Friday, June 26, 2015

التاريخ يكتبه الكاذبون / ايمان الحبيشي



 
لقصص الأمم والحضارات والشعوب أهمية قصوى، لا تتمثل بالمعرفة التي يوفرها الاطلاع على تاريخ وتجارب الشعوب فحسب، بل يتجاوز الأمر ذلك ليصل بالإنسان لأن يتمكن ومن خلال معرفة قصص الأولين، من توقع خط سير المجتمع مستقبلا، وكيف من الممكن أن يكون، وما السبيل لأن يكون مجتمعا ناجحا مثلا، وذلك عبر نظريات وضعت من خلال دراسة تاريخ الأمم.

فمثلا صارت هناك نظريات اجتماعية قادرة على معرفة خط سير المجتمعات، فمن ضعف الى قوة الى ضعف، قاعدة اجتماعية معروفة تحدث عنها ابن خلدون في مقدمته وشاركه فيها العالم الألماني شبنكلر.

في الواقع فان بعض العلوم كعلم الاجتماع مثلا، هي علوم قائمة من أساسها على دراسة المجتمعات والحضارات والعادات لجماعة ما ثم استخلاص العبر والنظريات من خلال مقارنتها بحضارات وجماعات أخرى، الا أن ذلك يعني أن يتمكن المتتبع لتاريخ الشعوب والأمم من معرفة التاريخ الحقيقي وما جرى حقا على الأمم ليتمكن من استخلاص نظريات واقعية وعبر تنفع الإنسان اليوم ليبني مجتمعا متكاملا قادرا على تحقيق متطلبات أفراده وجماعته محققا بهم ذلك الكمال.

إنّ من مصائبنا العظمى أنّ تاريخنا الإسلامي قد كتبه أصحاب السلطة! فكيف من الممكن أن نستخلص عبرة أو نظرية من تاريخ كتبه الأقوياء والجبابرة ومن أجل أن يمجّدهم التاريخ ويذكر فيهم ما لم يكن فيهم قط!

أُتابع منذ بداية شهر رمضان المبارك سلسلة محاضرات يقدمها الشيخ عبدالأمير الكراني، وهي سلسلة تاريخية تتحدث عن السيرة النبوية العطرة، ورغم أني قرأت الكثير من الكتب التي تتحدث عن تزييف تاريخنا الإسلامي إلا أنّ التوسع الذي يقوم به الشيخ مشكورا قد يصيبنا بالذهول، فالكثير من القصص المنسوبة لنبي الرحمة صلى الله عليه وآله، لم يكن لها أساس من الصحة انما ذكرتها شخصيات مشكوك في أهدافها. ولو توسعنا قليلا لوصلنا لكربلاء الحسين عليه السلام والتي لولا حرارة دم شهدائها وعلى رأسهم حفيد رسول الله لتمكن جبابرة ذلك الزمان من حرف مسارها لتكون كما يردّد كثيرون من طلاب سيرة الجبارين "حربٌ على السلطة والرياسة" وحاشى لحفيد رجل الإصلاح الأول أن يحارب من أجل سلطة، لكن تمكّن كتّاب التاريخ الكاذبين من تفريخ أجيال تسمع قصتهم وتصدّق روايتهم حتى خرج منهم من يتبجح بأنه لو كان في زمن الحسين لخرج لقتاله!!

اليوم ابتلينا نحن أبناء هذا الزمان، بعقول تربت وهي تسمع روايات مكذوبة عن رسول الرحمة تصوّره كرجل حرب وغنائم وسلطة! فلم يعرفوا من رسولهم هذا سوى النحر وسفك الدماء وسّبي النساء!

اليوم ابتلينا نحن أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، بعقول ونفوس تربّت حاقدة، جاهلة بالتاريخ الحقيقي للتشيع ومعناه، ذلك أن التاريخ يكتبه الكاذبون! ولأن ائمة هذا المذهب يسيرون في منهج مغاير لسلاطين زمانهم الذين كانوا يخشون من محبة الناس لهم ويخشون من صدق حديثهم فكانوا يلاحقونهم ويقتلونهم ويبطشون بشيعتهم ثم يكذبون ويكذبون ويفترون ليصوّروا الشيعة كمجموعة منحرفة ضالة ليسهل قتل الضمير الإنساني حين ينظر لمسألة قتلهم، فوصلنا لأن يتجاسر إنسان على أخيه الإنسان ليفجّره في بيت الله وفي شهر الله وهو قائم بين يديّ الله!!

حين نقول أن دراسة التاريخ الحقيقي أمر في غاية الأهمية فان ذلك يبرز حين نستذكر أن واقعنا اليوم هو نتيجة لإهمال تتبع التاريخ الحقيقي لأمتنا، وهو نتيجة حتمية لتغييب البعض لعقولهم وتسليمها تماما للكاذبين والجبابرة، انها نتيجة حتمية لعدم تمكًن الكثيرين من النظر للتاريخ بعين المتفحص ثم تشخيصه بعين المنصف.

ان إعادة قراءة التاريخ بشجاعة ونقده بجرأة دون تسافل ولا تحامل، قادر على ان يستنقذ الأمة من حالها الفظيع الذي وصلت اليه، ليس ذلك فحسب بل ان دراسة التاريخ قادر على أن يوجد بداخلنا حلولا حقيقية وجذرية لكل مأزق نحياه داخل البيت الواحد والمجتمع الواحد والطائفة الواحدة فضلا عن مآزقنا في البيوت المتجاورة والمجتمعات المتداخلة والطوائف المتعددة.

كن سيد نفسك .. حكّم ضميرك وحسك الإنساني .. وارجع لتقرأ التأريخ متفحصا لا حاكما وقد تتفاجأ مما قد تؤول اليه الأمور بعمق نفسك لتنعكس على مجتمعك.. وأول ثمار ذلك سيكون أن نخرج من سطوة العدو الذي تفحّص تاريخنا جيدا وتمكّن منا تماما لنكون سادة أنفسنا العصاة على عدونا.
 
27 يونيو 2015

النّصوص الشّرعية بين التّغافل والجمود / محمود سهلان

 
 
قد يتعجّب المتتبع للمسائل الشّرعية عن قربٍ من العديد من المسائل، وكذلك ممّا يرد في الروايات، فيما يجده من دقّة كبيرة، وما يراه من اهتمام شديد حتى بأدق التّفاصيل، من أكبر الأمور لأصغرها، فيعلّمك كيف تشرب الماء، وكيف تدخل للمكان الكذائي وكيف تخرج منه، بل ماذا تلبس في بيت الخلاء (أجلّكم الله)، وكيف تجلس، وغيرها ممّا لا حصر له، بنفس الدّقة والاهتمام والمسؤوليّة التي يعلمك بها الصّلاة والصّيام وغيرها.

إذا آمنا أنّ هناك منظومة متكاملة أنزلها الله على أنبيائها تباعًا، حتى أكملها وأتمّها بالرسالة الخاتمة، والشّريعة الكاملة، التي أنزلها على سيدنا محمّد (ص)، وأنّها متكونة من ثلاثة أضلاع رئيسية، وهي: العقيدة والأخلاق والأحكام الشّرعية، فإنّنا حينئذٍ لا ينبغي أنْ نتعجّب من هذه الدّقة والاهتمام، التي تقدّم الإشارة لهما فيما يتعلق بالأحكام الشرعية.

الحديث هنا حول المندوبات والمكروهات أكثر من غيرها، فلست في وارد الحديث عن العقائد الإسلامية، ولا عن الواجبات والمحرمات، ولا عن الأخلاق، بما هي هي، وسأتطرّق إليها بشكلٍ غير مباشر كما سيأتي.

الرّسالة الأولى: المندوبات والمكروهات ليست أمرًا زائدًا عن المنظومة الإسلامية المتكاملة، فبها يتكاملُ المؤمنون، فإنّ المؤمنين يجبُ أنْ يكونوا قد فرغوا من مسألة الالتزام بالواجبات والانتهاء عن المحرّمات، وارتقوا لمرحلة التّسابق نحو الدّرجات العالية، فالمؤمن ليس في وارد البحث عن الجنّة هنا، بل هو فيها، إنّما يسعى لبلوغ الكمال والارتقاء من درجة لأخرى، وهذا ما يتحقق بالالتزام بالمندوبات وترك المكروهات على اختلافها، فتأمّل ذلك أخي المؤمن.

الرّسالة الثانية: وقد تكون أهم من الأولى لغفلتنا عنها، ولشموليتها، فهي أعمّ من أنْ تتعلق بخصوص المندوبات والمكروهات الشرعية، فهي دعوة للغوص في أعماق المسائل العقائدية، والأخلاقية، والشّرعية، لنخرج منها بعلوم جمّة، لا يمكن أنْ نجدها إلا من خلال سبر أغوار هذه الأضلاع الثلاثة، وأنا مسؤول عمّا أقول. نعم هي دعوة لكلّ متخصص في كلّ علم ليتحمل مسؤولياته، ويبحث في مورثنا الدّيني الكبير، خصوصًا ما ورد عن الرسول الأعظم (ص) وأهل بيته الطّاهرين (ع)، ولكي لا يكون كلامي عائمًا أعطي بعض الأمثلة، مع ملاحظة أنّ العلل ليست متيسّرة دائما لنا، لكن يبقى لكلّ معلول علّة، فتدبروا وتأملوا ذلك جيدا:

المسألة الأولى: "وإذا وجدَ بعض الميت، فإنْ كان فيه الصّدر، أو الصّدر وحده، غسِّل وكفِّن وصلّي عليه ودفن.
وإنْ لم يكن - صدر - وكان فيه عظم (أي بعض الميت)، غسِّل ولفَّ في خرقة ودفن، وكذا السّقط إذا كان له أربعة أشهر فصاعدا". [شرائع الإسلام للمحقق الحلي].

