Saturday, August 29, 2015

تأملات في دعاء الندبة ٢ // منصور علي الجمري







فتح الكتاب ثانيةً، مؤمنًا بأنَّ الحمد لله على كُل حال حمدًا كما يستَحِقهُ كثيرًا طيبًا دائمًا أبدًا، في السرّاءِ والضرّاءِ والنعماءِ واللأواء والشِدةِ والرّخاء، متيقنًا بأنَّ كُلَّ حالٍ هو خيرٌ و صلاح.
أرجح رأسهُ، وبصوتٍ رفيع قالَ ”رَحِمكَ اللهُ يا ولدي”..
وأكمل الدُعاء مُرتِّلاً: وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وسلَّم تسليمًا.
تَوَقَّفَ عِندها، يُقَلِبُها في عقلِه.. محمدٌ.. وآل محمد.. هما مترابطان لأنهما في الوُجودِ متلازمان، كماليان وكُلُ المذكورِ معصوم، وفعله وقوله حجة بالغة علينا، وسيرة كل منهم إنما ننظر إليها بعين اليقين على أنها تبليغات الله عز وجل منذ الوحي الأول بأمره [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ - العلق 1] وحتى تنزيل الآية المدنية [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وإن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ – المائدة 76] وصُولًا لبيعةِ الغدير و الدعوة الإلهية للمؤمنين بطاعتهِ عز وجل، ورسوله، وأولي الأمر منا، فتسائلهُ قائلًا:
ومن هم يا رسول الله؟
فأجاب: “هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين بعدي، وأولهم علي ابن أبي طالب“..
حيثُ من حربِ صِفين إلى الهدنٓةِ الكٓمين، وحتى حج الحسين المَكِين، والسّاجد زين العابدين الذي خط رسالةَ الحقوق للصالِحين، وإلى باقر العِلم الدفين، فَمُشيِد الحوزةِ عند جامِع الأمويين، وابنه المطمور المكبل بالقيد المتين، فحتى ولي عهد المأمون قاتل الأمين، وجواد مَن بينهِ وبين الله حبل متين، ثم إمام المتقين من كان على العسكريِ أمين، لِيُنَصِبَ إمامَ الممهدين، مجددًا فينا آيةَ الصَرحِ المُبين [بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُـم مُؤْمِنِينَ - هود 86]..
فهم إثنا عشر خليفة للرسالة المحمدية قد مضوا فيما أراد الله لهم وما يصح وتحتاجه أمة محمد عبر تبليغات كانت كلها على شاكلة؛ يا أخي – الحسين عليه السلام لأخيه محمد ابن الحنفية – شاء الله أن يراني قتيلًا، وشاء الله أن يراهن سبايا.
السيرة: وهي حوادث حياة المعصوم وتاريخه ومجموعة من الوقائع الحاصلة في عهده وعرض لشمائله الخٓلقِيّة والخُلقية، ويندرج فيها حديث المعصوم، فِعلُه وتقريره.
فأما الحديث فهو ما حَدَّثٓ به المعصوم نُطقًا فكان حجةً، وفعله هو تحريك جوارِحِهِ لشأن ما فإن وقع بيانًا كان تابعًا للمُبيّن في الوجود والندب والإباحة، وأما تقريره عليه السلام فهو ما أقره للقائل والفاعل في حضرته أو ما نهاهما عنه.
للحديث خصائصُه، فتبيان نص الحديث من السيرة وحدٓه لا يعني بالضرورة حُجٓتٓهُ على الخلق، فبعد عرض الحديث وتحديده متواترًا أو آحاديًا يدخلُ بعدها لدراسة المتن والسند على أن يحدد بعدها كونهُ؛ نص، محمل، ظاهر، مؤول فتنتقل حينها ألفاظ المعصوم في الحديث في إحدى الخانات على أنه حقيقي أو مجاز، مطلق أو مقيد فناسِخٌ أو منسوخ، لأخُذ الحديث بعدها تصنيفه حسنًا أو صحيحًا أو موثوقًا أو ضعيفًا، بعدها يحِق لمُحققٍ خاضٓ هذه العملية  أن يستدلٓ بالحديث ليُشرعِن حقيقة استدلاله دون أن يتجرأ في إعلان تلك الحقيقة تكليفًا شرعيًا.
فالتحقيق وصولًا للحكم الشرعي والتكليف على الأغلب الأعم يصعب علينا نحن العامة، وهو يسيرٌ صعْب على أهل الاختصاص في الحوزة كما هو صعبٌ يسير على المهندسين في التعمير وللأطباء في التشخيص والعلاج داخل الخستخانات.
فللاستنباط  أهلُ اختصاصه وخصائصهِ على أن يراعي الحال العام والزمان والمكان وما يقتضي للأمة وما فيهِ مصلحةٌ لها دون اكتراث بشعارات المبادئ الركيكة.
