Friday, September 26, 2014

الماسونية،، الغزو الغائب الحاضر // أبو مقداد

 
هو مصطلحٌ مُرعبٌ، إمّا بسبب معرفته، أو بسبب عدمِ معرفته!!

الماسونية الفكر الذي تمكن من اختراق كل زاويةٍ لم نتوقعها، والقوة التي سيطرت على العالم، لذلك فمن يعرفها سيصاب بالرعب منها، ومن لم يعرفها قد تتمكن من اختراقه بسهولةٍ جدًا، ومن دون أن يشعر!
 
بدأ الفكر الماسوني في التشكُّل والتمحور والتنظيم منذ القِدم، وقد اختُلِفَ على تاريخ بداية ظهور الماسونية، فالبعض يعتقد أنها من عصر الفراعنة. والآخر في زمن بناء هيكل سليمان، والبعض يعتقد أنها بدأت أثناء الحروب الصليبية. وبالرغم من أن من ضمن شروط الحصول على عضوية ماسونية هو أن يؤمن العضو بوجود خالق أعظم بغض النظر عن ديانة الشخص، إلا أن الأهداف العملية كانت من أجل أن يُنشأ كيانًا خاصًا يحمي الديانة اليهودية، ويحمي اليهود من التشتت، ويعيد سيطرة اليهودِ على العالم، ويقدِّمَ العالمَ لأحضان اليهود. أخذ هذا الكيان في الانتشار والتوسّع ليكون التيار الذي يتمكن من تحقيق ما يصبو إليه، ثم يأخذ بالتطور شيئًا فشيئًا حتى يُصبح القوة التي تحكم العالم اليوم. فما من مصدرِ قوّةٍ إلا وغالبًا كان لهم يدًا فيه. الحديث عن الماسونية قد يشبه الخرافة أو المستحيل، وذلك بسبب سريَّة تنظيمهم، وقوتهم الخارقة ونفوذهم اللامحدود، وتمكنهم من تحقيق المستحيل في سيطرتهم على العقول والأفكار!
 
للماسونية شكلان، الأول: الشكل التنظيمي الرسمي، حيث ينضمّ الفرد لهم رسميًا، ويشاركهم محافلهم وطقوسهم وأنظمتهم وقوانينهم، وهو التنظيم الخاص والسري والذي يحتاج لموافقة كبارهم، وأساتذتهم، ولا يمكن لأيٍّ كان أن ينضمَّ لهم. وهم يعتبرون نواة الفكر الذي يحرِّك العالم. وبالطبع فالماسوني على هذه الشاكلة يكون بكامل إرادته وعلمه واختياره، وهو خيارٌ لايمكن التراجع عنه، لأنه سيطَّلع على أسرارهم المحظورة.
 
أما الشكل الثاني: فهو الفكري والثقافي، وهذا الشكل لا يحتاج لقبول الانضمام له، ويعتمد على نشر أفكار الماسونية عبر قنوات ومشاريع وبرامج قد تبدو في ظاهرها لا علاقة لها بأصلها الماسوني، لأنها صمّمت وتدار وتهدف للسيطرة على كل من ينضم لهذه المشاريع. وغالبًا ما يكونُ الماسونيُّ بهذه الصورة لا يعلمُ عن كونه ماسونيًّا، فهو يخدم مشاريعهم وأفكارهم حسب ما يُفصِّلونها هم من دون أن يعرف، أو يعلم بذلك، إنما يخدمهم بكامل إرادته، ظنًّا منهُ أنه متطوعٌ لفعلِ خيرٍ ما!!
 
اليوم قد تكون الماسونية هي أكبر تيار فكري يتمكن من مخاطبة أذهان الناس والسيطرة عليها. فهم يسيطرون على جميع مراكز الأبحاث في أمريكا، بما فيهم مراكز الأبحاث الاجتماعية وعلماء الاجتماع والنفس. ولأن مصطلح " الماسونية" مصدر رعب، فهم عادة يتسللون متخفين بأغلفةٍ تمحي آثارهم عند من لا يتتبع مصادر هذه المشاريع، وهذا التخفي والتغليف من أجل أن تُمرر أفكارهم بسلاسةٍ وهدوء على من وصفتهم بأنهم من الشكل الثاني أعلاه. فكثيرٌ من المشاريع كانت ستفشل لو كان عنوانها الظاهر ماسوني، لذلك فهي تضطر للتخفي خلف غلافٍ تقبلهُ الفئة المستهدفة، فتبدأ بالمشاريع التي تعطيها الشرعية عُرفًا. فقد تجدهم يقيمون العديد من المشاريع التطوعية ومشاريع الخير والإنسانية والعطاء والأخوة، إنهم بها يكسبون شرعيتهم. وسنلاحظ أنهم يرفعون شعارات راقية برَّاقة، كالعدل والخير والمساواة والحرية والحقوق والكثير من الشعارات التي لا يمكن لأي أحدٍ إلا أن ينجر لها ويثق بها، إذ لن يتمكن من رفضها على أقلّ التقديرات، دون أن يعلم ما وراء هذه الشعارات، حتى إذا انغمس وتوغل وانخرط في هذه المشاريع وصار منها وصارت منه، تمكن مدراء هذه المشاريع من فرض وتمرير أفكارهم الماسونية بكل سلاسة للناس وللمجتمعات المستهدفة، دون أن يشعر بهم أحد!
 
بدون أن نشعر، تمكنت الماسونية من تمرير الكثير من الأفكار بيننا، وأصبحنا نهتف بشعاراتها ونحملها في مجتمعاتنا الإسلامية، كما تشاء وتشتهي، فصارت العلمانية والليبرالية جزءًا من مجتمعاتنا، وصارت الدولة المدنية مطالب الشعوب الإسلامية، وما هذه إلا مشاريع صنعتها الماسونية ومُررت لنا وفتحنا لها الصدور!
 
الماسونيون لا يهمهم أن تعرفَ أن ما تقوم به هو مشروعهم، أصلًا لايريدونك أن تعرف بهذا الأمر. يهمهم أنك ستحمل أفكارهم وتُنجحها وتدافع عنها متى ما تطلب الأمر. لا يريدون منا أن نعترف بمحافلهم، ولكنهم يريدون منا أن نطبق ما يقررونه فيها. هم يريدون أن تكون لهم يدٌ خفية في كل مشروع، في كل تنظيم في كل حزب، في كل تيار، في كل منظومة عملٍ. وإن لم تكن هذه اليدُ شخصًا بعينه، فوجود أفكارهم ضمن أفكار هذه المجموعة تكفيهم. ونحن نتساهل "مو لهالدرجة عاد" أو "مو معقول كل هذا هم مسوينه"، ولكن الواقع يقول عكس ما نظن، فهم فعلًا معنا وبنا.
 
حين أتكلم عن خطر الماسونية فأنا أتحدث عن خطرٍ فكري وثقافي. هم لا يهتمون لحياتنا، ولا يسعون لقتلنا، إنهم يستهدفون العقول، لذلك أركز جدًا على أن أكبر خطر يواجهنا اليوم وأكبر حربٍ نخوضها هي الحرب الثقافية والفكرية، والتي تحيط بنا من كل جانب. ولا بد لنا من أن نحتمي جيدًا منها وننمي علاقتنا بثقافتنا الإسلامية الأصيلة، حيث أن جميع التيارات الفكرية الصالحة والطالحة تعملُ بقدمٍ وساق على نشرِ أفكارها وتعميمها، وتحويلها لثقافة أولى. فَلِمَ نحنُ أصحابَ الثقافة الأرقى، والدين الأرقى، نبقى متأخرين عن هذا الركب؟!
 
نحنُ أمام خطرٍ حقيقي، فالفئة المستهدفة للغزو الفكري والثقافي هي الفئة الشابة، أصحاب الطاقات والمواهب الإبداعية، لأن الشباب هُم صُنَّاع المستقبل، وإهمالنا لهذه الفئة سيُنتجُ تلقائيًا جيلًا مشوهًا ثقافيًّا، سنُحاسبُ على تشويهه!
 
المجتمع يملك من الطاقات الكوادر الشابة ما لا يمكنُ حصرها، ولا يحتاج إلا لمشروعٍ يحتضن ويُفعل هذه الطاقات وفق ما يواكبُ العصر وفق الأطر الشرعية، وهذا في غاية الإمكان لو وُجدَت  فِرقٌ متخصصةٌ لإدارةِ هذا المشروع. أقول وأركز على أن تكونَ فرقًا متخصصة كي لا تتسبب في نفور الشباب وتعطيلهم عوضًا عن جذبهم وتفعيلهم كما هو الحاصل في العديد من المراكز الثقافية.
 