تساؤلات: لماذا يصلّى على بعض الميت إنْ كان فيه صدر، أو الصّدر وحده؟ ولماذا يغسّل ويلفّ الجزء المحتوي على العظم ويدفن، ولا يغسّل ما ليس به عظم؟ ولماذا يغسّل السّقط إذا كان له أربعة أشهر فصاعدا؟

المسألة الثانية: يتّفق الفقهاء على أنّ ما كان دون الكر من الماء فإنّه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة، وما كان كرًّا أو أكثر فإنّه لا ينجس إلا بتغيّر أحد أوصافه الثلاثة بملاقاة النّجاسة (الطّعم واللون والرائحة).

تساؤلات: ما هي الخاصّية التي تكون في الماء الذي بلغ الكر، ولا توجد فيما لم يبلغ ذلك المقدار؟ ولماذا هذه الأوصاف الثّلاثة دون غيرها؟

المسألة الثالثة: في سنن الخلوة: "فالمندوبات: تغطية الرّأس، والتّسمية، وتقديم الرّجل اليسرى عندَ الدخول، والاستبراء، والدّعاء عند الاستنجاء، وعند الفراغ وتقديم اليمنى عند الخروج والدّعاء بعده". [شرائع الإسلام للمحقق الحلي].

تساؤلات: لماذا تغطية الرّأس عند الخلوة؟ ولماذا تقديم اليسرى للدخول، واليمنى للخروج؟ ولماذا الاستبراء؟

هذه المسائل والتّساؤلات ليست إلا أمثلة لتوضيح المراد، وإلا فالموضوع أكبر بكثيرٍ ممّا نتصوّر، ولنا فيما ورد عن الرّسول وأهل البيت (ص) أمثلة أكثر، فما علاقة تمشيط الشّعر من جلوس بجلب الرّزق؟ ولماذا نشرب الماء وقوفًا بالنّهار، وجلوسًا في الليل؟

أتمنى أنّني قد وفّقت في إيصال هاتين الرّسالتين، لكلّ من يهمه الأمر، على جميع المستويات.

قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: ٢٤].
 
27 يونيو 2015
 

نُرَمِّزُك.. وانطلق! / محمد علي العلوي

 

 

خمسينيٌّ صرف ما لا يقل على العقدين من عمره في قريته من مجلس إلى مجلس وفي المسجد ومع الشباب في الأزقَّة والطرقات، وكان دمث الأخلاق حلو الجانب محبوبًا بين الأهالي والأغراب، وفوق هذا وذاك، فقد كان عالمًا عارفًا ذا بصيرة ونظر، ولكِنَّه لم يكن ليؤثر في مجتمعه الصغير بالرغم من الجهد العظيم الذي كان يُقدِّمه!!

آخر للتو تجاوز العشرين، تارة يلقي كلمة هنا، وتارة هناك، ولكِنَّه إذا قال، اتُّبِع، وإذا هلَّ انشقت له الصفوف..

سَمِعَهُ جِدارُ الصمت فلم يجد عنده شيئًا.. ولكِنَّه، يؤثِّر!

في يوم زار بعضُهم صاحبنا الخمسيني، بدأوا الكلام بالثناء عليه ومدح جهوده (الخيِّرة)، ثُمَّ قالوا له: نُفَكِّرُ في (ترميزك) والدفع بك للقيام بدورك (الإصلاحي) في المجتمع، ولكِن كل جاهزًا، فالغد لن يكون مثل الأمس؛ فأنت بعد (الترميز) سوف يزدحم المصلون خلفك، ولن يجد المتأخر عن (منبرك) مكانًا يجلس فيه.. فكن مستعدًّا.

أجرى مركزٌ للدراسات والبحوث استطلاعًا جماهيريًّا أوليًّا..

لماذا تقبلون على العشريني المتواضع علمًا ومعرفة، وتتهاونون في الاستفادة من الخمسيني الراسخ في العلم والمعرفة؟

لم يجب أحد بجواب منطقي مفهوم..

ولكنَّهم استمروا على ما هم عليه..!
.........................................
في تصوري أنَّ المجتمعات بشكل عام تعيش حالة متقدِّمة من فقدان الثقة في النفس بالقدر الذي يمكِّنها من استنطاق الفكرة واستثمارها والاستفادة منها، وهذه الحالة سارية من شخصية المجتمع إلى أفراده، وبالتالي فإنَّ الميزان في الأخذ والتفاعل هو ضمانة الجهة التي تحتضن المُعْطي وتقدِّمه بين الناس.

ولذلك، نجد الحالة الجماهيرية –في الغالب- تابعة للتسويق والدعم الحزبي أو التياري أو ما شابه، وهذا –إن صَحَّ- فهو يكشف عن غيابٍ خطيرٍ للوعي العام، ومن المظاهر الشاهدة –في نظري- احتضان الجماهير للشعارات والبيارق والأيقونات والترويج لها والدفاع عنها باستماتة، وعندما تتوقف لمراجعة معانيها معهم، فإنَّك تصدم بواقع يفصح عن جهل عميق، ولم يكن الترويج والدفاع إلَّا لكون تلك الشعارات والبيارق والأيقونات قادمة من ذلك التيار أو الحزب!

ذبلت الكثير من الجهود، وماتت طوائف من الأفكار والأطروحات والنظريات وبذور الخير، ليس لشيء غير إنَّها لم تُحتضن من حزب أو تيَّار يدفع الناسَ إليها، وفي المقابل انتشرت الكثير من الأفكار المعوقة، والنظريات التافهة والأطروحات الحصرمية، ليس لشيء أكثر من كونها مدعومة!

كم نحن في حاجة إلى الانعتاق من أغلال ضعف الثقة في النفس، هذا الضعف الذي أوقفني على مثقفين كبار لا أشك أيضًا في كونهم مفكرين، ولكنَّهم إذا وصلوا لبعض النقاط العلمية، تجدهم صغارًا ضعافًا أمام انتماءاتهم الحزبية والتيارية، فيتحول حديثهم من الإسناد المنطقي البرهاني الجميل، إلى المغالطات والمشاغبات الركيكة والوهنة!

لماذا؟

للحزب.. للتيار.. للانتماء السلبي..

نعم، الأحزاب مطلوبة، والتيارات كذلك، ولا غنى عن الانتماء، ولكن لكل ذلك حدود وأطر تجعل منها حالة إيجابية تكاملية، ولكنها اليوم على العكس تمامًا، وعلينا أن ننتبه ونعالج الخطأ بحكمة وروية ترفدها روح محبَّة للناس.

27 يونيو 2015

Saturday, June 20, 2015

كنوز الرسائل العملية وشبكات الإجازة / السيد محمد علي العلوي



الرسالةُ العلميَّةُ كتابٌ يشتمل على المسائل الشرعية على رأي صاحبها الفقيه المجتهد، يكتبها إمَّا جديدة بصياغته الخاصة، أو إعادة لرسالة سابقة بعد التعديل عليها بما يوافق آراءه، ثمَّ تُطبَع ليتمكن المكلَّفون من شرائها والرجوع إليها للتعرُّف على الرأي الشرعي المبرئ للذمَّة.


يتصدَّى بعض الأفاضل لشرح رسالة من الرسائل العملية في دروس يلتحق بها من يريد الاستفادة من سائر المؤمنين، وهنا تحديدًا أتوقف.. فالرسالة العملية كتاب يُعِدُّه الفقيه لعامة الناس، ومن المفترض أن تكون العبارة الفقهية فيها واضحة لا تحتاج إلى زيادة شرح وبيان، خصوصًا وإنَّها مما يحتاجه المكلَّف بشكل قد لا يحتمل التأخير في كثير من الأحيان!


هل يكتُب المراجِعُ بأسلوب يصعب على عامة الناس فهمه، أم أنَّ الناس في حاجة إلى دفعةٍ ثقافيَّةٍ تُقعِدهم على أرضية الرسالة العملية؟


نعم، هناك بعض الرسائل العلمية صيغت بلغة أكثر سهولة من غيرها، بل وحتى في أسلوب طرح المسألة تجدها مختلفة اختلافًا ليس بالقليل عن أكثر الرسائل العملية المنتشرة بين أيدي المؤمنين، ولكِنَّ الذي أراه قد لا يتوافق مع منهجيَّة التبسيط، وفي نفس الوقت لست رافضًا لها، وهذا ما أبيِّنه في السطور التالية إن شاء الله تعالى.


أدخل إلى الموضوع من بوابة كتب الإجازات، وشاهدي كتاب لؤلؤة البحرين لمؤلِّفه الفذ الشيخ يوسف البحراني (قُدِّس سرُّه)، والإجازة هي رخصة يعطيها المُحَدِّثُ لغيره، فيتمكن هذا الغير من رواية ما صحَّت للمجيز روايته، ومما يقف عليه المتدبِّرُ الانتشار الأفقي لسلسة الإجازة، فمن البحرين إلى القطيف والأحساء ثُمَّ بلاد فارس والعراق إلى جبل عامل وكذا الهند وغيرها..