فلظرف الزمان والمكان طبعةٌ في التكليف الشرعي من أجل الإفتاء به من المعصوم والفقيه على حد سواء في هذا المقام، يقول كاتب أسرة (ارتقاء) السيد محمد علي العلوي “إنَّ الآن الذي يقعُ فيه الحدث (أ) ليس هو الآن الذي يقع فيه الحدث (ب)، ‏وإن اتَّفق الوقوع في ساعة ولحظة واحدة بحسب القياس الزمني المعروف، ‏ولنقل أنَّ حدثين وقعا عند الساعة الواحدة ظهرًا وفي لحظة واحدة تمامًا، ‏ففي الحقيقة أنَّ آن الوقع مختلف تمامًا، وهذا واضح لكونِ آن الحدث داخلًا في ماهيَّتِه كما كُلِّ الظروف الموضوعية.[١]
فإن توافق الحدث عٓينهُ ما جرى مع المعصوم دون تطابق الحال العام؛ لا شكَ في كون إسناد تقرير أو فعل  أو حديث الإمام المعصوم في سبيل <خلق التكليف الغير أصيل> باطلاً. وبيانُ ما سلف فيما سيُوردُ إن شاء الله.
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ياعلي أنا وأنت أبوا هذه الأمة.
‏• في عهد نبي الرحمة، ذاق المؤمنون ويلات إيمانهم، فكانت لآل ياسر حِصة منها، حيث عذِبوا جميعًا واكتفى رسول الله بتبشيرهم “صبرًا آل ياسر ‏فإن موعدكم الجنة” فهلا من متجرئ آخر يقول “إنه ليهجر” وإنه أعرض عن الأمر الإلهي {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} ۚ ومع أخذ الاعتبار بالسيدة سمية التي عُذِبت على ‏يد أبو جهل حتى طعنها فكانت الشهيدة الأولى في الإسلام.
• في عهد أمير المؤمنين تُعصَرُ زوجَته ‏فاطمة عليها السلام بضعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتحرق دارها مع وجود حكم إلهي أعظم من الوصيّة {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}  علمًا باقتياد علي ابن أبي طالب عليه السلام سِلمًا من داره.
– لا دعوة هنا لعدم النهوض للأعراض ولكنها لفتة لمحاولة وقف تجريح هذه الرسالات وشخوصها في سَكر خِطابات الجهاد الغير مسؤولة المضمون.
نحن إثنا عشر، هكذا حول عرش ربنا جل وعز في مبتدأ خلقنا، أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد” “وكلنا محمد فلا تفرقوا بيننا – بحار الأنوار ج ٢٥ ص ٣٦٣ ”
من هنا نقول أن لا مقام للمفاضلة بين معصوم وآخر على أن خلفاء الرسول بالحق هم تحت رايته ونهجه الأصيل متعددينٓ في خياراتهم الربانية، فلا عقيدة (للزيدية) في الهوية (الإنثي عشرية) ولا يصح – في رأيي – تجريح رسالات المعصومين من ولد الحسين خاصة في طور (خلق التكليف الغير أصيل) فعليه السلام في منأى عن ذلك حيث لم يستسقِ العظمة من خٓياره بل أورثه عظمةً بشهادته.
‏• قبل وفي الطف:
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عملت بنو أمية على تجهيل الأمة وساعد ذلك تقمص الخلاقة عمن هو محل القطب من الرحى لها فكانت تُشترى الذمم والضمائر بل حتى الدين وتقام المذابح وتعتلي الشتائم من على المنابر فلا عجب من متسائلين صاحوا مذهولين بعد خبر طبرة أمير المؤمنين في محراب الصلاة “أوعليٌ كان يصلي؟!”
فٓظرفُ الزمان والمكان والحال العام آل بِحسين ذاك الأوان أن يعقد الهدنة مع يزيد ذاك الآن، كان مفاد ما نقصِدٓهُ من شروط الهدنة أن يأخذ الإمام الحسن الأمر والخلافة بعد معاوية فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين عليه السلام وكان ذلك في العام ٤١ هجرية، وبعد تسعِ سنين استشهد الإمام الحسن عليه السلام فكان وحسب الشرط فإن الخلافة لأبي عبدالله عند فناء ابن هند فحينما كانوا يقصدونه عليه السلام رغبةً في صك الخروج على شخص معاومة والجهاد في سبيل الله كان يرد عليهم “كونوا أحلاس بيوتكم – أي الزموها” وحتى العام ستون للهجرة كان هذا هو الحال الساد إلا بعد إعلان بيعة من معاومة لولده يزيد وتوجهه بعدها لمكة وهٓلكٓ حين عودتِه في إحدى خربات دمشق مع هلال شهر رجب.
بدت نية يزيد بارزةً في التمسك بالسلطة وعليه انتفى الشرط والمشروط، حتى نهض أبو عبدالله عليه السلام وصارت الواقعة العظمى في الطف العظيمة بعد أن أعلن الهدف واضحًا وصريحًا «إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما *خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر* فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين» فلم يكن النهوض هدفه على الظالم الفاسد وإنما <يزيد رجلٌ فاسق> مصطلح شرعي يدلل الخروج عن الشرع <شاربٌ للخمر > فهو مرتكبٌ للمعاصي <قاتل النفس المرتحة>  وهي أكبر الكبائر بعد الشرك بالله.
