الطلب –كما في لسان العرب- هو "محاولة وجدان الشيء وأخذه"، ولا وجدان لشيء قبل وجود علته التامة، فكون النار قد التقت بما يقبل الاشتعال فهذا لا يعني حدوث الاشتعال فعلًا، إذ أن جزئية غاز الأكسجين مقومة لذات الاشتعال بالإضافة إلى النار وما يقبل الاشتعال.
نسمع اليوم كثيرًا عن فشل الحكومة في ليبيا، وفشل الحكومة في اليمن، وفشل الحكومة في لبنان، وغيرها من الحكومات التي ينسب إليها الفشل عند تدهور الأوضاع الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية أو ما يشبهها في البلد، ولست هنا في مقام الدفاع عن حكومة أو أخرى، ففي نظري أنه لا حكومة حق إلا حكومة الإسلام العظيم يقوم بها عظماء الإسلام حكومات وشعوبًا..
على أية حال، فقد قام الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بالإسلام حاكمًا، غير أن القرآن الكريم يصرح من جهة أخرى قائلًا (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)، فهل (فشل) الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في تربية شعب يحترم خطه المقدس فلا ينقلب عليه؟
وهل (فشل) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في كسب شعب الأمة الإسلامية ففرضت عليه (لفشله) حروب ثلاث في خمس سنوات هي مدة خلافاته، ثم أنه يقتل في محرب صلاته؟
وهل فشل الإمام الحسن (عليه السلام) في إثبات كرامته وفضله على معاوية بن أبي سفيان حتى اضطر إلى المعاهدة المعروفة؟
وهل (فشل) الإمام الحسين (عليه السلام) في الانتصار بالرأي العام فلم يلتحق بركبه غير قلة قليلة في قبال عشرات الألوف اختارت يزيد بن معاوية وزمرته؟
إذا كان هؤلاء قد (فشلوا) فإن خالق الخلق ومالك الملك الله سبحانه وتعالى قد (فشل) أيضًا في إقامة دولته المقدسة (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ)، ولا صِدْقَ في الواقع إلا لمقولة الملائكة (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء)!
إنها دعوى باطلة بلا شك ولا شبهة، فالله عز وجل ومن اصطفى من خلقه جهاتُ فعل كاملة في طول واحد لا يمكن أن يرد على أدائها نقص أو عيب أو شائنة، ولذلك فإن (الفشل) في إقامة الحكم الحق لا يمكن أن يخرج عن دائرة القابل، فما أريد قوله هنا أن نسبة (الفشل) إلى الحكومات دائمًا أمر غير صحيح وثقافة مستبدة جدًا؛ فالحكومات ليست إلا (جزء) علةٍ تمامُها في مدى استعداد القابل للتكامل معها فيقع التغيير في الاتجاه المطلوب.
قياسنا على هذا القانون التكويني الواقعي، فالإنسان إذا لم يُرِد لنفسه الخير فإنه لا يستفيد لا من قرآن منزل ولا من نبي يوحى إليه ولا من وصي محدث، فضلًا عن أن يكون المتصدي دون درجة العصمة!
في بلدنا البحرين هناك إشراقات ثقافية غاية في الروعة، إلا أنها مخنوقة بسيل جارف مضاد لها، والأمارات على ذلك كثيرة، أوضحها الاستعداد الكبير من المجتمع للتفاعل والانفعال مع أتفه ما يثير الفتن والتنازعات، ناهيك عن اشتداد حالة التحزب وخلق الجبهات وصناعة الأعداء بما يبشر بتردي المستوى الثقافي حتى لو تحققت أعلى المطالب السياسية سقفًا، والنتيجة والحال هكذا أنه لن يكون للشعب ريح يهاب، فقد قال جل ذكره (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).
وأسأل الله اللطيف الخبير أن أكون على غير صواب..
السيد محمد علي العلوي
No comments:
Post a Comment