Friday, April 25, 2014

تجربة نحو التغيير للأفضل

إحدى الشخصيات المؤثرة في عالم الصناعة شخصية البروفيسور الأمريكي ويليام إدوارد دمنج.. تستطيع عزيزي القارئ أن تقرأ بروفايل هذه الشخصية على صفحات الإنترنيت فهو عالم قدير كان أحد أسباب طفرة التطور الصناعية في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية..

الغريب في هذه الشخصية أنها لم تستوعب وتستقطب من قبل مجتمعها إلا بعد ثلاثين عاما من استفادة مجتمع آخر منها.. استفادت اليابان من أفكار ونظريات دمنج في الخمسينات من القرن المنصرم في حين سجلت شركة فورد استقطابها للرجل في بداية الثمانينات بعد أن واجهت خطر انهيار معدل مبيعاتها..

أسجل ملاحظتين حول هذه الشخصية:

الملاحظة الأولى: وعي اليابان بأهمية هذه الشخصية في جهودها للبناء والتطوير بعد التدمير الشامل الذي خلفته الحرب.. إذ قام الإتحاد الياباني للعلماء والمهندسين بدعوة دمنح كخبير في  statistical process controls SPC ومفهوم الجودة..

هذا الدمار الشامل لم يكن ليثني اليابانيون من الإستفادة من خبرات عدوهم من أجل القيام ببناء وتطوير بلادهم.. فلم يكونوا ليستسلموا لنداء المظلومية والبكاء أو المكابرة والعناد.. بل وعوا أهمية المرحلة وضرورة التعالي على الحراج من أجل نهضتهم.. هذه الحالة من الوعي ارتكزت على استجابة عند اليابانيين للتطور وسعي حثيث من أجله.. ساعدهم ذلك كله أن يتصدروا العالم في فترة زمنية قياسية..

الملاحظة الثانية: واجه دمنج صعوبة في ترويج أفكاره الجديدة في مجتمعه حيث كانت هناك أفكار شائعة سيطرت لفترة زمنية على عالم الصناعة في أمريكا.. ومع أن تلك الأفكار الشائعة هي التي ساهمت في تطوير أمريكا في فترات سابقة إلا أنها حالت دون السماح للأفكار الجديدة بأن تشق طريقها وتواصل من عملية التطوير المتراكم..

ختاما.. هناك الكثير من التجارب الناجحة لأفراد وكيانات بل ودول نستطيع من خلالها الإستفادة في التغيير المستمر نحو الأفضل..

ز.كاظم
25 إبريل 2014

إسقاط النظام الداخلي!

عبر التاريخ وعلى مر السنين، نسمع عن نهضة هنا، وثورة هناك، وحركة هنا، وحرب هناك، والكثير من هذه الحراكات، خصوصا الشعبية منها، تطالب بالإصلاح، أو الإطاحة بالرئيس، أو تغيير النظام أو إسقاطه بالكامل، وهكذا.

بعضها ينجح، وبعضها يفشل، وآخر يتقطع ويستمر، إما بمكتسبات بسيطة، وإما بما لا يعد تغييرا حتى. أما من يقود هذه الحراكات السياسية والميدانية وغيرها، والجماهير التي تتحرك معه، فإنها على أقسام، فبعضها محق وبعضها لا، وبعضها تقوم عن وعي وبعضها لا، وهكذا.

ما يهمني ليس كل ما مضى ذكره، بل هو الإنسان نفسه، فهو ما يتكون به المجتمع، وتتكون منه الأمة، فإن أي حراك يوجد بلا شك يكون الإنسان قائده، لذا أقول أن من يريد النهوض أو الإنتفاض على واقع ما أو الثورة، عليه أن يتخلى عن بعض الصفات الذميمة، والأفعال القبيحة، وعليه أن يتحلى بالصفات الحسنة وأن يتزين بها.

