منذ أسابيع كنت مشغولة جدًا بالاستعداد لزفاف خالتي الصغرى، التي تربت يتيمة بعد فقدانها لوالدتها وجدي وهي صغيرة في السن. كنت أتسوق - رغم كرهي للتسوق - بكل سعادة فرحًا بإنسان اختاره الله، ليشاركها بقية حياتها إن شاء الله.
ثم وبعد أسبوع فقط، استيقظت صباحًا لأتلقى خبر نعي ابنة عمي ذات الـ 19 ربيعًا، التي وافتها المنية أثناء زيارتها للإمام الرضا عليه السلام احتفالًا بزواجها!
شتان بين سبت صباحية زواج خالتي، وسبت صباحية وفاة ابنة عمي! هكذا تراءت الحياة أمامي، بين فقد وكسب، بين زفاف لقبر وزفاف لبيت زوجية، هكذا يفاجأنا الفرح يومًا، ليقتحمنا الحزن يومًا آخرًا، سنَّة الله على هذه الأرض (وقهر عباده بالموت والفناء).
نرقص فرحًا ونزغرد، والدنيا من حولنا تزغرد، لأن شابين توفقا للزواج (وسينجبان) بشرًا يعمرون هذه الدنيا. نفرح حتى وإن كان هذان الشابان غريبين لا نعرفهما، إذ تستهوينا حتى صور العرسان في الصحف والجرائد، فينثغر فاهنا فرحًا لهما، ندقق في تفاصيل بسمتهما، ومسكة كفيهما، ونظرة عيناهما! بينما يغتال فرحنا حزنًا اقتحمنا، حين نُقلِّب ذات الصحيفة لنجد خبر وفاة شاب أو شابة على حين غرة!
أتراها غريزة الإنسان في حب البقاء، تندفع رغمًا عنا لترتسم على شفاهنا بسمة، وكأنا نُحدِّث الموت أنك عصي على بني البشر، فيقهرنا بأخباره وكيف أنه انقض على إنسان كان يعيش بغمرة فرحه ربما.. فرحه بزواجه!
يقول رب العزة (وما تدري نفس ما كسبت ولا تدري بأي أرض تموت)
لعل الموت هو ذلك الشبح المرعب، الذي ما إن نذكره حتى استعذنا بالله، وما إن تذكره إحدانا حتى انقضضنا عليها نعنفها (شر عنش من الشر)! وكأنه مُوَّلٍ عنا حين نولّي عنه!
للموت حقيقتان واضحتان جدًا؛ أولاها وأكثرهما وضوحًا، هي مرارة الفقد الذي يعانيه أحبة الميت، فضياع أطفال ماتت أمهم، هي الصورة التي تظهر أمامنا كلما ذكرنا الموت، وكسر قلب أم فقدت ابنًا لها كانت تذخره سندًا لسنين عمرها القادمة حين تكبر وتشيخ، صورة أخرى تظهر أمامنا كلما ذكرنا الموت، لكن للموت حقيقة أخرى، فهي تعني نهاية حياة كفاح وعمل وكدح وصبر وشقاء، والانتقال لحياة الجزاء، إنها تعني نهاية آلام الدنيا وأحزانها، إنها تعني الخروج من دنيا فانية، الخليفة فيها إنسان قد يسفك الدماء، وقد تخونه قدرته على تحقيق العدل بين البشر. لينتقل المرء لدار، الحاكم فيها هو الله جل وعلا، حاكم عادل لا يأتيه الباطل أبدًا، حاكم لا يشغله صوت عن صوت، يبسط العدل بين بريته وأي عدل؟
ترى لماذا ارتبط الموت عندنا بالعذاب والشقاء والفراق؟! لماذا نهرب من ذكر الموت وكأن عفريتًا للتو ظهر أمامنا؟ بينما حين هوى ابن ملجم بالسيف على رأس أمير المؤمنين، صاح عليه السلام "فزت ورب الكعبة"!! يقول (ع): "والله ما فجأني من الموت وارد كرهته ولا طالع أنكرته، وما كنت إلا كقارب ورد وطالب وجد، وما عند الله خير للأبرار". إنهم عرفوا حقيقة تلك الدار، فلم يخافوها ولم يهابوها لكنهم انتظروها شوقًا وحبًا وما أحوجنا لنعرف تلك الحياة حتى نشتاقها ونعمل من أجلها وننتظرها، يقول الإمام علي عليه السلام "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا" في دعوة لعمل متزاوج متزن بين هذا العالم وذلك العالم، دون أن يسطو العمل من أجل هذه الحياة على العمل الذي يجب ان يكون من أجل تلك الحياة، إذ يقول رب العزة (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِن َالدُّنْيَا ۖ).
4 إبريل 2015
No comments:
Post a Comment