Pages

Friday, February 27, 2015

أبناؤنا أمانة // أم حسين


(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا).
 
أغلى النعم التي يهديها الله جل وعلا إلى عباده هي الأولاد، تزهو وتزدهر الحياة بهم.. تنشأتهم مسئولية عظيمة يجب أن تقوم على أسس سليمة، أولها المعرفة الصحيحة لعلة وجودهم.
 
يفرح الأبوان عند قدوم طفل جديد، فهو ثمرة ذلك الزواج، هو الامتداد والسند والذخر الكبير لأيام الكبر والمشيب، وفي غمار تلك الفرحة والحب الممتدان على مدى خط هذه العلاقة يغيب عن بعضهم الهدف الأكبر لوجودهم فهم أمانة حملتها يا أبن آدم على عاتقك، هدفهم كما هدفك خلافة الله في أرضه.

(خلافة الله في أرضه)، قد نشعر بعظمتها وضخامتها، ولكننا نستشعر عُمقها ودقتها حينما نشدُ أساسياتها  لأبنائنا ليرتفع عليها بنيانهم الصحيح في هذه الحياة..
نحن بكل ما نحمله من أفكار أسسها آباؤنا تحمل جوانب صحيحة وأخرى خاطئة حددت واقعنا الحالي.. اليوم نحن نقف في ذات المكان فالأدوار تتناوب. فمن الطبيعي أن نحاول عدم توريث أبنائنا الجوانب النفسية السلبية التي ورثناها، ورغم الحذر إلا أنها، تتوارث.. فالبداية تكون بتغيير ما في أنفسنا.
 
أبناؤنا أمانة..
 
من أكثر المشكلات التي قد تؤثر على الصحة النفسية للطفل وتلازمه طوال حياته، سلوك التمييز والتفضيل بين الأبناء، تختلف الأسباب المؤدية إلى هذا التمييز وعلى سبيل المثال لا الحصر (عمر الطفل) فيدلل الطفل الأخير ويحظى الأول بنصيب الأسد من الاهتمام والتشجيع فهو الفرحة الأولى ومحط آمال الأبوين، ويضيع بين دلال الأخ الصغير والاهتمام  بالأخ الكبير الابن الأوسط، فتتملك نفسه مشاعر سلبية تفقده الثقة في نفسه، فيشعر بالغربة في ذلك المنزل، وينطوي على نفسه.

آلمتني كلمات قرأتها لطفل هارب من بيته لا ذنب له سوى أنه احتل الترتيب الأوسط بين أخوته يقول:
 
(مذ جئت إلى هذه الدنيا وأنا أجد نفسي شخصًا غير مرغوب فيه داخل المنزل، وعلى النقيض من اخوتي عشت ساعات النهار والليل حبيسًا بين جدران حجرتي، لا أحدٌ يشعر بتعاستي الشديدة، وكلما وقفت أمام والدي يصفني بالكآبة والانطواء ويدلل أخي الأكبر وأختي الصغرى.. أهرب بعدها إلى وسادتي صديقتي الوحيدة التي تشهد دموعي من دون أن تتكلم وتعلم أنني أنتظر اليوم الذي أغادر فيه هذا المنزل الكئيب إلى آخره...)

كثيرة هي الدراسات التي دارت مواضيعها حول أسباب هذه الظاهرة المدمرة لنفسية الأطفال والممتد أثرها على مدى حياة ضحايا التمييز. وقفت على دراسة كندية طويلة قام بها باحثون من جامعة تورنتو وجامعة ماكستر ونشرت في مجلة تنمية الطفل (journal Child Development)، أثبتت بأن منشأ هذا السلوك هو التعرض لضغوظ نفسية كبيرة خلال حياة الأبوين كما وسبب آخر يفسر ذلك منشأ ذلك السلوك وهو افتقار معرفة الاختلاف بين شخصيات ونفسيات وقدرات الأطفال.
 
