Pages

Friday, January 2, 2015

القوة الذاتية الكامنة،، كيف نكتشفها؟ // أبو مقداد

 
 
يُحكى أن رجلًا عجوزًا حين شارفت أيام حياته على الانتهاء، جمع أولاده ليوصيهم.. فأعطى كل واحد منهم عودًا خشبيًا، وطلب منه أن يحاول كسره فكُسـِر، ثم أعطاهم مجموعة بسيطة من الأعواد فكُسرت بصعوبة، ثم أعطاهم حزمة كبيرة من الأعواد فلم تنكسر.. فقال لهم، هكذا أنتم أن تفرقتم سهُل القضاء عليكم، وإن اتحدتم لن تُكسروا.
 
قصة قديمة تكررت على مسامعنا، وفيها لنا حكمةٌ وموعظةٌ لا بد من استثمارها كما ينبغي ..
 
حين نكون كل فردٍ منا في المجتمع كالعود الخشبي يواجه الحياة لوحده، فمن الطبيعي أن ينكسر بسهولة عند مواجهة أبسط ريح، وطبيعي أن تفشل كل محاولات استقامة هذا العود.. وهكذا في المجتمع قد يفشلُ الأفرادُ  فتفشل مجتمعاتهم.. أو تفشل المجتمعات، فبالطبع يفشل أفرادها.
ينظمُ الإسلام عملية الأعواد هذه، فتارة يقول"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا .." وتارة يقول "كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته" ، وتارة يقول "مَن بات ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم".. وهذه التنظيمات الإسلامية تأتي لمنع مشكلة فصل الفرد عن الجماعة في المجتمع المسلم، فمصير الفرد، والمجتمع، والأمة كلها مرتبطٌ ببعضه، وقوة الفرد تعني قوة المجتمع والعكس صحيح.
 
الفكرةُ التي أحاول أن أطرحها هنا هي في بدءِ خطة اجتماعية على مستوى مناطقنا، وعلى مستوى الوطن، تمنحنا الاستقلالية، والارتقاء كطائفة على أكثر المستويات الممكنة. أعرف أن الاستقلالية التامة أمر صعبٌ جدًا، ولكن ما لا يُدركُ كله لا يترك جله.
ماذا لو وُجِدت لجنة أهلية همها حل مشكلات مجتمعها العالقة، كمشكلة البطالة.. فبدل أن يقف الشباب في طوابير المنتظرين لتكرم وزارة العمل بترشيحه لوظيفةِ نادلٍ في مطعمٍ وهو يحمل شهادةً جامعية، أن يسعى المجتمع لاستثمار شهادته وتوفير فرص عملٍ له من خلال تخصصه - طبعًا -. المسألة تحتاج لمساهمة كل فئات المجتمع من رجال دين وتجار ومثقفين ومتخصصين ومفكرين وما شابه، فلا يكفي هذا العاطل أن يُعطى مالًا ليسد جوعه ليومٍ أو يومين.. لا بد من إيجاد حلٍ جذري وفرصة عمل يقيه من الفقر والعوز والحاجة للغير.. طبعًا المسألة تحتاج لعملية ثقةٍ بين صاحب العمل وبين الموظف الجديد، كما إنها تحتاج لآلية بنائية تنموية تأهيلية، فوجود الموظف في الشركة لا بد أن يكون بدافع منحه الخبرة اللازمة والتأهيل المطلوب والدعم المناسب كي يكونَ ربَّ عملٍ آخر يساهمُ في خطة القضاء على البطالة في مجتمعه. وبهذه الطريقة نكون قد قضينا على الفقر لا على الفقراء فحسب.
هذا تصورٌ أوليٌّ يحتاج لدراسة جادة وخطة حقيقية ينطلق من خلالها المجتمع للقضاء على واحدة من أكبر المشكلات التي نعاني منها، في الوقت الذي نملك فيه العديد من التجار ورجال الأعمال.
 
هناك العديد من القضايا والمشاكل التي تنهك وترهق المجتمع، وإهمالها مجتمعيًا بدون محاولة جادة للبحث عن حلول لها، يزيدها عمقًا، ويضعف أو يعدم إمكانية استقلالية هذا المجتمع.. فحين يُفتقرُ للحل من الداخل فمن الطبيعي أن يلجأ الناس لمن يملك الحلول ولو كانت وفق حسابات غير صحيحة، وهذا ما يجعل العاطلين يقفون طوابيرًا أمام تكرّم وزارة العمل عليهم، أو يجعل غالبية أبناء الوطن تتوقف حياتهم على علاوة الغلاء الزهيدة!!
 
في المجتمع نحتاج إلى الكثير الكثير من المشاريع الخيرية والأفكار التنموية التي تضيف للشباب ارتقاءه. لا بد لنا من أن نُشكِّلَ من أنفسنا قوةً ذاتيةً عتيدة، لا تتمكن بسببها أي قوة أخرى أن تفرض علينا أسلوبها أو أفكارها.. من خلالها يقود المجتمع نفسه، ويستقل عن من سواه.
 
يقولُ الإمام علي عليه السلام "احتج لمن شئت تكن أسيره، واستغنِ عن من شئت تكن أميره" وهذه من أجمل القواعد التي تؤسس لنا فكرة الاستقلالية، ولن نتمكن من تحقيقها إلا إذا تكاتف المجتمع ككل في اكتشاف القوة الذاتية الكامنة لديه وتفعيلها كما ينبغي.
 
ما الذي يمكننا صنعه لتحقيقها؟
ما هي معوقاتها ؟
كيف نتغلب عليها؟
من أين نبدأ ولأين نصل؟
 
هذا المقال فكرةٌ موجزة عن فكرة القوة الذاتية الكامنة، وبإذن الله انتظرونا في مقال تفصيلي يجيب عن تلك التساؤلات في الأسبوع القادم بإذن الله.
 
 
3 يناير 2015

No comments:

Post a Comment