– لادعوة هنا لتقنين مساحة الخروج على الحاكم في دائرة المحرمات فقط، ولكنها محاولة لفك التراكيب غير الأصيلة من رسالة الحسين عليه السلام، فالأئمة جميعهم عاصروا قاتلي للنفس المحترمة وشاربي خمور فمرتكبي معاصي وعباسيين فسقة ولكن للنهوض أحكامه وكان سبب هذا النهوض كما أسلفنا <شاء الله أن يراني قتيلا>
||| مِنّا تساؤلات بديهية بعد الواقعة الأزلية:
• من دون التطرق للتعليقات عن صحة الهدنة التي عقدها إمام الحسين الثاني وما إذا كانت رُضوخًا سياسيًا وكيف كان الحسين عليه السلام ضمن هذه الهدنة التي وُقِعت مع الطاغية معاوية وأمر بلزم المنازل لمدة عشر سنين في عهده حتى ساعة النهوض في أواخر رجب مع بقاء المراسلات بينهم وحتى ليلة العاشر كان قد التقى عمرٓ ابن سعد.
‏• أين غيرة علي ابن الحسين زين العابدين إمام ذاك العصر عن بقية البيت العلوي سيدتنا زينب عليها السلام؟
كيف لزين العابدين عليه السلام الاعتكاف الطويل في السجود والدعاء دون القيام للثار بدم الأطهار؟
ألم يفهم المعصوم وخليفة الشهيد الأعظم تلك الرسالة التي أراد الحسين توصيلها لنا بترك النحيب في المآتم والنهوض؟
كيف لنا أن نستذكر سيرة إمامة السجاد التي دامت خمسة وثلاثون عامًا وفي قبالتها دولة المختار ذات الثلاث شهور.. علٓ استنباطه كان أحكم من المعصوم؟
ما حال الإمام الباقر في العلم والمدينة تستباح بعد ثورة الحرة؟
ألم يؤرخ لها الكتّاب استباحات أعراض وأبناء سِفاح.. ما عساه كان ينتظر أيضًا؟ أكان جُبنًا من الإمام الصادق بقاؤه داخل الحوزة التي أسسها وهناك مائة ألف من الفرس أعلنوا استعدادهم للشهادة؟ كيف للمقاوم الضرغام زيد الشهيد أن يسبق الصادق المعصوم في النهوض والثورة؟
أكان عليه السلام منشغلًا في مجلس الجزّار أبو جعفر الدوانيقي؟
أي مشروعٍ للإمام جعفر ابن محمد عليه السلام داخل الحوزة هل في لف العمائم؟
تسعمائة مدرس في الحوزة وهو معهم أكانوا كوفيي ثورة زيد؟
اليس الأوجب أن يعلن الإمام الكاظم قيام الأمةِ على يزيد العصر هارون الرشيد؟
فبعد موقعة الفخ وعدد الشهداء العلويين الكثر الذين سقطوا شهداء.. باع دمهم علمًا بوجوده خارج السجن؟ ألا يجب الشك في العلماء الواقفون على أبواب السلاطين؟
كيف وإذا بالمعصوم ضامن الجنان في داخلها؟ كيف للجواد عليه السلام أن لا يثور علمًا باكتمال نصاب الثلاث وسبعون نفر في عهده؟
أيتخذ الإمام الهادي عزلة عن الأمة ويضع بينهم وبينه حجاب إذا قصدوه للحديث خوفًا من عصا العباسيين؟ أو يعتبر ضحية ركون آبائه وأجداده؟
أيعقل أن من نسلِ الحسين من يتم إستدعاؤه من المدينة فيلبي طلب النظام الفاسد ويتجه بابنه العسكري لسامراء؟
هل نفعت الإمام العسكري تقيتهُ؟ هو كذلك مات شهيدًا، أو كان سياسيًا ليس ثوري؟
– اذا سلمنا بعصمتهم ورسخت فينا العقيدة الإثنا عشرية فأول ما سنعلمه بأنهم ليسوا أهل مبدأ، فلو كانوا كذلك لتطابقت أفعالهم مع النظام الطاغي والقبيلة الأموية والعباسية، فالسيف لم يُرفع على نظامُ حكمٍ سوى من الحسين عليه السلام وكان من أجل الدين، فهم إثنا عشر كلهم محمد وأهل دين وحكم شرعي وليسو أئمة ” النضال” منهجهم واحد وهو الحق فعلينا استقراء قيمهم لا استنساخ مواقفهم.
.. أحٓسٓ بثقلٍ في صدره، بيقينٍ مؤجج بداخِله استشعر بأن إعادة الدعاء لهم ستُذهبُ ألمه، أعادها؛ اللهم صل على محمدٍ وآل محمد فكأنه قرأ سورة الشرح تنهد وأكمل في النُدبةِ مُرتِلاً.

‏منصور علي الجمري
٢٢ أغسطس ٢٠١٥

[١] ‏الشُيُوعِيَّةُ، وإنْ غَابَ أو (غُيِّبَ) رَسْمُها (23) – “رُؤى من القرآن والعترة (4) / رُؤيَةٌ في الماهيَّات” // محمد علي العلوي
http://www.ertiqabh.com/?p=474 29

No comments:

Post a Comment