أولا: يجب أن يتخلى من الصفات الذميمة والأفعال القبيحة، من قبيل الظلم والجور والإعتداء على الآخرين، وغيرها من الملكات الفاسدة، فكيف يمكن للإنسان محاربة الظلم مثلا، وهو ظالم يرتكب الظلم في حق غيره؟ وكيف يسلم من اعتداء الآخرين عليه وهو يعتدي على غيره؟

ثانيا: عليك أن تتحلى بالصفات الحميدة، وأن تبادر لكل عمل بنية صالحة، فإن من فقد هذه الصفات كيف سيتمكن من الدفاع عنها ونشرها؟ وكيف سيتمكن من تفعيلها في المجتمع؟ فصفات مثل الصدق والصبر والحلم والحكمة، وغيرها من أمهات الصفات الحسنة، مطلوبة للفرد نفسها، وكذا للمجتمع عندما يريد هذا الفرد النهوض به ومعه.

ثالثا: ثم أن أي حراك يقوم، أو مشروع يقام، لا بد وأن يكون مخططا له بشكل جيد، وبحكمة ووعي، فيعرف حينها الفرد من أين وإلى أين وماذا يريد، وإلا فالتخبط هنا وهناك لا طائل منه، ولا يخلف إلا الخسارة والندم، ولا بد من ملاحظة أن كل حركة - صغيرة كانت أو كبيرة - تحتاج إلى علم.

إذا لم تكن الثلاثية الماضية موجودة، فإن على الإنسان أن يسقط نظامه الداخلي، ويحل نظاما جديدا مكانه إذا أراد بنفسه وبغيره خيرا.

محمود سهلان
25 إبريل 2014

تقدير الذات

كلما كبشر نُحب التقدير ونبحث عنه، بل لا أبالغ إن قلت أن حتى الحيوانات تحب التقدير وتبحث عنه.

إن تقدير الذات لا ينبع إلا من الذات، ولا يُصنع إلا من داخل الإنسان. وتقدير الذات يعني مقدار الصورة التي ينظر فيها الإنسان لنفسه إن كانت عالية أو دونية!

العلاقة بين النجاح وتقدير الذات علاقة مترابطة ومترادفة، هذا لأن الذين يُحبون النجاح ويصرون عليه بشدة، ويحرصون دائماً على التقدم في حياتهم، هؤلاء في واقع الأمر يرون في أنفسهم أنهم يستحقون المراتب العليا، والمواقع الأجمل؛  لأنها تناسب أرواحهم الطموحة.

ولو نظرنا لسيرة الكثير من العظماء لوجدنا هذا الأمر متوافرًا عندهم.

تقول أستاذة علم النفس بجامعة كولومبيا د. نانسي ويلوت: "إن صورتنا عن أنفسنا تسهم بشكل فعال في نجاحنا، لأن أي خلل يحدث في هذه الصورة يدفعنا لسوء تقدير إمكاناتنا، ومستقبلنا، وطموحاتنا، ما يعرقل قدرتنا على تحقيق الأفضل".

جاء في تفسير هذه الآية عند بعض المفسرين في وعيد سليمان عليه الصلاة والسلام للهدهد: (لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطانٍ مبين)، أن سليمان (عليه الصلاة والسلام) لن يُعذب هذا الطير الصغير الضعيف بالسوط، أو الأغلال، أو النار، أو صلبه! بل إنه سيكتفي بعدم تقديره وذلك عن طريق إقصاء الهدهد عن مجلسه، وتركه مع باقي الطيور، وإنزاله من منزلة إلى منزلة.

من طرق تقدير الذات ألا ينظر الإنسان لنفسه بنظرة قاصرة، أو وضيعة.

يقول الأميركي فورد: "إن أردت أن تصنع لذاتك هيبة فعليك أن تبدأ أولاً باحترام ظلك». ومن طرق تقدير الذات الصبر، والمثابرة على الوصول، وتحقيق أجمل الإنجازات"

ويقول هنري فان دايك: "بعض الناس ينجحون لأنهم محظوظون، ولكن معظم الناجحين قد نجحوا لأنهم كانوا مصممين على ذلك".

ومن طرق تقدير الذات ملازمة الحق، والخير، والتحلي بالشجاعة، يقول الزعيم الهندي غاندي: "أول الحكمة أن تعرف الحق، وآخر الحكمة ألا تعرف الخوف".

