Pages

Friday, April 24, 2015

مجتمع أحوَل!! / إيمان الحبيشي


 

(إنّا في مجتمع لا يرى الخطأ إلا عندما تُمارسه امرأة)!
عبارة أُلقيتْ بإحدى مجموعات التواصل الاجتماعي، لفتت نظري كثيرًا، وأدخلتني في سلسلة من الأفكار والتوقعات والهواجس. كما أنها ذكرتني بعبارة قرأتها  منذ مدة للدكتور علي شريعتي: "أُشفق على الفتاة حين تسوء سمعتها، فهي لا تستطيع تربية لحيتها لتمحو تلك الصورة".. في إشارة لازدواجية معايير مجتمعاتنا - بحسب رأي شريعتي - وهو ما جعلني أطرح على نفسي تساؤلًا في غاية الأهمية: 

هل يعقل أنا نعيش حقًا في مجتمع أحول! عَمِّي عن أخطاء الرجل، بينما يرى خطأ المرأة مرتين؟!

في البداية لا بدّ وأن نعود لطبيعة ودور الرجل والمرأة في المجتمع، كل على حدة، قبل أن نقرر عقد مقارنة في أسلوب تعامل المجتمع مع كل منهما.

سابقا كتبت مقالًا تطرقت فيه للدور التكاملي بين المرأة والرجل*، أوضحت خلاله خلل الدعوة للمساواة المطلقة بينهما - بحسب وجهة نظري وربما وجهة نظر الكثيرين - وعليه فمن الطبيعي أن يختلف تعامل المجتمع مع كل منهما، لاختلاف طبيعة ودور كل من الرجل والمرأة.

بينما بدأتُ أتصفح بعض الدراسات من أجل الإعداد لمقالي هذا، وقعتْ بين يديّ دراسات تتحدث عن الخجل، وهو في ثقافتنا ما نسميه "الحياء" حيث وجدتُ أنه وعلى مستوى العالم فإن المجتمعات تجد أنّ الحياء صفة أنثوية، وهو ما أجده وستجدونه مقبولًا حتمًا، بين صفحات عقولكم وقلوبكم، حتى وإن ادّعت دراسة أخرى، وصولها لنتيجة مثيرة تُختصر في «أن "الخجل" عند الرجل أكثر منه عند المرأة! أما التفسير العلمي بحسب تلك الدراسة فمرتبط بالهرمون الذكري الذي هو أكثر تأثيرًا في حركة الدورة الدموية، وفي المواقف المحرجة، يتزايد هذا الهرمون ويساعد على اتساع الشرايين والشعيبات الدموية الطرفية، خاصة في الوجه، بينما نجد أن الهرمون الذكري لدى النساء أقل بكثير منه لدى الرجل».

ولأن الطبائع البشرية، لا تحكمها الهرمونات بل ثقافة المجتمع، فأجدني مصدقة لملازمة صفة الخجل للمرأة، وتقلص نسبتها أو اختلاف أسلوبها عند الرجل، والشواهد على ذلك كثيرة، خصوصًا في مجتمعنا وثقافتنا. شاهد القول أنه وبسبب ارتباط صفة الخجل بالمرأة، فلربما صار المجتمع يرفض أي خطأ تمارسه هي بالذات أضعافَ رفض المجتمع لخطأ الرجل، على اعتبار أنّ في ممارستها للخطأ خروج عن طبيعتها أولًا، وأن كسرها لحاجز الخجل وخروجها ضده، تمرد على المجتمع أيضًا، مما جعل تكلفة خطئها "نسبيًا" أكبر من الرجل، ذلك أن المجتمع - ونظرًا لطبيعة ودور المرأة - وضع الكثير من القواعد في سبيل رعاية وحفظ ذلك الدور وتلك الطبيعة - بعيدًا عن تقييم تلك القواعد - ما جعل ارتكاب المرأة لخطأ ما، تحدٍ لقواعد المجتمع وجرأة كبيرة عليه.

تلك ليست دعوة لمعاقبة المرأة، عند ارتكابها لخطأ ما دونًا عن الرجل، فالحق أن الرقابة الاجتماعية وسيلة مهمة للردع، ولأن هدف المجتمع هو وأد الخطأ واستمرار الحالة الصحية له، فالطبيعي أن يُرفض الخطأ أيًا كان ممارسه، رجلًا أو امرأة، على أن تكون هناك آليات صحيحة لردع الأخطاء وتصحيحها، بل وتأهيل مرتكبيها للعودة والانخراط في مجتمعهم بشكل صحيح، يحفظ المجتمع دون أن يخسر أفراده ما أمكن ذلك.

الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله يقول: (الحياء شعبة من شعب الإيمان) وحينها لم يفرق الرسول بين حياء المرأة والرجل، ذلك أن الحياء المقصود هو التورع عن ارتكاب المحرمات، وهو المطلوب من الرجل والمرأة على حد سواء.

وحين يخاطب الله عباده فيقول: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) فانه يقول أن لا فرق بين عبادة الرجل وعبادة المرأة، فالصادق والصادقة والقانت والقانتة والصائم والصائمة، لهما من الأجر ذات المغفرة والأجر العظيم.

وحين يأمر الله عباده فيقول:  (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجهمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) فانه لم يستثن الرجل ولم يخص المرأة.

إذًا فالمشكلة الحقيقية ليست في أن نردع خطأ المرأة، بل أن يتم التغاضي عن خطأ الرجل، وأتصور ان الكارثة الحقيقية تقع، عند ظلم بعض الفئات الاجتماعية النسائية، بينما تفرش الدنيا زهورًا للفئات الاجتماعية ذاتها حين تكون من الرجال! وهو ربما ما حدا بالبعض لأن يعمم صفة "حول المجتمع" في نظرته للمرأة والرجل.

على سبيل المثال؛ فعندما يفقد رجل زوجته فإن المجتمع كل المجتمع يدفعه للزواج من أخرى، لترعاه وترعى شؤون بيته وعياله "والحي أبقى من الميت"، بينما ذات المجتمع يجد أن زواج الأرملة "قلة إخلاص" للزوج الذي أفنى حياته في رعايتها، أو حتى للأبناء الذين تقوم على رعايتهم وإن لم يخرجوا من تلك الرعاية مع زواجها! وعلى ذلك قس الكثير من الأمور.

إذًا فمجتمعنا يعاني درجة من الحول، حين يحكم على المرأة بالحياة مرة واحدة في عمرها الطويل، فإن ترملت انتهت حياتها عند تلك المحطة! وإن رفضت الاستمرار مع زوج سيء الطباع، حكم عليها بالتمرد، وعوقبت بالرجم عند تلك الثورة، في حين سيدعو المجتمع الرجل الذي ابتلي بامرأة سيئة لأن يكسر رأسها بالطلاق! 

يقال أن الحوَل عيب يمكن علاجه.. فهلا قومنا حَوَل مجتمعنا من أجل بصيرة أفضل!  


24 إبريل 2015
______________________________________________
المقال السابق بعنوان تكامل المرأة والرجل: 

1 comment:

  1. شكرا لك واتمنى الك المزيد من المشاركات المميزة
    موثق جدة

    ReplyDelete