Monday, December 26, 2016

قلب الحقيقة وعكس المفاهيم // إكسير المحبة


واحدة من أهم المزايا التي ميّز الله بها الإنسان عن غيره من المخلوقات ميزة العقل والتعقّل، وقد جاء في التفكّر والتدبّر وإعمال العقل الكثير من النصوص فضلًا عن وجدانيتها، فالإنسان يدرك جيدًا بأن تعطيل العقل تسافلٌ يجعله أضل من الحيوانات، والأدهى من كل ذلك والأمرُّ إن استغل عقله لقلب الحقيقة وعكس المفاهيم -والحديث عن الجزئية الأخيرة تحديدًا.
يقول بعضُهم:
هل وهبك الله عزَّ وجلَّ يدًا كي يقطعها؟
قطعًا إجابتك ستكون بالنفي!
بل إنه أعطاكها للبذل والعطاء والعمل ولكل خير، ومن حقها -اليد- عليك "أن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل، ولا تقبضها مما افترض الله عليها ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها، وبسطها بكثير مما ليس عليها، فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل وجب لها حسن الثواب من الله في الآجل". رسالة الحقوق للإمام السجاد "ع".

ما  دمتَ لست بسارقٍ ولا معتدٍ فما شأنك وحكم السارق؟ "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" المائدة-الآية ٣٨
هل من ضرر يقع عليك؟ سواء كان قطع اليد أم تجاوز ذلك لقطع الرأس! أليس يحميك حكم كهذا؟
الأصل أن الإنسان لا يسرق ولا يعتدي ولا يبطش، وإلاّ هو ليس بإنسان، إذًا لماذا يُشنّع اليوم على الإسلام بقلب مفاهيم مثل هذه الأحكام؟ ولماذا ينظر له على أنه مخالف لحقوق الإنسان؟!

لا مقايسة ولا مشابهة بين الأحكام الإلهية والقوانين الوضعية، ولكن وفِي الواقع إن قلب الحقيقة والمفاهيم لا يكاد يُفارقنا، ولعل الكثير منها ليس بقصد ولكن النتيجة واحدة.
لو تفكرنا قليلًا في قوانين المرور في بلداننا -مثلًا- وما يدور حولها من لغط واختلاف في الرأي لوجدنا النتيجة ذاتها، فإذا ما أردنا قلب وعكس المفاهيم فالأمر ليس صعبًا.
يُقال إن الأنظمة كلما عاشت أو تعيش حالة من التدهور الإقتصادي فإن إحدى الحلول عندها هو سلب المواطنين بأي طريقة كانت.
جميل جدًا، ولن نختلف في ذلك وسنسلم بما يقال ولكن..
ما دخل ذلك في غرامة قطع الإشارة الحمراء؟ والسرعة التي تقودك وتقود غيرك للتهلكة؟ واستخدام الهاتف أثناء القيادة؟ وعدم ربط حزام السلامة؟ وإلخ...
فلتكن الغرامة مائة ومائتين دينار وألف وألفين دينار وما شأني بكل ذلك، لا يعنيني من الأمر شيئًا ما دمتُ ملتزمًا بما أنا ملزوم به شرعًا وقانونًا.
نحتاج بالفعل أن ننظر إلى الصورة من زاوية غير زاوية الرفض لمجرد الرفض، ونحتاج لفهم الأمور بشكل مختلف عما اعتدنا عليه، وفي ذاك الوقت فقط سوف نرى بشكل أوضح وأكثر اتزانًا.

ثم، كونك تعلم بأن الأنظمة تحاول سلب مالك من خلال قوانين ما أنزل الله بها من سلطان ومن ضمنها قوانين المرور، لماذا تقدم لهم هذه الخدمة الجليلة؟ إذا ما كُنتَ تعلم أن شخصًا يريد سرقتك أمن العقل في شي أن تُسهل له ذلك؟!

بكل صراحة، ألسنا نخادع أنفسنا ونعطل عقولنا في كثير من الأمور المماثلة والمشابة؟


26/12/2016

No comments:

Post a Comment