في الوقت ذاته، تقع على كل شاب مسؤوليتان:-

الأولى: الحذر من الانجرار خلف أي مشروعٍ رفع اسمَ الثقافة شعارًا فقط، دونَ أن يعي ما هي خلفية هذه المشاريع، ومن أين أتت، ومَن يرعاها، ولمصلحة من تعمل!

الثانية: أن يصنع كل شابٍ من نفسهِ مشروعًا ثقافيًّا يرتقي بالمجتمع والدينِ لأعلى المراتب. ولا يعتمد على وجودٍ حاضنةٍ ما تحتضنُ مشروعه الخاص، فإن لم يعثر على الجهة التي ترعى طاقته لتوظفها وتفعلها بالشكل الذي يرضيه، يتمكن من تهيأة أرضية انطلاقته هو بنفسه، ويرعى مشروعه الخاص حتى يحتضن الآخرين لاحقًا.
 
 
27 سبتمبر 2014
 
____________________________________________________
من الجيد الاطلاع على مقالَين سابقين قد نشرتهمها في المدونة، لهما علاقة بمثل هذا الغزو الثقافي.
المقال الأول: تاء الشباب،، بنا ولكن ليس منا.
http://ertiqabh.blogspot.com/2014/09/blog-post_11.html?m=1
 
المقال الثاني: المشروع.. والمشروع المضاد.
http://ertiqabh.blogspot.com/2014/02/blog-post_1811.html?m=1
 
 

الهدف.. والهدف الأسمى // محمود سهلان

 
 

عندما أتلفتُ يمينًا وشمالًا أجدُ غالبَ الناس يعيشون بلا أهداف، خصوصًا من هم في سن المراهقة أو الشباب، فتراهمْ لا يريدون سوى الاستمتاع بهذه الحياة، وفقط، وإن كانت لهم أهدافًا فلا تعدوا أن يكونوا مبدعين في رياضةٍ مّا، أو أن يمتلكوا سيارةً معينة، وهكذا، وهي ليست أهدافًا سامية كما ترون.
طبعًا لا أقول أنّ كل الشباب والمراهقين هكذا، لكنني أظن أن الغالب الأعظم هكذا، ولو ظاهرًا، وإلا فإن الكثير من شبابنا الكرام يمتلكون طموحاتٍ وأهدافًا راقيةً سامية، ولكي لا نحصرها في الشباب فإنّ الكثير من الكبار، من الآباء والأمهات، يعيشون مثل هذه الحالة، فلا يتجاوز طموحهم أن يوفروا الطعام والشراب واللّباس لأبنائهم، هذا وإن كان مهمًا إلا أنه لا ينبغي أن يكون أعلى سقف طموحنا وأهدافنا.
لو سألتني: ما هي الأهداف السامية؟
أقول لك: لست أنا الموكل بتحديدها، وإن كان بعضها عامًا، وأسماها وأرقاها عامًا، إلا أنّ تحديدَها مسؤوليتك أنت، وفي أطر معينة.
ما أدعو إليه، هو أن لا نجعلَ ما يفترض أن يكونَ من حاجاتنا طموحًا وهدفًا لا يليه في المرتبة شيء، بل يفترضُ علينا أن لا نتوقفَ عند هدفٍ وطموحٍ ما عندما نجد أنّ هناك ما هو أعلى وأرقى منه.
فعندما تكون طالبًا لعلم ما، لا تجعله متوقفا على تحصيل شهادة ما، تتوقف عنده من أجل أن تعمل مثلًا، فسنقول لك حينها: ثم ماذا؟
ما دمت قادرًا على الاستمرار والوصول لأعلى مراتب العلم، فما الداعي لأن تتوقّف؟ ومن أجل ماذا؟ من أجل وظيفة مرموقة! أم من أجل منصبٍ معين! أم من أجل الوجاهة!
هذا ليسَ هو المطلوب، ولا هذا هو الصحيح، بل عليك أن تسعى لأن تصلَ لأعلى المراتب العلمية، حتّى تكون في صف العلماء اللذين خلّدهم التاريخ، لمَا قدّموه من عطاء من أجل الإنسان، ولما قدّموه من تضحيات، وما بذلوه من جهد.
هذا مثالٌ فقط، وعليه فقسْ غيره..
إنّ بعضَ الطموحات قد تكونُ كبيرةً بالنظر إليها اليوم، ولكننا إذا استطعنا رسمَ خارطةٍ من الأهداف الصغيرة باتجاه هذه الطموحات والأهداف الكثيرة، فإنّنا سنجدها واقعًا أمامنا، فنجعل لنا أهدافًا كبيرةً جدًا، ونجزِّئها لأهدافٍ صغيرة، كأن يكونَ طموحُ أحدِهم أن يكونَ عالمًا في علمٍ مّا، فيبدأ بالمدرسةِ في مرحلتها الإبتدائية، ثم الإعدادية، والثانوية، وكلّها أهداف اجتازها حتّى وصل لمرحلةِ الدراسةِ الجامعية، ثم يتدرجُ من الدبلوم إلى البكالوريوس ثم الماجستير والدكتوراه، وتظل هذه أهدافًا - أسمّيها - مرحلية، ثم يكونُ عالمًا متمكنًا في هذا العلم والفن، وقد يكون هناك هدفًا أسمى أراده هذا العالم، وما وصوله لهذه المرحلةِ إلا هدفٌ مرحلي آخر، يسعى من خلاله لهدفٍ أكبر وأسمى وأرقى.
لا تؤجّل الأمر.. ارسمْ أهدافك الآن واعملْ على تحقيقها قبل فوات الأوان، فإنّ الخطوات الأولى تتمثّل في تحديد الأهداف، ثم التخطيط للوصول إليها، فإنّك إذا أردت أن تكونَ شيئًا، لا بدّ وأن تكون فكّرت فيه قبلًا، وتحرّكت باتّجاهه، بعد تحديد نقطة الوصول.
لا تستصعبوا شيئًا، فالأهداف الكبيرة تبدأ بعيدةَ المنال، لكنها تكون حقيقة في يومٍ مّا، فمشوار الميل يبدأ بخطوة.
 
 
٢٨ ذو القعدة ١٤٣٥ هـ

Thursday, September 25, 2014

عبث في خرائط النفوس (١) // إيمان الحبيشي




لم تعدّ (رياض الأطّفال) مجرَّد موقع يلجأ إليه أولياء الأمور لرعاية أطفالهم، بل صارت محطة يمر عبرها أغلب الأطفال قبل مرحلة الدراسة، وصارت دور رياض الأطفال تتفنن لاجتذاب أولياء الأمور ولحصد ثقتهم عبر تعدد مرافقها، ووجود معلمات أجنبيات لتعليم اللغة الإنجليزية، وتوفير أماكن للهو واللعب، وعبر حرصها على إقامة مختلف الفعاليات والرحلات الترفيهية، ولأن رياض الأطفال قطاع خاص يقوم على نفقة أولياء الأمور، فمن الطبيعي أن تتعدد تكاليفها، وفق ما تقدِّمه من خدمات في رعاية الأطفال، إذ أنه ونتيجة التطور السريع الذي يعيشه مجتمعنا، ونتيجة لدخول العديد من النساء لسوق العمل، صارت رياض الأطفال ضرورة ملحة للرعاية وللتعليم، وصدقًا تُقدِّم تلك الدور خدمة للأطفال وأولياء الأمور، إذا ما التزمت برعاية صحيحة وتعليم مبدع، إذ يبتعد الأطفال عن جو المنزل، ليختلطوا بجو أقرانهم في الروضة، فيتعلمون كيف يتفاعلون مع بعضهم، وكيف يتصرفون بعيدًا عن أمهاتهم وآبائهم. كما قد تكتشف بعض المعلمات مواهب وقدرات أولئك الأطفال، فتتم رعاية مواهبهم واستثمارها وشحذها واكسابها الثقة عبر إبرازها.
 
