Pages

Friday, November 7, 2014

المعرِفةُ .. قَلعةُ العُقول // أبو مقداد

 
 

يختلفُ ذكرُ المعصومين لأجر زائر الإمام الحسين عليه السلام، فبعض الروايات تنصُّ على أنَّ لزائِر الإمام الحسين أجر حَجَّةٍ وعُمرة، والبعضُ الآخر يتكلم عن  100 حَجّة، وبعضَهم يتكلمُ عن غُفرانِ ما تقدَّمَ وما تأخرَ من الذنوب، وبعضهم يضمنُ له الجنّة، وبعضهم يُزيد، وبعضهم يُقِل، بل وبعضهم يذهب لأبعد من ذلك بكثير، فيقول الإمام جعفر بن محمدٍ الصادق عليه أفضل الصلاة والسلام"مَن زارَ جدِّيَ الحسين كمن زارَ الله في عرشه" *


إنَّ المعيار الذي يُحدد قيمةَ عملٍ ما هو إيمانكَ ومعرفتكَ به، فيقولَ عليُّ بن موسىٰ الرِّضا عليه السلام: "من زارَني في غُربتي عارفًا بقدري وقفتُ له ثلاثَ مواقفٍ يوم تتطايرُ الأوراق... "
هم يؤكّدونَ على أن شرطَ الحصولِ على أجرِ الزيارةِ المذكور هوِ مقدار المعرفة به ليُصيغو لنا رسالةً نفهمُ منها أننا لا بد لنا من معرفة ما نقوم بهِ لنصلَ لغاياته.. الأمرُ ينطبقُ حتى في الواجباتِ الشرعية كالصومِ والصّلاة والحج والزكاة وغيرها من الواجبات التي لا خلافَ عليها. فكما إن زيارة الحسين بدون معرفته ستحقق أجر زيارته فقط، فإن الصلاة بدون معرفتها حقًا ستحقق أجر أداءها لا أكثر، وأن كل الآثار التي تترتب على المعرفة بماهية وفلسفة الصلاة لن تُنال.. فلا يمكن أن تنهى الصلاةُ أحدًا عن الفحشاء والمنكر إن كان يؤديها بلا ادراكٍ، وينقرها كنقرِ الغراب!!
فلا بد لكل فردٍ منا أن يفهم ويعي ويدرك ماهيّة كل عملٍ يقومُ به مهما كبرَ أو صَغر.. حين نؤكد على أهمية معرفتنا جميعا بالسلوكيات التي نقوم بها والأفكار التي نؤمن بها قد تواجهنا مشكلة أن (إذا كانت لا فائدة من ما نقوم به من أعمال إن لم نعرفها، فلماذا نقوم بها؟)
الجوابُ هوَ أنه صحيح لا فائدة ولا أثر معنوي ولا مادي لهذه الأعمال إن لم يعرفها من يؤديها، لكن المستحبّ منها يُحصلُ على أجر القيام به، والواجب منها يُحتسبُ أجرَ أدائه، وتركه يُعتبرُ معصيةً يؤثم عليها، لذلك - حسب رأيي - أن كلَّ فردٍ مؤمنٍ فينا، لا بدَّ له من أمرين متلازمَين: الأول هو المواظبةُ على أداء هذه الأعمال، سواء أكانت مستحبّة أم واجبة، ثم المبادرة لمعرفةِ ماهيّة وفلسفة وما وراء هذه الأعمال.. فالصلاةُ والحجُّ والصّيام أعمالٌ واجبٌ علينا الإلتزام بأدائها بشروطها وتفاصيلها، هذه المرحلة الأولى، لكن المرحلة الثانية والمهمة جدًا أن نعرف لماذا نصوم ولماذا نصلّي ولماذا نحج؟ وما هي الصلاة وما هو الصيام وما هو الحج؟ حتى يكون عملنا هذا متكاملًا عن معرفةٍ ويقين.
هذا بالنسبةِ للأمور الواجبة، أما في أمور الحياة الروتينية والاجتماعية بتفاصيلها الكثيرة، فنحن لا نتعامل مع واجبات لا يمكن رفضها والتسليمُ لأدائها ثابت، بل نتعامل مع آراء وأفكار عديدة من مختلَف التيارات والتوجهات، وقد نصادف في كل يومٍ مجموعة من الآراء والأفكار والثقافات الغير منتهية والغير محدودة، ولا يمكننا التسليم بها فور سماعها قبلَ أن نعرف ماهيتها وأصلها وما وراءها، أيًّا كان قائلها، فكل ما يمر علينا لا بد من معرفة ماهيته والتحقيق والتدقيق فيه قبل قبوله والعمل به، فقبوله فورَ سماعه هو استسلام لتفكير الآخرين وتعطيلٌ للعقل، وثغرة تسمحُ لأي غزوٍ ثقافيٍّ أن يعيثَ فسادًا في العقل، من دون أيّ رادع!
 
لهذه النظرية تطبيقاتٌ عملية غير محصورة، وفي جوانب وتخصصات عديدة وغالبة، نتطرقُ هنا لتطبيقٍ مهمٍ من التطبيقات التي لا بد من تطبيق مثل هذهِ النَّظريات عليها، ألا وهي الحالة السياسية، فحين يتخذَ الإنسانُ لهُ قائدًا سياسيًا، فإن هذا القائد السياسي، وإن كان اختياره يتم عن ثقة فيه وفي حكمته ودرايته وقراءته للواقع السياسي بشكل ممتاز، إلا أنه لا بد من مراجعةٍ مستمرةٍ لأدائه، ومُساءلةٌ دائمةٌ له عن قراراته. هناك قوتان متبادلتان في المسألة.. قوةُ القائد، وقوة الجماهير:-


أولًا: إن تسليم الجمهور للقائد وعدم مساءلته وتقييمه المستمر، قد يجعلهُ يمرر أي فكرة وقرار بدون عناية حيث أنه يضمن أن جمهورهُ سيمرر ويبرر له هذا القرار بسبب تسليمهم المطلق له، ومهما أخطأ، سيظلُّ منزهًا عن أن يراهُ جمهورهُ مخطئًا!
ثانيًا: سيستمر هذا الجمهور في لاوعيه، وسيستمر القائدُ في عدم اكتراثه بمساءلة جماهيره، مما سيفقدُ القائد قوتهُ كقائد بسبب ضعف وعي الجماهير، فلا يمكن أن يقود أسدٌ نعاجًا وينتصر بهم أو تؤثرُ قوتهُ عليهم، ويفقد الجماهير قوتها بسبب ضعف قيادتها فالعمليةُ متبادلة، وكل طرف فيها يؤثر بشكل مباشر على الآخر.


هذا مثالٌ تطبيقيٌّ في الجانب السياسي، وفي كل جوانب الحياة، لا بد لنا من معرفة كل ما سنقبلهُ أو نرفضهُ قبلَ الاتيانِ بهِ - ما عدا الواجبات الشرعية طبعا نحتاج أن نعرفها بعد الامتثالِ لها كما ذكرنا سابقًا - وإهمال هذه المعرفة تجميدٌ بل قتلٌ للعقل وهي القوة الكبرى والسر الذي أودعه الله في الإنسان.
 
 
8 نوفمبر 2014
_____________________________________________________
* http://www.alseraj.net/alseraj1/zayarh.htm

No comments:

Post a Comment