Pages

Monday, December 26, 2016

أعطاها عينيه!! // أم حنين






يقال بأن حبيبين في بعض مجتمعات القيم والمبادئ كانا يعيشان قصة حب رائعة ومخططات للزواج، ولكن الفتاة تعرضت لحادث أفقدها بصرها فعاش حبيبها كآبة وحزنًا عليها وهو يفكر بطريقة يعيد لحبيبته بصرها فانقدحت في باله فكرة وهو أن يخبرها بأن هناك مريض بمرض عضال قرر التبرع لها بعينيه لأنه ميت لا محال.

وبالفعل أجريت العملية واستعادت الفتاة بصرها ولكنها عندما أفاقت لم تجد حبيبها. 
تعبت وهي تبحث عنه حتى تذكرت أنه في بعض أيام ضيقه كان يقصد كوخًا نائيًا ينفرد فيه مع نفسه، سارعت إلى هناك وإذا بها ترى رجلاً يريح ظهره على كرسي في قبال الشاطئ، اقتربت منه ، أنه هو حبيبها.. ولكن بلا عينين. 

تبرع لها بعينيه، وابتعد عنها حتى لا يجبرها أن تمضي حياتها مع زوج كفيف. 
هناك جانب مؤلم جدًا وهو أن يكون بيننا من يسيء إلى هذه المشاهد القِيَميّة الجميلة ويتهمها بالأسطورية والمثالية والخرافية. 

قد لا يوافق الإسلام على ما فعله هذا الشاب، ولكنها تبقى قيمة إنسانية عليا من الصعب أن نجدها في قلوبٍ امتلأت بتراب الأرض ومياه آسنة تشمئز منها النفوس، قلوب لا تفهم ما معنى القيم الإنسانية.
لماذا؟..
لماذا أصبحنا نبتعد عن القيم العالية ونتهمها بالمثالية؟ 
لماذا أصبحنا نستهزىء بكل شيء جميل ونستخدم القيم الجميلة كمواضيع للمزح والسخرية، أو لإحباط الآخرين بأنك مهما حاولت فإنك لن تصل لها لأنها لا توجد إلا في مخيلة الكاتب وعالم الخيال وليس لها مكان في الواقع؟ 

لا، ليس السبب هو إنها بهذه الصعوبة والمثالية التي نصفها به ولكن لأننا قد تراجعنا عنها وأصبحنا نبرر لأنفسنا بتبريرات واهية حتى لا نكون أصحاب قِيَم إنسانية سامية تسمو بالإنسان روحيًا وعقليًا وإجتماعيًا، قيم فقدناها واستبدلناها بأمور أخرى وأعطيناها أسماء وأوصاف متعددة، فأصبحت القيمة عندنا هي (تغدى به قبل لا يتعشى بك، لا يقص عليك، لا تصدق كل شي تشوفه وتسمعه ، أنا أولى من غيري..) 

للأسف هذه القيم المشوهة هي التي أصبحت تحكم حياتنا لأنها لا تكلفنا أي جهد روحي أو معنوي، فعندما نقول للآخر إياك .. وإياك.. لأننا نبحث عن اي شيء لا يكلفنا جهدًا. 
هل ما نعيشه الآن هو هذا الذي ما أمرنا به الله عز وجلّ عندما قال (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)
؟
أين نحن من هذه الآيات القرآنية والقيم الإنسانية في أجمل وأرقى صورها عندما يؤثر المعصوم عليه السلام الغير على نفسه وأولاده ويطعمه باللقمة الوحيدة الموجودة في بيته؟

هل نحن بالفعل نقدم الآخرين على أنفسنا، أم إننا غارقون في أنانيتنا التي نُلبسها في كل مرة لباس مختلف؟


26/12/2016

بريدي الإلكتروني (٥) تحدي الألم بالقراءة // محمود سهلان








بينما كنت أتصفح أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي المعروفة، لفت نظري وسم تستخدمه إحدى الأخوات، وقد أثار هذا الأمر فضولي كثيرا، فعن أي ألم تتحدث هذه الأخت؟ وكيف لها أن تتحدى الآلام بالقراءة؟! فما كان مني إلا أن كتبت لها رسالة قصيرة عبر نفس التطبيق:

الأخت الفاضلة نجاة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لفت نظري وسم تستخدمينه بكثرة مع كل منشوراتك التي تتعلق بالقراءة، وهو: (تحدي الألم بالقراءة)، فأحببت أن أتعرف على قصة ذلك الوسم، لعله يكون تجربة أستفيد منها، هذا إن كنت تودين مشاركة ذلك مع الآخرين، والله من وراء القصد..

تحية طيبة
مصلح اجتماعي
..........

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

على الرحب والسعة يا أستاذ..

عشت طفولة طبيعية جدا، أحلم فيها أحلام الأطفال وأمارس ما يمارسون بقريتي الجميلة في كنف والدي، ولم يكن هناك شيء يذكر، واستمرت حياتي كأي فتاة تتنقل في مراحل الدراسة حتى أتممت المرحلة الثانوية بنجاح، ثم انضممت بعد ذلك لمعهد البحرين للتدريب، وكانت بدايتي طبيعية كذلك.

التحقت بالمعهد وشغف التعلم يقودني، وقد جرت الأمور طبيعية كذلك في البداية إلى أن بدأت بعض نوبات الألم تنتابني، وقد كان الألم شديدا جدا، ومع متابعة الأمر مع المستشفى اتضح يا أستاذ أنني قد أصبت بمرض فقر الدم المنجلي المعروف بالسكلر، ولا أنسى أنه كان بالعام ٢٠٠٣ ميلادية.

في بادئ الأمر شكل الأمر صدمة كبيرة جدا نزلت على نجاة، ولكن ما عسانا أن نفعل يا أستاذ، وقد تعرضنا لابتلاء خارج عن إرادتنا؟! نعم كان الألم الجسدي ومثله النفسي شديدا علي، لكنني مع ذلك تمالكت نفسي وسرت نحو تحقيق آمالي، إلا أنني لم أعد سليمة كما كنت، فتحولت إلى شابة سقيمة بمرض تعلمونه جيدا وتعلمون صعوبته.. مرض كثيرا ما قضى على أحلام الشباب والفتيات..

مع المعاناة مع هذا المرض ونوباته، تمكنت من الحصول على بكالوريوس علم النفس، وهي مرتبة علمية أفخر بها، وقد سبقتها أيضا بدبلوما وطنية في المحاسبة، ما جعل لي رصيدا علميا أحمله معي، وأنا أفخر بما حققته كثيرا.

دخلت في مجال العمل في بعض فترات حياتي لكن صحتي لم تسمح لي بذلك، لذلك بقيت بعيدا عنه..

