Friday, December 13, 2013

فكرة: تذويب الخلافات





يشعر الإنسان في شخصه ومجتمعه بحالة من الضيق والتعب من ثقل الخلافات وربما (همجية) الضديات وإن غُلِّفت في كثير من الأحيان بغلاف (ما يسمى): احترام الرأي الآخر!

لسنا في حاجة إلى الاستشهاد بواقعيات نعيشها، فهي أجلى وأوضوح من أن تُذْكَرَ أو يُذَكَّرَ بها، ومن قوة شخوصها وسيطرتها على كثير من زوايا وأركان النفس والمجتمع، فإن الإنسان بات يحلم بذاك اليوم الذي تتلاشى فيه وتضمحل في ظل أجواء من الانفتاح الثقافي والقدرة على استيعاب الآخر وجودًا قائمًا لا يمكن رفع واقعيته، ومن رحم هذه الأمنيات تدفقت بعض الأفكار وربما الأطروحات الرامية إلى تذويب الخلافات وشطبها من قاموس التعاطيات البينية والمجتمعية.

أولًا أقول: هل هذا ممكن؟ وإن كان ممكنًا فما هي طبيعة هذا (التذويب)؟

لا أجد الأمر ممنوعًا عقلًا، فالمجتمع قادر على تذويب خلافاته وتهميشها تمامًا، غير أن ذلك يحتمل أحد احتمالين:

الأول: أن يكون التذويب لصالح فكرة دون أخرى، أو فلنقلها صريحًا: لصالح تيار دون آخر.

الثاني: أن يموت المجتمع فلا تكون له أدنى عناية بغير معاشه من مسكن ومأكل ومشرب.

وإلا فكيف لهذا التذويب أن يُتْصَوَّر؟

نعم، أدعو بقوة إلى عدم تحويل الخلافات إلى مادة معطلة مُشغِلة عن ما هو أهم من مشاريع كبرى، وهذا الذي أدعو إليه ممنوع تمامًا ما لم نتمكن فعلًا من ناصية التعددية الطبيعية التي جُبِلَتْ عليها البشرية، وهنا أضع مجموعة من النقاط الرئيسية:

أولًا: حق أصيل لكل واحد من بني البشر أن يطرح رأيه، وتتفرع على هذا الحق أمور:
1- أي رأي فلا بد أن يبتني على عدم الإساءة إلى الآخرين.
2- أي رأي مُحترم، فهو كذلك طالما أنه لا يقصي الرأي الآخر، وإلا فهو غير محترم.
3- ينبغي أن يُقدم للرأي بما يدعمه من أدلة قويمة واستدلالات مستقيمة.

ثانيًا: من حق المجتمع على أصحاب الرؤى أن يتقدموا بمناقشات علمية هادئة.

ثالثًا: من حق المجتمع أن يختار ما يشاء دون تخويف ولا قمع ولا مصادرة.

رابعًا: من حق المجتمع على أصحاب الرؤى أن يحتفطوا برؤاهم ويستمروا في مناقشتها باحترام وتقدير شريطة أن لا يسحقوا مستقبله ومشاريعه الكبرى تحت أقدامهم بحجة (الحق والباطل)!

خامسًا: كما أن من حق كل صاحب رؤية أن يطرح رؤيته ويناقش رؤى الآخر باحترام وهدوء، فإن من حق المجتمع على أصحاب الرؤى أن يجتهدوا في البحث عن المشتركات لصياغة منطلقات حقيقية نحو بناء مجتمعي معرفي صحيح.

وهكذا، فإن أطروحة الاستيعاب الصحيح للتعددية الطبيعية لا تعني على الإطلاق تذويب الخلافات كما يتصور البعض، ولكن الاستيعاب يعني وبكل بساطة: أن نحترم إنسانيتنا وأن نتقي الله تعالى في الناس.

محمد علي العلوي
12/13/2013

No comments:

Post a Comment