تكشف الإجازة، أو أنَّها تؤدي إلى تكثير المشتركات الثقافية بين شبكة الرجال، فعالم جبل عامل يروي ما يرويه عالم الهند وعالم العراق وعالم فارس وعالم البحرين، وهذه مادَّةٌ بحثيَّة غاية في الأهمية، فالمشترك الثقافي وخصوصًا إذا كان من روافد العترة الطاهرة كان من المفترض أن يشكِّل بناءً حصينًا لأمَّة محمد (صلى الله عليه وآله)، فلماذا لم يكن ما كان من المفترض أن يكون؟


من هذا السؤال ينبغي أن تنطلق قوافل البحث العلمي في رحلات تشخيص الخلل وإعادة استثمار مسألة الإجازة ومعالجة الاعتماد على الكتب المطبوعة، فالإجازة ليست لإحراز المطلوب في الرجال والدراية فقط، ولكِنَّها تشتمل على أبعاد ثقافية واجتماعية وتربوية وسياسية في غاية الأهمية.


ومن هنا أقول:


نحن –للأسف- متخلِّفون كثيرًا عن الحضارية الفلسفية لعلم الرجال وما يتفرَّع عنه من عناوين مهمَّة، ولو أنَّنا نتوسَّع في بحوثنا الرجالية وبموازين بعض العلوم الإنسانية، لربَّما تمكَّنا من استحداث نظريات وأطروحات تتقدَّم تغييرات كبرى قد لا نكون لنتوقعها يومًا.


فنحن إذن في حاجة إلى التقدُّم نحو إرثنا العلمي، وليس إرجاعه إلينا، وليس بخافٍ على عامَّة الناس الأسلوب الكتابي للمتقدِّمين من العلماء وكذلك المتأخرين، وهو ما نسميه بالأسلوب المغلق، والواقع إنَّه ليس بمغلق، ولكِنَّ المجتمع قد تراجع كثيرًا عن لغة العلم والمعرفة، حتى أصبح في حاجة إلى شرح الشرح، وشرح شرح الشرح!


عندما نتأمل الرسائل العملية لفقهائنا العظام، فإنَّنا ندرك حجم ما نمتلك من قواعد ثقافية لا يمتلكها غيرنا، وأقول قواعد لأنَّ الفقيه إذا أراد الحديث بلغته الخاصة فإنَّه يفرغ طاقاته في كتب البحث الاستدلالي ومثيلاتها، وما يكتبه في الرسالة العلمية أراه القاعدة العلمية التي من المفترض أن يكون عليها عامة الناس.


تنطلق الأمم في تقدمها ورقيها من القواعد العلمية التي يعمل المفكرون على صياغتها وإحكامها بالبحث والتقليب، وهكذا يكون، ولكِنَّ الملاحظ أنَّنا نمتلك كنوزًا من المعارف، ولا نلتفت إليها، بل نفرُّ منها رهبة وخوفًا، ولذلك نجدها محصورة بين العلماء والجادِّين من طلبة العلم، ولو أنَّ المجتمع يسعى لتحصيل مقدَّماتها، لأخرجها إلى دائرته الأوسع، ولشهدنا قفزات علمية معرفية غاية في الرشاقة والثبات.


ما أعتقده هو أنَّ ما نمتلك من إرث علمي متتابع، ينبغي أن يكون دافعًا لعامة الناس نحو السعي الجاد على طريق تحصيل ما يمكن من مقدَّمات تأخذهم في نقلات نوعية في اتجاه التقدُّم والرقي، وليكن استيعاب وهضم الرسائل العلمية خطوة أولى في اتجاه أعلى الأهداف.


هذا، وكلي أمل في أن ينعطف المجتمع العلمي الشيعي انعطافة يستثمر فيها جواهرَ استخرجها وصاغها المتقدِّمون من علمائنا الأبرار، ومنها علم الإسناد وشبكات الإجازة.


20 يونيه 2015

كن جميلا بين أمواج القبح / ايمان الحبيشي




الانسان كائن اجتماعي، مقولة نرددها ونؤمن بها، ولم أجد حتى الآن من يدعو لانكار هذه المقولة، او حتى للتشكيك من كونها حقيقة. الانسان كائن اجتماعي يولد ضمن اسرته، لينشأ بين أفرادها ومتى ما تمزقت تلك الأسرة كاد ان يتمزق هو، وتلك حقيقة تعج بها الكتب والابحاث والمقالات، بل هي قصص عايشناها من قريب أو بعيد.

يحتاج الانسان لأخيه الانسان، ليس ضمن مصلحة تجمعهما، بل ضمن مشاعر حقيقية تجتاح الانسان وتستقر بروحه، وتعد حاجات أساسية لا تستقيم روح الانسان الا عبر تحقيقها، فالرجل يحتاج لزوجة وصديق ووالدان وابناء كذلك، والمرأة تحتاج لزوج وصديقات ووالدان وابناء، وكلما ارتقت علاقة المرء بمحيطه مترفعة عن المصالح والاهواء والتنازعات، كلما حقق الانسان داخل محيطه درجة عالية من الاستقرار والانسجام النفسي والاجتماعي والاخلاقي والذهني، ليكون هذا الانسان عنصرا فاعلا في مجتمعه، اكتسب منه ويحلم ويسعى ليعطيه.

الاسرة هي العالم الأول الذي يعرفه الانسان، ليتوسع بعد ذلك ضمن سلسلة من العلاقات التي تكاد لا تنتهي، تبدأ بمحيط العائلة الكبير، فالجيران ضمن الحي الواحد والقرية الواحدة، فالزملاء والاصدقاء في المدرسة ثم الجامعة، فزملاء العمل والزوجة وأهلها ومحيطها، والعكس للزوجة أيضا، وفي خضم ذلك الكم من العلاقات، يكتسب الانسان خبرة اجتماعية كبيرة يترتب عليها نضجه الاجتماعي والانساني والاخلاقي والثقافي، ولا يكون مسؤولا عن هذا النضج ما اكتسبه الانسان من حب واحترام فحسب، بل أيضا هو حصيلة لتجارب مؤلمة قد يمر بها في جملة علاقاته، فالامراض الاجتماعية التي عالجها الاسلام ودعا لجهادها، موجودة بيننا ولطالما جرحت قلوبا طاهرة، بقصد او بغير قصد، فالنميمة والغيبة والنفاق والكذب والأنانية والحقد والبهتان والحسد وغيرهم، سهام وجهها الكثير من الناس تجاه مقربين منهم اما خبثا او ضعفا او جهلا.

ان الوجود ضمن سلسلة واسعة من العلاقات الاجتماعية، يتطلب درجة كبيرة من الحلم والصبر والمرونة المغلفة بالثبات وكذلك الحكمة، الحلم والصبر في مواجهة غضب الآخرين او سوء سلوكياتهم، المرونة في اكتساب حسن التعامل مع مختلف الأمزجة والنفسيات، والثبات على ما يحمله الانسان من صفات ايجابية اخلاقيا واجتماعيا، بحيث يكون ذلك الانسان ورغم وجوده تحت مرمى سهام تلك الأمراض الاجتماعية، قادر على ان يحتفظ بطهارته وصفائه، قادر على ان يحتضن حسن ظنه، قادر على ان يتشبث بابتسامته الصادقة وحبه للعطاء دون مقابل، كثير منا كان يحمل صفاتا ايجابية رائعة، ونتيجة وجوده ضمن علاقات اجتماعية لم يحسن اختيارها، أو لم يجد التعامل معها اكتسب منها سوءً فخسر شيئا من جماله لصالح فساد ذلك المحيط.

ان الانسان مخلوق غير ثابت، فهو يؤثر ويتأثر بشكل دائم، ولذلك كان هناك حرص في التوجيه الاسلامي نحو اختيار الصديق مثلا، اذ يقول الامام علي عليه السلام: ( قارن أهل الخير تكن منهم وباين أهل الشر تبن منهم) وكما ان هناك توجيه في اختيار الصديق، فان هناك توجيه أيضا في كيفية معاملته، حيث يوصي الامام الصادق عليه السلام: (ان اردت ان يصفو لك ود اخيك فلا تمازحنه "والمراد هنا المزاح الثقيل" ولا تمارينه "اي لا تدخل معه في جدال" ولا تباهينه "اي لا تستعرض وجاهتك عليه"  ولا تشارينه "اي لا تدخل معه في عملية قد تخلق بينكما شقاقا" ) الا ان الواقع يحكي عن الكثير من الصداقات والعلاقات التي آلمت أصحابها، فكم من المؤلم ان يعرف انسان كيف اغتابه آخر بهتانا! وكم من المؤلم أن يشعر انسان أن علاقته بآخر كانت من أجل مصلحة أنانية وبمجرد حصولها تنتهي تلك العلاقة! وكم مؤلم أن يشعر انسان بغيرة زميل له يحاول دفعه دائما من اجل اسقاطه والتقدم عليه؟! فهل يعني كل ذلك أن يبادل الانسان السوء بسوء؟ أو أن يعتزل الآخرين ويبتعد عن مخالطتهم؟!