كنت أحب القراءة، وأكثر من الاطلاع على الكتب، لكن طفرة حصلت لدي في العام ٢٠١٤م، حيث شاركت في تحد للقراءة على الانستغرام، وهو قراءة ١٠٠ كتاب في عام واحد، مع بعض التفاصيل المطلوبة، وقد تمكنت من إنهاء التحدي بنجاح، وهذا ما استمر في السنة الماضية، وفي هذا العام كذلك، وقد شاركت في تحديات أخرى تجاوزت بامتياز في مجال القراءة أيضا.

أما الوسم فقد اتضح أمره، فإنني أعتقد أن التزامي بالقراءة بهذا الشكل، وشغفي للكتاب، جعلاني في حال صحي أفضل، أنسى فيه آلامي ومتاعبي، وتقل معه نوبات الألم القاسية بسبب المرض، وهذا ليس من باب المبالغة بل هو واقع أعيشه، حيث أنني أتحدى آلامي الشديدة بالقراءة، والتي كان لها مفعول السحر والأثر الكبير جدا على نجاة، فلولا القراءة فلا يعلم أحد بحالي اليوم إلا الله..



26/12/2016


قلب الحقيقة وعكس المفاهيم // إكسير المحبة


واحدة من أهم المزايا التي ميّز الله بها الإنسان عن غيره من المخلوقات ميزة العقل والتعقّل، وقد جاء في التفكّر والتدبّر وإعمال العقل الكثير من النصوص فضلًا عن وجدانيتها، فالإنسان يدرك جيدًا بأن تعطيل العقل تسافلٌ يجعله أضل من الحيوانات، والأدهى من كل ذلك والأمرُّ إن استغل عقله لقلب الحقيقة وعكس المفاهيم -والحديث عن الجزئية الأخيرة تحديدًا.
يقول بعضُهم:
هل وهبك الله عزَّ وجلَّ يدًا كي يقطعها؟
قطعًا إجابتك ستكون بالنفي!
بل إنه أعطاكها للبذل والعطاء والعمل ولكل خير، ومن حقها -اليد- عليك "أن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل، ولا تقبضها مما افترض الله عليها ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها، وبسطها بكثير مما ليس عليها، فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل وجب لها حسن الثواب من الله في الآجل". رسالة الحقوق للإمام السجاد "ع".

ما  دمتَ لست بسارقٍ ولا معتدٍ فما شأنك وحكم السارق؟ "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" المائدة-الآية ٣٨
هل من ضرر يقع عليك؟ سواء كان قطع اليد أم تجاوز ذلك لقطع الرأس! أليس يحميك حكم كهذا؟
الأصل أن الإنسان لا يسرق ولا يعتدي ولا يبطش، وإلاّ هو ليس بإنسان، إذًا لماذا يُشنّع اليوم على الإسلام بقلب مفاهيم مثل هذه الأحكام؟ ولماذا ينظر له على أنه مخالف لحقوق الإنسان؟!

لا مقايسة ولا مشابهة بين الأحكام الإلهية والقوانين الوضعية، ولكن وفِي الواقع إن قلب الحقيقة والمفاهيم لا يكاد يُفارقنا، ولعل الكثير منها ليس بقصد ولكن النتيجة واحدة.
لو تفكرنا قليلًا في قوانين المرور في بلداننا -مثلًا- وما يدور حولها من لغط واختلاف في الرأي لوجدنا النتيجة ذاتها، فإذا ما أردنا قلب وعكس المفاهيم فالأمر ليس صعبًا.
يُقال إن الأنظمة كلما عاشت أو تعيش حالة من التدهور الإقتصادي فإن إحدى الحلول عندها هو سلب المواطنين بأي طريقة كانت.
جميل جدًا، ولن نختلف في ذلك وسنسلم بما يقال ولكن..
ما دخل ذلك في غرامة قطع الإشارة الحمراء؟ والسرعة التي تقودك وتقود غيرك للتهلكة؟ واستخدام الهاتف أثناء القيادة؟ وعدم ربط حزام السلامة؟ وإلخ...
فلتكن الغرامة مائة ومائتين دينار وألف وألفين دينار وما شأني بكل ذلك، لا يعنيني من الأمر شيئًا ما دمتُ ملتزمًا بما أنا ملزوم به شرعًا وقانونًا.
نحتاج بالفعل أن ننظر إلى الصورة من زاوية غير زاوية الرفض لمجرد الرفض، ونحتاج لفهم الأمور بشكل مختلف عما اعتدنا عليه، وفي ذاك الوقت فقط سوف نرى بشكل أوضح وأكثر اتزانًا.

ثم، كونك تعلم بأن الأنظمة تحاول سلب مالك من خلال قوانين ما أنزل الله بها من سلطان ومن ضمنها قوانين المرور، لماذا تقدم لهم هذه الخدمة الجليلة؟ إذا ما كُنتَ تعلم أن شخصًا يريد سرقتك أمن العقل في شي أن تُسهل له ذلك؟!

بكل صراحة، ألسنا نخادع أنفسنا ونعطل عقولنا في كثير من الأمور المماثلة والمشابة؟


26/12/2016

السيدة العذراء // إيمان الحبيشي






من أجمل القصص في القرآن الكريم قصَّة نبيِّ الله عيسى (عليه السلام) المروية بتفاصيلها في سورة "مريم"، وفي قِصَّته اشارات عديدة أقربها لنفسي، الإشارة التفصيلية للمكانة الجليلة لوالدته (سلام الله عليها)، حيث تُعَدُّ هذه السيدة أنموذجًا بشريًا لم يذكره الله في قرآنه عبثًا ولا مرورًا، بل كدعوة صريحة منه ليحذو حذو عِفَّتِها وإيمانها الرجالُ والنساءُ على حدٍّ سواء، وقد سُمِّيت السورةُ باسمها تعظيمًا وإجلالًا لكلِّ القيم التي تَمَثَّلتْها.

اعتدنا أن نسمع خطاب التأسِّي برسول الله وأهل بيته (عليهم صلوات الله وسلامه)، بما فيهم سيدة نساء العالمين فاطمة ريحانة الرسول وأمُّ أبيها، وعدد من سيدات أهل البيت كالحوراء زينب والسيدة المعصومة (عليهم السلام)، وكذلك عدد من النساء ممن انتمين إلى أهل البيت بحكم الزواج أو غيره فكانت لهنَّ مواقف تاريخية وايمانًا مشهودًا كزوج الرسول أمِّ سلمة والسيدة فاطمة الكلابية المعروفة بـ(أمِّ البنين) زوج الإمام علي بعد الزهراء (عليهم السلام)، وغيرهنَّ مِمَّن اعتقد أنَّنا لا زلنا نفتقد منهج القراءة والتأسِّي المثمر والصحيح والواضح بِهنَّ.

