Pages

Friday, October 24, 2014

إلى أين // ز.كاظم


قال الإمام الصادق (علية السلام):العامل على غير بصيرة كالسائر على غير طريق فلا تزيده سرعة السير إلا بعدًا.
 
في كل أربعاء في تمام الساعة الثامنة صباحًا نحضر اجتماعًا للإنتاجية يستغرق حوالي النصف ساعة، يتم فيه مناقشة ما تم إنتاجه خلال الشهر ومدى توافقه مع معدل المبيعات، مع طرح المشاكل التي تواجه الإنتاجية وطرق حلها. ويتم حضور مختلف الأقسام في المصنع من خدمة العملاء، والمهندسين، ومسؤول الإنتاجية، ومدير الجودة ومديرة الموارد، وغيرهم..
 
جاء مدير المصنع -الجديد في منصبه الحالي- ذات أربعاء وقد كان صارمًا حازمًا وافتتح الاجتماع بإعلانه أنه لن تتم مناقشة الإنتاجية في هذا الاجتماع، وأنه ضاق ذرعًا بانخفاض مستوى الأداء وأنه سيكون صريحًا واضحًا ولن يقبل بمثل هذا الأداء، وعلى الجميع أن يراجع أداءه وأن يتحسن وإلا.. ثم قال كلمته الأخيرة بأن على الكل أن يأتي لمكتبه يوم الجمعة ليعلن عنده أنه معه في رفع مستوى الأداء، ثم خرج بسرعة غاضبًا.
 
خيّم الصمت على الجميع بعد خروجه، فقامت مديرة الموارد بإعلان تضامنها مع المدير وأنه محقٌ في كلامه وأنها معه. وبعدها وجهت مديرة الموارد بصرها لي على أن أقول كلمة معقبّة، فقلت: ليس لدي ما أقوله. انتهى الاجتماع وخرج الجميع من الاجتماع.
 
في خروجنا من الاجتماع كان بصحبتي مسؤول الجودة، فاقترحت عليه أن نذهب لمكتبي لمناقشة هذه الحادثة. أقفلتُ الباب خلفه، وسألته عن الرسالة التي استقاها من موقف المدير. فذكر أربعة أمور، 1) تحمل المسؤولية، 2) القيادة، 3) رفع مستوى الأداء، 4) المحاسبة. قلتُ له جميل جدًا، كيف ستحقق هذه الأمور؟ فبهت المسؤول ولم يحر جوابًا.
 
لم أستغرب تصرف المدير، لكني لم أعد أؤمن بمثل هذه الأساليب الإدارية العقيمة، وذلك للأسباب التالية:
 
1. أسلوب الهزة -الذي قام به المدير- لا يفيد بتاتًا إلا مؤقتًا، فما لم يُتبع بخطوات عملية، فإنه يفقد أثره بعد فترة وجيزة، بل أنه يُفقد المدير المصداقية في هذا الأسلوب بحيث تصل القناعة عند الموظفين أنها مجرد هبة ستخفت بعد هنيئة.

2. عندما تريد من الموظفين أن يرفعوا من مستوى أدائهم فأنت بحاجة إلى ثلاثة أمور أساسية: أولًا/ إيضاح مستوى أدائهم وتقييمه، وثانيًا/ وضع هدف (أهدافٍ) لمستوى الأداء المطلوب، وثالثًا/ وضع خطة عملية للارتقاء بهم نحو الأهداف المنشودة.
 
 
3. مستوى الأداء: عندما تقول للموظفين أن مستوى أدائهم متدني، فأنت بحاجة إلى توضيح هذا التدني، فالموظف في الغالب يظن أن مستواه جيد وأنه يقوم بأقصى ما لديه في توظيف مهاراته وخبرته وعلمه في أداء مسؤوليته. لا يكفي بتاتًا أن تقول للفرد مستواك متدني، إذ لا بدّ من توضح ماهية هذا التدني، وهذا لا يتم هكذا وبصورة جماعية على الكل، بل يحتاج إلى معلومات دقيقة ومتابعة لهذا الأداء. ومثالٌ على ذلك إذا كنت تقيّم مسؤول الإنتاجية فاللازم أن توضح له أن مستوى أداءه في الإنتاج اليومي أقل من المطلوب، وأن مستوى الجودة للمنتجات رديئة بنسبة كذا، وهكذا.
 