ان وجودك في مجتمعك قد يتسبب لك بالألم حتما، لكن لا يزال هذا المجتمع بحاجتك خصوصا ان كنت ذا نفس سليمة قادرة على ان تصدر للآخرين حبا واحتراما ومواساة ووفاء، لا تستسلم لعيوب مجتمعك وكن أنت مادة التغيير، قابل الاساءة بحسنة، وجادل بالتي هي أحسن، وعلم الآخرين كيف يمكنك الربت على كتف انسان صفعك يوما، كلنا قادرون على التحول لوحوش كاسرة تجيد الانتقام ورد الاساءة بالاساءة، لكن البطل الحقيقي هو من يستطيع ان يحتفظ بانسانيته حتى لو وجد نفسه بين وحوش بشرية تحاول التهام جمال روحه مستسلمين لحاجات آنية تنتهي حتما في طرفة عين، ليبقى من كل ذلك (الجمال) الذي تركته انت مقابل قبحهم.

20 يونيه 2015

أسقطَها الطمع / محمود سهلان

أسقطَها الطمع..
 
 
 
 

إحدى الموظّفات من الجاليات الأجنبيّة في شركتنا، كانت تحاول أن ترتقي في السّلّم الوظيفي، لتحصل على راتب أفضل، ومميزات أكثر، وكان هذا الطموح واضحًا في الأشهر الأخيرة، وهو أمرٌ من حق أيّ فرد أن يسعى إليه ما دام موظفًا عند غيره، فكلّنا نريد أن تتحسّن حالتنا المعيشيّة، وأن نغطي احتياجاتنا المتزايدة كلّ يوم.

كانت هذه الموظّفة انتقلت قبل بضع سنواتٍ من قسم الاستقبال إلى قسم المبيعات، وكان ذلك بسبب ضغط المسؤولة عليها، وضغط العمل الذي لم تتحمّله، وبعد انتقالها وارتياحها لوضعها الجديد بعد مرور حوالي ثلاث سنوات، لاحت الفرصة أمامها وأمام زملائها للتّرقية، بعد استقالة أحد المسؤولين في قسم المبيعات، ولعلّها كانت المرشحة التالية بعد أحد الموظفين، فما أسرع أن حاولت أن تحصل على هذا المنصب، لكنّها لم تلقَ المساندة المناسبة، وحصل المرشح الأول على الترقية، بل أخبرته الإدارة أنّه الوحيد القادر على أخذ مكان زميله المسؤول السابق.

استمرت بالمحاولة بطريقة وبأخرى، ولتلافي الإطالة أتجاوز بعض الأمور، وأنتقل لفرصة أخرى لاحت لها وإن كانت طمعًا منها، فلم يكن لها ناقة ولا جمل، حيثُ حصلت مسؤولة قسم الاستقبال السابقة على ترقية، فأصبح المكان متاحًا لمسؤولة جديدة، ومع محاولتها الحصول على هذه الفرصة الغير مستحقة لم تنجح، فحصلت من تستحق التّرقية عليها، وأصبحت مسؤولة قسم الاستقبال بامتياز، وخسرت صاحبتنا مرّة أخرى.

لم تتوقف عند هذا الحد، فلاحت هذه المرة فرصة أخرى، حيث عرضت عليها إحدى الزبائن عرضًا مغريًا للعمل في مكان آخر، وبعد أخذٍ وردٍ وطول تفكير واستشارة، وبعد معرفة المدير التنفيذي بذلك، جاءت الفرصة لها لتحصل على المنصب السّابق للمسؤولة الجديدة للاستقبال، فرفضت عرض العمل المقدم من الزبونة، ووافقت على الترقية التي قدمها لها المدير التنفيذي لشركتنا، ولا أعلم كيف منحها هذه التّرقية حقيقة؟!

بقيت في الشركة ورفضت العرض الآخر لسبب أو لآخر، مع سبق تحذير الموظفين لها بأنّها ستندم، ودخلت فترة تجريبية جديدة، لاقت فيها ما لاقت من المصاعب، فقد عادت ثانية للقسم الذي هربت منه قبل سنوات بإرادتها، ولكنّها لم تنجح في اجتياز المرحلة التّجريبية، فلم تنل إعجاب مسؤولتها المباشرة، ولا المدير التّنفيذي (الجديد)، ولا المدير العام!!

وعندما أعطوها الخيار بالبقاء في قسمها، أو الانتقال مجددا لقسم المبيعات، اختارت قسم المبيعات كما توقّعنا جميعًا، ففيه قضت أجمل أوقاتها، ولكنّها عادت نادمة والدموع على خدّيها، حين لا ينفع الندم، بعد دوامة بين المطامع والمصاعب والمشاكل خلال تسعة أشهر تقريبًا..

الكثير من الدروس نستطيع الخروج بها من هذه القصّة، خصوصًا لمن هو قريب منها وعايشها عن قرب.

الدرس الأول:

الطّموح أمرٌ مشروع ومرغوبٌ للجميع، وفي شتّى المجالات، لكن بشرط أنْ لا يتحول إلى طمع يعمي بصائرنا، فنسعى للحصول على أيّ شيء، سواءٌ كنّا محقّين أم لا، وسواءٌ بطريقٍ سليمٍ صحيحٍ أم لا، وهذا ما وقعت فيه الموظّفة المذكورة، فكانت تطمع دائمًا. 

الدرس الثاني:

عندما تحاولُ تنفيذ ما يلوح بذهنك، وتحاول أن تبرّر لنفسك، حتّى بعد التّفكير والاستشارة، وتصر على رأيك حتى من غير اقتناع، فلا بدّ أن تتحمّل النّتائج، فإنّك على الأغلب ستندم يومًا ما، وهو ما حدث أيضًا عندما رفضت العرض الذي قدّمته الزبونة، رغم أنّه كان عرضًا جيّدًا، ونصحها البعض بقبوله، وأخبرها أنّها ستندم لو رفضته وبقت هنا، وهي اليوم نادمة!

لم أذكر الكثير ممّا وقعت فيه هذه الموظّفة، ففي قصّتها الكثير من العبر، ممّا قد أحتاج فيه لكتابة رواية كاملة على أساس قصّة حياتها، لكنّني لست بصدد ذلك.

يكفي أنّ أقصى ما سعت إليه خسرته في فترةٍ قصيرةٍ جدًا، لكنّها لم تتّعظ بعد على ما يبدو، فعادت تخترع المشاكل مجدّدًا..

فلا أدري هل يتغير حالها بعد هذا السّقوط أم لا؟!

محمود سهلان
٣ رمضان ١٤٣٦ هـ

Friday, June 19, 2015

على ضفاف الذكريات (21) // ز.كاظم

 
 
بسم الله الرحمن الرحيم

 
تمر الأيام والسنوات وها هو شهر رمضان يعود علينا من جديد في بلاد الغربة حيث الأجواء مختلفة تمامًا عن أجواء بلادي، ومع ذلك حافظنا على أن تكون أجواء الغربة رمضانية خصوصًا للعزاب من أمثالي أو لمتزوج لم يحظ بزوجة تطبخ له إفطارًا جيدًا في ليالي شهر رمضان، فكان المركز محل إفطارنا اليومي.. بدأت فكرة الإفطار الجماعي للعزاب في المركز الإسلامي بأن يقوم أحد المتزوجين بإعداد وجبة الإفطار للصائمين العزاب، لكن لم تلبث أن تغيّرت الحالة في قيام العزاب بتوزيع الليالي على أنفسهم لإعداد وجبات الإفطار.. كان برنامج الإفطار عبارة عن قراءة القرآن قبل أذان المغرب، ثم الإفطار على بضع تمرات، فصلاة الجماعة.. بعدها توضع وجبة الإفطار فنتناولها بكل سرور.. كان الحاج أبو حيدر يحضر الإفطار الجماعي ويشرف عليه، وكنّا نستاء من إشرافه كونه يدّخر الأكل الطازج لليالي اللاحقة، في حين نُحرم من الطبخة الطازجة حتى تصبح بائتة إذا ما كان إفطار الليلة السابقة باقيًا.. ومع ذلك لا نجرؤ أن نكلمه في هذا الأمر، إلا من وراء حجاب!!!
  
قبل شهر رمضان من عام 1992 جاءني يومًا أخٌ عماني - أبو ميثم - بفكرة إصدار نشرة تخاطب الجالية الإسلامية في المنطقة التي كنّا ندرس فيها.. كانت الفكرة أن تكون هذه النشرة باللغتين: العربية والإنجليزية إذ كانت الجالية الإسلامية خليطًا من العرب والإيرانيين والهنود والأفغان وغيرهم. أبدى العماني استعداده الكامل في توفير مواد النشرة من مقالات ومعلومات ومواضيع، والمطلوب مني أن أقوم بخط مواضيع اللغة العربية إذ لم تكن برامج الكمبيوتر في اللغة العربية منتشرة حينها كما هي الآن، وهو سيقوم بطباعة اللغة الإنجليزية. وافقتُ على الفكرة وبادرنا على عجل بالعمل عليها. أطلقنا على النشرة اسم نشرة "الانتظار" تيمنًا بالإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف آملين أن يكون انتظارنا انتظارٌ إيجابي يُعدّنا ويُهيؤنا لمقدمه الشريف.
 