ومن طرق تقدير الذات المحافظة على الوقت دائماً، ومعرفة قيمته، وحسن استغلاله بشكل جميل، يقول وليام شكسبير: "إنني في صراع مستمر مع الوقت، إن الوقت أقصر من أن يتسع لإنجاز ما أُريد من عمل، وهو أطول من أن أقضيه ولا أعمل شيئاً".

ومن طرق تقدير الذات التقرب من العظماء، والاحتكاك بهم، والإستفادة من خبراتهم وتجاربهم، والإبتعاد عن المستهزئين المثبطين أصحاب الهمم الدونية، يقول مارك توين: "ابق بعيداً عن الناس الذين يحاولون أن يستهينوا بطموحاتك، الصغار يفعلون ذلك دائما، لكن العظيم فعلاً يجعلك تشعر أنك أيضاً يمكن أن تصبح عظيما".

ومن قصص تقدير الذات ما ذُكر عن القائد نابليون بونابرت، حيث دعاه أحد نبلاء فرنسا إلى حفل عشاء فحضر نابليون متأخراً عن الموعد قليلاً، وفور دخوله جلس على أول كرسي وجده، فلما انتبه إليه صاحب الدعوة بعد برهة من الوقت، أتاه مسرعاً وقال له: "سيدي إن كُرسيك الذي خصصناه لك هناك في المنصة".
فنظر إليه نابليون وقال: "أين ما يجلس نابليون تكون المنصة".

وقصة عبد الله بن المبارك حينما كان في رحلة سفر واعترضته عجوز فقيرة تطلب منه شيئاً من المال، فالتفت إلى غلامه وقال له: "كم معنا"؟
فقال له الغلام: "معنا يا سيدي عشرون ألف درهم".
فقال له بن المبارك: "ادفعها كُلها إلى هذه العجوز".
فتعجب الغلام مما سمع وقال لسيده: "يا سيدي إنها لا تعرفك، ودرهم أو درهمان سوف ترضى بهما".
فقال له بن المبارك: "تباً لك، إن كانت هي لا تعرفني، فأنا أعرف من أكون".

أم علي
22 إبريل 2014

ضابطة الحركة، وإلا فالويل والثبور

الشاحنة مركبة كبيرة ثقيلة بطيئة الحركة، وهذا لائق بشأنها تمامًا، ونفس هذه الشاحنة نتمكن من تحويلها إلى سيارة سباق خفيفة سريعة، وما علينا هو أن نأخذ جسمها الخارجي ونصهره ثم نعيد تشكيله بما يتوافق مع جسمِ سيارة السباق، ومن بعد ذلك نبدأ باستبدال محركها الميكانيكي وسائر قطع الغيار ليتبدل عنوانها من شاحنة إلى سيارة سباق حقيقية، وهذا ممكن جدًا.

ولكن، أن نركب في الشاحنة محرك سباق، أو أن نعكس المعادلة فنركب في سيارة السباق محرك شاحنة، فهذا حال لا يستقيم، ولا مآل فيه لغير الفشل يتبعه فشل.

وفي جميع الأحوال فإن استجابة كتلة السيارة للمقود والفرامل من المفترض أن تكون استجابة تامة وإلا فلا غير الدمار مصيرًا.

....................................

الحصان حيوان جميل رشيق خفيف الحركة، ولكنَّ حصان السباق لم يكن كذلك إلا من بعد تدريبات وتهيئة، ونفسه يمكن تحويله إلى حصان لقفز الحواجز ولكن بشرط التدريب المناسب للقفز، وأيضًا لا يصعب أن يكون حصانًا للإستعراضات الكلاسيكية إذا ما أدخل في دورات تدريبية تهيؤه لميدانه الجديد.

وفي جميع الأحوال فإنه لا غنى غالبًا عن السرج واللجام، ثم أنه لا فائدة منهما إن لم يتعلم الحصان الإستجابة لهما بما يقرره الفارس.

....................................

ثمرة البرتقال معروفة، وثمرة الليمون معروفة أيضًا، وهناك إنسان قرر مدفوعًا بحاجة أو حاجات أن يركب ثمرة جديدة من البرتقال والليمون، وبدأ بدراسة الفكرة حتى وصل إلى أن نقل جزء من نبات إلى نبات آخر بشكل معين وفي ظروف معينة وبأدوات وآليات معينة يحقق عملية التطعيم أو التركيب بين النباتات، وها نحن اليوم نأكل مركبات مختلفة في الألوان والطعم.

