفال؟ وهل تتوقف مسؤولية القائمين على تلك الرياض بمجرد أن يخرج الطفل من أعتاب الروضة؟ ماذا عن تلك الحلقة ما بين دخولهم لروضتهم وخروجهم منها؟ كم عدد أولياء الأمور الذين يتابعون بشكل حثيث حياة أطفالهم بالداخل؟ وبعيدًا عن الواجبات المنزلية والخطة الدراسية، تُرى كيف تتم معاملة أطفالهم؟ كيف تتم مكافئتهم إن أحسنوا، وكيف تتم معاقبتهم إن أساءوا؟
 
إن مرحلة رياض الأطفال، مرحلة دقيقة جدًا من مراحل نمو الانسان، إذ هي تختص بالفئة العمرية من أقل من ثلاث سنوات حتى ما يناهز السادسة، أي أن رياض الأطفال تُعنى بفئة عمرية وصف الامام علي عليه السلام صاحبها بأنه -أي الطفل- "ذو نية سليمة ونفس صافية" في إشارة لحقيقة الطفل. وهي مؤشر هام لأهمية مرحلة الطفولة، فذو النية السليمة والنفس الصافية، سيكبر ليكتسب من محيطه ما يحفظ تلك النية والنفس السليمة الصافية، أو ما يشوهها. يؤكد ذلك قوله عليه السلام في موضع آخر: "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، مهما أُلقي فيها من شيء قبلته". هل ندرك إذًا أهمية مرحلة رياض الأطفال على صغارنا؟ هل نراقب ما يُلقى في أرضهم؟
 
ربما تتمكن العديد من رياض الأطفال من إلقاء بذور محبة الله، ومعرفة محمد وآل محمد في نفوس أطفالنا، مما يعني زرع المحبة والصدق والحب والسلام والخير في نفوسهم، ذلك أن العديد منهم ورغم -الرقابة- يصرُّون على تثقيف الأطفال حول شخصيات تاريخية وعقائدية مهمة في رسم خرائط نفوس أطفالنا، ويقومون بذلك مشكورين رغم الضغَّط إدراكًا منهم لأهميتها في نمو شخصيات تقية قدوتها النبي محمد (ص) وأولاده (ع)، لكن على صعيد آخر يرتبط بالتعليم ولا ينفصل عنه إطلاقًا..
ماذا عن( المعاملة)؟!!! ..
 
بعيدًا عن تعليم الأحرف والأرقام والشخصيات، بعيدًا عن إقامة الفعاليات والرحلات والجولات، كيف تتم معاملة أطفال أعمارهم من ٣-٦ سنوات، حين يصرخون ويعاندون ويشاكسّون؟! أو حتى قبل أن يشاكسوا؟
سمعنا جميعًا عن روضة كانت تعذب الأطفال في عهدتها، فتربطهم وتمنعهم من الأكل. وقد روى الأطفال حوادث يشيب منها رأس الوالدين، وقد امتدت معاناتهم لأشهر قبل أن يكتشف ذلك والديهم!!
مخطئ من يظن أن تأثير تلكم الأشهر سيمسَح من أذهان أولئك الأطفال بمجرد أن تستبدل روضاتهم. هؤلاء الصغار هُزَّ شعورهم بالأمان في حين يقول (ع) :"من أخاف طفلًا فهو ضامن".
 
حسنًا تلك كانت حالة استثنائية، شخصيًا لم أسمع بغيرها في داخل مجتمعنا، لكن كم عدد الروضات اللاتي تسيء معلماتها معاملة الأطفال فيها، فتنهرهم باستمرار لأتفه الأسباب، وتصرخ عليهم باستمرار لأنهم مارسوا طفولتهم وعاشوا مرحلتهم؟ كم مرة حملت معلمة ما طفلًا من قميصه بقسوة، وجَّرته بكل إهانة، أمام مرأى أصحابه لتغير موقعه لأنه كان يضحك أثناء الدرس؟!! كم معلمة طردت طفلًا لم يتجاوز الرابعة من عمره من فصلها، لأنه رفض أن يمسك القلم؟! ماذا عن صفع طفل أو دفعه أو إلقاء شيء ما (مهما صغر حجمه) باتجاهه!! قد تكون تلك تفاصيل صغيرة جدًا يستهجن القارئ حتى مجرد الإشارة إليها، إلا أنني أقولها بكل ثقة، أنها ليست مجرد (تفاصيل) بل علامات ستساهم بشكل أو بآخر، في رسم تفاصيل شخصيات صغارنا، ثقتهم بنفسهم، شعورهم بالأمان، حبهم للتعلم، إقبالهم على اللعب والاختلاط بأقرانهم، وغير ذلك الكثير مما لا يتسع المقام لذكره.
 
الآن سأُعيد عليكم أسئلتي السابقة:
* هل تنتهي مسؤولية الوالدين على أعتاب باب رياض الأطفال؟
واضح جدًا أن مسؤوليتنا كأولياء أمور لا تتوقف أبدًا بل تتضاعف في الوقت الذي لا يكون أطفالنا تحت مرأى عيوننا. لنسألهم عن يومهم كيف كان؟ ولنمتلك جرأة سؤال المعلمة وإبداء الملاحظات على معاملة الطفل داخل الروضة بكل أدب واحترام، فشعورهم بمتابعة أولياء الأمور يلقي رقابة ذاتية، تمنع من انفلات الأعصاب، والاستهتار في مراعاة أطفال قد تُشكِّل مشاكستهم، عبئًا حقيقيًا على كاهل أولئك المعلمات.
 
** وهل تتوقف مسؤولية القائمين على تلك الرياض بمجرد أن يخرج الطفل من أعتاب الروضة؟
تبقى على منتسبي رياض الأطفال إدارة ومعلمات مسؤولية أخلاقية تجاه كل ما يعلق بنفسية وذهن الطفل، سلبًا أو إيجابًا، بسبب معاملة أو تعليم تلقاه داخل أسوار الروضة، وحمله لخارجها فأثرَّت في سلوكياته وتعاملاته.
 
لتكن رياض الأطفال وحدة متكاملة مع الأسرة، للدفع باتجاه تخرِّج أطفال سليمي النفس والضمير، ينطلقون بثقة داخل حدود المجتمع وخارج حدود الوطن. وأُذكركم ونفسي بحديث الامام علي عليه السلام: "ولدك ريحانتك سبعًا وخادمك سبعًا، ثم هو عدوك أو صديقك". وليعلم القائمون على رياض الأطفال أن أولادنا أمانة تركناها بين أيديهم ونعم المؤمن من ائتمن فلم يخن.**
 
_________________________________________________
** من الجيد الاطلاع على هذه الدراسة الوافية حول حقوق الانسان عند الإمام علي عليه السلام وفيها لمحات مهمة عن الطفل
  http://www.aqaed.com/book/595/10.html

No comments:

Post a Comment