كانت نشرة بسيطة جدًا.. بضع صفحات باللغة العربية يقابلها بضع صفحات باللغة الإنجليزية.. أتذكر أحد مواضيعها عن استشهاد السيد عباس الموسوي رحمه الله إذ كان استشهاده قبل أسبوعين من إصدار النشرة.. حوت النشرة على بعض المواضيع عن شهر رمضان مع بعض المعلومات.. أردناها أن تكون نشرة خفيفة يسهل قراءتها.. صدرت بخط اليد باللغة العربية وبخط الكمبيوتر (ماكنتوش) باللغة الإنجليزية.. كان لون غلافها أحمرًا (لا أعلم لماذا اخترنا هذا اللون إذ لم يكن جميلًا، وكان عليها شعار اسم النشرة بشكل بهيّ، ورسم لصورة المسجد الأقصى). بدأنا العمل على النشرة بهمة ونشاط، فكانت صورة القدس الشريف على الغلاف، وكلمة الانتظار جدران المسجد الشريف وعلى القدس راية مكتوب عليها الآية الشريفة: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين".





أما كلمة العدد فجاء فيها: "بسمه تعالى.. أعزائي القراء: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. فكرنا مرارًا في إصدار نشرة يصدرها الشباب في مدينة بورتلاند، ولكن كلما جاء الحديث عنها لم يتواجد الأشخاص المؤهلين لذلك. إن فكرة طرح مقال عن الإمام المهدي "عج" كانت نقطة لإصدار نشرة نبذل فيها قصار جهودنا ونصدرها حتى وإن كانت بسيطة وغير مليئة بالصفحات. وها نحن قد شرعنا في العمل على إصدار نشرة شهرية يعمل على إصدارها الشباب. إن إصدار نشرة هو عمل ليس بهين خصوصًا على شباب مشغولين بالدراسة ويعانون من مشاكل الغربة. ولكن هنا يأتي دور التضحية التي لا تأتي من عوامل خارجية ولكن تنشأ في الناس التي تهيأ وتقوم على زرع التضحية فيها.. أعزائي: فلننظر إلى أنفسنا وأعمالنا وشخصياتنا ونحاول مقارنتها بنفس وأعمال وشخصية الرسول الأعظم (ص) أو شخصيات الأئمة الأطهار (ع)، هل نحن بمستوى ذرة مما كان عليه السابق ذكرهم؟!! فإن كنا كذلك فالحمد لله، وإلا فإن علينا أن نجهد أنفسنا ونقدم كل ما لدينا من طاقات لكي نصل إلى المستوى الذي لا يأتي إلا بتقديم التضحيات، ولننظر حوالينا ونرى أين وما هو المجال الذي نستطيع أن نعمل فيه حتى نكون في الطريق الحق والنهج الإسلامي. وفقنا الله إلى ما يريد ويرضى وجعلنا من العاملين على خطى الأنبياء والصالحين، وفي انتظار واستعداد لدولة القائم المهدي (عج)."




كان التركيز في كلمة العدد على عدة أمور أولها، أن هذه النشرة عمل من انتاج الشباب لما للشباب من طاقة وحماس في القيام بتفعيل الأفكار ومع ذلك فإن الجو العام عادة ما يكون عقبة نظرًا لغياب الإرادة وانعدام الإصرار أو تضخيم الأعمال بما يكون رادعًا عن التنفيذ، فكم من أفكارٍ ترى اندفاعًا وإقبالًا عليها، لكن لا تكاد تجد من يقوم بها، ومن هنا جاء التركيز على أولئك الذين هم مستعدون للتضحية.. التضحية بالوقت، بالمال، بالجهد لتحويل الفكرة إلى عمل واقع قائم.. من الأمور التي ركزت عليها كلمة العدد التفكير في ذواتنا ومقارنة وضعها بالقدوة من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام. كما أن لفكرة الإمام المهدي (عج) الفضل في تحويل الفكرة إلى واقع.





ضم العدد الأول من النشرة باب عن شهر رمضان: أهداف الصيام (الصوم عبادة، الصوم تربية وإعداد، أحكام الصوم، شرائط صحة الصوم، المفطرات، القضاء والكفارة)، وكذلك احتوى العدد على شخصية العدد فكانت شخصية السيد عباس الموسوي رحمه الله إذ كان اغتياله في نفس الفترة بتاريخ 16 فبراير 1992 أي قبل إصدار النشرة بأسبوعين.



 بعد الانتهاء من إخراج النشرة جاءتنا فكرة طرح النشرة على رئيس المركز الإسلامي الحاج أبي حيدر - وهو رجل ذو وقار نكنّ له كل الاحترام والتقدير- أملًا في الأخذ بإرشاداته وتوجيهاته. جئنا إليه يملؤنا حماس الدنيا كله ووضعنا النشرة بين يديه إذ لم نكن لنطرح الفكرة فقط بل أردنا تقديم النشرة جاهزة لئلا يكون هناك بعض الشك في القدرة على إخراجها.. جلسنا معه، وقدمنا النشرة له واعطيناه نبذة عن فكرتها وأهدافها.. قال لنا بنبرته الهادئة الخافضة: لا فائدة.. لا تتعبوا أنفسكم ولا تضيعوا أوقاتكم.. نزلت كلماته كالصاعقة علينا وطفقنا ننظر إليه ولا نكاد نبصر.. واصل حديثه: انظروا حواليكم في المركز.. لاحظوا أرشيف المجلات والصحف والنشرات.. كم منها يُقرأ؟ المشكلة ليست في نُدرة مواد القراءة.. المشكلة في عدم وجود حافز عند الناس ليقرؤوا..
 
شعرنا بالإحباط الشديد واظلمّت الدنيا في أعيننا إذ كان لوقع كلماته أقسى الأثر علينا.. لم يرق لنا كلامه، وعلى بوابة المركز حادثنا بعضنا وقررنا المضي قدمًا في إخراج النشرة.. وهكذا كان.. أصدرنا أول عدد من النشرة في شهر رمضان الكريم أملًا في حلول بركة الشهر الفضيل على هذا العمل..
 
على عكس تنبؤ رئيس المركز، استقبل أفراد المركز النشرة بكل سعادة.. الكثير أثنى على المجلة وعلى هذا العمل الرائع، مما أعطانا شحنة ودفعة على مواصلة الدرب في هذا العمل البسيط جدًا والذي كان كبيرًا وعظيمًا في قلوبنا.. صدر العدد الثاني والثالث..  انضم الى طاقم النشرة شبابٌ أكثر وأصبح لها كادر خاص يشرف على مختلف المسؤوليات كالطباعة على الكمبيوتر، الإخراج الفني، الطباعة، جمع المقالات، .. إلخ. كان الكادر يسهر الليالي في الطباعة والإخراج وكانوا يقضون الساعات الطوال حتى الفجر في محل الطباعة لإخراج المجلة بثوب جميل وحلة بهية خصوصًا أن تقنية الإخراج لم تكن سهلة كما هي الآن..
 



هناك بعض الإفادات التي تعلمتها من هذا العمل أطرحها على شكل نقاط:

1. تحقيق الأفكار ممكن جدًا متى ما توافرت الإرادة والإصرار والسعي الحثيث.. أتفهم الآن موقف رئيس المركز، لكني مع احترامي له أختلف معه.. إذ أن الفكرة لم تكن فقط للحث على القراءة، بل إن لهذا العمل آثار وايجابيات كثيرة جدًا أطرحها في النقاط التالية. 

2. قدّم هذا العمل للقائمين عليه الكثير من الخبرة في مجال الإدارة وطوّر من قدراتهم الذاتية.. إذ تشكّل فريقٌ وقُسِّمت المسؤوليات، وحُددت المواعيد، فكانت هناك مواعيد لجهوزية المقالات، ولطباعة النشرة وليوم النشر.. ووضعت آلية لمتابعة أداء العاملين.. أشرف على عمل النشرة طاقم كامل من العاملين لكل فرد منه مسؤوليته المحددة ومع ذلك كانوا يتعاونون مع بعضهم البعض إذا ما دعت الحاجة.
 
3. من إيجابيات هذا العمل أنه شجع الكثيرين على الكتابة وطرح أفكارهم في مقالاتٍ يتم نشرها على صفحات النشرة.. كانت المواضيع بدايةً يتم نقلها من كتب أو مجلات، لكن بعد ذلك تطوّر الأمر وشارك الكثير من الجالية الإسلامية في المنطقة في كتابة المقالات أو الأشعار، ثم تطورّت النشرة بعد أن ذاع صيتها فكانت تستقبل المقالات من كتّابٍ في مدن ومناطق أخرى.. بل تشجع البعض وقام بالبدء في الكتابة وهو ليس بالأمر السهل لمَن لم يكن متعودًا على الكتابة، إلا أن وجود النشرة ساهم في تشجعيهم و دفعهم للكتابة.. فالإحساس بأن هذه النشرة صوتُ الكاتب للمجتمع الذي يعيش فيه ولّد شعورًا بالمسؤولية عند الكاتب في أن يخاطب مجتمعه بعباراته المكتوبة ويساهم في طرح أفكاره على صفحاتها.

4. أعطى هذا العمل حسًا بالمسؤولية عند كادر النشرة وهذا الإحساس تعاظم بالتفاعل مع أفراد الجالية خصوصًا عندما يسألون عن موعد إصدار النشرة ولماذا تأخرت، وما هي الأسباب، وكم وصل عدد توزيع النشرات ووو.. كانت روح المسؤولية تجعل الكادر جليس الحاسوب أو المطبعة لساعاتٍ طوالٍ على التزامًا بأداء مسؤوليته الملقاة على عاتقه.