....................................

التغيير ممكن، بل هو ممكن جدًا، ولكنه لا يكون تغييرًا إن لم يستند إلى:

أولًا: أصول ثابتة غير قابلة للتغير.

ثانيًا: ضَوَابِطُ تحكُمُ العناوين وتَحُدُّ المواضيع.

ثالثًا: توفير أدوات التغيير.

رابعًا: الإحاطة الصحيحة بالآليات والمناهج التغييرية.

الخامس: الإستعداد الذهني والنفسي لتلقي الثقافات الجديدة على أسس صحيحة.

ماذا تريد أن تكون؟ ما هي أهدافك وغاياتك؟ ما هي الأدوات المتوفرة بين يديك؟ ما هي الموانع والمعوقات؟

كل تغيير ممكن، ولكنه أقرب إلى التشويه إن لم يقم على أسس صحيحة تراعى فيها ظروف الموضوع وأطرافه ومحيطه مراعاة دقيقة مسؤولة، والمفتاحُ الأصلُ في سؤالٍ، هو:

من أنت أولًا؟ وإلى أي جهة تقصد التغيير؟

أنت: إنسان، ثم أنت: مسلم أو مسيحي أو يهودي أو صهيوني أو شيوعي أو ماذا؟ ثم أنك من بيئة: قروية أو مدنية أو صحراوية أو ساحلية أو ماذا؟ اجتماعيًا؟ اقتصاديًا؟ وماذا عن العادات والتقاليد؟

كل ذلك يدخل في رسم الأطر العامة لموضوع التغيير، ولنتذكر دائمًا أن شجرة البرتقال لن تكون يومًا شجرة تفاح!

لذا، فأنت أنت وأنا أنا وهو هو وهي هي، ولكل واحد منَّا أطره الخاصة والتي ما إن تتحطم حتى تضيع الهوية وتنكشف العورات، وفي الغالب لن يكون من هذا الذي يحطم أطره الخاصة غير التبعية لغيره والإنبهار بالآخر مع العجز التام عن صناعة واقع يناسبه.

لو أن الأقدار تدور، وتتحول قيادة العالم إلى (نيجيريا) –مثلًا- فإن الفرنسي لن يتمكن من أن يكون نيجيريًا، وإن حاول فإنه سوف يكون مثل العربي اليوم الذي يحاول أن يكون أمريكيًا ويتوهم النجاح، غير أنه ليس اكثر من أضحوكة يتبادلها (كبار العالم).

ليست الدعوى هنا إلى البقاء في أطر ضيقة لا تؤدي إلى غير العصبية والتخلف، ولكنها تمامًا إلى التحرك نحو التغييرات الإيجابية مع المحافظة على الأطر التكوينية من جهة والدينية من جهة أخرى، ومن هنا ينطلق بثبات وطمئنينة وقوة وعزة نحو آفاق لا يحيط بها عقل إنسان.