لكني أتساءل، هل تنتهي مسؤولية الوالدين على أعتاب باب رياض الأطفال؟ وهل تتوقف مسؤولية القائمين على تلك الرياض بمجرد أن يخرج الطفل من أعتاب الروضة؟ ماذا عن تلك الحلقة ما بين دخولهم لروضتهم وخروجهم منها؟ كم عدد أولياء الأمور الذين يتابعون بشكل حثيث حياة أطفالهم بالداخل؟ وبعيدًا عن الواجبات المنزلية والخطة الدراسية، تُرى كيف تتم معاملة أطفالهم؟ كيف تتم مكافئتهم إن أحسنوا، وكيف تتم معاقبتهم إن أساءوا؟
 
إن مرحلة رياض الأطفال، مرحلة دقيقة جدًا من مراحل نمو الانسان، إذ هي تختص بالفئة العمرية من أقل من ثلاث سنوات حتى ما يناهز السادسة، أي أن رياض الأطفال تُعنى بفئة عمرية وصف الامام علي عليه السلام صاحبها بأنه -أي الطفل- "ذو نية سليمة ونفس صافية" في إشارة لحقيقة الطفل. وهي مؤشر هام لأهمية مرحلة الطفولة، فذو النية السليمة والنفس الصافية، سيكبر ليكتسب من محيطه ما يحفظ تلك النية والنفس السليمة الصافية، أو ما يشوهها. يؤكد ذلك قوله عليه السلام في موضع آخر: "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، مهما أُلقي فيها من شيء قبلته". هل ندرك إذًا أهمية مرحلة رياض الأطفال على صغارنا؟ هل نراقب ما يُلقى في أرضهم؟
 
ربما تتمكن العديد من رياض الأطفال من إلقاء بذور محبة الله، ومعرفة محمد وآل محمد في نفوس أطفالنا، مما يعني زرع المحبة والصدق والحب والسلام والخير في نفوسهم، ذلك أن العديد منهم ورغم -الرقابة- يصرُّون على تثقيف الأطفال حول شخصيات تاريخية وعقائدية مهمة في رسم خرائط نفوس أطفالنا، ويقومون بذلك مشكورين رغم الضغَّط إدراكًا منهم لأهميتها في نمو شخصيات تقية قدوتها النبي محمد (ص) وأولاده (ع)، لكن على صعيد آخر يرتبط بالتعليم ولا ينفصل عنه إطلاقًا..
ماذا عن( المعاملة)؟!!! ..
 
بعيدًا عن تعليم الأحرف والأرقام والشخصيات، بعيدًا عن إقامة الفعاليات والرحلات والجولات، كيف تتم معاملة أطفال أعمارهم من ٣-٦ سنوات، حين يصرخون ويعاندون ويشاكسّون؟! أو حتى قبل أن يشاكسوا؟
سمعنا جميعًا عن روضة كانت تعذب الأطفال في عهدتها، فتربطهم وتمنعهم من الأكل. وقد روى الأطفال حوادث يشيب منها رأس الوالدين، وقد امتدت معاناتهم لأشهر قبل أن يكتشف ذلك والديهم!!
مخطئ من يظن أن تأثير تلكم الأشهر سيمسَح من أذهان أولئك الأطفال بمجرد أن تستبدل روضاتهم. هؤلاء الصغار هُزَّ شعورهم بالأمان في حين يقول (ع) :"من أخاف طفلًا فهو ضامن".
 
حسنًا تلك كانت حالة استثنائية، شخصيًا لم أسمع بغيرها في داخل مجتمعنا، لكن كم عدد الروضات اللاتي تسيء معلماتها معاملة الأطفال فيها، فتنهرهم باستمرار لأتفه الأسباب، وتصرخ عليهم باستمرار لأنهم مارسوا طفولتهم وعاشوا مرحلتهم؟ كم مرة حملت معلمة ما طفلًا من قميصه بقسوة، وجَّرته بكل إهانة، أمام مرأى أصحابه لتغير موقعه لأنه كان يضحك أثناء الدرس؟!! كم معلمة طردت طفلًا لم يتجاوز الرابعة من عمره من فصلها، لأنه رفض أن يمسك القلم؟! ماذا عن صفع طفل أو دفعه أو إلقاء شيء ما (مهما صغر حجمه) باتجاهه!! قد تكون تلك تفاصيل صغيرة جدًا يستهجن القارئ حتى مجرد الإشارة إليها، إلا أنني أقولها بكل ثقة، أنها ليست مجرد (تفاصيل) بل علامات ستساهم بشكل أو بآخر، في رسم تفاصيل شخصيات صغارنا، ثقتهم بنفسهم، شعورهم بالأمان، حبهم للتعلم، إقبالهم على اللعب والاختلاط بأقرانهم، وغير ذلك الكثير مما لا يتسع المقام لذكره.
 
الآن سأُعيد عليكم أسئلتي السابقة:
* هل تنتهي مسؤولية الوالدين على أعتاب باب رياض الأطفال؟
واضح جدًا أن مسؤوليتنا كأولياء أمور لا تتوقف أبدًا بل تتضاعف في الوقت الذي لا يكون أطفالنا تحت مرأى عيوننا. لنسألهم عن يومهم كيف كان؟ ولنمتلك جرأة سؤال المعلمة وإبداء الملاحظات على معاملة الطفل داخل الروضة بكل أدب واحترام، فشعورهم بمتابعة أولياء الأمور يلقي رقابة ذاتية، تمنع من انفلات الأعصاب، والاستهتار في مراعاة أطفال قد تُشكِّل مشاكستهم، عبئًا حقيقيًا على كاهل أولئك المعلمات.
 
** وهل تتوقف مسؤولية القائمين على تلك الرياض بمجرد أن يخرج الطفل من أعتاب الروضة؟
تبقى على منتسبي رياض الأطفال إدارة ومعلمات مسؤولية أخلاقية تجاه كل ما يعلق بنفسية وذهن الطفل، سلبًا أو إيجابًا، بسبب معاملة أو تعليم تلقاه داخل أسوار الروضة، وحمله لخارجها فأثرَّت في سلوكياته وتعاملاته.
 
لتكن رياض الأطفال وحدة متكاملة مع الأسرة، للدفع باتجاه تخرِّج أطفال سليمي النفس والضمير، ينطلقون بثقة داخل حدود المجتمع وخارج حدود الوطن. وأُذكركم ونفسي بحديث الامام علي عليه السلام: "ولدك ريحانتك سبعًا وخادمك سبعًا، ثم هو عدوك أو صديقك". وليعلم القائمون على رياض الأطفال أن أولادنا أمانة تركناها بين أيديهم ونعم المؤمن من ائتمن فلم يخن.**
 
_________________________________________________
** من الجيد الاطلاع على هذه الدراسة الوافية حول حقوق الانسان عند الإمام علي عليه السلام وفيها لمحات مهمة عن الطفل
  http://www.aqaed.com/book/595/10.html

قِيامُ (جَمَل) البَحْرَين // محمد علي العلوي




قالوا قديمًا: "إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه"..
 
وإلا، فهو قائم على أربعة، رافع إلى الأعلى عنقه، فإنَّ ضربةً من خُفِّهِ كفيلة حينها بأنْ تجعل وجه الذي تصيبه شبيهًا بالمكواة القديمة!!
 
الجملُ.. سفينة الصحراء، يأكل العشب ويشرب ثمَّ يعمل طويلًا ويُبدع في عمله واثقًا من قوَّته وعلوِّ جَلَدِهِ..
 
قويٌّ بِسَنَامِه وقوائمه وطُول عُنُقِه بانحناءته الهلالية، ولكنَّ هذه القوة تعود رُكامًا بلا حول إذا ما تَلَقَّاهَا في منحره ضربةً يَصُبُّ دمُه منها ميزابًا يَخُرُّ هو في بحره صريعًا..
 
مثل (الجمل) يأكل القليل ويشرب ثم إنَّه يعمل ولا يريد التوقف إلا لشيء من الراحة تعيده إلى قوَّة العطاء بدون حدود..
 
هكذا هو العالِمُ ومثله المُثَقَّفُ تحت سَنَامِ العلم والمعرفة ينطلق كلُّ واحد منهما في أشدِّ الظروف وأقساها، وهذا مشروط بصدقه وإخلاصه وحبِّه لزكاة علمه، وإلا فهو عالم سوء أو مثقف ضلال!
 
لهذا النمط الفاضل من العلماء والمثقفين هواء نقي تحتاجه صدورهم، وأمَّا منعه عنهم فهو ضربة في منحر وجودهم يخرون على إثرها صرعى كما تخرُّ الجمال وسمفونية الأسى تعزف من خلفها نعيقًا..
 
نمتلك في مجتمعنا شرائح وطبقات ضخمة من العلماء والمثقفين وعلى مستويات عالية جِدًّا، ولكِنَّها -في الوقت المشهود- ليست إلا مجموعات من الركام موزعة على الأرصفة وبعض (الحانات)، ولذلك فإنَّ الصوت الأعلى عندنا هو صوت الجهل والفتنة والصراعات والنزاعات وكُلِّ سيء يتقزز منه (خُفُّ) الجمل، ولكنَّه ويا للأسف.. لا حول له ولا قوة، فهو في جَوٍّ خانِقٍ قد شَحَّ فيه (الأكسجين)..
 
ما هو أكسجين العلماء والمثقفين؟ ما هو الهواء الذي تتنفسه صدورهم؟
 
لاحظوا –أيها الأكارم- معي..
 