5. ذاع صيت النشرة حتى قامت الكثير من المراكز الإسلامية بالاشتراك فيها.. كما أن مؤسسة عريقة لها حضور واسع بعثت بمسؤوليها ليتم ضم النشرة إلى الأعمال التي تقوم بها.. طبعًا تم رفض الفكرة إذ كانت النشرة تمثل هوية.. انتماء. ولم يكن ليُسمح أن يتم مصادرتها تحت كيان أو مؤسسة أخرى.. لا أناقش فكرة صحة هذا الموقف من خطئه، إلا أن الجدير بالذكر أن هذا العمل البسيط ولّد عند العاملين شعورًا بالانتماء لهذا العمل.
 
6. أظهر هذا العمل طاقات وكفاءات كانت مدفونة أو غير ظاهرة تمثلت في حسن الإدارة، حسن التعامل، الإصرار، الثبات، القوة في تحمل الضغوط، تنظيم الوقت والعمل، رفع مستوى حس المسؤولية، وغيرها من الأمور المخبئة في العاملين والقارئين والمتابعين.
 
7. أعطى هذا العمل شعورًا بالفخر لأفراد الجالية، إذ كانوا يشعرون أن هذا العمل وليدهم.. كانوا يساهمون في المساعدة ماديًا، لكن العامل المؤثر تفاعلهم الإيجابي الذي كان بمثابة الوقود في قلوب الكادر العامل.. كان احتفاؤهم بالنشرة وانتقاداتهم وتشجيعهم مع المساهمة في الكتابة من أفضل الخدمات التي قدموها لهذا العمل.
 
8. ما كان لله ينمو.. كان هذا الشعار هو الذي يدفع العاملين للتخلي عن الأنانية وحب الذات والظهور كلما أراد الشيطان الوسوسة في صدورهم. هذا الشعار هو الذي جعل الكادر يحاذر من أن يشوب عمله نوع من الرياء والعُجب. 
 
للأسف الشديد لم يقدّر لهذا العمل أن يستمر مع أنه تواصل لعدة سنوات.. توقفت النشرة بعد سنين من العطاء.. كان لرحيل الكثير من العاملين بعد انتهاء فترة دراستهم أكبر الأثر في توقف النشرة، وكذلك عدم العمل على تهيئة كوادر جديدة ساهم أيضًا في القضاء على هذا المشروع الجميل.. من المهم جدًا أن يفكر القائمون على أي مشروع في كيفية استمرار ضخ الحياة فيه ليظل مثمرًا معطاءً.. الكثير من المشاريع البناءة الجميلة تموت بعد فترة وجيزة أو حتى طويلة.. والنظر الجدي إلى الأسباب التي تؤدي إلى توقف هذه المشاريع هو الخطوة الأولى التي يمكن الانطلاق منها في العمل جديًا على إزالة تلك الأسباب لتدوم وتستمر مثل هذه المشاريع المفيدة.


يتبع في الحلقة القادمة..


20 يونيه 2015

Friday, June 12, 2015

تأملات في فقه الدولة لدى السيد الشهيد محمد باقر الصدر / السيد جعفر فضل الله

 
السيد جعفر فضل الله
 
  الموضوع الَّذي نحن في صدده في هذه الأوراق، يتعلَّق بفقه الدَّولة بحسب ما قد يظهر للباحث في ثنايا بعض الكتابات الأخيرة للمفكّر الإسلامي الفذّ، الشّهيد السيّد محمّد باقر الصّدر، وتحديدًا في كتابه "الإسلام يقود الحياة"، والَّذي كتبه في مرحلة انتصار الثَّورة الإسلاميّة في إيران، بعد سنواتٍ طويلة من العمل الحزبيّ الحركيّ الّذي قاد السيِّد الشَّهيد(ره) قيادته الفكريَّة والتّوجيهيَّة.

  ونعتقد أنَّ عقل الشَّهيد الصَّدر(ره) التّنظيريّ، لا بدَّ من أن يغري الباحث في هذا الموضوع المهمّ، ولا سيَّما في هذه المرحلة الّتي يراد لها أن تحتضن الطَّرح الإسلاميّ الحضاريّ، في قضيَّةٍ هي من أعقد القضايا على المسرح الفكريّ والسياسيّ العالميَّين، وفي ظلِّ أشرس هجمةٍ يواجهها الإسلام ـ بنموذجه الحضاريّ ـ من خلال تناقضاتٍ داخليَّة تعمل على العودة إلى عصور الجاهليَّة، في مقابل الانطلاق به في فضاءات الفكر والممارسة الإنسانيَّة الواسعة.

  ونعتقد هنا، أنَّ مقاربات السيِّد الشَّهيد(ره) ذات البناء النّظريّ الَّذي يعتمد التركيب بين المفردات الشَّرعيَّة، تجعلنا أمام مقاربةٍ مختلفةٍ للفقه، بين فقهٍ موضوعه أو خلفيَّته الفرد المكلَّف، وموضوعٍ أو خلفيّةٍ تتَّصل بإطارٍ اجتماعيٍّ أو سياسيٍّ أو اقتصاديٍّ مرتبطٍ بحركة المجتمع، ولعلّنا نوضح المقصود هنا في ما يأتي، وذلك ضمن نقاط:

  النّقطة الأولى: في ضرورة فقه الدّولة
  يعتبر الشَّهيد الصَّدر(ره)، أنَّ "الدَّولة ظاهرة نبويّة، وهي تصعيدٌ للعمل النّبويّ، بدأت في مرحلة معيّنة من حياة البشريّة"1. وبذلك، يؤسّس(ره) لاعتبار الدَّولة، وبالتّالي الانشغال السّياسيّ في بنائها وحركتها، جزءاً لا يتجزّأ من الممارسة الإيمانيَّة، بل ضرورةً تفترضها النبوّة في مرحلة تفعيلها على أرض الواقع. يقول الشَّهيد الصَّدر(ره): "ظهرت فكرة الدَّولة على يد الأنبياء، وقام الأنبياء بدورهم في بناء الدّولة السَّليمة، ووضع الله تعالى للدَّولة أسسها وقواعدها ـ كما لاحظنا ذلك في الآية الكريمة: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ}2 ـ وظلَّ الأنبياء يواصلون بشكلٍ وآخر دورهم العظيم في بناء الدّولة الصَّالحة، وقد تولّى عدد كبير منهم الإشراف المباشر على الدَّولة، كداود وسليمان وغيرهما، وقضى بعض الأنبياء حياته وهو يسعى في هذا السَّبيل، كما في حالة موسى(ع)، واستطاع خاتم الأنبياء(ص) أن يتوِّج جهود سلفه الطَّاهر بإقامة أنظف وأطهر دولة في التّأريخ، شكّلت بحقٍّ منعطفًا عظيمًا في تأريخ الإنسان، وجسَّدت مبادئ الدّولة الصّالحة تجسيدًا كاملًا ورائِعًا"3.
 
لمتابعة باقي المقال يرجى زيارة الرابط: http://www.islammoasser.org/ArticlePage.aspx?id=1954

كن صانعاً لا بائعاً / ام حنين

 
 
 
بريد القراء


عندما كنت أنتظر دوري لأنهي معاملتي مع موظف البنك في مدينة مشهد كان يجلس بجانبي رجلان يتحدثان في أمور حياتهما، وفي زحمة أصوات المراجعين لم أكن منتبهة لما يقولان ولكن عندما ساد الهدوء قليلاً لفت إنتباهي حديث أحدهما للآخر عندما قال له : يا عزيزي ألم تسمع المثل القديم الذي يقول: 



إذا أردت أن تكون صانع سجاد شاطر وفي نفس الوقت بائع سجاد وتستمتع بثمن ما قمت بصناعته، يجب أن تملك ثلاثة أشياء : مال قارون ، وصبر النبي أيوب (عليه السلام) وعمر النبي نوح (عليه السلام) .. 



فسأله صديقه: لماذا؟ 



أجابه قائلاً : لأنه إذا لم يستطع صانع السجاد الأب أن يبيع السجاد في حياته فإن هذا السجاد سوف يباع في حياة الإبن!!. 



ولكي تكون صانعاً وبائعاً في نفس الوقت فإن إمتلاكك للمال ضروري جداً حتى لا تكون تحت ضغط الحاجة وتبيع من أجل المال ولو كان الثمن غير مناسب، وتحتاج إلى أن تتمتع بالصبر الطويل مهما طالت المدة حتى لا تملّ الإنتظار وتبيع السجاد بثمن بخس، والعمر الطويل يمنعك من البيع تحت ضغط  الإستعجال خوفاً من أن تموت وأنت لم تقبض ثمن تعبك... 



فصناعة السجاد الفارسي عملية معقدة للغاية وتحتاج إلى دقة ومهارة وصبر وفن، حيث يستغرق صناعة السجادة الواحدة أحياناً سنوات طويلة، لذا فإن أسعارها تصل في بعض الأحيان إلى أرقام خرافية. 



إن حديث هذين الرجلين ذكرني بحكاية روي رايموند، رجل الأعمال الأمريكي صاحب فكرة متاجر فيكتوريا سيكريت (Victoria Secret) الذي بدأ مشروعه مقترضاً 80 ألف دولار من البنوك وأقربائه، وبعد 6 سنوات باع مشروعه التجاري بمليون دولار إلى شركة أخرى لأنه ملّ من الإنتظار، ولكن.. وبعد 10 سنوات فقط إرتفع ثمن هذا المشروع إلى مليار دولار.. فإنتحر رايموند نادماً على إستعجاله وعدم تأنّيه وبيعه لمشروعه بهذا الثمن البخس...



