من منا لم يسؤه أحد، بغير قصد أو ربما بقصد؟ من منا عاش كل حياته وهو يسمع كلمات الثناء والإطراء فحسب؟ من منا لم يجرحه إنسان عزيز أو حتى غير عزيز؟ من منا يجد أنه متفق مع الجميع؟ راض عن الجميع؟ من منا يعتقد أنه مثار إعجاب الكون كله؟
كلنا مررنا بمختلف محطات حياتنا لمواقف جرحتنا، كلنا سمعنا كلمات كانت كالأمواس تقطع نياط قلوبنا، مستحقين او غير مستحقين! حصاد زرعناه أو بَذْرٌ بَذَرَهُ غيرنا، لكننا نكبر ونعمة النسيان تلف إنسانيتنا، فننسى الجرح لنتعلم الدرس، ونتذكر الموقف لنحذر من ترِكَته.
الحياة يا سادة مدَّرسة تُعلِّم بالطريقة الصعبة جدًا، ونحن طلاب دروسها، لن يهنأ لنا عيش ما لم نستذكر تلك الدروس جيدًا، ناسين أو متناسين (شخوص) تلكم المواقف، الذين ما لم نكبر على إحراجهم وجرحهم سنكبر بينما هم يتضخمون أمامنا بقدر تضخم مشاعرنا السلبية تجاههم، وبينما يسيرون باتجاه حياتهم هانئين، سنقف حيث نحن نستذكر تلك الصفعة التي ربما اعتقدناها صفعة!!
قد يكون من الطبيعي أن يقف الإنسان عند موقف أثَّر في نفسه بشدة، في طفولته أو أثناء اتجاهه لمرحلة الشباب. وقد يكون ذلك الموقف سببًا لتطور الإنسان أو تراجعه، وقد يكون سببًا لمرحلة عداء طويلة جدًا جدًا تمتد لأجيال، ويدفع ثمنها الصغار. كل ذلك وإن لم يكن أمرًا محببًا إلا أنه أمر مشهود على مدى أزمنة المجتمعات. لكن الغريب أن يحمل أحد ما كمية حقد بمقدار مجرة بقلبه تجاه أحد، أو جماعة، أو مجتمع أو قومية ليس لموقف شخصي بينهم، ولا لعداء عائلي معهم، إنما لاختلاف عرقي أو سياسي أو اجتماعي أو مذهبي.
منذ أيام فقط، فتح شخص - نجهله اسمًا ورسمًا - النار على الآمنين بمنطقة الإحساء السعودية، أطفال وشباب ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، قتلهم دون أن يعرف لهم اسمًا أو رسمًا، قتلهم دون أن يسيء أحدهم الأدب تجاهه أو تجاه أهله أو عشيرته، قتلهم لأنه يختلف عنهم ومعهم، قتلهم لأن قلبه شحن بالمشاعر السلبية على أثر الاختلاف المذهبي بينهم!
كمية كبيرة من مشاعر الكره والحقد، غيَّبت إنسانيته، وربما لو عاد الزمان عليه لعاد لفعلته غير آبه بالقلوب التي حرقها حزنًا على فقد فلذات أكبادها، دون أن ينظر لطفولة أحدهم أو حتى لكون أحدهم من ذوي الاحتياجات الخاصة!! قد أستغرب لذلك وتستغربون، لكن كل من حفر بقلبه بئرًا سحيقًا ليردم داخله المخالفين معه على إثر خلاف شخصي أو مذهبي أو عقائدي أو سياسي أو اجتماعي معرض ليفقد زمام إنسانيته في لحظة، وحينها قد تكون الرصاصة التي تقتل ذلك الإنسان حلم حياته الذي ربما لم يجرأ ليُقدم عليه، إلا أن تماديه في حفر ذلك البئر قد يوصله لتلك المرحلة حين تطعَّم مشاعر الحقد بلحظة غضب أو تهور.
ترى هل يتمكن الإنسان من نزع ما بقلبه من حقد أو كره أو حتى مجرد غضب على إنسان آخر آذاه، فضلًا عمن لم يؤذه؟! ماذا لو برمج الإنسان نفسه على محو أسماء الشخوص ذات المواقف السلبية من حياته، محتفظًا بدرسهم، حاملًا باعتباره جرحهم له، ليمضي في حياته غير آبه أتألموا كما آلموه أم لا؟!
إن مفردة (القلب الأسود) ليست مجرد مصطلح نكرره، بل تشبيه بليغ لواقع إنسان لم يحترف فن النسيان، ولم يُلقِّن روحه ملكة استخدام القدرة على عدم الاكتراث بوقتها المناسب، ولم يغذي قلبه بالحب لنفسه، حب الإنسان لنفسه للدرجة التي يخاف فيها عليها من أثر مشاعره السلبية تجاه الآخرين حين تسكن قلبه، حب الإنسان لنفسه حتى لا يرضى منها أن تشغل جوارحها بتتبع أعمال ذلك الإنسان الذي آذاه أو اختلف معه أو ربما استفز قلبه من حيث يدري أو لا يدري.
إن للحياة على هذه الوسيعة منهجٌ، منهج يقوم في أساسه على الحب، حب الله، حب النفس، حب الحياة، حب الإنسان، حب المجتمع، حب الإنسانية، وإن الحياة وفق هذا المنهج عادة ما تكون عامرة بالنجاح والشعور بالرضا، مليئة بالإحسان، بعيدة عن الإساءة، ذلك أن الإنسان ينطلق باتجاه الآخرين من منطلق إيجابي، فتتسع مداركه، ويتسع صدره، فيسهل الاختلاف معه في الرأي والأسلوب والرؤية، وتحلو معه روح التنافس والتسابق والإنجاز، وتشيع معه لغة الصدق، ويندفع معه الإنسان باتجاه الأمام دائمًا دافعًا أمامه المجتمع ممسكين بيد الإنسانية متجهين نحو الكمال لله.
لفتة: الحياة على نفقة الحب.. أيسر.
8 نوفمبر 2014
No comments:
Post a Comment