محمد علي العلوي
22 إبريل 2014

Saturday, April 19, 2014

الكلمة حق غلافه المسؤولية

حتى وقتٍ قريب لم تكُن الكلمةَ مُتاحةََ للجميع، وكانَ العازمونَ على القراءةِ يُعانون من مشقةِ الحصولِ على ما يقرأون، لكنَّ الحالَ استحالَ لغيرِ الحال حينَ انطلقتْ عبرَ الشبكةِ العنكبوتيةِ عشراتِ المنتدياتِ الإجتماعيةِ والسياسيةِ لتبلغَ الذروة مع َانتشار مواقعِ التواصل الإجتماعي، فصارَ الجميع قادراََ على بث رأيهِ أو ما يجولُ بنفسهِ لآلاف القراء عبرَ ضغطة زر. لم تعد هناك رقابة حقيقية على الكلمة، خصوصا مع تَمَكن الكاتب من إخفاء هويته لو شاء. تحولنا تحولا حقيقياََ نحو الحرية، وإن لوحق كاتبٌ ما يوماََ، ففكرتهُ التي أرادَ لها أن تصلَ وصلت، ولم تعُد أيَ سُلطةٍ قادرةٍ على مَحوِها أو وقفِ انتشارها وهو أمرٌ جيدٌ قطعاََ، فالكثيرُ منَ المُبدعين انطلقوا عبرَ هذهِ المواقع، وكثيرٌ من الأفكارِ السلبية البالية استُبدلت بفضلها. لكن بطبيعة الحال حتى القُدرة على بث الأفكار والآراء أُثبِتَ أنها سلاح ذو حدين، فكما انتشرت العديد من الأفكار الراقية، هناك الكثير من الأفكار والأساليب الهدَّامة صارت أساليب وأفكار مُعتَمَدة وباتت تُشكلُ الكثيرَ من الإنتاج الفكري للبعض. حتى البذاءات يا سادة صارَ لها أصحابها الذين يرفعون شعارات رنانة ليمارسوها بكل حرية، فَتَحتَ عبائةِ النقد تُهاجم الشخوص وتُقذَف، وربما ديست قيمٌ اجتماعية وتربوية ودينية تقوم عليها مجتمعات. ووراءَ ستار الحريةِ لُفظ الإحترام ووُئدت المسؤولية. لستُ أدعو للوقوف عند خطوط حمراء إلا التي أقرها الله ونبيه وأهل بيته مع التفكر بها طبعاََ، لكنا نحتاج لوقفة.

نمتلكُ عُقولاََ راجحةََ وهبها الله إيانا لتُفكر حتى تصلَ بِنا لقمةِ الكمال الإنساني، ولأن المجتمعات تتكونُ من مئات الآلاف من اﻷنفس البشريةِ المختلفةِ، فمن الطبيعي أن تتعدَّدَ الآراء والرؤى خصوصاََ في تلك الأمور التي تحتملُ اللبسَ أو طرح الرأي فضلاََ عن بعضِ ما صار المجتمع يُعدُّه ثابتاََ حتى ينقُضُهُ العقلُ الانساني ليُثبتَ أن ثابتَ الأمس ليس سوى ضربا من ضروبِ إعاقةِ الفكر البشري والتطور الانساني فيُتخلى عنه.

لكن،، أليس للكلمة مسؤوليتها؟!

حين يُسطِرُ أحدهُم رأياََ سيستحسنهُ البعض وسينقده البعض الآخر، ذلك أمر طبيعي جدا، فكل رأي يحتمل أن يكون صوابا او خطأ، وربما كان رأيا مبنيا على جزء من الحقيقة، فلا يكون متكاملا لكن حين يُنقد بكل وعي فقدْ تبرزُ الجوانب المخفيةِ التي قد تُمكن كاتبه من العمل على إخراجه متكاملا، هذا إن تمكنَّا فعلاََ من النقدِ بشكلٍ بنَّاء يُحقق وصية أمير المؤمنين  ”اضْرِبْ بعْضَ الرّأْيِ بِبَعْضٍ يَتَوَلَّدْ مِنْهُ الصَّوَابُ.“

الأسئلة التي أطرحُهُا ولا أجِد لها إجابة هي؛
لمَ يتم تسفيه بعض الآراء لدرجة الإستهزاء؟
لمَ يَقفز البعض على الرأي المكتوب للكاتب؟
لماذا تُنقَضُ الرؤى عبرَ شتم أصحابها وتخوينهم وإخراجهم من ملة الدين؟
كيفَ منَ المُُمكن أن نُميزَ الخيط الدقيق بين النقد البناءِ والتسقيط؟
بل كيف نُدرك حقيقة النقد من البذاءة؟
وما دور القارئ لكل تلك الآراء والرؤى وما ينتجُ عنها من نقد أو تراشق؟

