تختنق الكثير من الحاجات الإنسانيّة والرّغبات المباحة، لسببٍ أو لآخر، من جهةٍ أو أخرى، فتنعكس سلبًا على المحروم من حاجاته، والمقموعة رغباته، فينتج عن ذلك ردّات فعلٍ سلبيّةٍ منه عاجلا أم آجلا، والسّبب هو الفعل الزّائد الذي اقترفته الجهة التي حرمته ومنعته وقمعته، وما أصعب وأشدّ الأمر حينما يكون المجتمع هو تلك الجهة..
يعمد الكثير من أبناء المجتمع، خصوصًا من تكون له سلطة على أحد، ولو كانت على فردٍ واحد، لإجبار الآخرين على الالتزام بما يستحسنون ويريدون، ولمنعهم عمّا لا يريدون ولا يستحسنون، فيخنقون الآخر على جميع المستويات، كلّما كان لهم فيها رأي، وكانت لهم سلطة، على من لا حول ولا قوة له، فيفرضون عليه ما يشاؤون أداءً ومنعًا.
في الحقيقة فإنّ الكثير من الطّاقات البشريّة والإنسانيّة التي نملكها، لا تجد المساحة المناسبة لها، فلو وجدت الأجواء المناسبة لمضت في طريقها الصّحيح، وساهمت في تقدّم البشريّة، بل وتحوّلت بأصحابها لمبدعين، واحدهم يتلو الآخر، بينما نجد أنّ الإنسان يضع العوائق لنفسه، ولأخيه الإنسان ونظيره، فيفرض عليه قيودًا ما أنزل الله بها من سلطان، فالرّسّام مثلًا نخنق إبداعه منذ الصّغر، والكاتب كذلك، والمنشد وغيرهم، وكلّ ذلك لأنّه طفلٌ (شيطان)، ويجب أنْ لا يتحرّك، ولا يجرّب، ولا أنْ يفعل أيّ شيء.
من جانب آخر نرى الثّقافات تلعب دورها، فبعد أنْ كان الزّواج - مثلًا - أبكر سنًّا من اليوم، نجده اليوم يتأخّر، ولا يكون ذلك إلا لأسبابٍ واهية، أو لثقافات جديدةٍ وضغطٍ مجتمعيٍّ متواصل، فيظلّ الشّاب، وتظلّ الشّابة، يعانيان ضغط حاجاتهما وطاقاتهما الإنسانيّة الطّبيعية لسنواتٍ طويلة، فالتّكاليف الباهظة مثلًا تؤخّر زواج الشّاب، لأنّ قدراته المادّية غالبًا لا تسمح له بتلبية متطلّبات الزّواج، إلا بعد أنْ يقضي شيئًا من السّنين، يكوِّن فيها نفسه، وليس ذلك إلا للضّغط المجتمعيّ الذي حوّل بعض الزّوائد إلى لبّ الزّواج وقلبه، بينما الأمر ليس كذلك في واقعه، لكنّ الخروج من ذلك بات صعبًا للغاية، فيتحقّق عامل ضغطٍ شديدٍ جدًّا، يكاد المجتمع يختنق تحت وطأته.
وكذلك نجد الكثير يدّعي أنّ من لم يبلغ كذا من العمر فهو صغير، ولا يستطيع إدارة حياته، ولا تستطيع هي أيضًا إدارة منزلها، وغيرها من المبرّرات، بينما الردّ على ذلك سهل، فإنّ الشّارع المقدّس عامل الفتاة معاملة المرأة منذ التّاسعة، وعلى بعض الآراء منذ الثّالثة عشرة، ولا أكثر من ذلك، بينما عامل الشّابَّ معاملة الرّجل منذ الخامسة عشرة أو أقلّ من ذلك، أفيكون رجلًا وتكون امرأةً عند الشّارع، ولا يكونان كذلك عندنا؟!
من جهة أخرى، يقولون أنّ علاقتهما ستفشل لذات الأسباب، وسيؤول حالهما للانفصال، ولكنّ هذا أيضا ليس بسببٍ قويٍّ كما أرى، فكم وكم سمعنا عن حالات طلاق بين الكبار، ممّن عاشوا معًا ما يربو على العشرين عامًا أو الثلاثين، ونجاح الكثير من الزّيجات المبكّرة من جهةٍ أخرى، فأين هو المقياس إذًا؟
بعد كلّ هذا الضّغط الممارس، مقصودًا كان أم غير مقصود، إلى ماذا سيذهب المحروم من حاجاته، والمقموع في رغباته، والمحجور على عقله؟
إنْ نجا بعض، فحتمًا سيسقط بعض آخر، وإنْ قاوم الضّغط بعض، فلن يصمد آخرون، وهكذا، نقتل الإنسان، ونقتل المجتمع..
تحدّثت عن الزّواج لأنّه مصداقٌ واضحٌ كما أراه - وبتعطيله يجري ما يجري اليوم من بلاء- وإلا فإنّ مصاديق هذه الحالة كثيرةٌ جدًّا..
فما أذهب إليه بكلّ وضوح، هو: إذا منعتم الإنسان من حاجاته، وضغطت عليه باتّجاه حرمانه من رغباته المباحة، ووقفتم بوجه آراءه وثقافاته ومواهبه، فإنّكم على الأغلب تعيقون تقدّمه، وتقودونه لردّات فعلٍ عكسيّة، تكون عواقبها وخيمةً عليه وعلى المجتمع ككل.
9 مايو 2015
الاستاذ الفاضل محمود سهلان المشكلة ليست في الزواج مبكراً او متأخراً المشكلة في المجتمع الذي اعتبر ابن 14 و ابنة 10 حدثاً و ليس مسؤول عن تصرفاته حتى يبلغ 18 عاماً في حين انه شرعاً هو رجل و هي امرأة كذلك فكرة التربية فالمجتمع نفسه بحاجة لتربية فكم من ام و اب بحاجة لتربية انفسهم قبل ابنائهم و بالسابق الموضوع كان المجتمع محصوراً تحكمه الكثير من العادات و التقاليد و الدين و حين يتزوج الرجل يعرف حجم المسؤلية و ليست فقط قضاء وطر و كفى اما الان فمع تأخر سن الزواج الا ان الموضوع لازال محصوراً في قضاء الوطر و لا توجد ثوابت و لا اسس بسبب التسارع الذي نفقد فيه الكثير من القيم من اجل القدرة على المواكبة ... الموضوع طويل و متشعب و يبحث من عدة زوايا
ReplyDelete