عندما نتطلع إلى حياتنا، نرى قلّة صبرنا وإستعجالنا ولهفتنا لرؤية ثمرة عملنا تتغلّب على حكمتنا وصبرنا مما يؤثر على إتقاننا لأعمالنا، وقد نحفر بإستعجالنا قبر الفشل لعملنا ومجهودنا الذي بذلناه، فالإنسان بطبيعته في عجلة من أمره، يريد أن يرى اليوم حصاد ما زرعه بالأمس، ولذا قال عنه سبحانه وتعالى : (وَكَانَ الْإنْسَانُ عَجُولاً)



ليتنا نتعلّم من صانع السجاد كيف أنه يعمل بكل إخلاص وإتقان وهو على إستعداد تام أن ينتظر سنوات وسنوات، دون ملل حتى وإن إمتد إنتظاره لما بعد حياته، فهو يعلم بأنه إن لم يبع هذه السجادة الرائعة في حياته فإن إبنه سوف يبيعها ويستفيد من ثمنها.!!



علينا أن نعمل بوظيفتنا بأن نحافظ على حسن التدبير وخلق الظروف المناسبة وإلإخلاص في العمل بالإضافة إلى التخطيط السليم للمستقبل، وما لا نستطيع إنجازه اليوم علينا أن نؤدي فيه دورنا كاملاً ونهيء له الأجواء المناسبة ولا نرهق أنفسنا في إنتظار النتائج، فالنتيجة نترك تقديرها وتحديدها لله عز وجل وقد تكون من نصيب الأجيال القادمة.. 



 {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. 



أم حنين 
13 يونيو 2015

تأملات في دعاء الندبة (1) / منصور علي الجمري

 
 
 
منصور علي الجمري
 
 

مُغتسِلاً متأهب لصلاة الجُمعة بعد أن أدى فريضته و عاهد الحجة، إفتتح الندبة ليندب، أقدّم على الدعاء فبدأه بحمد لله رب العالمين، حمداً مطلقاً دون إكتراث بما قد حل من قبل البدأ، متأملاً مضمون الحمد مستذكراً ما قد أوحِيَ لنبي الأمّة أن سبِح بحمد ربك. 

فاللحمد عظيم منزلتها عند المحمود مما قد جعلها مدروجةً في تسبيحة الصديقة عليها السلام المُهداة من رسول الله (ص) معنونةً بخيرٍ من الدُنيا بما فيها. أغمض عينيه، أرجع رأسهُ للخلف قليلاً كاتماً نَفَسه سائلاً وجدانه " أيُ حمدٍ أحمِدُ الله؟ " فليس كُلُ الحمِدِ حَمْد ! 

فَمِنه حمدٌ على النِعمة وآخرٌ على النقمة ومنه شكرٌ وآخرٌ مدّاح. إرتَفعت أجفانُه و بؤبؤهُ يحدِق في جملة " الحمدلله رب العالمين" قالها بنبرةٍ خافتة وتمتمَ: ليسَ كُلُ حمدٍ مدح؛ ولكن كل مَدحٍ تحميد، و ليس كل حمدٍ شُكر؛ و لكن شُكراً لله حمدا " 

وضع سبابته على الصفحة و أغلق عليها الكتاب، طأطأ رأسهُ مُحرجاً من اللُطف الإلهي الذي يحفِهُ رغم زلاتِهِ الكثير و معاصيه يكادُ يحسِسُ في نفسِه بأنها المرةُ الأولى التي يحمد الله فيها تحميداً له عز و جل عن قناعةٍ تامة بما قدّر الله لهُ و شاءهُ عن صَلاح، فستَشْرت داخِله قناعةُ العبد باستحقاق المَعبود إليه و بدأتا الراحة والسرور تتغلغل في أعماق أحاسيسه. 

فقد صوّرنا الرحمن في الصورة الأحسن، و أودعنا جوارحَ مع طبعة الإسلام لنؤديَ الرِسالة المثالية للإنسان بما هو إنسان، و للمسلم على تأديةِ واجباته وأن نكون مسئولين عنِ الذات ومحيطها. 

فتح الكتاب ثانيةً مؤمناً بأن الحمدلله على كُل حال حمدهُ كما يستَحِقهُ كثيراً طيباً دائماً ابدا، في السّرّاءِ و الضّرّاءِ و النعماءِ و الأواء و الشِدةِ و الرّخاء، متيقناً بأن كُلَ حالٍ هو خيرٌ و صلاح. مؤرجحاً رأسهُ و بصوتٍ رفيع قالَ " رَحَمكَ اللهُ يا ولدي" و أكمل في الدُعاءِ مُرتِلاً: اللهم صَلِ على محمدٍ وآل محمد. 
 

يتبع في الإسبوع المقبل إن شاء الله
13-6-2015

شهر المتعة! // محمود سهلان



يطلّ علينا بعد أيامٍ قلائلٍ شهر رمضان المبارك، الذي هو من خير الشّهور، والذي يتضمن ليلةً وصفها القرآن الكريم بأنّها خيرٌ من ألف شهر، ويتضمن الكثير من المناسبات الإسلامية المهمّة تاريخيًا، وكذلك في الوقت الحاضر..

هذا الشّهر الذي بات يسير في اتجاهٍ مختلفٍ عما أراد له الشارع المقدس، حيث صار شهرًا للّعب والعبث والسّهر، انقلب إلى شهرٍ ننام فيه نهارًا ونسهر ليلا، لا من أجلِ العبادة والتّقرب إلى الله، بل من أجل أيّ شيءٍ آخر إلا القرب الإلهي..

نعم.. شهر رمضان اليوم تحول لشهرٍ للطّبخ المتنوع، والمسلسلات التي لا تتوقف على مدار اليوم، والبرامج الهزيلة، بل والبرامج الفاسدة البعيدة تمامًا عن روحية هذا الشّهر وما أُريدَ له، التي تحتوي على الكثير من مظاهر الفسوق والفجور، ويبقى الكثيرُ يتابعها بشوقٍ ولهفة، فيذهب أغلب هذا الشهر الفضيل، بين سهرٍ في ضياع، وجزء آخر خلف شاشة التّلفاز، وكثير منه بالمطبخ، وما أكثر ساعات النّوم التي يقضيها الناس فيه!!

حتّى مجالس القرآن باتت لدى الكثيرين روتينًا اعتادوا عليه، وجلساتٍ يلتقون فيها، فلا يستمعون للقرآن، ولا هو همّهم أصلا، فهو الطّريق للتّلاقي فقط، وتناقل الأحاديث، بل والغيبة والنّميمة وما شاكل لدى البعض..

ماذا أقول، وهذا هو حالنا اليوم، استبدلنا اللّب، واكتفينا بالقشر، وفي أحيانٍ كثيرةٍ بما هو بعيد جدًّا حتّى عن القشور..

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: ١٨٣].

من هذه الآية نستطيع الكشف عن فلسفة الصّيام، ولو على نحو الجزئيّة على أقل تقدير، لنقول بأنّ المراد من الصيام هو تحصيل التّقوى، وبذلك يكون هذا الشهر المبارك من أهمّ المحطّات في عمر الإنسان، فإنّها فرصة نعيشها اليوم، ولا ندري تتكرّر علينا لاحقًا أم لا، والمفترض أنّنا سنعمل على استثمارها، وسنسعى لذلك فردًا وجماعات، لكنّنا نرى الواقع مختلفًا جدًّا.

لذلك أقول أنّنا بحاجةٍ لتغيير الواقع الذي سيطر على أجواء هذا الشهر، لتتحول مجالسنا لمجالس قرآنٍ وعبادةٍ حقيقيةٍ ومؤثّرة، ومجالس علمٍ وثقافة، ولنقف ضدّ ما يُعرض من مسلسلات وبرامج تبعدنا عن روحيّة هذا الشهر، ولنَصل أرحامنا، ونملأ أوقاتنا بالعبادة والعلم والتّعلم، ليتحولَ هذا الشّهر كما يصفه بعض العلماء لدورة تدريبيّة، ثم نستمر على من نكتسبه فيه من روحيّة وثقافة، ليكون محطّةً نتزوّد منها بخير الزاد، لطويل الطّريق، ويوم المعاد.

يملأ صدري الألم عندما أرى ما آلَ إليه حالنا في التّعامل مع هذا الشهر، وابتعادنا عمّا أُريدَ إلينا فيه، فنحن خلاله ضيوف الرّحمن، على أفضل مائدة، لكنّنا نختار مائدة الشّيطان، سواء كان إنسيًا أو غير إنسيّ، فنبتعد عن كلّ ما يدعونا للتّقوى بمحض إرادتنا، ونتّجه لما يفسد هذه النّفس.

ما مضى لا ينطبق على الجميع، لكنّه فعلا ما يقوم به الكثير، فهل نرى شهرًا مختلفًا هذا العام، أم نبقى في تراجعٍ مستمر، دينيًا وأخلاقيًا وثقافيًا؟!

