Pages

Friday, April 10, 2015

حِشريون.. مع سبق الإصرار والتلصّص // إيمان الحبيشي

 
 
قد تكتب عبر صفحتك الشخصية، في أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي، عبارات وخواطر، تبريكات وتعازي. وقد تُسطّر عبرها أفكار وآراء، ليستفيد البعض مما كتبتْ يداك، بإثارة فكرة أو نقاش، أو بمجرد إثارة فضول يحض الآخرين على البحث حول ما كُتِب، وربما لا تتجاوز الاستفادة من كلماتك حد "المتعة" بأدب أو نكتة!
 
إلى هنا والوضع طبيعي جدًا، إلى هنا والصورة واضحة جدًا جدًا. الأمر الغريب أو غير الواضح، أن تكون كلماتك، أو كلمات الآخرين التي تتوافد عبر تلك المواقع، محرّض على التدخّل في شؤون الآخرين، أو تكون وسيلة مراقبة لآخرين أيضًا!
 
كم من رسالة خاصة، وصورة خاصة، وتعليق خاص اقتحم صفحات شخصية عبر مواقع التواصل الإلكترونية، تفوح منها رائحة التربص والتدخل والمراقبة والإزعاج؟
 
"عباراتكِ رقيقة تكشف عن قلب مخملي.. شغُف به قلبي حبًا".. عبارة يبعثها شاب وبشكل خاص لاسم امرأة لا يعرف من هي ولا كيف هي، إذ أنّ الأمر قد لا يعدو كونه "حشرية" زائدة، أو شبكة لاصطياد جماعي، والشاطر من يحصد العدد الأكبر من المتجاوبين!
 
"شئ ما يلفتني في رجولة كلماتكْ".. رسالة قد تبعثها سيدة، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، لشاب قرأت نقاشاته على إحدى تلك المواقع، دون أن تعرفه أو تدري من يكون، فضلًا عن وجود سابق معرفة بينهما!
 
يتجاوز البعض حدود "محاولات الاصطياد" تلك ليقفز لمرحلة أكثر إزعاجًا "لم تكتبين خواطركِ على الملأ؟ ألا يغار زوجكِ؟"!!.. عفوًا "وما دخلك!".
 
واقعًا قد لا يكون الهدف من السؤال الحصول على إجابة "يقبل أو لا يقبل" إنه سؤال أكثر خباثة يعني "هل أنت امرأة متزوجة؟" فإن كانت غير متزوجة، فحتمًا سينتقل دنجوان عصره لكلمات الإعجاب والإطراء؛ "أفا.. إنسانة بشاعريتش مو متزوجة! عميوا الرجال؟"
وإن كانت امرأة ذات بعل فستكون المرحلة القادمة؛ "لو انتين مرتي أنا جان حطيتش في تجوري.. صدق ما يعرف قيمتش!"
 
عفوًا أيها السيدات والسادة..
 
يعتقد البعض واهمًا أنه قادر على اقتحام الآخرين..
بضغطة زر!!
لكننا..
لم نخلق شفافين..
ومهما ظننتم أنكم "سحرة"، تجيدون قراءة ما خلف السطور..
فتلك ستظل مجرد تخمينات، من الغباء أن يصدقها صاحب عقل، فضلًا عن أن يبني على تلك القراءات تصرفات!
 
يقال في مثل شعبي "لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك" مثل حفظناه منذ كنا أطفالًا في المرحلة الابتدائية، للتو صرنا نقرأ ونكتب، نسحب أصابعنا عند أفواهنا لنبرهن على حنكتنا وذكائنا، فاللسان موضع حديثنا ها هو بفينا!!
 
حين تقتحم - تقتحمين - صفحة أحدهم، فصن لسانك وتعلم فن الاحتفاظ بحدودك مع الآخرين! فكم من كلمة خرجت لتكون معول هدم لحياة أسرة؟! وكم من تجاوز صغير سحب أصحابه لتجاوزات أكبر؟! وكم من "تدخل" بارد جرح قلوب الآخرين بسكين حروفه؟!
 
من أين للبعض الجرأة ليقرر بأن من حقه أن يوجّه للآخرين تساؤلًا، قد يكون سببًا في شعور الإنسان الآخر بالحرج أو بالوجع؟
 
تضج مواقع التواصل الاجتماعي، بحالات تختبئ وراءها أسماء مستعارة، أو شخصيات تخفي في العلن ما تكتمه في السر، من نوايا خبيثة، تظهر بين فلتات ألسنتهم خلف كواليس تلك المواقع الغير مرئية للآخرين. والمشكلة ليست في وجود بعض من يستغل مثل تلك المواقع استغلالًا سيئًا، فقد يقول قائل أن زر "الحظر" موجود فاضغطه كلما قفز إلى صفحتك شخص مسيء، لكن أيعد ذلك الزر علاج حقيقي لمشكلة "الحشرية والجرأة والإساءة للآخرين"؟
ألسنا بحاجة لتعزيز حس المسؤولية في استخدام مثل هذه المواقع؟ بل أكثر من ذلك نحن بحاجة لتعزيز حس المسؤولية الاجتماعية من كل فرد في المجتمع تجاه كل فرد فيه. فلو توقف الرجل والمرأة عند حدودٍ وُضعت بينهما، لتحفظ المجتمع من زلات كارثية، لوفرنا على أنفسنا العديد من مآسي الخيانات الزوجية، والكثير من مآسي المنزلقات الأخلاقية، التي كانت بداياتها "كلمة".
ماذا لو أن كل فرد منا فكر بكلمته التي يريد أن ينطقها، إلى أين ستتجه؟ وماذا ستصيب؟ وماذا ستنتج؟ وأي كيان قد تبنيه أو تهدمه؟ ليقف كثيرًا قبل أن ينطقها، مراقبًا الله والإنسان أمامه والمجتمع الذي ينتمي إليه؟
 
ماذا لو صرنا نخشى أن نجرح إنسانًا عبر تدخلنا، أو عبر النطق بأحكام قررناها عنه؟
ماذا لو صار الإنسان مجرد "إنسان" يخاف على إنسانية أخيه، وعرض أخيه، ومشاعر أخيه، ودين أخيه، ومصالح أخيه؟ ماذا لو صرنا "مؤمنين" كما أراد لنا رسول الله صلى الله عليه وآله حين قال:

(ألا أنبئكم لم سمي المؤمن مؤمناً؟.. لإيمانه الناس على أنفسهم وأموالهم..
ألا أنبئكم من المسلم؟.. من سلم الناس من يده ولسانه..
ألا أنبئكم بالمهاج؟.. من هجر السيئات وما حرّم الله عليه. ومن دفع مؤمنًا دفعة ليذله بها، أو لطمه لطمة أو أتى إليه أمرًا يكرهه، لعنته الملائكة حتى يُرضيه من حقه ويتوب ويستغفر..
فإياكم والعجلة إلى أحد!.. فلعله مؤمن وأنتم لا تعلمون، وعليكم بالأناة واللين، والتسّرع من سلاح الشياطين، وما من شيء أحب إلى الله من الأناة واللين
).
 
الله الله في قلوب الآخرين، الله الله في خصوصيات الآخرين، الله الله في حدود الباري.
 
 
11 إبريل 2015

No comments:

Post a Comment