وأشارت إلى جانب مهم جدًا وهو أن معاملة أحد الأطفال بشكل سلبي وتمييز طفل عن آخر لا ينعكس بالسلب على الطفل الذي يعامل بشكل سيء فقط، ولكن تمتد آثاره حتى بقية الأطفال في العائلة.
 
كيف لا! فالأسرة بنيان واحد يشدد بعضه بعضًا فإن ضعف أحد أعدمتها حتمًا يتأثر الباقي. تحكي لي صديقتي وهي آخر العنقود فتقول:
 
احتوتني أمي بحب كبير طيلة سنوات حياتي، دللتني وميزتني عن باقي اخوتي، ورغم كل ذلك كنت أشعر بالوحدة فضريبة تمييزي كانت كبيرة ومؤلمة فقد فقدت صداقة اختي لأعوام.. ما زلت أتألم كثيرًا عندما يتفوه أحد اخوتي بعبارات إنني المميزة والدلوعة معتقدين بأنها هبة من الله غافلين عن الجانب السيء منها، كبرت وأمي كما هي معي.. حاولت كثيرًا أن أقنعها بأنني (لست أفضل منهم) وأنهم يستحقون كما استحق بل هم في أمسّ الحاجة لها ولكنها لا تريد أن تفهم، فعندما تميزني أمامهم أكره نفسي.. فلم أجد حلًا للتخلص من تلك المشاعر سوى الابتعاد قليلًا عنها علني بذلك أفسح المجال لاخوتي، فحبي لهم أكبر من حبي لنفسي بكثير.
 
لم يغفل الثقل الثاني من ديننا هذا السلوك فهناك أحاديث للنبي (ص) وآل بيته الكرام تحذرنا من التفريق في إظهار المحبّة بين الأبناء، داعية إلى المساواة بينهم.
 
ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى رجل له ابنان، فقبَّل أحدهما، وترك الآخر، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "فهلا ساوَيْتَ بينهما".
 
يبرر أحد الآباء موقفه ويقول:
لديه خمسة أولاد أميز أصغرهم على بقية اخوته، رغماً عني؛  لا أستطيع أن أتخلص من إحساسي بأن هذا الطفل لن يحظى مني بالحنان والرعاية التي تمتع بها اخوته الأكبر منه. في بعض الأحيان أشعر أنني قد أفسدته بتدليلي، لكن هناك شيئًا بداخلي يدفعني إلى ذلك دون أن أقصد، وأتمنى أن يتفهم أولادي الدافع إلى هذه التصرفات.
 
كأبناء هل بإمكاننا تفهم  ذلك!!؟ هل بإمكاننا أن نُأطر كل تلك النتائج الممتدة لسنوات بهكذا تبرير!!!
 
تقول السيدة نهى بدر (متخصصة في علم الاجتماع):
رغم أن الابن الأوسط قد يعاني من الإهمال إلا أنه يستفيد من هذا الأمر على المدى البعيد، فهو يتمتع بشخصية أكثر استقلالًا ويستطيع أن يفكر ويبدع "خارج الصندوق" لأنّ نصيبه من الضغوط والأوامر الأبوية يكون أقل من سواه، وهو يمتلك مشاعر ودّ جميلة إذ يستطيع أن يصبح أكثر تعاطفًا و يتمتع بمهارات كبيرة في العمل الوظيفي كما يمتلك قيمًا إنسانية وغالبًا ما تُحركه أسباب اجتماعية ليبدأ مشروعه الخاص، وقد يصبح من أعظم المبتكرين والقادة العظماء.
 
قارئي العزيز ..
 
رسمت كلماتي ملامح لصورة تعرفها جيدًا.. صاحبها يحتاجك كثيرًا.. ينتظرك فلا تتأخر عليه وإلا سيرحل عنك حاملًا قطعة منك..


28 فبراير 2015

 

No comments:

Post a Comment