من الأمور التي أجدها واضحة -وآمل أن أكون مخطئة بشأنها-إنَّه يستقر بعمق قناعتنا أنَّ هناك ندرة في ذكر النساء القدوة على مدى تاريخ البشرية في ثقافتنا الإسلامية، كما نعتقد أنَّ هناك صعوبةً في بروز امرأة في مجالات الحياة المختلفة؛ ذلك أنَّ المرأة مقيدة بقيدين: قيد بيولوجي يحصرها في مجالات معينة، وقيد ديني - اجتماعي يمنعها بظلم عن التميُّز، مِمَّا أنتَّج فقرًا حقيقيًا في وجود أنموذجٍ نسائيٍّ إسلاميٍّ بارزٍ معاصرٍ يعرفه الجميع رجالًا ونساءً، ويسعى ليتمثَّله الجميعُ أيضًا نساءً ورجالًا. أكثر من ذلك، هناك من يعتقد أنَّ الإسلام بما فرض من حجاب على المرأة مساهمًا أولاً وكبيرًا في تعثُّر تقدُّمها وتميُّزها وبروزها.

فالخطاب الديني بالنسبة لكثيرين هو خطاب ذكوري، ومن يُنزِّه الله عن هذا الاتِّهام يقذف به في دائرة رجال الدين، وبالرغم من أنَّني أجد أنَّ المفكرين الإسلاميين معنيين حتمًا بتوضيح الخطاب الإسلامي الصحيح وتوضيح ما يستشكل عليه، سواء في قضية المرأة أو غيرها، إلَّا أنَّ الكثير من الأسباب، منها تسليمنا بهذا التسويق من ظلم إسلامي يقع على المرأة هو الأساس في تأخر المرأة أشواطًا للخلف، لا الدين ولا البيولوجيا ولا شيء آخر أكثر من قلَّة وعينا نحن النساء وقلَّة الثقة بنا من المجتمع، وقد أقسو حين أقول أنَّ السبب في إحدى حلقاته المتَّصلة أيضًا في الثقة الاجتماعية المهزوزة للمرأة يعود لنا نحن النساء في الوقت الراهن على الأقل.

لقد سلَّمنا بالقول أنَّ المرأة مكانها البيت فحسب، بمعناه المقيد لكلِّ عطاء إيجابي من الممكن أن تقدِّمه المرأة ويحتاجه المجتمع، ولستُ أدعو لتتمرد المرأة على وجودها في البيت، بل أنا ممن يؤمنون أنَّه الدور الأول الذي يجب أن تترتب وفق ظروفه مجالات تواجدها خارجه وفق امكانياتها وقدراتها وحاجة مجتمعها لها، وهو ما أجاد توصيفه سماحة السيد علي الخامنائي في قوله بأحد خطبه: "البعض يعيش الافراط والبعض الآخر يعيش التفريط، فالبعض يقول بما أنَّ النشاط الاجتماعي لا يسمح لي بالاهتمام بالبيت والزوج والأولاد، لذا عليّ ترك النشاط الاجتماعي، والبعض يقول بما أنَّ البيت والزوج والأولاد لا  يسمحون لي بمزاولة النشاط الاجتماعي، اذًا عليّ أن اتخلَّى عن الزوج والأولاد.. وكِلا النظرتين خطأ فلا يجوز هذا لذاك ولا ذاك لهذا"1

عمومًا لستُ بصدد الحديث عن معوقات بروز امرأة إسلامية قدوة تمثِّل المساحة الحقيقية التي منحها إياها الله، فذلك موضوع طرقته مِرارًا وبإمكان المهتم العودة للمقالات السابقة على موقع ارتقاء لقراءتها. ما أودُّ أن أطرقه هنا هو الخطاب الإلهي للمرأة انطلاقًا من خطاب القرآن للسيدة العذراء (عليها السلام).

توفقتُ في الأشهر القليلة الماضية لقراءة مجموعة من الكتب الإسلامية التي تناقش مواضيع المرأة ومجالات تميُّزها والخطاب الالهي الذي وجهه القرآن لها، ولعلِّي أظنُّ أَّنا نجهل الكثير مِمَّا قاله ويقوله المفسِّرون والفقهاء وكبار المختصين في الشأن الديني حول المرأة، وكم نحتاج لنقرأ ما كتبوه لنفهم كيف أنَّ المرأة كائن مبدع لا يختلف عن الرجل، إنَّما يتفاوت معه كما يتفاوت الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة، إلَّا أنَّهما نوعان مختلفان مكمِّلان لبعضهما، وتلك نظرة إسلامية بامتياز طرحها غالب الفقهاء والمراجع وبكلِّ وضوح، إلَّا أنَّ الكثير من القواعد حولها والتي سلَّمنا بها ما أنزل الله بها من سلطان، وأنَّ الكثير من السلبيات التي يتحدَّث عنها بعضُ المثقفين المتحاملين أو الجاهلين أو غير المؤمنين بالإسلام، وربَّما أتجرأ لأقول أنَّ البعض يقولها بحسن نية مفترضًا الإصلاح الإنساني والاجتماعي، إنَّما هي تحليلات بشرية تحتاج للكثير من الاطلاع قبل أن تقذف على أسماع الناس مهما بدت رصينة.

يذكر القرآن الكريم السيدة العذراء في سورة خاصَّة مفصِّلًا مواصفاتها، كما أنَّه يذكر ولادتها ودعاء والدتها ورعاية الله لها وتكفُّلها نبيٍّ من أنبيائه هو النبي زكريا (عليه السلام)، وهي واحدة من النساء اللائي يذكر القرآن قصصهنَّ للتأسِّي والعبرة؛ اذ يذكر إضافة للسيدة مريم امرأة فرعون آسيا بنت مزاحم وأمَّ النبي موسى (عليه السلام) بما كانت عليه من التسليم لأمر الله حتَّى أنَّ القرآن يذكر أنَّ الله خاطبها "وحيًا" في قوله تعالي: (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ)2 وفي مخاطبة الله لها مؤشِّرًا للمكانة التي وصلتها هذه المرأة عنده جلَّ وعلا.