مسؤولية الكلمة تقعُ على عاتقِ كاتِبها وناقدها وقارئهما كأفراد من جهة والمجتمع من جهة أخرى، فحين نَكتب بمسؤوليةِ مخاطبة العقل لا إثارة العواطف او تأليب النفوس، وحين نقرأُ بصفة البحث عن الفكرة ومدى جدواها وواقعيتها وتقييمها وتقويمها من أجل المصلحة العليا لا من أجلِ التَصَيُد على كاتبها، وحين يكونُ لقارئِ الفكرة ونقدها دورٌ في رفضِ التسقيط والتصيد والشتم وتقييم التعاطي مع تلك الفكرة وذلك النقد، وحين تكون للمجتمع هبةٌ ضد التناحر الفكري، وداء شخصنة الآراء والرؤى، نكونُ في مأمن من السقوط الأخلاقي الذي بات منتشرا نتيجة الإختلاف الذي خلقنا الله عليه. وأساس تلكم الممارسات إيمان حقيقي بطبيعة الإختلاف والحق في أن نختلف، ورغبةٌ حقيقيةٌ في الخروج بمجتمع سليمٍ معافى قادر على المُضي بالإنسان نحو الإستقرار والتنمية والتقدم.

ما يُؤلمني اليوم أن الحديث عن أخلاقيات الإختلاف وفن إدارة الخلاف، والتأدب في أي نقاش أصلا صارت أفكار ودعوات مرفوضة، يُتهم قائلها بالإنبطاح والتملق أحيانا وبالحماقة والسفهِ أحيانا أخرى. يُؤسفني أن الشدة في القول وتجريم الإختلاف، والإمعان في الخلاف، ومقابلة الإساءة بالإساءة، صارت قيوداََ تَلُفُ مَعاصِم التسامح والرحمة والتقبل، بينما كثيرون يتشدقون بأنهم من أُمّة كان نبيها (محمد) صلى الله عليه وآله خيرَ خلق الله الذي صَبَرَ على مُخاطبة الأكثرِ عنتاََ في التاريخ فقال عنه ربُهُ (وإنك لعلى خلق عظيم) .

إيمان الحبيشي
19 إبريل 2014

Friday, April 18, 2014

كــــارثــــة العــــادات والتـــــقاليـــــد!!

تحدثتُ في المقالِ السابقِ عن صناعةِ الظواهر*، كجانبٍ خارجي ودخيل، والذي يساهمُ في إفسادِ وتخلُّفِ وانحطاطِ المجتمع، نتحدثُ اليوم من زاويةٍ أخرى مهمةٍ جدًا ولا يمكنُ التغافلَ عنها، ألا وهي ( العادات والتقاليد، والموروثات).

العادات: هيَ ما أعتادهُ الناس، وكرروهُ في مناسباتٍ عديدةٍ ومختلفة، أما التقاليد: فهيَ أن يأتي جيل، ويسيرُ على نهجِ جيل سابق، ويقلدهُ في أمورٍ مختلفة.

هذه العادات والتقاليد، من أين تنشأ؟!

وما أثرها؟!

 وكيف يمكنُ التعامل معها؟!

يُولدُٰ الإنسانُ - بطبيعةِ الحال - بلا إدراكٍ ولا وعيٍ، ولا تفكيرٍ، ولا خُبرة، فيبدأُ شهورهُ الأولى بالإعتماد على فطرتهِ كإنسان، فيبتسمُ، ويبكي، ويعبرُ عن شعورِه بالجوعِ والعطش، أو حاجتِه للنوم وما شابه، أما بالنسبةِ لسلوكياته، فهو يكتسبها - بلا إرادةٍ - من محيطه، وبيئته التي ينشأ فيها، فيبدأ باقتباسِ بعض سلوكيات الأب وبعض تصرفاتِ الأم، وبعض حركات الإخوان على سبيل المثال، فيتربى وينشأ هذا الطفلُ على نتائج تجارب هذا المحيط وهذه البيئة من جهة، وعلى ما توارثوهُ وتعلموه من آبائهم وأجدادهم، وربما بدون أن يدركون حقيقة ما يمارسونه مع هذا الطفل، فقد تكون ممارسة الأم لسلوكٍ ما من بابِ الضرورة، فتقلدها البنت من باب الثقة، فتورثها للحفيدة كعادةٍ!!

 فمثلا استخدامُ القِماط للطفل أمرٌ لا يمكنُ الفرار عنه وحين تسأل الأمهات عن غايته ستسمع العديد من الأسباب، التي سمعنها الأمهات من أمهاتهن، ولكن كم منهن بحثن في أصل منشئه وغاية استخدامه؟! والسؤال الأهم: كم منهن على استعداد أن تستغني عنه لو اكتشفت أن فكرتها عنه كانت خاطئة مثلا؟!

