عندما أتلفتُ يمينًا وشمالًا أجدُ غالبَ الناس يعيشون بلا أهداف، خصوصًا من هم في سن المراهقة أو الشباب، فتراهمْ لا يريدون سوى الاستمتاع بهذه الحياة، وفقط، وإن كانت لهم أهدافًا فلا تعدوا أن يكونوا مبدعين في رياضةٍ مّا، أو أن يمتلكوا سيارةً معينة، وهكذا، وهي ليست أهدافًا سامية كما ترون.
طبعًا لا أقول أنّ كل الشباب والمراهقين هكذا، لكنني أظن أن الغالب الأعظم هكذا، ولو ظاهرًا، وإلا فإن الكثير من شبابنا الكرام يمتلكون طموحاتٍ وأهدافًا راقيةً سامية، ولكي لا نحصرها في الشباب فإنّ الكثير من الكبار، من الآباء والأمهات، يعيشون مثل هذه الحالة، فلا يتجاوز طموحهم أن يوفروا الطعام والشراب واللّباس لأبنائهم، هذا وإن كان مهمًا إلا أنه لا ينبغي أن يكون أعلى سقف طموحنا وأهدافنا.
لو سألتني: ما هي الأهداف السامية؟
أقول لك: لست أنا الموكل بتحديدها، وإن كان بعضها عامًا، وأسماها وأرقاها عامًا، إلا أنّ تحديدَها مسؤوليتك أنت، وفي أطر معينة.
ما أدعو إليه، هو أن لا نجعلَ ما يفترض أن يكونَ من حاجاتنا طموحًا وهدفًا لا يليه في المرتبة شيء، بل يفترضُ علينا أن لا نتوقفَ عند هدفٍ وطموحٍ ما عندما نجد أنّ هناك ما هو أعلى وأرقى منه.
فعندما تكون طالبًا لعلم ما، لا تجعله متوقفا على تحصيل شهادة ما، تتوقف عنده من أجل أن تعمل مثلًا، فسنقول لك حينها: ثم ماذا؟
ما دمت قادرًا على الاستمرار والوصول لأعلى مراتب العلم، فما الداعي لأن تتوقّف؟ ومن أجل ماذا؟ من أجل وظيفة مرموقة! أم من أجل منصبٍ معين! أم من أجل الوجاهة!
هذا ليسَ هو المطلوب، ولا هذا هو الصحيح، بل عليك أن تسعى لأن تصلَ لأعلى المراتب العلمية، حتّى تكون في صف العلماء اللذين خلّدهم التاريخ، لمَا قدّموه من عطاء من أجل الإنسان، ولما قدّموه من تضحيات، وما بذلوه من جهد.
هذا مثالٌ فقط، وعليه فقسْ غيره..
إنّ بعضَ الطموحات قد تكونُ كبيرةً بالنظر إليها اليوم، ولكننا إذا استطعنا رسمَ خارطةٍ من الأهداف الصغيرة باتجاه هذه الطموحات والأهداف الكثيرة، فإنّنا سنجدها واقعًا أمامنا، فنجعل لنا أهدافًا كبيرةً جدًا، ونجزِّئها لأهدافٍ صغيرة، كأن يكونَ طموحُ أحدِهم أن يكونَ عالمًا في علمٍ مّا، فيبدأ بالمدرسةِ في مرحلتها الإبتدائية، ثم الإعدادية، والثانوية، وكلّها أهداف اجتازها حتّى وصل لمرحلةِ الدراسةِ الجامعية، ثم يتدرجُ من الدبلوم إلى البكالوريوس ثم الماجستير والدكتوراه، وتظل هذه أهدافًا - أسمّيها - مرحلية، ثم يكونُ عالمًا متمكنًا في هذا العلم والفن، وقد يكون هناك هدفًا أسمى أراده هذا العالم، وما وصوله لهذه المرحلةِ إلا هدفٌ مرحلي آخر، يسعى من خلاله لهدفٍ أكبر وأسمى وأرقى.
لا تؤجّل الأمر.. ارسمْ أهدافك الآن واعملْ على تحقيقها قبل فوات الأوان، فإنّ الخطوات الأولى تتمثّل في تحديد الأهداف، ثم التخطيط للوصول إليها، فإنّك إذا أردت أن تكونَ شيئًا، لا بدّ وأن تكون فكّرت فيه قبلًا، وتحرّكت باتّجاهه، بعد تحديد نقطة الوصول.
لا تستصعبوا شيئًا، فالأهداف الكبيرة تبدأ بعيدةَ المنال، لكنها تكون حقيقة في يومٍ مّا، فمشوار الميل يبدأ بخطوة.
٢٨ ذو القعدة ١٤٣٥ هـ
No comments:
Post a Comment