إنَّ الخطاب الإلهي الذي وُجِّه للمرأة كما وُجِّه للرجل في مواقع عديدة في القرآن الكريم وفي روايات نبيه وأهل البيت (عليهم السلام)، غيبناه نحن حين اعتقد بعضُنا أو سلَّم بعضُنا وإن بشكل غير واعي ومحسوس أنَّ كلَّ كلمة عامَّة موجهة للإنسان أو للمسلمين أو للمؤمنين هي كلمات موجهة للرجل. بينما كلمات الخطاب العام معروفة لغةً أنَّها تأخذ ضمير الذكر دون أن تحصر الخطاب فيه، حتَّى أن بعض الخطابات التي ذكرت الذكر والأنثى عادت لصيغة الذكورة في ذات الآية أحيانا كقوله تعالى: (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ)3 مستخدما "عامل" للنوعين، وقد اتهم القرآن بل كل المجتمع الإسلامي بتثمينه للذكورة لذلك أكثر من الأنوثة، فحتَّى حين يتحدَّث عن المرأة يتحدَّث بصيغة الذكور، كما في قوله تعالى واصفًا السيدة العذراء: (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)4 بينما يفرِّق بعض المفسرين بين خطابين في اللغة، خطاب أدبي وخطاب حواري، فقول الله أنَّ مريم "صدَّقت" بكتبه وكانت من "القانتين"، ولم يقل من "القانتات" أسلوب حواري كما يقول الشيخ جواد آملي، ناسيًا أو غير منتبه أو ربما غافل أن الله تعالى ذكر أنَّ مريم وآسيا مثلا أسوة للذكر والأنثى على حدٍّ سواء، ففي تميُّزهما تميُّز للإنسان الذي تمثَّلاه، والدعوة للاقتداء بهما دعوة لكلِّ البشر، فهما قد تفوقتا على النساء والرجال وصارتا أنموذجًا لهم يقول تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ)..(وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ)5 للذين آمنوا من الرجال والنساء.
ولم يكتف القرآن بذكر النساء كقدوات حسنة لكلِّ البشرية، بل ذكر أيضًا أمثلةً لنساء كعبرة وتحذير لكلِّ البشرية أيضًا في ذكره مثلا لزوجتي نبي الله لوط ونبيه نوح (عليهما السلام) في قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِين)6 فتلك السيدتان مثلا للذين كفروا جميعًا.

أتصور أن الاطلاع على بعض هذه القواعد والاشارات غاية في الأهمية لنعرف أنَّ ما يُثار ضدَّ الإسلام أحيانًا يكون من غير اطلاع صحيح، أي بالحكم عليه من خارج قواعده وثقافته وهو ما ألقى لبسًا كبيرًا عليه.

على الرغم من أنَّ السيدة مريم عُرِفَت بالعفة ومُيزت بالطهارة، إلَّا أنَّ ذلك لا يعني أنَّها الفضيلة الوحيدة التي تمثلتها هذه السيدة، إنَّما لهذه المرأة مميزات عديدة يعلمها الله، وعلى أساسها اختارها أمّا لنبي لا أب له، لقد تربت هذه الفاضلة في حجر سيدة فاضلة جاء على ذكرها القرآن الكريم أيضًا ناقلًا مناجاتها لله: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)7 في إشارة لإيمانها فأنجبت وربَّت صدّيقة استحقت أن يختارها الله أمّا لنبيه، ولعلَّ التصديق ميزة كبرى تميَّزت بها السيدة مريم.

يقول الشيخ جوادي آملي: "يذكر القرآن الكريم ثلاث نساء كأمثلة وهن اللواتي حفظنَ موسى من القتل وقمنَ بتربيته، وكانت مسألة تربية موسى الكليم بعهدة أولئك النساء الثلاث: أمِّ موسى وأخت موسى وامرأة فرعون، فقد قامت تلك النساء الثلاث بمكافحة الوضع السياسي في ذلك الوقت حتَّى كبر هذا الرجل"8

وهذا مثال آخر لاحترام الإسلام للدور الذي تمارسه النساء، وهي قصص واقعية يستدعيها القرآن من التاريخ وقبل القرآن والإسلام وبعيدًا عن العصمة التي تمتاز بها السيدة الزهراء (عليها السلام) ومكانة "الصديقين" التي تمتاز بها إضافة للزهراء السيدة مريم (عليهما السلام)، يكون ذكر عدد من النساء كأمِّ موسى واصفًا ثقتها وإيمانها بالله حتَّى أنَّها ألقت برضيعها في اليمِّ لتنتشله مؤمنة آل فرعون، إنَّما هو تصريح من الله أنَّ النساء قدوات ونماذج للعالمين جميعًا، قدوة يستطيع أن يتمثلها الرجل وتكونها المرأة في كلِّ زمان ومكان، وربَّما المفارقة أنَّ التميز الذي تسعى له المرأة ويحترمه المجتمع اليوم لم يعد في مجال الإيمان والكفاح ضدَّ الظلم وتربية النشء.

إنَّ الدعوات التي تحصر المرأة في دور التابع للرجل، وتلك الدعوات التي تطالب المرأة أن تكون خارج اطار طبيعتها وأنوثتها، وترفض مجموعة قوانين إسلامية أقرَّها الله في كتابه أحيانًا بالدعوة لرفضها جملةً وتفصيلًا إمَّا اتهامًا لمنشئها الديني أو اتِّهامًا لرجال الدين وتمسكًا بالادعاء الفارغ من أن قوانين الإسلام إنَّما هي محاولة رجل لتقييد المرأة، وكذلك استسلام المرأة لمن يستغل ضعف بدنها ورقة قلبها فيُصِرُّ على تجهيلها وحصرها أو استسلامها لمن يريد أن ينتزعها من إنسانيتها وإيمانها وعقيدتها ليلقي بها في أتون حضارة لا تناسبها "ان صح وصف هذه الجنبة بالحضارة" هو السبب الحقيقي لتأخر المرأة اليوم والذي لا يمكن أن تتفوق عليه إلَّا بمحاولتها التعرف على نفسها والأخذ بعقيدتها من مصادرها الصحيحة وباحترامها لطبيعتها وإصرارها لتكون عنصرًا فاعلًا في أسرتها ونصرة عقيدتها ومجتمعها، وفي ذلك يقول السيد علي الخامنائي: "على المرأة نفسها أن تعرف قبل غيرها شأنها الإسلامي وتدافع عنه، عليها أن تعرف ما هو حكم الله والقرآن والإسلام حول قضاياها وما يراد منها، وتفرضه عليها مسؤوليتها وعليها أن تؤمن بما قال الإسلام وأراد وأن تدافع عن ذلك لأنَّها إن لم تفعل ذلك فإنَّ الذين لا يلتزمون بأي مبدأ سيسمحون لأنفسهم بظلم المرأة"9 موصيًا بعدم إهمال جوانب العلم والمعرفة: "لا بدَّ أن تكون هناك قناعة وإدراك بين النساء أنفسهنَّ لضرورة التوجه نحو اكتساب المعرفة والعلم والمطالعة والوعي والمعلومات والمعارف وأن يولينَ ذلك الأهمية"10

إنَّ ضعف ثقة المرأة بهويتها الأنثوية والإسلامية وضعفها في التزود بالعلوم الدينية والدنيوية من الممكن أن يجعلها لُقْمَةً سائغةً لكلِّ فكرة عابرة تطالبها بسجن نفسها في محيطها الضيق أو تطالبها بالانسلاخ من إنسانيتها وطبيعتها لتحيلها لصورة مشوهه عن الإنسان، وإنَّ أول وأكثر مُؤثِّر هو معرفة الخطاب الإلهي لها من خلال القرآن وروايات العترة الطاهرة (عليهم السلام).

