Pages

Friday, July 24, 2015

تعذيب الأطفال / ايمان الحبيشي

 

حين أذكر مصطلح "تعذيب الأطفال" فلست أتحدث هنا عن إرهاب الدول، ولا عن معتقلات الأنظمة. لا أتحدث عن الطفولة التي قد يستهدفها دكتاتور في بلد ما من أجل وأد حركة تمرد شبابية ضده، انما أتحدث عن أطفالنا داخل نطاق العائلة الكبيرة.

كان الناس في مجتمعنا يعيشون ضمن عائلات ممتدة، تدين بولاء واحترام مقدس لسيد تلك الأسرة وكبيرها، هو والد الجميع. لا أزعم أني أعرف تلك التفاصيل الصغيرة التي عاشها أجدادنا أو ربما آبائنا ضمن عائلاتهم الممتدة، لكن يبدو أن نظاما موّحدا كان يُسّير الحياة فيها، نظام يقوم على احترام الكبير لدرجة ربما لم تعد مقبولة، فارضا شيئا من الهيبة بين الصغار.

رغم تفتت الأسر الممتدة وتحوّل مجتمعنا للأسرة الصغيرة "الأسرة النووية" الا أن شيئا من نظام الأسرة الممتدة لا زال موجود، وهو أقرب للمشاركة في السكن، اذ يتجاور الاخوة المتزوجون في بيت والدهم حتى يأذن الله لهم بامتلاك أو استئجار مسكن خاص.

لم تعد العلاقات ضمن العائلة الكبيرة كما هي، ولم يعد النظام السائد في التربية موحدا، فأسرة رب بيتها بنظام "سي السيد" وأسرة رب بيتها بنظام "المنفتح" وأسرة رب بيتها بين ذلك، والى كثير من التصنيفات والتقسيمات قد تجعل مجموعة أسر متناقضة تسكن ذات المنزل، وشاء من شاء وأبى من أبى الا أن أطفال كل أسرة لا بد أن يتأثروا ببقية الأسر الساكنة معهم.

الغريب ليس في كل ما فصلناه، بل هو في وجود أفراد أو أسرة تحاول فرض أسلوبها على بقية الأفراد والأسر في ذات المسكن، والأغرب أن يكون أسلوبها استفزازيا ومؤذيا وله آثاره الوخيمة على عموم العائلة.

يتميز الأطفال في سنوات عمرهم الأولى، بقدرتهم على التفاعل، وبذكائهم في التعامل مع الآخرين، وقد تُحفز استقلالية وقوة شخصية طفل ما أحد أفراد الأسرة ليتخذ من أسلوب العناد والاستفزاز ضده "مصدر متعة" لنفسه، فهو يدرك أن الطفل الفلاني يتميز بحب أشيائه وهي ميزة طبيعية جدا عند بعض الأطفال في سن معينة، فيبدأ بمشاكسته عبر سحب ألعابه والتظاهر بتملكها مثلا ليبدأ ذلك الطفل-مصدقا-بالصراخ والبكاء وربما أكثر من ذلك، لترتسم الابتسامة على وجوه بعض الكبار استمتاعا بتعذيب هذا الصغير! ولن يتوقف الأمر عند كبير يمارس الاستفزاز لصغير، بل قد تنتقل عدوى المتعة تلك ليصبح هذا الصغير، محل استفزاز مجموعة من الكبار!!

تعذيب مع سبق الإصرار والترصد، قد يقف أمامه والديّ الطفل سدا منعا لاستمراره، وقد يكون الوالدان أقل قدرة على تحمل تلك المواجهة وتكلفتها الأسرية، وفي أحيان قد يجامل الوالدان بقية أفراد الأسرة بالصمت أو الضحك حتى لا يُرمَون بأنهم "ما يرضون على أولادهم/دلاليع"!

الا أن آثار استمرار هذا الأسلوب سيتحمل نتائجها الوالدان حتما، فقد يكبر ذلك الصغير متخذا من أسلوب الصراخ والعصبية طريقة لرد كل أذى، أو حتى كل ما يعتقد أنه أذى، ثم يتحول بدوره لممارسة ذات الأسلوب مع الصغار.  المصيبة أن حفلات التعذيب تلك، مطلوب من الحلقة الأضعف فيها وهو الطفل، بأن يتحلى بالتهذيب والأدب فلا يتلفظ ولا يمد يده ولا يصرخ، حتى يعاقب الطفل نفسه ربما برطم رأسه بالجدار كلما استُفزت اعصابه!

هل يعقل أننا لا زلنا نجهل معنى استفزاز أطفال لم تتجاوز أعمارهم السبع سنين أو حتى أكبر من ذلك؟ حتى صار هو لعبتنا الأكثر امتاعا داخل البيت الكبير؟! هل حقا لا ندرك الآثار النفسية والندوب التي نتركها بقلب طفل لا يعي أن ذلك مجرد "مزاح" لتترك تلك الآثار النفسية آثارا يصعب علاجها في شخصية وسلوكيات ذلك الطفل؟

معنى أن نعيش متجاورين في بيت واحد، أو في حي واحد أو في قرية واحدة بل في مجتمع واحد، معنى ذلك أن نكون مسؤولين تجاه الآخرين في سلوكنا معهم! فمتعة نصف ساعة من الاستهزاء والاستفزاز لطفل لا يعي واقع المزحة تلك، لا تعني أنها مجرد نصف ساعة ستغادرها أنت الى بيتك أو غرفتك لتغلق أبوابك وتتذكرها ضاحكا لتنتهي! بل يعني ذلك أنك ساهمت ربما في تنشئة طفل حاد الطباع أو مضطرب السلوك وألحقت الأذى بأسرة تحاول أن تربي مجموعة أطفال لا بد أن يتأثروا بشخصيات بعضهم، ثم لا تنسى أن بابك يجاور باب هذه الأسرة وأن الطباع السيئة التي غرستها في شخصية طفل ليس طفلك غير مكترث لآثار غرسك عليه، سيفتح بابك يوما ليلاعب أطفالك ويعيد معهم ذات اللعبة السمجة التي مارستها معه أشهر أو سنوات، لتعاني بدورك من بكاء طفلك وصراخه، وربما قذفك الآخرون حينما تقرر أن تكون سدا مانعا لاستمرارها، بأنك "ما ترضى على ولدك/دليع" حين تبدأ باستيعاب ذلك الأثر المؤذي للعبة الاستفزاز وحينها أرجوك لا ترمي رب الأسرة تلك بأنه "لم يحسن تربية ابنه"! رغم اني اعتبر انه لم يحسن الدفاع عن طفولة ابنه!

في الأسرة الواحدة بل في المجتمع الواحد فان كل ما تغرسه ستحصده عاجلا أم آجلا، فرفقا بالأجيال القادمة، رفقا بها من الاستهتار والمزاح والاستفزاز، رفقا بمجتمع ستورثه لأبنائك. 
 
25 يوليو 2015

No comments:

Post a Comment