إن تكرار ممارسة ذات السلوكيات التي تمت وراثتها تقليدًا من الآباء، نابعة من منبع الثقة بالطريقة والكيفية التي تم اتباعها في تربية الأبناء، لذلك تجد الإبن يقلدُ أباه في كل حركاته، والبنت تقلدُ أمها كذلك، وهكذا يتم توارث العادات والتقاليد لأجيالٍ تتبع أجيال.. وسنين تتبعُ سنين!

يقول الله في محكم كتابه الكريم{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}  [البقرة 170 ] 

ولو راجعنا القرآن سنجد العديد من الآيات التي تتكلم في ذات النقطة، وغالبها إن لم تكن جميعها تتعرض لها بصيغة سلبية موبِّخة، الأمر الذي يعطينا دلالة على خطورة التسليم للموروثات هذه واعتبارها قوانينَ لا تمس، ومخالفات لا تسامح فيها، فسبغ وضوء خاطئ من أحد الآباء، قد يورثهُ جيلًا كاملًا، وضوءه باطل، فصلاته غير صحيحة؛ إن رفض  هذا الجيل تغيير طريقة وضوئه بسبب أن الأب أو الجد كان يسبغ وضوءه بهذه الطريقة!! 

بل قد تنشأ حروب بين عائلتين وتستمر عداوات وبغضاء وضغينة بسسبب خلافٍ قديمٍ عمرهُ عشرات السنوات، توارثته الأبناءُ بعد الأبناء.

هذه الموروثات والعادات والتقاليد التي نمارسها ونستسلم لها، لمجرد أننا تربينا على يد من يمارسها ستجبرنا - شئنا أم أبينا - أن نقف عند الزمن الذي عاشه مبتكر هذا الإرث الأول، وستُنقعنا في وحل التخلف والرجعية الحقيقية، وستمكن الغربَ وأعداءنا منا!!

نعم، نتمسكُ بالأصالةِ ولا نحاربها فيما نقولهُ هنا، وهناكَ ثوابتٌ قيمية ودينية وعرقية لابد لنا من المحافظة عليها والإعتزاز بها، ولا خلافَ على هذا، لكن المرفوض هو التسليم لكل موروثٍ من عاداتٍ وتقاليد واعتباره كقرآنٍ مُنزل، بحجة أنا "نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا "!!

أن يمارسهُ آباؤنا فهو سبب لاكتشافنا إليه، ومعرفتنا به، ويجب أن لا يكون سبب التسليم له والقناعة به، فموارد البحث والسؤال والإستكشاف اليوم في عصر الألواح الذكية، بات أسهل من أي شيء، والوصول لأي معلومة اليوم لن يستغرق عدة دقائق، فلا حجة للجهل والعمى!!

نحن - كأمة إسلامية، نحملُ منهج السماء الرسالي، الذي بدأهُ محمدٌ صلى الله عليه وآله، ونكمل مسيرته جميعًا اليوم، فإن كان ديننا وإسلامنا عبارة عن عاداتٍ وتقاليد وموروثاتٍ ألفينا عليها آباءنا، فهذه الكارثة، لأننا سنساهم في شرخ عظيم في خط محمدٍ الرسالي، بسبب أنَّا سنكون لا نملك الحجة القوية ولا القناعة المتينة التي نبني عليها إسلامنا، وبالتالي سنكون نحن أول من نسيءُ لهذه الرسالة التي ننتمي إليها..

تجارب آبائنا وما وصلوا له من معرفةٍ، أمر يستحق الوقوف عنده، والإستفادة والإستلهام منه، ولكن لا بد من مراجعته قبل اعتماده والعمل به، فكثير من هذه الموروثات قد تكون نشأت بسبب ضرورة ظرفية، وهي ليست بالضرورة صالحة لظرفنا و زماننا.

 #تأمل / يقول شاندل: من أجل تخريب مبدأ ما، لا تهاجمهُ بقوة، بل دافع عنه بشكلٍ ضعيف.

أبو مقداد
18 إبريل 2014

*مقال صناعة الظواهر: http://ertiqabh.blogspot.com/2014/04/blog-post_3112.html?m=1