Pages

Friday, December 26, 2014

المؤسسات الإسلامية والمسؤولية الثقافية - 2 // أبو مقداد

 
 
" عندما يكونُ المسجد نقطة انطلاق"
 
تحدّثنا في المقالِ السّابق* عن نشوءِ فكرة المسجد والمؤسّسة الحُسينيّة، وانتقدنا فكرةَ اختزالُ المسجدِ والمأتمِ في أدوارِهم الأوّليّة فقط، كالاقتصار على الصلاة والموكب الحسيني، وإغفالُ الدور الثقافيّ المهم الذي من الممكن أن تنطلق به المؤسَّسة الإسلامية، ومن هنا ننطلق في هذا المقال بإذن الله تعالى.
 
في ظلِّ مَساحة الإنفتاحِ والحرية المُتاحة اليوم - وإن كانت محدودة - إلا أنّه بإمكاننا استثمار هذه الفسحة بشكلٍ ايجابيٍّ جدًا، ربما سيمكننا الاستثمار لاحقًا من توسيع هذه المساحة بشكلٍ أكبر أيضًا لو أثبتنا جديّة وقوة هذا العمل الحثيث.
 
من الظلمِ أن يكون المأتمُ - مثلًا - مركزًا للبكاء المستحبِّ على الحسين ولا يكون رافدًا لممارسةِ فكرهِ وقيمِه ومبادئِه، وكمؤسّسة خاصّة بالمذهبِ والطائفة لا بدّ أن نراها راعيةً رسميةً للعملِ الإجتماعيّ الثقافي في المنطقة. ولو اقتصرَ هذا على مستوى القرية فقط، فإنه تلقائيًّا إن لم يتّسع لاحقًا ستنتشرُ فكرته. في كلّ قريةٍ لدينا على الأقل مسجدين أومأتمين، ماذا لو اجتمعا لوضع خطة سنوية لإحياء هذه المؤسسات؟ كأن يكون مثل شهري محرم وصفر أشهر تحاريم وبدلًا من برامج اعادة العشرة التي تقام عادة، تقام مجالس خاصة على سبيلِ المثال تهتمّ بالحديث عن قيم الحسين عليه السلام؟! وفي شهري ربيع.. أن تتم فيها دورةً في أسس بناء العلاقات الزوجية ومهاراتُ إدارتها.. وفي شهري جمادى.. محاضرات عن النظام الاقتصادي في الإسلام.. وهكذا يتم تخصيص موضوع محدد لكل شهر يتم تناوله فيه.. أيضًا بالإمكان إثراء هذه المآتم مثلًا بحلقات تهتم بالقراءة والمناقشة العلمية.. دورات نقد بنَّاء.. أسس تنظير.. صالونات ثقافية واجتماعية.. والعديد العديد من هذه الأفكار التي لا تنتهي والتي يحتاجها المجتمع بأكمله، مع الإلتفات لأهمية احتواء جميع فصائل المجتمع العمرية والنوعية. ومن المؤكد أنه لو نجحت مثل هذه الفعاليات والأنشطة ستُحْدِث نقلة نوعيّة في المستوى الثقافي المجتمعي، وهذا ما يدفعنا للتأكيد على ضرورة الإلتفات لهذا النوع من المشاريع.
 
مشاريعٌ بهذه الكيفية المُمنهجة لا يمكن أن تنشأ من تلقاء نفسها، لذلك فهي تحتاج لكوادر عاملة مخلصة، تحتاجُ لأفكار ثرية ومنتجة. كما أن أهم ما تحتاجه هذه المشاريع، أحد المختصين أن يقوم بدراسة عامة لأحوال المنطقة، حتى يشخص أبرز المشاكل التي يعاني منها المجتمع، والنواقص التي يشكو منها، فتوضع خطة عمل على أساس هذه الدراسة، وتحديد الآلية المناسبة لبدء العمل، وتوزيع الأدوار والمهام بشكل مميز وسليم. المسألة لا تحتوي على الكثير من التعقيدات والعقبات حاليًا، إنما مجرد العثور على شارة البداية من قِبَل المتصدين كفيل بانطلاق المشروع، فنرى هذه المؤسسات الإسلامية في دورها الفاعل ومكانها المؤثر.
 
من المشاكل الكبيرة التي تواجه مشاريعنا الإسلامية، هي أنانية المشروع ..
فحين أقول أن المشروع الكذائي هو مشروع المأتم الفلاني؛ فيجب على القائمين عليه أن يعرفوا أنه عملهم هذا هو عمل للطائفة والمذهب والدين، لا عمل أشخاص أو اسم مأتم أو انجاز لعائلة، وأن ما يعود به المشروع، ينسب للدين لا ينسب للمتدين، ينسب للمأتم لا ينسب لعائلته. إذًا لا بد من التخلص من أنانية المشروع والتركيز على فكرته ونجاحه وهدفيته.
 
هناك بعض المآتم فعلًا بدأت في التحول من مآتمَ (عزاءٍ) لمراكز ثقافية عامة من ضمنها العزاءُ والمجالس الحسينية، وأثر جهودهم ملحوظة للمتابع، وتبقى عليهم اليوم مسؤولية إنجاح هذا العمل، وإيصاله لغايته المتكاملة. ولإتمام هذه الفكرة أدعوكم لقراءة مقال" لماذا لا تنجح مشاريعنا الثقافية "** ..
 
تطرقت في هذا المقال لنماذج أو اقتراحات لأفكار - على سبيل المثال لا الحصر - ممكن من خلالها تفعيل المؤسسات الدينية، في دورٍ أوسعُ مما هي عليه، مما يثبت لنا أنه من خلال هذه المساجد والمآتم يمكننا أن نؤسّس لقوّتنا المذهبية، القوة الفكريّة والثقافية والعقائدية التي نفتقدها. ومن أسوأ ما يمر بنا أن تكون هذه المؤسسات هي مراكز للخلافات والانشقاقات والصراعات المجتمعية، فتكون لنا - تلقائيًّا - مراكز ضعفٍ وتراجع في المجتمع.
 
لا بدّ من وقفةٍ جادةٍ لمراجعة أداء وعمل هذه المؤسسات، وبدء عملية البناءِ والتّنمية من عمق هذه المؤسسات وتفعيل دورها المهم الذي سبق ذكره، حتى تصل لكل فردٍ من أفراد المجتمع الشيعي في المنطقة على الأقل، وهذه مسؤوليةٌ يتحملها الجميع، وفي مقدمتهم المتصدّين لهذه المؤسسات وعلماء الدين.
 
 
27 ديسمبر 2014
___________________________________________________
* مقال " المؤسسات الإسلامية والمسؤولية الثقافية -1
http://ertiqabh.blogspot.com/2014/12/1.html?m=1
** مقال:" لماذا لا تنجح مشاريعنا الثقافية؟! "
http://ertiqabh.blogspot.com/2014/10/blog-post_22.html?m=1

No comments:

Post a Comment