منذ ارتفعت الاصوات منادية بالتحضر والتطور، ونحن نسمعها تردد شعارات يعتقدها البعض حقة وجميلة، لكنها قد تكون ملئى بالإجحاف، المساواة بين المرأة والرجل، شعار لطالما نودي به، شعار تفتخر - بزعم - تحقيقه بعض الدول، منها الدول العربية والإسلامية التي صارت مكانة المرأة فيها تحمل شيئًا من الاحترام بعد أن انطوى زمان وأدها حية على يد رسول الرحمة محمد (ص).
معروف أن مبدأ الثواب والعقاب في الإسلام قد ساوى بين كفتي المجتمع، يقول رب العزة : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)، والحديث عن تساويهما من هذه الجنبة مضيعة لوقتنا، فما أقره الله لا يمكن أن يبطله بشرًا كائنًا مَن كان، والادعاء بنفي وجوده مردود عليه عبر الكثير من الأدلة النقلية بل والعقلية أيضًا. أما الإشكال الذي يلقيه كثيرون في عمق مشاعرالأمة الإسلامية، وخصوصًا في عمق مشاعر النساء من هذه الأمة، هي إشكالية الفرق بين الرجل والمرأة في حقوق منها حق الإرث، وقبول الشهادة، بل والنفقة في بعض الأحيان، فما يراه الرجال تكليفًا إسلاميًا لهم يوجب عليهم أن يكونوا مسؤولين ماديًا عن زوجاتهم يراه البعض نقصًا معيبًا يضر باستقلالية المرأة.
هناك الكثير من التفسيرات التي تتحدث عن أسباب وفلسفة اختلاف الإرث بين الرجل والمرأة في الإسلام، وكذلك فلسفة قبول شهادة رجل مقابل سيدتان، وكثير من هذه التفسيرات تصب في أمر جوهري جدًا هو اختلاف المرأة والرجل بيولوجيًا وفسيولوجيًا وعقليًا، وهو أمر صحيح قطعًا لكني لست بصدد الحديث عنه، إنما حديثي في ضوئه.
تُرى لماذا يختلف الرجل والمرأة؟ وهل الحديث عن تساويهما ترفًا؟
في اعتقادي إن سبب الاختلاف بين الرجل والمرأة، هو سبب تكويني تقوم عليه الحياة، وهو أن يكونا مختلفين ليتمكنا من التكامل، يعني ذلك أن للحياة كفتين متساويتين حتمًا، الرجل أحدها والمرأة ثانيها، تتساوى أهميتهما، وضرورتهما، وتنتفي دون إحداهما الحياة. وحينما تميل كفة أكثر من كفة، فإن معنى ذلك أن هناك اختلالًا في توازن الحياة سيكون له مردوده السلبي حتمًا. وأصور المرأة كالعنصر الرياضي (س) والرجل كالعنصر الرياضي (ص) الذيْن يكوّنان معادلة الحياة، إذ لا بد أن تكون معادلة تلاحمهما صفر ( التوازن ) ف (س + ص ) = صفر، على الرغم من اختلاف العنصرين واستحالة تساويهما. وحين نغير المعادلة فتغييرًا حتميًا سيكون مرافقًا في دورهما فـ س = - ص أو ص = - س ، معنى ذلك أن تساوي الرجل والمرأة يكون مع الاختلاف بينهما واستحالة طرح ذلك الاختلاف.
إن قمة العدل أن يكون اختلاف الإنسان عن أخيه الإنسان أمرًا مأخوذًا في الاعتبار عند توزيع المهام مثلًا، فالرجل قوي البنية قليل المهارات يختلف عن الرجل الأضعف بنية والأكثر مهارة، وكلاهما قد يكملان نصاب مشروع تجاري ناجح جدًا دون أن يبخس أحدهما حق الآخر من ناحية الأهمية والجزاء. وكذلك حين نلاحظ تركيب بعض الأجهزة الكهربائية أو حتى أعضاء الإنسان الحيوية، فسنجد أن الجهاز الواحد يتكون من عدة أجزاء، تختلف أشكالها وألوانها وأحيانًا مواد صنعها، لتتمكن من أداء مهمة معينة على أكمل وجه. ورغم اختلاف أحجام وأشكال كل جزء إلا أن خللًا صغيرًا يطرأ عليه قد يدمر ذلك الجهاز، مما قد يؤدي لتدمير كامل الجسد أو الأداة الإلكترونية.
إن من عمق المساواة أن نعترف بخصائص الرجل ونحترم دوره ونقدر أهميته، كما من عمق المساواة أن نعترف بخصائص المرأة ونحترم دورها ونقدر أهميتها، مبتعدين عن مرض (الغبن) الذي بلانا به العالم الغربي الذي يجد أن إرضاع المرأة واتحادها مع طفلها عيبٌ ونقصٌ يحدّ من استقلاليتها، وتهميشٌ لقدراتها وتوهينٌ لعقلها، بينما يحض رسول الرحمة أبناء الأمة بأمهم ثم أمهم ثم أمهم ثم أبيهم، في مساواة عجيبة قل نظيرها في الكون على امتداد تاريخه.
لنا حق أن نرفض مساواتهم ونطالب باحترام تكاملنا.. إنما خلقنا لنكون وحدة واحدة لا شيئًا واحدًا.
29 نوفمبر 2014
No comments:
Post a Comment