يقول تعالى: (لِتَعَارَفُوا).. (ادْعُ).. (وَجَادِلْهُم).. (وَشَاوِرْهُمْ).. (بَلِّغْ).. كُلُّها وغيرُها آيات تبعث على الحوار وتبادل الرؤى والأفكار مع مختلف الأطياف، وهذا هو بالفعل الهواء الذي يتنفسه العلماء والمثقفون، بل هو حياة المجتمع السليم، ولكنَّ غياب التلاقي وضعف الالتقاء مع كدورة مياه الانفتاح تساوي وبشكل مباشر (سقوط) الجمل..
 
تعالوا لنتخيل..
 
تعالوا لنتخيل مؤتمرات ومنتديات وندوات وملتقيات وصالونات ورحلات تكسر سخافة الانغلاق التحزبي وجدرانه الكريهة، فتختلط الهامات وتتعانق الأدمغة والأحضان لمصلحة فكر ينطلق على طريق البناء بقوة وشموخ، فمما نحتاجه اليوم هو أن يلتقي العلماء والمثقفون من مختلف التوجهات، لا للمناظرة وانتاج الجدليات، ولكن لمحاورات عقلية ثقافية فكرية كُلٌّ يطرحها من زاويته، فتتكثر الزوايا، ومعها تتفتح آفاقُ ثقافةِ البناء (النقي) بين يدي المجتمع.
 
من العجيب جِدًّا أن نجد ما نجد من فِراق غريب بين شريحة من علماء الدين وأخرى من المثقفين الجامعيين، والأغرب أنَّ الشريحة الأولى تتهم الثانية بضعف الفهم وقلة النضج، والثانية تتهم الأولى بالتخلف والجمود، وعندَّما تتحرك المياه الراكدة ويُرَتِّبُ البعض للقاء بين الطرفين، فإنَّ النَفَسَ الذي يحمله المتحاورون من الطرفين -غالبًا- ليس إلا نَفَسَ الغلبة والإفحام والإسكات و(الإفشال) وكأنَّهم أعداء كُلٌّ منهم يريد تمزيق الآخر وتشويه صورته، وإن كان الثمن هو الكذب والتدليس والتلبيس!!
 
نحتاج بالفعل إلى كُلِّ طاقة علمية وكفاءة ثقافية لتندمج مع مثلها في منظومةِ عطاء فكري تُنْزِلُ غيثه تلاقحات على قدم وساق تُنْتِّجُها اللقاءات المنوعة بين العلماء والمثقفين حتى يُصْبِحُوا غالبيةً (عظمى) في مجتمعنا..
 
ولنحذر، فقد سقطتْ جِمال وجِمال على مَرِّ تاريخنا (الجريح)، وينبغي أن يكون اليوم قد أتى، فلنُنهض الجمل (وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى).
 
27 سبتمر 2014

Wednesday, September 24, 2014

بضاعة المفلسين // أم علي

 
٠لا تدع اليأس يتمكن من نفسك..
 
حين تضعف الإرادة وتلين العزيمة فإن النفس تنهار عند مواجهة الصعاب.. الحياة لا تخلو من المنغصات.. حين تفشل لا تسمح لليأس بأن يكون "بعبع حياتك" ويمنعك من حرية الحركة ويحرمك من التفاؤل ويجعل التشاؤم عنوانًا لحياتك.
 
من يسيطر اليأس على نفسيته يُسيء ظنه بربه.. هذا أمر لا يعقل ولا يقبل.. فضعف التوكل على رب العباد مصيبة كبرى.. دع عنك الإحساس بالإحباط فهو عنصر نفسي سلبي لأنه يقعد بالهمم عن العمل ويشتت القلب بالقلق والألم ويقتل فيك روح الطموح والأمل.
 
المؤمن الصابر لا يتمكن اليأس من نفسه أبدًا وفي القران الكريم عِبَر عظيمة لو تأملنا في معناها لعرفنا بأن اليأس ما هو إلا شبح وهمي إذ يقول رب العزة والجلال في محكم التنزيل
(وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ). يوسف / 87.
 
كيف يتمكن الإحباط من المؤمن وهو يعلم بأن الله جل وعلا هو المسيّر للأمور في هذه الدنيا؟؟
 
  1. قال سبحانه وتعالى (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (*) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ )(الحديد 22 - 23).
 
احذر مقارنة نفسك بالآخرين لأنك تقلل من قدرتك بهذه المقارنة. لا يوجد قفل بدون مفتاح.. الله سبحانه جل شأنه لم يخلق مشكله بدون حل ولكل داء دواء.
 
الآهات هي ألم لا محالة، لكنها أن مست الروح قبل الجسد فما هي إلا كفارة لأمر ما، أو امتحان لا بد أن تعيه حتى تتجاوزه بسهوله.
 
للدنيا وجه ضاحك عندما تكون أسيرًا لتعاستك لكنها تبتسم لك عندما تكون سعيدًا.. ابتسم من أعماقك فلا تكفي ابتسامة لا يشعر بها من حولك.
 
ابدأ يومك ببصيرة أمل وقُل يا رب قبل أي خطوه تخطوها. تضمك هذه الدنيا لصدرها عندما تسعد الآخرين ولو بكلمة يسيرة لا تكلفك شيئًا.
 
الإحباط بضاعة المفلسين.. كل إنسان ناجح لديه قصة مؤلمة، وكل قصة مؤلمة لها نهاية سعيدة.. اصبر فما من ضيق إلا وله فرج.. لا داعي للقلق فكل شوكة تمسك أو موقف "يرفع ضغط حضرتك" حتمًا لن يكون له أثر.. احتسب لوجه ربٍ كريم.. إذا ضاعت الفرصة، استمر في المحاولة ولا تجعل دموعك هي الحل. الأحزان سواد لا بياض فيها، وإذا استسلمت لها ستضيع منك رؤية الفرص القادمة.
 
الأخطاء بالطبع موجعة ولكن استمرار الوقوع فيها يزيد من خبرتك. كن شجاعًا عند الخسارة وإن كانت "ضياع صديق مقرب".
 
حافظ على هدوئك عندما تكون في "نشوة انتصار"، فالفوز يحتاج لهدوء تام حتى تشعر بطعمه الحقيقي.. تذكر بأن انصهار الذهب يحيله إلى تحفة، وطرق النحاس يحيله إلى أسلاك. مواجهة الصعاب بداية التغيير، غيّر من نفسك قبل أن تتذمر من الآخرين، فكلما زاد الوجع "ونفسيتك عورتك" كلما زادت قيمتك.
 
انسى آلامك في لحظة ما واستعد للنجاح ولو مرة.. احمي قدميك بخف فذلك أسهل من أن " تفرش" الأرض بسجاد الحرير.
 
27 سبتمبر 2014

واحـــــــة الأمـــــــــان // أم حسين


لساعةِ الثالثة من كل يوم طعم خاص،  فهي تحمل لي أجمل اللحظات ..
 
في الثانية ظهرًا تنتهي فترة عملي، ألملم أغراضي لأرحل، وفي طريقي إلى المنزل يرتسم خياله أمامي واقفًا ينتظرني ترتسم على محياه بسمة تضيء العالم بصدقها وبراءتها.. وما أن تطأ قدماي الأرض حتى يسابق شوقه ليرتمي بين أحضاني، ويلمني بين ذراعيه، يحتويني بقوة يهزم معها كل شعور بالضيق، ويغمرني شعور بالأمان والاطمئنان لا أشعر بمثيله في أي مكان.
 
تشدني تلك اللحظات الرائعة مع ابني ذي الخمسة أعوام وأحاول ما استطعت أن أجعلها أطول، وأعلم انه من الطبيعي أن تشعر كل أم بمشاعر الحنان والحب حينما تحتضن أحد أبنائها ولكن ما يشدني هو ذلك الجزء الذي يتلاشى معه كل الخوف والانفعال ليسود داخلك الأمان.
 
مما لا شك فيه أن المشاعر تنقل من شخص إلى آخر، ولصفاء قلب طفلي وتوازنه النفسي أثر كبير على تلك اللحظات، فما يحدث ببساطة أن طفلي يسمح لي بأخذ قسط من الراحة في واحة نفسه الآمنة.. ولذلك فكلما شعرت بالضيق والتعب لجأت له ليعانقني للحظات ويغمرني بالأمان.
 
الأمن النفسي، السلام الداخلي غاية يطلبها الإنسان بفطرته، بل أنه يعيش ويجاهد نفسه للوصول إلى تلك المرحلة من الشعور، وتحقيق ذلك يحتاج إلى جهد وجهاد،  كما وأن الأمن الخارجي المتمثل بأمن المجتمعات لا يتحقق إلا عندما يتحقق الأمن النفسي الداخلي للأفراد.
  