--------------------------------------------
1\ من كتاب المرأة علم وعمل وجهاد نشر دار المعارف
2\سورة القصص الآية 7
3\سورة آل عمران الآية 195
4\ سورة التحريم الآية 12
5-6\ سورة التحريم الآية 10 - 11
7\ سورة آل عمران الآية 38
8\ كتاب جلال المرأة وجمالها للشيخ جوادي آملي صفحة 129
9\ 10 نفس المصدر الأول



26/12/2016



Monday, December 19, 2016

لا.. لستَ كجلد تمساح // أم حنين







كنت أتكلم مع أحد المقرّبين عن الحلم ، فأجابني بجواب جعلني أتوقف كثيراً ، وأصمت.

قال لي (أصبحت أحاسيسي كجلد التمساح، كما أنه لا يتأثر بالحربة فإن أحاسيسي لا تتأثر كذلك)

سألته : هل يمكن أن يصل الإنسان إلى هذا المستوى من التبلّد والجمود بحيث أنه لا يتأثر؟

قال نعم!!

ولكني ما زلت أتساءل لماذا، وكيف؟

كيف يكون ذلك وهو الطيب، الحنون، المتسامح دائماً، وصاحب القلب الذي يتدفق حبًا يتسع العالم كله؟

عندما تكون طيباً جداً وتتلقى الضربات المؤلمة الواحدة تلو الأخرى فإنها تبدأ بوضع أول طبقة من (جلد التمساح) للمشاعر، ومن ثم تتوالى الطبقات فوق بعض لتصل في النهاية إلى أن تكون عازل قوي بين المشاعر والعالم الخارجي فتصاب بالجمود والتبلّد، هذا مع الغريب، فما بالك إذا كانت الضربة من القريب الذي تعرفه وتربطك به علاقة مميزة فإنها تكون أشد قسوة وألماً، فما أقسى ان نكتشف بأن الشخص الذي ينبغي ان يكون مصدرًا للحب  بات مصدرًا للألم وعكس كل ما كنا نتوقعه منه.

ولكن هل من الصحيح أن مثل هذه الضربات تنتهي بالإنسان إلى أن تصاب أحاسيسه بالجمود والتبلّد وتكون شبه ميته، أو حتى ميتة إلى درجة أن تشبّه بجلد التمساح؟

إنه أمر خطير جداً أن تموت المشاعر الإنسانية والأحاسيس الجميلة وتتحول إلى طبقة سميكة عازلة لا روح فيها، فعندما يتعرض الإنسان إلى طعنات الآخرين أو على أقل التقديرات لتقلبات أمزجتهم، من المفترض أن يكون ذلك سبباً يجعله في إندفاع مستمر لتقوية رقتّه وطيبه وحنانه وتسامحه والاستفادة من كل ما أصابه من ألم وحزن وضيق، لأنه وبكل بساطة لا زال سالماً من الخضوع لنفسيات الناس وأمزجتهم المتقلبة، وكلما تمسّك بطيبته ولطفه وحنانه وعطفه كلما كان هو الحكم والمسيطر والسلطان على نفسه.

أما إذا تغير وتحول إلى جلد تمساح فهذا يعني أنه قد تحول إلى عبدٍ إسترقّته قساوة الحياة وظروفها.

لم أتمكّن من الإفصاح له بذلك، فأنا أخاف على مشاعره ولكنني كتبت هذه السطور لعلّه يقرأها ويضم رسالتي إلى صدره ليعلم بأن الحياة لا زالت كما يحب ويرجو.



رصاصات تُحاول قتلك.. // زينب عبدالأمير







تُحاول أن تسلك طريق النجاح الذي صنعتهُ بِمفردك، وتظن أن لا أحد سيتبعك ليطلق رصاصاته!

مريم واجهت الكثير كي تسلك هذا الطريق من دون رصاصات، ولكن هل سلمت منها؟
في مجتمعنا وفي داخل كل فرد أمران، الخير والشر، وإن اجتمعا كونا أكبر رصاصة كي يصيبا الهدف بِالشكل الصحيح؛ أي في داخل كل إنسان نفس ألهمها الله الفجور والتقوى، فإن اتبعت سبيل التقوى فأنعم وأكرم، وإن سلبها الفجور الخير، فمهما حاولت أن تظهر الخير والطيب، فإن الشر ينطلق من عمق التظاهر كالرصاصة الغادرة لتخترق صدور المسالمين الخيرين.

توجد أنواع من تلك الرصاصات، مثل:
- رصاصة الحسد.
- رصاصة الكلام القاسي الذي لايرحم.
- رصاصة الإحباط.
وغيرها..

قُل للجميع بأنك فاشل، ومض في طريقك أفضل من أن تخبرهم بأنك ناجح وذو طموح.
المرأة ليست ناقصة مهما كانت هي عليه، ولا شيء يُقلل من قيمتها، فكفوا عن زجرها بِرصاصاتكم القاتلة، إنها قوية، مضحية، معطاء.

والرجل ليس كامل يحتاج لِلتكامل أيضا، فحملته امرأة
بين أحشائها، وانطلقت حياته، والثانية -إن وفقه الله- ألقت بين يديه حياتها، فبراً بالأولى، ورفقاً بالثانية.

مريم سلكت طريقها بقولها أنها ناجحة رغم السخرية التي تصوبها بالإحباط، وأن ما بين يديها حُلمٌ لا قيمة له، فمتى كانت الأحلام لا قيمة لها؟
متى كان الإنسان بِخياله الواسع لِصنع حِلم سوى رماد؟
واجهت كُل شيء، تارةً تقع وتارةً تقف وكأن لا شيء حدث. قدمت كُل ما بوسعها كي تزرع وردة بين أشواك كثيرة.

ها هي ارتقت عتبة من النجاح، وأمامها الكثير من العتبات كي تخرج جميع ما هو مكنون بداخلها.

ضحت بأمور كثيرة إلا أنها لم تيأس رغم عدد الرصاصات التي تصوبها من جميع الجهات، مع ذلك لم تكسرها وبقت تُدافع بِكل قوتها كي تثبت أنه لا يوجد مستحيل، الجميع قادر على المضي مهما كانت العثرات.

ظلت تبحث عن الكمال، ورضا الل،. فسارت في حياتها بِعمر جديد، وأمل جديد، وسعادة كبيرة، وعطاء لا مثيل له ثم ماذا؟

تكسرت مجاديفها.. خاب ظنها.. احترقت زهورٌ كانت متفتحة.. إلا أنها لم تبالي، ولم تقف لديها الحياة، وضعت نقطة لِتنهي حكاية بدأت للتو.. لِتبدأ حياتها فإنه يوم الميلاد لها.