4. وضع أهدافٍ لمستوى الأداء المطلوب: بعد أن توضح للموظف مستوى أدائه تأتي إلى الأهداف ولنواصل مثال مسؤول الإنتاجية، فتضع هدفًا للإنتاجية اليومية، وتوضح له كيف تم وضع هذا الهدف وهل هو هدف معقول أم لا، ويتم فيه مقارنة الإنتاجية إزاء الهدف المطروح، وهكذا مع الأهداف الأخرى.
 
5. وضع خطة عملية للارتقاء بهم نحو الأهداف المنشودة: وهذه أهم وأصعب خطوة، فليس فقط المطلوب منك كمدير أن تضع الأهداف وتجلس تقيّم، بل المفترض في المدير الناجح أن يرتقي بمستوى موظفيه، ويعمل على رفع مستواهم المتدني، وذلك لا يتم إلا بمعرفة معوقات تدّني الأداء، فهل هي راجعة إلى قدرات المسؤول أم خبرته أم كفاءته، أم إلى عدم كفاية أو كفاءة الآلات أو عدم وجود قوة عاملة كافية أو تدني مستواها العملي، أو أو أو.. وبعد أن يتم معرفة تلك المعوقات فعلى المدير أن يضع مع المسؤول خطة لتجاوز تلك العقبات بحيث يستطيع المسؤول أن يرفع من مستوى أدائه. وهذه بالطبع عملية صعبة وشاقة لكنها مثمرة وعملية ومنتجة.
 
 
وهناك الكثير من الأمور اللازم اتخاذها من قبيل مراقبة مستوى الأداء للموظف على فترات، واخضاعه لدورات ترفع من مستوى كفاءته. من السهل جدًا الانتقاد فهي عملية لا تحتاج إلا إلى لسان في أدنى حدودها، لكن أن ترتقي بأداء الموظفين وترفع من مستواهم فذلك ما يحتاج فيه المدير إلى أكثر من اللسان.. طبعًا لم أعلم أن أحدًا ذهب إلى مكتب المدير يوم الجمعة ليعلن تضامنه معه (ربما قام البعض بذلك) وهو تصرف غريب جدًا، ماذا يعني التضامن، تضامن على ماذا وفي ماذا وإلى ماذا!!! ومر الأسبوع الذي بعده ولم يتغيّر شيء، وتلك سقطة لا شك أنها أفقدت بعض المصداقية لهذا المدير عند موظفيه، فسواء كان موقفه (التضامن معه) سليمًا أو خاطئًا، فمتى ما لم يتابعه ويحاسب عليه، فهو لا يعدو كونه هبة ريح أزالت بعض المصداقية من هذا المدير..
 
(طبعًا عند هذا المدير الكثير من المميزات الإيجابية التي ستجعل منه مديرًا ناجحًا يومًا ما، وما ذكرته من هذا الموقف مجرد موقف سلبي في قبال الكثير من الإيجابيات التي يتمتع بها)..
 
الشاهد من هذا الموقف هو ضرورة وأهمية معرفة الهدف -الأهداف- الذي نطمح له سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي، ومعرفة طريق السير إلى هذا الهدف، فبدون معرفته لا نعدو أن نكون مطايا لتحقيق أهداف الآخرين وعدم إحرازنا للبصيرة في السعي نحوه تزيدنا ابتعادًا عنه. من الجيد أن تعرف أين أنت، وإلى أين، وكيف الطريق إلى ذلك الأين.
 
 
25 أكتوبر 2014

No comments:

Post a Comment