فها هي الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر بلاد العالم تحضرًا، تشير إحصائياتها إلى انتشار حالة القلق حيث يؤكد علماء النفس أن معظم حالات الأمراض النفسية سببها الرئيسي هو القلق وعدم الشعور بالأمان عند الأفراد، ومن ذاك القلق وعدم الاتزان تكونت أرقام مخيفة من الجرائم، ففي أمريكا تحدث جريمة قتل كل 43 دقيقة واغتصاب كل 19 دقيقة وسرقة كل دقيقتين، أما السطو على المنازل فجريمة كل 20 ثانية وعلى السيارات كل 48 دقيقة، والمفزع اختطاف رجل كل 20 ثانية.

وتعلل الدراسات هذه الأرقام المخيفة بأن الحضارة الغربية اهتمت بالجانب العقلي للإنسان وهمّشت الجانب الروحي له، فاختل التوازن في النفس البشرية وأضحى التفكير على المستوى الفردي والجماعي الغربي شعاره (الغاية تبرر الوسيلة) مما جعل الإنسان هناك لا يتعدى كونه آلة تعمل لتدفع الدولة إلى الأمام.

ولكل ذلك اهتم الدين الإسلامي بالجانب الروحي للإنسان وذكر القرآن الكريم المعادلات الكثيرة في كيفية تحقيق الأمن النفسي الداخلي فقال جل وعلا:
 
1- (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين). الزمر 22.
 
2-  (الذين امنوا و تطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). الرعد 28

3-  (الذين امنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن). الأنعام 82

4-  (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون). البقرة 38.
 
الأمن والأمان والطمأنينة والسكينة لا يعدو الإيمان الصادق ولا يفارقه، فالقلوب تطمئن بذكر الله، فقربها لله سبحانه وتعالى هو عينه بعدها عن كل ما يربطها بهذه الحياة ليملأ نزعاتها الشهوانية والتي هي السبب الرئيسي في اختلال توازنها وقلقها.

يقول وليام جيمس وهو أحد علماء النفس والفلاسفة الأمريكيين ورائد في العلم النفسي التربوي: (إن أعظم علاج للقلق ولا شك هو الإيمان).

وقال أيضًا: (الإيمان من القوى التي لا بد من توافرها لمعاونة المرء على العيش وفقده نذير بالعجز عن معاناة الحياة).

وقال أيضًا: (إن بيننا وبين الله رابطة لا تنفصم، فإذا نحن أخضعنا أنفسنا لإشرافه –تعالى– تحققت كل أمنياتنا وآمالنا).

وقال: (إن أمواج المحيط المصطحبة المتقلبة لا تعكر قط هدوء القاع العميق ولا تقلق أمنه، وكذلك المرء الذي عمق إيمانه بالله خليق بأن لا تعكر طمأنينة التقلبات السطحية المؤقتة فالرجل المتدين حقًا عصي على القلق).

وأثبتت دراسة للعالم النفسي الأمريكي هنري لينك (أن الأشخاص المتدينين والذين يترددون على دور العبادة يتمتعون بشخصية أقوى وأفضل ممن لا دين لهم أو لا يقومون بأية عبادة).
  
وأكدت نتائج دراسة روث آن فنك هذه الحقيقة فقد ذكر أن 70% من أفراد عينته أن العقيدة الدينية منحتهم راحة العقل، وذكر 61% أن العقيدة تجعلهم يشعرون بالأمن والأمان، وذكر أن 82%  يمكنهم دومًا الاتجاه إلى الله عندما يكونوا في ضيق، وذكر أن 85% تعينهم العقيدة على أن يكونوا أفرادًا أفضل، وذكر أن 78% إدراكهم بأن الله دائمًا معهم يشعرهم بالأمان. 

هذا ما يصرح به علماء الغرب، أما الإسلام فيرسم لنا خارطة الطريق إلى الأمن والأمان  بدءًا بتوازن النفس البشرية واتزانها كخطوة أولى وصولًا لأمن البشرية واستقرارها كخطوة نهائية.

وحين يكون الإنسان في رحاب الله يصل للاتزان الداخلي، وحينها حتمًا سيصل لبراءة الطفولة والابتسامة التي تضيء العالم من حوله.

27 سبتمبر 2014

رحلا // ز.كاظم


 
كنّا صغارًا نهاب نظراته الحادة.. وإذا ما وقفنا في الصف الأول من صلاة الجماعة، كانت نظرة واحدة منه كفيلة بأن ترجعنا للصف الثاني.. ولم نكن نجرأ أن نضحك أو نتحرك بطريقة ليس فيها احترامًا للمسجد.. مرّت الأعوام ورأيته ذات مرة في إحدى زياراتي للبحرين عند المسجد.. سلمّتُ عليه وابتسم في وجهي وكأنه عرفني بعد طول غياب.. ووقف يهتز مكانه على عكازه، لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة إلى الأمام.. أنهكه العمر فأصبح لا يستطيع أن يتحرك إلا بصعوبة ومشقة، وفي هذا الموقف بادلني نظراتٍ ليست كتلك النظرات الحادة، بل نظرات كسيرة وكأنه يطلب مني أن أشيح بوجهي وأمضي في سبيلي لئلا أراه على تلك الحالة.. ودّعته ومضيتُ عنه لكني استرقتُ النظر بعد حين لأراه وقد مشى خطواته بعد جهد وعناء.. رحمه الله فقد كان مؤذنًا وقارئًا للدعاء في أحد المساجد..

صور كثيرة استحضرتها -كانت تلك إحداها- وأنا أستمع إلى صديقي يروي يومه المتميز متنقلًا بين صور الذكريات لأناس كانوا كبارًا وأصبحوا كهولًا قد أنهكهم المرض وطول العمر، لكي يعودوا من بعد قوة ضِعافًا.. هذه هي حكاية الإنسان.. يبدأ صغيرًا ضعيفًا ثم يشب ويقوى ليعود مرة أخرى للضعف.. ويا له من ضعف!

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ
الروم / 54

وبين الضعف والضعف عمر الإنسان بين آمال وطموح معتصر بخيبات ومآسي وآلام.. ونظل نمضي نحمل بين جنباتنا عبق الذكريات التي مهما كانت قاسية إلا أنها تظل جميلة خالدة في أذهاننا.. نرى الماضي ونتحسر على رحيله ليضيع حاضرنا إمّا في زحمة الانشغالات وإمّا حسرة على ماضٍ ربما لم يكن جميلًا إلا في ذكرياتنا.. وبين هذا وذاك فلنوقف الزمن للحظة واحدة..

توقف هنا.. لفترة قصيرة.. دعك من كل ما يحيطك.. وركّز.. وتخيّل.. 

تخيّل أنك بلغت من العمر مبلغك وأصبحت كهلًا.. تخيّل عدم قدرتك على إطعام نفسك.. أو تخيّل جسدك يعتصره الألم من المرض.. أو تخيّل أنك على سرير لا تقوى فيه على الحركة.. أو تخيّل أنه لم يبقَ في العمر باقية.. تخيّل كيف سيصبح حالك عندما تصبح كهلًا..

صورة قاتمة أليس كذلك؟

بإمكانك أن لا تجعلها قاتمة إذا عرفت كيف تعيش هذه اللحظة.. انظر حواليك، وتأمّل..


هل لديك كتابًا توّد قراءته وكثرة المشاغل لا تترك لك وقتًا للقراءة لتنمي قدراتك العقلية والذهنية وتفتح لنفسك آفاقًا من المعرفة والعلم؟ ماذا لو بدأت بتنظيم وقتك ووضعت برنامجًا للقراءة قبل أن يضعف النظر وتقلّ الحيلة!

هل أنت مشغول بالخلافات والصراعات فتعيش القلق والعصبية؟ ماذا لو حاولتَ أن تتفهم طبيعة الخلاف والصراع بصورة موضوعية قاعدتها إخلاص النية وعمادها تحويل الصراع إلى حالة من التفاهم بينك وبين الآخر! ثم ما قيمة هذه الصراعات وأنتَ أقرب ما تكون وفادة إلى حياض الباري عز وجل!


هل لديك شخص تعاني من صعوبة في التواصل والتعامل معه بسبب موقف -أو مواقف معينة- وتحمل في قلبك بعض الحنق أو الغضب عليه؟ ماذا لو كنت ليّنًا وحاولت أن تصفي قلبك وعقلك وذهنك من تلك السوابق وتبدأ بالتواصل والتعامل معه مجددًا بروحية أصفى ونظرة إلى المستقبل أنقى!