فلِكل امرأة: اصبري.. كوني قوية.. أعطي ما حولك بريق طفلة داعبت الزهور فتفتحت الأزهار.. لا توقفي حياتك على وقع الرصاصات، لا شيء يُحطم أنوثتكِ، وبراءتكِ، وأمومتكِ إلا أنتي..

ولِكل رجل رفقاً بِالمرأة فإنها كائن حساس، يعطي بِلا مقابل، فلا تكن لها خيبة وترميها بتلك الرصاصات التي تُحطم بها كُل جميل بنتهُ لك.

وللمجتمع ككُل أقول أنه لا شيء يضاف لرصيد حياتنا إن زجرنا الآخرين بِالرصاصات، إن ما لدى كُل إنسان نعمة من الله، والله عند وعده، فكفوا عن إطلاق الرصاصات، لا يوجد بيننا أحد كامل فجميعنا نخطىء، ولدينا عيوب، ولكن من العيب النظر لِعيوب الآخرين وقذفهم قبل أن نُصلح عيوبنا.

20/12/2016
Description: https://ssl.gstatic.com/ui/v1/icons/mail/images/cleardot.gif


اخترنا لكم: السطحيّة الإيمانيّة /السيد جعفر فضل الله








نقصد بالسطحيّة الإيمانيّة في العنوان أعلاه، عدم بناء الإيمان على قواعد التّفكير النقديّ، بما يعنيه ـ التفكير النقدي ـ من انفتاحٍ على الاحتمال المخالف، وتقبّل الدّخول في حوار متفاعل منتج، وبالتالي إمكانيّة التعديل أو التغيير للأفكار التي هي مورد قناعة سابقة عبر اختبار معطيات جديدة.

وما نحاول أن نعالجه في هذه المقالة، هو قضيّة العلاقة بين الإيمان من جهة، والعقل والتفكير النقدي من جهة أخرى، كما نثير بعض التأمّلات في آثار سطحيّة الإيمان في الواقع العملي.

العقل وبناء العقيدة

من الواضح إسلاميًّا، أنّ العقيدة تُبنى على قاعدة العقل، فما استطاع العقل أن يثبت وجوده أو نفيه بالدَّليل المقنع، أمكن إدخاله إلى مجموعة الاعتقادات، أمّا ما لم يستطع العقل أن يثبت وجوده أو نفيه، سواء لم يقم عليه دليلٌ أصلًا، أو كان الدَّليل غير تامٍّ بنظر العقل، فيُبقيه في دائرة الاحتمال، وجودًا أو نفيًا، وبالتّالي، لم يمكن إدخاله في مجموعة اعتقادات الإنسان. ولعلّ قوله تعالى: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[1] يؤسّس لذلك، حيث إنّ ثمّة تلازمًا - في ميزان العقل - بين صدق أيّ قضيّة وبين إقامة البُرهان عليها، بحيث لا يكون ثمّة مبرّر للإذعان لأيّ فكرة إذا لم يمكن إقامة البرهان عليها، بحيث تكون مفردات هذا البرهان مقنعة للعقل، ومحقّقة لسكونه واطمئنانه؛ إذ ليس لدينا من وسيلة للتأكّد من صحّة أيّ فكرة سوى العقل، وما لم نحقِّق له قناعته انطلاقًا من القواعد الّتي يعمل وفقها، فإنّه لا سبيل للتأكّد من أنّ تلك الفكرة هي فكرة موهومة أو خياليّة، أو هي فكرة حقيقيّة لها مجال وتحقّق في حيّز الواقع.

ليس بالضّرورة أن يكون الدّليل معقّدًا، فقد قيل لأعرابيّ: كيف تستدلُّ على وجودِ الله؟ فقال: "البعرةُ تدلُّ على البعير، وأثرُ الأقدام يدلّ على المسير، أفسماواتٌ ذاتُ أبراجٍ، وأرضٌ ذاتُ ارتتاج، لا تدلُّ على اللّطيف الخبير؟!". وسئلت امرأة تغزلُ الصّوف السّؤال نفسه، فأجابت: "بهذا المغزل؛ إن حرّكتُهُ تحرّك، وإن سكَّنتُهُ سكَن"... فإنّ العقل بمدركاته الأوّلية، يستطيع أن يقارب الأمور الفطريّة بهذا اللّون من الأدلّة، لكنّها في كلّ الأحوال أدلّة يقتنع بها العقل؛ بل هي تشكّل المادّة المحوريّة للدّليل الفلسفي المعمّق، والذي يراد من خلاله إثبات حدوث العالم، وفرضيّات نشأة الكون والخلق والخالق وما إلى ذلك؛ فإنَّ المقاربة الفلسفيّة سوف تنطلق من المحسوس لتثبت حدوث العالم، لكن بالإحاطة بمفردات أكثر، ومن خلال معالجة بعض الأسئلة الإشكاليّة الّتي لا يهتمُّ بها أو لا يلتفت إليها عموم النّاس، حتّى إذا انتهى لإثبات الحدوث، وضع أمامَه فرضيّات النشأة، وبدأ بمعالجتها من خلال التّحليل المعمّق الذي يطرح الإشكاليّات ويعمل على الإجابة عليها، ليصل في النَّتيجة إلى أنَّ الكون حادث، ولكلّ حادث محدثٌ، وكلّ الفرضيّات لا تصلح لتفسير هذا الحدوث، سوى أن يكون قد صدر عن خالق عالم قادر حكيم... وهذا الّذي قصدناه من إشارتنا إلى أنَّ لبَّ العلم البسيط والمعمّق واحدٌ، ولكنَّ الاختلاف في الأسئلة المتخصِّصة وأجوبتها؛ والله تعالى أعلمُ وأحكم.

في كلّ الأحوال، فإنَّ من المهمّ الالتفات هنا إلى أنَّ قوَّة العقيدة إنّما تتحقَّق عبر مسارٍ حواريّ مع كلّ الأسئلة والإشكاليّات الّتي تقف أمام أيّ فكرة، وبالتّالي، تثير الصِّراع بين الأدلّة، لتكون عمليّة التفكير النقديّ هنا هي العملية التي تتحرّك في دائرة الصراع هذه، لتصل في النّهاية إلى القناعة والاعتقاد عبر قوّة بعض الأدلّة على بعض، مع إلغاء الاحتمال المقابل أو إبقائه كوجهة نظر أخرى، أو عدم الوصول إلى القناعة والاعتقاد، والبقاء - تاليًا - في خانة الشكوك العلمية التي تحتاج إلى معطيات جديدة لتحسم المسألة.

