Wednesday, February 19, 2014

اللفظ والمعنى.. الإنسان وكن ولا تكن..

يتصور الإنسان المعنى ثم أنه يضع له لفظًا يدل عليه، فيكون هذا اللفظ ناقلًا للمعنى ومُحْضِرًا له في ذهن الإنسان، ومثل ذلك أنه وضع لفظة (أسد) للدلالة على الحيوان السبعي المفترس الذي يلقب بملك الغابة، ولو أننا نتصور اللفظ كائنًا حيًا لوجدناه مكبلًا يساق إلى المعنى الذي وضع له دون خيار منه أن يغادره إلى معنى آخر، فهو موضوع لمعنى مخصوص.. وانتهى.

أَدْخُلُ في الموضوع..

كم من توجه ثقافي موجود بالفعل في المجتمعات الإنسانية؟ كم من مدرسة فكرية قائمة فيها؟ كم من مرجعية دينية أو علمية أو حكمية أو ماشابه؟ كم من نمط تحليلي فيها؟ كم وكم وكم؟

هناك منهج استبدادي طاغوتي منتشر في مجتمعاتنا (الآدمية)، وهو منهج (وضع) الإنسان (للدلالة) على توجه ثقافي فكري بعينه، مثلما توضع الألفاظ للدلالة على المعاني، والنتيجة أن مغادرة الإنسان لما وُجِّه إليه وأُلصِقَ فيه وبُرْمِجَ عليه تكون في الواقع مخالفة للموازين ومدعاة لاستنكار العقل المجتمعي، وهذا إن حدث وغادر مغادرة سوية مستقيمة، لا كتلك التي نشهدها نتيجة ردود أفعال حادة، وإلا ففي الغالب أنه يبقى على ما (وضع) إليه في ظل أجواء ضاغطة من البرمجة الأحادية الطاغوتية جدًا وإن لبست لباس العلم والمعرفة والفهامة!

عندما يبرمج العقل بهذه الطريقة فإنه في الواقع لا يرى غير ما هو فيه، وإن نزل من السماء جبرائيل بكتاب مخطوط.. إنه بالفعل لاااااا يرى، وفي هذه هو مثل اللفظ الذي سيق للدلالة على معنى بعينه، فهو مكبل مدفوع.. وانتهى.

وفي هذه السطور أذكر شاهدًا من تلك المضحكة المبكية..

فَرَّغَ بعضُ (المعروفين) أنفسهم لجمع (زلات) شخص ما من (المعروفين) في كتاب، فقدمه للناس على أنه هذا المجموع في الكتاب، وبطاغوتية متقدمة جدًا تمكن هذا البعض من (المعروفين) ان يبرمجوا قطاعات كبيرة من المجتمع على رؤية واحدة أوحدية هي أن هذا الذي جمعت زلاته في كتاب.. (أسود وجه وبيروح النار بلا شك)!!

وكلما تحدثت إلى واحد منهم، جاءك بمفردة من ذلك الكتاب، فكان الرجل مجموعة من السيئات بلا حسنات، وإن وجدت هذه الأخيرة فهي لا يمكن أن تصمد أمام سيل الإنشاءات والشواهد (الموجهة) التي سطرت في تلك الصفحات، هذا والحق أنه لو تفرغ كل واحد من بني البشر لتصيد زلات غيره، لجُمِعتْ وصُفتْ الصفحات في كتب (تغني) مكتبة السخف والتفاهة.

هذا نوع من أنواع (وضع) الإنسان للدلالة على فكر أو ثقافة بعينها، وإلا فالشواهد والأنواع لا أكاد احصيها لكثرتها وتعدد ألوانها وتبدل صنوفها و(نغماتها)..

سيدي الكريم، سيدتي الجليلة..

فلنتعلم ونعلم غيرنا، كيف نفكر، وكيف نتعقل، وكيف نفهم، وكيف نزن، وكيف نستفيد من الخطأ ونعزز الصح، ولتكن الخيارات الثقافية مفتوحة ليختار كل واحد منَّا بالقوة التي جعلها الله تعالى فيه، ودعوى الانفتاح هذه هي في الواقع من أرقى وأكثر الدعاوى الثقافية قدسية في ميزان (الإنسان).

محمد علي العلوي
19 فبراير 2014

No comments:

Post a Comment