تخيّل أنك بدأت الآن بتحقيق الطمأنينة في نفسك وبثّها فيمَن حواليك، ألا تعتقد بأنه إن خانك الجسد وهرم ستظل روحك متألقة ونفسك مطمئنة!

الجسم سيهرم.. النظر سيضعف.. السمع سيثقل.. الحركة ستقل.. هذه كلها مظاهر الشيخوخة والهرم.. لكن الروح ليس بالضرورة أن تهرم مع كِبر العمر..

أَخَوان في السبعين من العمر.. لازما المستشفى لأشهر قبيل رحيلهما إلى بارئهما.. أحدهما لا تفارق الضحكة والبَسمة شفته، والآخر لم تعرف البَسمة شفته..

رحلا في أسبوع واحد..

لو كنتَ أحدهما فمَن تختار؟


27 سبتمبر 2014

Friday, September 19, 2014

أعتذر// ز.كاظم


 
 
أعتذر عن المواصلة في سلسلة الثورة الصناعية..
 
وأعتذر كذلك عن عدم قدرتي على المشاركة في كتابة مقال هذا الأسبوع. أحد أعضاء مدونة ارتقاء يحثّنا دائمًا على أن نستثمر فرصة أيام الأسبوع ونجهز مقالاتنا يوم الثلاثاء لكي يتم تقييمها قبل أن تصدر يوم السبت اللاحق، إلا أنني ولله الحمد لم أتوفق إلا مرة واحدة في تجهيز مقالي مبكرًا. وقد جرت العادة أن أكتب مقالاتي في الساعات الأخيرة قبل النشر. وفي كل مرة تسلم الجرة، إلا هذه المرة! فقد جلستُ لعدة ساعات أحاولُ جاهدًا أن أطرح فكرة مقال أخدم بها مجتمعي في مقال هذا الأسبوع، ولكني لم أفلح. تجمد العقل وجف حبر القلم، فما العمل؟
 
هل أترك كتابة مقال هذا الأسبوع؟ لا، فأنا أؤمن بصعوبة إحياء العمل بعد أن يتوقف ولو مؤقتًا. الكثير من التجارب علمتني أن أخطر ما يكون في مسيرة العمل أن يتوقف، وسأعرض تجربة واحدة قد ذكرتُ جانبًا منها في مقالاتي السابقة، ألا وهي تجربة نشرة الانتظار. إذ بعد سنين من العمل المتواصل في إصدار المجلة، بدأ عدد الكادر يقلّ شيئًا فشيئًا حتى أصبحت المجلة تعتمد على كادر صغير جدًا واجه صعوبات كثيرة في إصدار النشرة في وقتها المحدد وبنفس المحتوى والشكل. أصبحت المقالات والتي كانت تُكتب من قِبل القراء نادرة، وكذلك فقدت النشرة عددًا من كادرها التقني والفني.
 
تصدّر رأيان من طاقم النشرة، رأي الفريق الأول: أنه من الأفضل التوقف مؤقتًا لاستقطاب كادر جديد، بينما كان رأي الفريق الثاني -وقد كان قليل العدد- أن يُواصل العمل ويستمر على شحة الموارد وقلة العدد والناصر. وقد انتصر رأى الفريق الأول، وتوقفت النشرة لأجل مؤقت دام ولله الحمد والمنة إلى يومنا الحاضر.
 
من هذه التجربة تعلّمتُ فداحة التوقف مع علمي بوجود تجارب أخرى استطاع أصحابها أن يرجعوا وبقوة لإكمال مسيرة عملهم، إلا أن هذه التجارب قد تكون قليلة إزاء الكثير من التجارب الأخرى التي لا ترجع لعهدها بعد أن يتم ايقافها مؤقتًا.
 
من هنا، عشت الصراع في هذه الساعات الأربع، بين ترك المقال لهذا الأسبوع على أمل أن أواصل الأسبوع القادم خصوصًا وأن النوم سلطان، أم أحاول أن أملأ هذه الزاوية ولا أتركها لئلا تتعوّد نفسي على هذا الأمر من عدم المشاركة في الكتابة!
 
كم من المواقف في حياتنا الأسرية أو المجتمعية أو حتى العملية تصيبنا حالة التوقف في القيام بمسؤولياتنا سواء كانت عملية تنظيف البيت، أو مشاركة في صلاة الجماعة، أو حضور المآتم والأنشطة الدينية، أو تطوير قدراتنا الذاتية والمهنية، أو مواصلة الدراسات العليا، أو أو أو، ونعجز بعد ذلك عن الرجوع للقيام بهذه المسؤوليات! أول الغيث قطرة. 
 
أطرح بعض النقاط السريعة التي أرجو منها أن تكون مفيدة لي ولك عزيزي القارئ في المواصلة وعدم التوقف:
 
 
1. لا تتوقف: الإيمان بخطورة التوقف كفيلٌ بأن يخلق عندك دافعًا بأهمية الاستمرار في العمل، واجعل هذا الإيمان بالخطورة يتملك جميع تفكيرك وعقلك واحساسك.
2. لا تنتظر لآخر الوقت: الانتظار لآخر الوقت يجعلك في موقع ضغط قد يضطرك لأن تتوقف، فلذلك كن دائمًا محترزًا من أن تؤجل أعمالك لآخر الوقت. البعض يعتقد أن الانتظار لآخر الوقت قد يدفعه لأن يقوم بالعمل بسبب -الضغط-، والبعض قد يتصوّر أنه يُبدع في الظروف الشديدة القاسية ولذلك تراهم يؤخرون أعمالهم لآخر الوقت أملًا في تلك الحالة النفسية من الضغط التي تفجّر عندهم الطاقات -كما يتصورون-، إلا أن مخاطر هذه العملية تجعل الفرد متوترًا وغير فاعلٍ على المستوى المطلوب. فإن الوقت الكافي للقيام بالعمل من شأنه أن يعطي الفرد القدرة على مراجعة العمل وإتقان نواقصه وإحكامه.
 

3. نظّم وقتك: من المهم جدًا أن ينظم الفرد وقته بحيث يتمكن من القيام بمسؤولياته على أكمل وجه. البعض يتعذر بالظروف من مشاغل أسرية ومتطلبات العمل والواجبات المجتمعية، لكن كل تلك الأمور لو تم تنظيمها بشكل جيد، فإن هناك متسعًا من الوقت للقيام بكل تلك المسؤوليات.
4. عش اللحظة وركز: عندما تقوم بعمل ما -وخصوصًا إذا كنت متأخرًا فيه ولا تريد أن تتوقف- فعش اللحظة وركّز فيها. وهذه عملية صعبة لأننا دائمي التفكير إما في الماضي وتبعاته أو في المستقبل وأحلامه. لا. خذ نفسًا عميقًا، وركز على أن تعيش اللحظة التي تجعلك تؤدي مسؤوليتك. دعك من الماضي فقد مضى، ودعك من المستقبل فهو غائب، وعش اللحظة بكل دقائقها لتنتج عملك وتؤديه.
 
5. تعلّم الدرس جيدًا: وحاسب على أن لا تضع نفسك في موقف آخر اللحظة وتحصر نفسك في إما أن تؤدي العمل أو تساوم نفسك على التوقف، ولو مؤقتًا.
 
أعتذر مجددًا على هذا المقال المكتوب في الساعة الأخيرة من النشر، وقد تستغرب عزيزي القارئ من كتابتي هذا المقال بهذه الصورة، إلا أن كتابة المقالات الأسبوعية في مدونة ارتقاء أصبح عندنا من الأمور التي تحمل قدسية كبيرة ومسؤولية عظيمة في أنفسنا، فهو عمل نستفيد منه ربما أكثر مما نفيد به القارئ، ولذلك ليس من السهل أن يمضي أسبوع بدون أن نجدّد عهدنا مع هذا العمل. وإلى اللقاء في الأسبوع القادم.
 
 
20 سبتمبر 2014
 
 

تاء الشباب.. بنا ولكن ليسَ منَّا // أبو مقداد


 
المجتمعاتُ العقائديةُ من أصعبِ المُجتمعات التي تواجهها قوى الاستكبار في العالم، لذلك فالسبيل الوحيد لتطويعها كما يشتهي أعداؤها، هو سلخها عن عقائدها وأصالتها وموروثاتها، وإلباسها ثوبَ العبودية لهذهِ القوى الفاسدة المستكبرة أو اختراق عقيدتها من حيث لا تشعر. والمجتمع الذي تعتمدُ عقيدتهُ على طقوس فارغة من محتواها، تكونُ عقيدته خاوية من أيِّ روح، قابلة لأي طارئ دخيلٍ أن يُشوهها، فتكون مهيَّأة لتمرير مشروع هذه القوى، لذلك فمن يتعامل مع المجتمعات العقائدية يتعامل بحذرٍ شديد وإلا كُشفت خطتُه. وأيضًا على المجتمعات العقائدية أن تنتبه وتحذر وتُحصن نفسها جيدًا عن أي اختراق، ولأنّ هذه المجتمعات العقائدية صعبةُ المراس، فلا بُد من ابتكار الخطط والحِيَل والمشاريع الغير محسوسة، والتي تتمكن من النفاذ لعمق هذه المجتمعات بكل سلاسة ورشاقة، دون أن يشعر أحد ما بخطرٍ يحولُ حولهم  وحولَ عقائدهم.
 