من الاعتقاد إلى الإيمان

بعد أن ينتهي العقل من هذا المسار في إثبات فكرة ما، ويتأكَّد من أنّها فكرة حقيقيّة واقعيّة، وليست وهمًا أو خيالًا أو اختلاطًا ببعض الأفكار الأخرى، تدخلُ الفكرة إلى مجموعة الاعتقادات التي قد تكون أساسًا لمجموعة من الأفعال والممارسات الّتي غالبًا ما تكون عباديّة أو أخلاقيّة سلوكيّة، وهذه الممارسة العباديّة أو الأخلاقيّة، تمثّل عمليّة تربوية تقوم بربطٍ للفكرة العقليّة المجرّدة بالأوضاع الحياتيّة المتنوّعة، وهو ما يؤدّي إلى تحويلها إلى إيمان راسخٍ، مُفعمٍ بالمشاعر والأحاسيس الإيمانيّة، قابلٍ - بالتالي - لتحريك الإنسان نحو ما يتوافق مع إيمانه، تمامًا كما تحرّكه أيّ فكرةٍ هي جزءٌ من وجدانه وكيانه.

إلى هنا، نكون قد حاولنا تأكيد مبدأ، وهو أنَّه لا إيمان من دون فكر، ولا فكر من دون عمليَّة نقديَّة يتمّ فيها اختبار الأفكار المخالفة، وإثبات عدم صلاحيّتها لتعطيل القناعة بذلك الفكر، عبر الدّليل والبرهان الّذي يذعن له العقل ويستكين.

أهمّية الحوار في التّفكير النّقدي

ولعلّ من المفيد الإشارة هنا، إلى أنّ ثمّة نوعين من اختبار الأفكار المخالفة:

الأوّل: هو التفكير الذاتي، بمعنى أن أحدّد أنا - من موقعي الفكري والثقافي - الفكرة التي يطرحها الآخر، وأفهمها على ضوء ذلك، ثمّ أجيبُ عنها.

الثاني: هو الاختبار المباشر، وذلك عبر الدخول في عملية حوار حقيقيّ مع الآخر، والاستماع إلى وجهة نظره، والسّماح بالأخذ والردّ في عمليّة النقد، وصولًا إلى تشكيل القناعات.

والنّوع الثّاني هو الأدقّ؛ لأنّنا في النّوع الأوّل نناقش ما نتصوّره نحن من فكر الآخر، وهذا يسمح بهامش من الخطأ، وفي بعض الأحيان، قد تثبت لنا الوقائع أنّنا لا نناقش الآخر، وإنّما نناقش الأفكار الّتي نسبناها إليه وحسبناه يتبنّاها حسب تصوّراتنا!

هذا الأمر يفضي بنا إلى إدراك أهمّية الحوارات المباشرة، وانفتاح مجال النقد العامّ، بشكل عفويّ أو عبر مؤسّساته المفترضة، كالمؤسّسات العلمية الدينية (كالحوزات والمعاهد الدينية)، أو الأكاديمية (الجامعات)، أو مراكز الأبحاث والدراسات، أو الإعلام بمجالاته المرئيّة والمسموعة والمقروءة، ومنه وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، التي أفسحت في المجال أمام كلّ فردٍ في هذا العالم لإبداء رأيه، وإجراء تعليقه على أيّ قضيّة مهما كان حجمها وتخصّصها، وأيًّا كان مطلقُها وموقعه في تصنيفات المواقع والمقامات.

من الطبيعي أنّنا هنا نتحدّث عن النّقد، بما له من مفهوم علميّ وآليّات تبقيه في إطار مناقشة الأفكار، وإثارة الأسئلة بطريقة منطقيّة، بعيدًا من المهاترات الكلامية وكلّ ما لا يمتّ إلى التفكير النقدي بصلة. قد تكون المسألة جدليّة هنا، ولكنَّنا لا يصحّ هنا عدم الاحتكام إلى ضوابط عامَّة بالإجمال، وهو - بكلّ الأحوال - موضوع آخر لسنا في مجال بحثه هنا، وإنّما أشرنا إليه لمناسبة الكلام.

السطحيّة الإيمانيّة

لعلّ ما قدّمناه يكفينا لبدء الكلام حول السطحيّة الإيمانيّة، والّتي نصف بها عادةً الجماعات التي تجمع بين أمرين:

1ـ منظومة من الفكر الاعتقادي المغلق والمحوري، بمعنى أنّه ثابت في مقولاته، غير حواري وإنما جدلي، وبالتالي هو غير منفتح على أفكار أخرى بطريقة نقدية حقيقية. ومعنى أنّه محوريّ، أنّ نقاشاته لأيّ فكرة أخرى هي عمليّة تستبطن آخر وتناقشه، ولا تناقش آخر في الواقع والحقيقة[2].

2ـ الإيمان اليقيني القابل للتحريك بدرجة خياليّة أحيانًا، بحيث تجد الواحد من هذه الجماعات مندفعًا نحو الموت من دون أن يرفَّ له جفنٌ، أو يهنَ له قلبٌ، كما أنّ مستوى عبادة هؤلاء تقوم على بذل جهود لا تقاس بها جهود الإنسان العاديّ في العبادات ذاتها.

ولعلّ من المناسب هنا إيراد ما أُثر عن النبيِّ(ص) من وصفٍ لمثل هذه الجماعات، ففي حديث أحمد بن حنبل بسنده عن أبي سلمة قال: "جاء رجلٌ إلى أبي سعيد فقال: هل سمعتَ رسول الله(ص) يذكر في الحروريّة[3] شيئًا، قال: سمعتُهُ يذكر قومًا يتعمَّقون في الدّين، يحقّر أحدكم صلاته عند صلاتهم، وصومه عند صومهم، يمرُقونَ من الدّين كما يمرق السّهم من الرمية..."[4]. وفي حديث البخاري عن رسول الله(ص)، إذ أتاه ذو الخويصرة وهو يقسم من الغنائم، وهو رجلٌ من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل! فقال: ويلَك! ومن يعدلُ إلى لم أعدِلْ؟! قد خبتُ وخسرتُ إن لم أكن أعدل. فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال: دعهُ! فإنَّ له أصحابًا يحقّر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجوز تراقيهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّمية..."[5].