محمود سهلان
٢٥ شعبان ١٤٣٦ هـ

التحوُّلُ المُعاكِسُ / السيد محمد علي العلوي

 
 
 
 
 
 

محمد علي العلوي

يبدو إنَّه سُنَّة من سُنن الحياة، فالزوجة اليوم قد تكون الطليقة غدًا، والابن الحاضر الساعة ليس ببعيد عن الرحيل في لحظة، ويبعد القريب ويقرب البعيد، وبين غروب وشروق يوَزَّرُ طبَّاخٌ ويُعدَمُ وزير..

على الإنسان أن يكون مستعدًّا دائمًا للتحول المعاكس..

قبل أيام، وجدتُّ نفسي مشدودًا للبحث عن صور المضاين من المشهورين، وفي بعضها كانت للواحد صورة في شبابه وأخرى في مشيبه، وصورة لفاروق مصر وقد بدا شبه مستلق يضحك ملء فيه وسط قصره، وثانية لمحمد رضا بهلوي منتصب القامة وصفوف من الرجال ركَّع له، وغيرهما كثير.. ولكن:

كيف انتهوا؟ أين وكيف يحيون الآن؟

في بعض السنوات صُرِعَت في حادث سير أمُّ وابنتها وحفيدتها، وكنَّ في طريقهنَّ لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في أحد المخيمات مع أهلٍ وأقارب لهنَّ كانوا هناك، وفي إحدى الدول خسَرَ مليونير ثروته في صفقة خاسرة، وخرج في لحظة غيابٍ لعقله على إثر ذلك عاريًا في الشوارع كما جاء إلى الدنيا عاريًا، وصوَّرْتْهُ الكاميرات وانتشرت صورُه على بعض مواقع الشبكة العنكبوتية.

هكذا هي الحياة ولن تتغير، ولكنَّ الغريب في الأمر أنَّ الإنسان أيضًا يرفض التغيير، ويأبى الاتعاظ بموعظة التكوين الأكثر بلاغة بلا منازع (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).

بالأمس كان يلعب ويركض ويتنقل هنا وهناك بخفَّة.. وربَّما بجبروت!

وفي تعاقب الأيام وازدحام ساعات القدوم والرحيل، لا يلتفت إلَّا ومِنْ على أكتافه يهجم الضعف بقوة لا مثيل لها، وآلاف الحمد والشكر لله تعالى إن بقي قادرًا على قضاء حاجة (الحمام) دون مساعدة من أحد..

يقاتلُ الإنسانُ ويخسر الكثير من القيم، والغاية هي الظفر بما لا يدوم لأكثر من بضع سنوات تتصرَّم وهي تنخر في عظامه حتى يهرم، ثمَّ تحتضنه كلمات قوله تعالى (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ)؛ حيث العلم يتحول إلى جهل، والذكر إلى نسيان، والقوة إلى ضعف.

كيف نتمكن من إسكان هذه الآية العظيمة في عمق وجداننا؟

يقول تعالى: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)..

الهجرة إلى الله تعالى تعني بالضرورة مغادرة هذه الدنيا، وليس القصد إلَّا تركها بما فيها لأهلها، فهي للمؤمنين ليست إلَّا محطة للتزود، ومن روائع ما قيل في هذا البعد المحوري، ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد رجع من صفين فأشرف على القبور بظاهر الكوفة، وقال: "يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة، والقبور المظلمة، يا أهل التربة، يا أهل الغربة، يا أهل الوحدة يا أهل الوحشة، أنتم لنا فرط سابق ونحن لكم تبع لاحق.

أمَّا الدور فقد سُكِنتْ، وأمَّا الأزواج فقد نُكحَتْ، وأمَّا الأموال فقد قُسِّمتْ.

هذا خبرُ ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟

(ثُمَّ التفتَ إلى أصحابه فقال): أمَا لو أُذِنَ لهم في الكلام، لأخبروكم أنَّ خيرَ الزادِ التقوى".

عندما نفكِّر في محطَّةِ ما بعد هذه الحياة الدنيا، والتي ندخل إليها من بوابة (الموت)، وعندما نعي جيِّدًا حقيقة الأمر، وإنَّه وبكل ما تحمل الكلمة من معنى انتقال من حال إلى حال آخر أكثر جدِّية (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)، و(وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)، فإنَّنا حينها نفهم الحقيقة التي أرادها الله تعالى لوجودنا في هذه الدنيا الدنيَّة، ومع تخلية النفس ثمَّ تحليتها بالشوق للتوبة ولقاء غفَّار الذنوب، لن يبقى في القلب مكانٌ (للأنا) وما يتشعب منها من تعقيدات دنوية لا تُحلُّ رموزُها بغير الموت.

نحتاج إلى الجِدِّ في العمل وتجنبِّ التوقُّف؛ فهذه الحياة الدنيا دار زرع، والحصاد عن قريب، فلا تتصرمن الأعمار إلَّا والزاد مرضيًّا عند الله تعالى (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ)، وأمَّا المبدأ العملي الاجتماعي الإيماني فلا يخرج عن (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
 
13-6-2015

Friday, June 5, 2015

لحظةٌ بين ساعات // مدونة ارتقاء




نحن مؤمنون تمامًا بقضاء الله سبحانه وقدره، ولكنَّه عزَّ وجلَّ أنبتَ فينا قلوبًا مُحِبةً ليِّنة الطباع..

قلوبُنا تنكسر لسوءٍ يضرب إنسانًا.. أيَّ إنسان..

قضينا أيَّامًا حاكتها ساعاتٌ من أجمل الساعات، ساعاتٌ ملؤها الأمل والعمل.. الجدُّ والمزاح، وطالما اقتنصنا بعض الوقت من أيَّام السبت لنجتمع في بيت أحدنا على وجبة غداء.. (مكبوس الهامور) الذي أحببناه لحبٍّ ربط قلوبنا تحت عنوان (ارتقاء).


مرَّت الساعاتُ في أيَّامها ونحن نزداد إصرارًا على مواصلة الطريق، والمساهمة مع الآخرين في صناعة نهضة ثقافية تعمُّ مجتمعنا فينهض مجتمعًا قارئًا كاتبًا عن وعي وبعد نظر، فتعاهدنا على إزاحة الحواجز والعقبات التي صنعتها التحزبات وثقافة (أنا وهو)، وبالفعل، تمكنَّا من إحراز العلامة الكاملة في مجموعتنا الجميلة.. (ارتقاء).


نكتب مقالاتنا الأسبوعية، ثمَّ نبدأ بتقييمها ونقدها بصدور تسع الدنيا، فنصحِّح ونقوِّم قبل نشرها على صفحة المدونة..


بقريحته السيَّالة يستقي حبيبنا الأفكار ويحوِّلها أشعارًا بعد هضمها والوقوف على مبانيها، ثمَّ ينثرها بين الناس قوافي خيرٍ ومحبَّة..


لم يكن "أبو مقداد" في (ارتقاء) فقط، ولكنَّه كان في الكثير من الأماكن بنفس الهِمَّة والصدق والإخلاص، ولذلك فإنَّه لم يكن ليهدأ عن العمل أبدًا، فكان النشاط الدائم عنوانًا له..


وفي لحظة، ونحن لا نزال في بداية الطريق..


هي لحظة.


رحل.


رحل محمَّد.. رحل أبو مقداد.


نعم، نحن مؤمنون، ونحمد الله تعالى على هذه النعمة التي لا (لكن) معها..


نحن مؤمنون، ونحن أيضًا قلوبٌ تعيش الإنسان في مختلف أبعاده..


رحل؟


هل يعني ذلك أنَّنا لن نلتقيه؟ لن نسمع صوته؟


هل هذا يعني أنَّ ضحكاته غابت؟


أكدوا الخبر وأُعلِن عن موعد التشييع، وبالرغم من ذلك إلَّا أنَّنا بقينا نتابع الأخبار، فالله تعالى على كلِّ شيء قدير، والعِلمُ يُخطئ، وهذا ليس بغريب..


مضت منذ تلك اللحظة دقائق.. فساعات..


هل يأتي الخبر؟ هل نفيق على خطأ في تشخيص الطبيب، ويرجع لنا أبو مقداد بعد كابوس عاصف؟


لم يخطئ الطبيب، ورحل الحبيب..


رحلت أبا مقداد جسدًا، ولكنك معنا بشموخ ما حملت من قيم شامخة وسجايا سامقة، ولذلك.. وبالرغم من حرّة في القلب، نعاهدك على مواصلة الطريق بعنفوان بدأنا معه، وستبقى -أبا مقداد- معنا.. 



7 مايو 2015

رحل الغدير / محمود سهلان



كنّا نفكّر معًا.. نكتب معًا.. نتناقش معًا
كنّا نمزح.. وقد يكون بيننا عتاب
هكذا كنّا يا أخي

هذا اليوم أيضًا كنت تمازحنا..
ثم ذهبت..
فجأةً
جاء ذاك الخبر المرّ كالصّاعقة!!
لم تصدّق عيناي تلك الحروف
حاولت أنْ لا أصدّق..
لكنّه كان الواقع
هو ما حدث فعلا..
رحلت عنّا دون رجعة

فقدٌ.. ألمٌ.. حزنٌ.. دموع
لكنك وفدت على كريم
ذاك هو العزاء..

لا طاقة لي على الكلام..

إنا لله وإنا إليه راجعون

محمود سهلان
١٣ شعبان ١٤٣٦ هـ
٣١ مايو ٢٠١٥