بنظرة سريعة على المجتمع البحراني نلاحظ أن كل تاريخه وحاضره مرتبطٌ ارتباطًا شديدًا بعقائده، فمواكب العزاء والمآتم، والمساجد وعلماء الدين والحوزات خير شاهد ودليل على ارتباط هذا الشعب بعقائده منذ القدم. وبالطبع لا يمكن أن ينسلخ هذا الشعب والمجتمع البحراني عن هويته وعقيدته بكل سهولة، لذلك كان لا بد من مشاريع مدروسة بحِرَفيَّة عالية، كي لا تصطدم بالمجتمع حين تخترقه. المشاريع هذه عديدة وكثيرة، في المقالين السابقين تحدّثت عن الوجه الاقتصادي في أحد جوانبه، وكيف أننا حين فقدنا استقلاليتنا الاقتصادية بتنا لقمة سائغة لهم، واليوم نسلط الضوء على جانبٍ آخر لا يقل أهمية عن الجانب الأول، وهو الجانب الثقافي، وكيف نُخترق من خلاله ونُحَارب به؟!
 
الحرب الثقافية التي نواجهها أكبر مما أتصوّر ويتصور القرّاء، فحجمها هائل، منها محاولة سلخنا من هويتنا من خلال تغيير اللهجة، حتى تختلط اللهجات ويصبح الحديث باللهجة البحرانية الأصلية أمرٌ مُخجل، ومنها تمريرُ مصطلحات دخيلة أو مبسطة من مفاهيم كبيرة جدًا وإشاعتها بيننا لتصبح رائجة، وهي مصطلحات لها دلائل تخدم أجندات معينة قد لا ننتبه لها، ومنها أيضًا الثورة الإعلامية الضخمة التي تُوجّهُ الشعب نحو ما تريدهُ الحكومات، والعديد العديد من المعارض والأمسيات والفعاليات والأفكار التي تخاطب عقولنا الباطنة، وتعبث بها من دون أن نشعر بذلك، وكثيرًا ما نستجيب لها فنُخترق من خلالها!
 
في عام ٢٠٠٩ انطلق المشروع الثقافي الضخم تحت عنوان "تاء الشباب" والمدعوم من وزارة الثقافة، ويعد الإفراز الضمني من ربيع الثقافة، فبدأت (التاء) في استقطاب واستهداف العديد من  الشباب واستغلال مواهبهم وأفكارهم وصياغة توجهاتهم، لإنجاح فعالياتها. وقد يبدو الحضور قليلًا نسبيًا في فعالياتها، ولكن لو نظرنا لما يحدثُ هناك ولآلية عملها وأسلوبها سنتفاجئ بالكمّ الهائل من الشباب (البحارنة) الذين يقوم هذا المشروع  وفعالياته المُسمَّاة بالثقافية على سواعدهم، بالإضافة لفعاليات ربيع الثقافة تعتمد على الكثير من فعاليات الغناء والرقص الذي لا يعبر عن الهوية البحرينية الأصيلة أبدًا كالليوة والعرضة، والتمثيل وغيره من الفنون، التي يستمرون في تصديرها لدول العالم على أنها عادات وتقاليد البحرين، في الوقت الذي يُغيب فيه تراثنا الحقيقي. وبالرغم من أنهم يرفعون شعار تنمية الفكر، إلا أن الفكر المُنَمَّى واقعًا هو الفكر الذي تشتهيه الوزارة، الفكر الذي يسلخ المرأة من عباءتها لتظهر جمالها وكامل زينتها، الفكر الذي يسمح للشاب بملامسة (اخته) الشابّة، الفكر الذي يجعل الموسيقى علاج روحي للتأمل في ملكوت الله، الفكر الفاسد والثقافة التي تتمكن باحتراف من سلخ المجتمع البحراني عن بحرانيته، واندماجه في ثقافة الآخرين الدخيلة، حتى تصبح عقائد المجتمع العقائدي، مجرد تخلّف ورجعية، فنحن الآن " وصلنا ٢٠١٤ وللحين تتكلم لي عن الحلال والحرام ؟! "

ومثل هذه الفعالية، وأنشطتها هناك الكثير من المشاريع التي بدأت وستبدأ، منها ما تمّ تدشينه مؤخرًا تحت عنوان مدينة شباب 2030، الذي أطلقه أحد أبناء العائلة الحاكمة، ولكم أن تبحثوا عن ماهية مشروع 2030 ومدى خطورته ثقافيًا على مجتمعنا، ومن يرعاه ويؤسس له. هذه البرامج والمشاريع وُجِدَت بنا، وعُرضت أمامنا ولكن ثقوا أنها ليست من هويتنا ولا ثقافتنا ولا تخدمنا بشيء أبدًا!
 
هناك خلل كبيرٌ في استجابة شبابنا، وأبناء قرانا للفعاليات التي يرعاها مشروع وزارة الثقافة، ولا بد أن يعي كافة المجتمع أن هذه المشاريع لم توجد إلا لوأد ثقافتهم وسلخهم من هويتهم، وأصالتهم التي أنتجت عقائدهم، ولكن بطريقة سياسية ذكية، وأن استسلامهم لهذه المشاريع هو قتلٌ للثقافةِ التي أرادوا تنميتها. ومن أخطر أنواع التثقف هو توجيهه وتقنينه ليصاغ بمقاسات معينة تخدم جهة معينة، فضلًا عن كون هذه الجهة فاسدة. والثقافة هي سلوكٌ جماعيٌ يعكس الطابع العام الذي يقوم عليه مجتمعٌ من المجتمعات. وثقافة الفرد هي مدى اندماجه وتأثيره في هذا المجتمع وثقافته، والمساهمة للرقي بها. لذلك أرى بأن مساعي تاء الشباب والمشاريع المشابهة له تهدف لتثقيف الشباب ولكن بصورة عكسية خطيرة، فينبغي علينا أولًا أن ننتبه من هذه الاختراقات وثانيًا أن نستمر في صنع خطِّ ثقافيٍّ موازٍ يعكسُ ثقافتنا الإسلامية الأصيلة التي ربَّانا عليها آباؤنا والمآتم والمساجد. وهذا لا يعني التخلف عن مواكبة الزمن وتطورات العصر، فبالإمكان جدًا تفعيل مسابقات ومهرجانات الأناشيد الإسلامية، وتدشين ودعم المسابقات والأمسيات الشعرية، وإقامة نوادي للقراءة والفنون والهوايات، والاهتمام بمواهب الشباب، وإقامة ورش العمل التدريبية والصالونات الحوارية الإثرائية، وغيرها الكثير من المشاريع الثقافية التي ترتقي بالمجتمع وثقافته، وهو مسؤولية الجميع تجاه كل شاب، لتغنيه عن الحاجة للجوء لما يشبه ربيع الثقافة وغيره. طبعًا، للإنصاف لا أنكر الجهود التي تقوم بها بعض الجهات الإسلامية في هذا المجال، منها أنشطة وفعاليات جمعية التوعية الإسلامية، وبعض الجهود الفردية من بعض المآتم، إلا أننا نحتاج جدّيًا لتكاتف هذه الجهود وصناعة مشروع حاضن متين، يختص بهذه الأمور التي لو غفلنا عنها لصغرها، ستكبر ولن نتمكن من السيطرة عليها. الشباب والصغار اليوم مسؤولية كل فردٍ فينا بما فيهم الشباب أنفسهم، لا بد من احتضانهم، والا فأحضان الفساد مفتوحة دائمة، هكذا هو قانون الدنيا. هي مساحة واحدة إن لم نجتهد لنملأها بالدين، ستمتلئ بالكفر تلقائيا، وإن لم نملأها بالخير، فلا نسأل كيف امتلأت بالشر لاحقًا. فكل مساحة نمنع عنها النور، لا بد أن تمتلئ بالظلامِ تلقائيًا.
 