وقد طلب الإمام عليّ من عبد الله بن عبّاس أن لا يحاججهم بالقرآن، وإنّما يحاججهم بالسُّنّة، فقال له: "لا تخاصمهم بالقرآن؛ فإنّ القرآن حمّالٌ ذو وجوهٍ، تقولُ ويقولون، ولكن حاججهم بالسُّنّة، فإنّهم لن يجدوا عنها محيصًا"[6]؛ وأغلبُ الظنِّ أنّ السّبب في ذلك، أنّ وجود وجوه مختلفة للكلام، يفترض عمليّة تحليليّة فكريّة عميقة، تردّ الفروع إلى الأصول، وتفهم المفردة في سياقها، وتقيس الكلام إلى مثله من الموارد، وتنظر في العموم والخصوص، والإطلاق والتّقييد، والمحكمات والمتشابهات، لتصل في النّهاية إلى تشكيل قناعة بالمراد.. وهذا الأمر لا يتمتَّع به هؤلاء، بسبب سطحيّة تفكيرهم، ولذلك كان لا بدَّ من ربطهم بالمحسوس أكثر من ربطهم بالمجرّد العقلي، فكان الأمر بمحاججتهم بالسنّة.

ولعلّنا نستطيع أن نفهم - انطلاقًا من ذلك - لماذا استطاع معاوية وعمرو بن العاص أن يخدعاهم في قضيّة التحكيم في حرب صفّين، عبر رفع شعار "لا حُكم إلّا لله"، الذي أفضى بهم إلى إرباك القيادة، والسّقوط تحت تأثير الخدعة، وبالتّالي، منع الإمام عليّ(ع) من تحقيق أهداف الحرب.. وقد روي عن عليٍّ قوله فيهم عندما سمع منهم مقولتهم تلك: "كلمة حقٍّ يُراد بها باطل. نعم، إنّه لا حكم إلا لله، ولكنَّ هؤلاء يقولون: لا إمرة إلّا لله، وإنّه لا بدَّ للناس من أمير بَرٍّ أو فاجرٍ، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدوّ، وتأمن به السُّبل، ويؤخذ به للضَّعيف من القويّ حتّى يستريح برّ، ويُستراحَ من فاجرٍ"[7]؛ فإنَّ الله لا يحكم النّاس بشكل مباشر، وإنّما ثمة نظام لا بدَّ من أن يتحرّك في حياة الناس، ولكنَّ هؤلاء - بسطحيّة تفكيرهم - حرّكوا الشعار في الواقع في غير موضعه، وتصوّروه على غير وجهه، فكان تطبيقه في الواقع دمارًا ووبالًا على الإسلام والمسلمين! وتحوّلوا في نهاية المطاف إلى قتلة وقطّاع طرق[8]، ووصل الأمر بهم إلى قتل عليٍّ(ع) وهو يصلّي في محرابه، وربّما قتلوه تقرّبًا إلى الله أيضًا!

إنّ التاريخ عندما يقصّ لنا كيف استطاع هؤلاء الذين كانوا بحيث يحقّر النّاس صلاتهم إلى صلاتهم، وصيامهم إلى صيامهم، فلكي نفهم من ذلك أنّ العبادة بمجرّدها لا تستطيع أن تصوغ شخصيّة متوازنة متماسكة أمام التحدّيات التي تواجهها في أفكارها واعتقادها، وتتطلّب منها موقفًا حاسمًا لا ارتباك فيه ولا تردّد، لأنّ دور العبادة أن تقوم بترسيخ الأفكار في وجدان الإنسان، ليدخل الإيمان في قلبه[9]، ولكنّها لا تؤسِّس فكرًا إيمانيًّا قويًّا، ولا توجد أخلاقًا قويمة، وإنّما تأتي العبادة في مرتبة ثانية، على ما ذكرنا آنفًا، بعد ترسيخ الفكر، عبر قواعد العلم والمنطق والبرهان والدَّليل الّذي يتحرّك على حدّ السّيف في الفكرة ودليلها، والرأي وبرهانه، والنقد ودلائله، حتّى إذا أصبحت الفكرة قادرةً على إثبات ذاتها من داخلها، عكسَت الحقيقة والواقع، وكان الإيمان - تاليًا - هو المحرّك لها في الحياة.

لمتابعة باقي المقال: http://arabic.bayynat.org/ArticlePage.aspx?id=22994


٢٨/١٠/٢٠١٦ / 27 محرَّم 1438هـ

الصدق فشل! // إكسير المحبة





الصدق كقيمة وصفة أخلاقية وإنسانية تظهر جليًّا في تعاليم الدين الإسلامي، وهي ليست بغائبة عن ثقافة الفرد -كائن من كان وبأي دينٍ يدين- فهو كلما شعر بأنك تبادله الصدق يكسب ثقتك، وكلما شكك في صدقك أخذ الحيطة والحذر.
ليس من السهولة والبساطة أن تكون صادقًا، فقيمة الصدق لا تنحصر في النطق والقول بل تتعداه للعمل والفعل بل تتجاوز ذلك للخواطر والأفكار.

يقولون: كن صادقًا مع نفسك؟
قلت: لماذا؟
يقولون: كن صادقًا مع الآخرين؟
قلت: لماذا؟
يقولون: كن صادقًا مع ربك؟
قلت: لماذا؟
أليس بالكذب والتحايل نترقى أعلى المراكز الوظيفية والاجتماعية؟.. ألسنا بالخداع والغش صرنا في قمة النجاح؟..
هل أصبحنا تجاريا بالصدق والفضيلة؟.. ماذا جنينا من الصدق في هذه الحياة غير التأخر والانتظار؟
الأسئلة لا تنتهي لو لاحظت وعانيت كل جزء وشبر من حولك!

ليس الأمر تعميمًا، ولا القصد إجحاف وإخفاء قيمة صدق الصادقين، ولكنك اليوم تعاني حتى في بيعك وشراءك للسمك واللحم، عجبًا تُضرب وتنغش إذا ما كنت ذَا علمًا ومعرفة!.

إذًا، لماذا الصدق؟
واحدةٌ من المساوىء التي نعيشها هي أننا نبني مواقفنا وعلاقتنا على النتائج، والحال أن الصدق مطلوب لقيمة ذاتية فيه، وقد عزز القرآن ذاتية الصدق وأمر باتباع الصادقين أينما كانوا، وهذا ما نفهمه من الاطلاق في قاله عزل وجل "وكونوا مع الصادقين"، هذا وبالرغم من أن الصادقين قلة؛ لأن الصدق حق "وأكثرهم للحق كارهون" والصدق من الحق يقينًا.

ولا يمكن أن ننسى أو نتغافل عن الصعاب والظروف القاسية التي مرّت بالأنبياء والأوصياء نتيجة صدقهم، بل حتى أصحابهم، حتى قال أبو ذر وهو منفي في الربذة: ما تركَ الحقُ لي صديقًا.

إذا أدركنا أن للصدق قيمة ذاتية ندرك مدى الراحة النفسية التي يخلقها فينا نتيجة التعاطي به، فإذا حصلت الراحة النفسية تغيرت نظرتنا للحياة بشكل عام، فلا نتأثر بضغوط إنحرافاتها وضلالاتها.

لذا ينبغي علينا أن نكون صادقين ومع الصادقين.



20/12/2016