إشكاليةٌ أخيرةٌ قد يتكرر طرحها بين الفينة والأخرى كلما دعونا لمقاطعة هذا النوع من الفعاليات، وتتلخص في "ما علاقة الثقافة بالسياسة" ونقول بأن القضية أساسًا ليست سياسية بالدرجة الأولى، إنما هو صراعٌ ثقافي-ثقافي. الحرب الحقيقية هي حرب وجودٍ ثقافي بين الخير والشر، وتحديدًا بين الدين والعلمنة، ومن الطبيعي جدًا أن لا يِطرح لنا مشروعهم بمفاهيمه التي نعترض عليها، فلا بد من تغليفه بأُطرٍ نتقبلها وتشجعنا على دعمها تحت عناوين فضفاضة تندرج تحت الأطر الثقافية، لذلك فدعم مشاريع الوزارة تحت هذا العذر أمرٌ غير صحيح، ومن يحتاج للثقافة، سيكون قادرًا على البحث عنها من مواردها السليمة، دون أن يضطر لهذه الفعاليات. وليست كل ثقافةٍ نحتاجُ أن نكتسبها، فبعضها إن دخلت بيننا دمرتنا، شعرنا بذلك أم لم نشعر، فضلًا عن أن كل شيء صار اليوم يتدخل في سير العملية السياسية، والتي لا يسع المقام هنا للتعرض لها.
 
لنكن نحنُ مَن نصدِّر ثقافة الدين السليم المتسامح الواعي الراقي الناهض بمتدينيه، للعالم كل العالم، لا أن نكون الوعاء المستعد لاستقطاب كل نطيحةٍ ومترديةٍ من الثقافات الدخيلة على ديننا ومجتمعاتنا.
20 سبتمبر 2014

أصالة اللهجة البحرانية // إيمان الحبيشي



في الأسبوع الماضي، تحدثت في مقالي* عن ممارسات السلطة في البحرين، والتي وجدتها ذات هدف واضح وجلي، يتلخص في انتزاع هويتنا منا، بشكل تدريجي وبطيء أحيانًا، وبشكل تراكمي لاشعوري أحيانًا أخرى، وقد ذكرت أن الأنظمة القمعية، وفي سبيل التأكّد من تسلُّطها على كل مفاصل الحياة في البلد الذي تحكمه، فهي إضافة لاستخدام العنف والوحشية في التعامل مع المعارضين لسياساتها، تعمل على فرض هيّمنة فكّرية تُسهِّل عملها وتقتل الحركة في المجتمع الذي تتسلَّط عليه.
 
ليس ذلك غريبًا في البحرين، ولا غريب أيضا أن نجده في مختلف الأنظمة الاستبدادية وكذلك المحتلة، فهو أمر واضح جدًا في القضية الفلسطينية مثلًا، وكيف تحاول إسرائيل تغيير الهوية الفلسطينية وتهويد القدس العربية الإسلامية.
 
لكن في البحرين أجد أن هناك واقع غريب جدًا، وقد أُعذَر حين أشعر بالاستياء تجاهه، ولربما تشعرون بذلك مثلي أو أكثر، فأن تقوم السلطة بمحاربة هويتنا أمر أدركناه، وصرنا نعرف أسبابه، ولا تُخفى علينا أهدافه، لكن لماذا يقوم البعض منا بمحاربة هويته نيابة عن السلطة؟!
 
يتميز البحارنة في البحرين بلهجة خاصة بهم، وقد تختلف إلى حد ما بين قرية وأخرى، وهو أمر واضح جدًا يكشف عن مسقط رأس كل واحد منّا، حتى بدون أن نعرف اسمه أو نرى شكله، إذ تكفينا لذلك صوت حروفه.
 
الكشكشة، أبرز ما يميز اللهجة البحرانية عامة وهي ما يعرف بـ(كشكشة بني ربيعة) كالقول (شحوالش/بيتش/أبوش/عندش/رحت لش……) ومثالها من التراث الأدبي بيت مجنون ليلى : فعيناشِ عيناها وجيدشِ جيدها / ولكن عظم الساق منشِ دقيقُ.. والمعنى هو: فعيناكِ عيناها وجيدكِ جيدها / ولكن عظم الساقِ منكِ دقيق.
 
تعد الكشكشة أحد فروع اللغة العربية الأم كـ(عنعنة بني تميم) و(شنشنة بعض أهل اليمن) وهي تعد لهجة أهل البحرين التي تدل على أن سكان البحرين الأصليين هم عرب أقحاح من قبيلة عبد القيس وأسَد وربيعة**.
 
إذًا فلهجتنا أحد أهم سمات هويتنا، وحين نتحدث بها فنحن نتفتق أصالة، وتكاد تفوح من أفواهنا عبقات من التاريخ الذي ننتمي إليه. لست ممن يدعون للفخر بأنسابهم وأصلهم، فذلك ليس من الخُلق في شيء، لكني بالتأكيد أرفض أي تصرف يوحي بخجل أحدنا من أصله، كيف وهو أصلٌ يزيدنا ثقة بأصالتنا وانتمائنا وتاريخنا!
 
إن الجيل الجديد من أبنائنا وليسوا الوحيدين فمنهم من الأجيال السابقة أيضًا، من أجبر لسانه على التحدث بغير لهجته، لا لشيء إلا مجاراة لآخرين من الواضح أنهم لا يدركون معنى أن نتحدث بلهجتنا.
 
في الكثير من المسلسلات التي بثها التلفزيون الرسمي سابقًا كـ(سعدون) لم تكن اللهجة البحرانية فيه إلا مثارًا للتندر ولإضفاء شيء من الكوميديا على مسلسل يدعي أنه يحاكي فترة زمنية سابقة، ولا أدري إن كانت محاولات السلطة الحثيثة لتهميشنا وعزلنا قد أتت أُكلها مع بعضنا ممن صار يخجل أن يتحدث بلهجته معتقدًا أن التخلي عنها وتغييرها يعد نوعًا من أنواع التطوّر الحضاري ورقيّه!!
هل يعقل أن السلطة تمكنت بطريقة أو بأخرى من إشعار بعضنا بدونية هويته وانتمائه فصار يهرب من ذلك بشتى السبل؟!
 
صدقًا يُثيرني استبدال شيننا (ش) بچيمهم (چ) وأتساءل كثيرًا إن كان ممارسو ذلك الاستبدال مدركين لأسبابه؟ دوافعه؟ وهل يفكر أحدهم بأنه قد يكون غير أمين في نقل موروث ثقافي راق للأجيال القادمة؟ هل ندرك أن استبدالنا عن جهل أو خجل أو مجاراة للهجتنا يعني أن تضيع من أطفالنا ملامحنا؟
 
تعتبر اللغة وكذلك اللهجة (الوعاء الناقل للثقافة) لذلك نجد أن علم الأنثربولوجيا والذي يهتم بدراسة الإنسان ضمن حضارته ومراحل تطوره يفرد اهتمامًا خاصًا بدراسة اللهجات المحلية ذلك أنها تعتبر بوابة من بوابات معرفة الشعوب.
 
أقول لأجيال الأمس واليوم لنكن أمناء على التاريخ والهوية في إجراء معاكس لمحاولة عدو تاريخي يتربص بنا ليطمس هويتنا، نحن أصحاب هذه الأرض ولهجتنا الأصيلة هي لهجة هذه الارض، فلِمَ نتنازل عنها مقابل دخيل يحاول أن يثبت أن الأصل هو لا نحن، متمكنًا بذلك من فرض هيمنته الفكرية لا عقليًا فحسب بل نفسيًا أيضًا!!
 
هل تعلمون أن عملية قلب حروف ( ث، ذ، ظ) إلى ( ف، د، ض) هي عملية تاريخية في اللهجة البحرانية؟ وهي نتجت عن تأثر المجتمع البحراني بأصحاب اللغة السريانية والآرامية، والتي تخلو لغتها من تلك الأصوات الأسنانية؟! اليوم يقال إن عملية القلب هذه تكاد تنقرض، ولا اكترث لانقراضها أبدًا لسببين: أولهما أن عملية القلب تلك ليست من أصل لهجتنا بل دخيلة عليها، وثانيهما أن العودة لأصل حروف اللغة العربية قطعًا لا يعد تخليًا عن تاريخنا وأصالتنا وهما ذات السببين الذين يجعلانني أصر على التمسك بلهجتنا ذلك أنها من أصل لغتنا الأم وأصل لهجتنا وهويتنا كذلك.
 
___________________________________________________
* مقالي السابق بعنوان (اجتثاث هوية) : http://ertiqabh.blogspot.com/2014/09/blog-post_30.html?m=1
 
** للاطلاع على ظاهرة الكشكشة وغيرها بشكل أكثر توسعًا يمكنكم زيارة الوصلة التالية:
http://www.jasblog.com/wp/?p=3849