Saturday, August 29, 2015

أنور السميع // إدارة الحزن


 إدارة الحزن

كنت أقلب صفحات من أتابعهم في موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام، فوجدت فيها حسابات تعودت أن أراها تعتصر ألمًا وتفيض حزنًا، فتذكرت حلقة إذاعية سمعتها في شهر رمضان المبارك للبروفسور د. طارق الحبيب يتكلم فيها عن الحزن في قصة نبي الله يوسف (ع)، وكيف استطاع النبي الكريم أن ينجح في إدارة الحزن ويحوله لمكاسب، ومن وراءها ووراء بعض الظروف الأخرى أصبح عزيزًا لمصر. وأيضًا تحدث البروفسور الحبيب عن كيفية تطبيق الإدارة الناجحة للحزن في عموم حياتنا لنتحول إلى سعداء.

ما هو الحزن ؟؟

       الحزن هو ألم نفسي يوصف بالشعور بالبؤس والعجز, غالبًا يعتبر الحزن هو عكس السعادة. وهو شبيه بالهم، الأسى، الكآبة، اليأس. من المؤكد بأن هذه المشاعر بالعادة هي مشاعر سلبية عندما يشعر بها الإنسان فيصبح الشخص هادئاً، قليل النشاط, منفعلاً عاطفياً وانطوائياً. يصاحب الحزن أحياناً البكاء ولكن ليس بالضرورة. الحزن بالعادة يكون لفترة مؤقتة ليست بالطويلة, أما الاكتئاب فقد يكون مزمنًا يمتد لفترات طويلة. ويعرف الحزن في بعض الأحيان بأنه الشعور بعدم الرضى عمّا يحدث إما لمشاكل أو ظروف خارجة عن إرادة الإنسان تجعله تحت ضغط نفسي، فلا يشعر معه بالراحة ولا بالطمأنينة [1].

هل أنا الحزين الوحيد في هذه الحياة؟

         من سنن الله في هذه الحياة أن دوام الحال من المحال، وعليه فإن السعادة والحزن يتقلبان في حياة الإنسان، ولا يكاد يخلو إنسان من مشاعر الحزن والتي قد تحدث مثلًا بسبب التسلط المستمر للأهل أو أحد الزوجين، وفاة قريب أو عزيز، شقاوة الأطفال التي لا تنتهي، قلة ذات اليد، الطلاق، والكثير من المنغصات التي تحيط بالفرد من كل جانب ليل نهار.

ولنا أسوة بأهل البيت (عليهم السلام) في تعاملهم مع الحزن، فإذا أصابت الإنسان بلايا ومصائب، فعليه أن يعمل بمقولة الإمام الرضا (ع): (يَا بْنَ شَبِيبٍ!.. إِنْ كُنْتَ بَاكِيًا لِشَيْءٍ؛ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام)؛ فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ، وقُتِلَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ شَبِيهُونَ.. ولَقَدْ بَكَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ والأَرَضُونَ لِقَتْلِهِ) [2]؛ ونحن نقول دومًا شعبيًا (كل المصايب هونتها مصيبة حسين). وأيضًا في الشعر المنسوب للإمام علي بن أبي طالب، حيث يقول:

رأيت الدهـــرَ مختلفًا يدورُ … فلا حُزْنٌ يـدومُ ولا سرورُ

وقد بَنَتِ الملوكُ به قصورًا … فم تبقَ الملوكُ ولا القصورُ

كذلك تزخر أمثالنا الشعبية والأمثال العالمية بالكلام عن الحزن. فمن الأمثال ما يتحدث عن الحزن وآثاره على قلب الإنسان مثل (ضَاگتْ به الوَسِيْعَهْ) [3]، (يأكل الصدأ الحديد، وتأكل الأحزان الفؤاد.. مثل روسي)، (إن الحزن الصامت يهمس في القلب حتى يحطمه.. وليم شكسبير)، وهناك أمثال أخرى تتناول كيفية التعامل معه (إنك لا تستطيع أن تمنع طيور الحزن من أن تحلق فوق رأسك، ولكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش في شعرك.. مثل صيني) و المثل الشعبي (جَلْسَةْ لَحِبَّه تْزِيلْ الكُرْبَهْ) [4].

هنا تأتي مسألة إدارة الحزن وكيفية التعامل مع تلك السحابة السوداء التي تنشر ظلالها علينا وتسير حيثما سرنا، انطلاقًا من حقيقة أن الحزن محيط بالبشر. فقد يقول قائل بأنه منذ صغره وهو يعاني بشكل مستمر من متاعب ومصائب تتوالى عليه حتى ظن أنها شقيقته التوأم، وأصبح عنده يقين بأنه مهما مرت لحظات سعيدة فإنه يترقب حلول المنغصات عليه!.

           فلو أننا تبنينا تلك النظرة السوداوية القاتمة وحزنّا يومًا ويومين وثلاثة وسنة وسنتين، ثم ماذا؟ هل نستمر بالتوجع طول العمر مع التشبث باليأس؟ أم نبحث بابتسامة عن الأمل بالعمل؟!. وكنت أتناقش مع صديق حول هذه النقطة بالتحديد، فقال لي: هل نخدع أنفسنا ونحمل قناع السعادة على وجوهنا وسط الناس ونحاول أن نكون أقوياء وكأننا لا نعاني من شيء، وعندما نختلي بأنفسنا تتفجر منا ينابيع الأحزان؟!. فالكأس ما أن تنشرخ فلن يمكن إعادتها كسابق عهدها أبدًا مهما حاولنا!.

كلام ذلك الصديق صحيح ولا أحد يختلف عليه، ولكن إن كانت تلك حقيقة، فهناك حقائق تساعد على تجاوز تلك المحن أو التخفيف منها قدر الإمكان. فلو كنتُ متيقنًا بأن الحزن سيأتي، فلماذا أحزن فوق حزني، وقد أعطل كل حياتي، ولا أسعد بباقي اللحظات. ولمَ لا أهيئ نفسي لتلك الدقائق القاتمة بأن أتعود على ذكر الله(الذين آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [5]، وأتيقن بأن ما حدث وسيحدث هو بعين الله، فالإمام الحسين (ع) في كربلاء لما أحاطت به الأعداء وأصابته المصائب قال ((هوّنَ عليَّ ما نزل بي أنَّه بعين الله))، فهنا يظهر الإيمان القوي بالله سبحانه وتعالى والذي بشّر الصابرين بقوله (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [6].

كذلك لو أن ذلك المبتلى بحزنه الدفين، والذي يظن أنه لا حزن فوق حزنه، قد التفت يمنة ويسرة، لوجد الحُزانى من حوله، في المنزل، العمل، الشارع وحتى في البلدان ذات المناظر الخلاّبة التي يقصدها الناس للترويح عن النفس وتفريج همومها، وسيتفاجيء فيها بالحزن مختبئًا تحت الأحجار وخلف الأشجار ويجري مجرى الأنهار!. وقد يرى في بعض الحالات أن وضعه أفضل من الكثير من الناس، وأنه حتمًا سيندم على وقته الذي أضاعه وهو مستقل بتفكيره عن الواقع الطبيعي للإنسان في الحياة الدنيا، وأنا متيقن بأنه حينها سيشكر الله لحسن حاله.

             ومن أهم الأمور بعد الاستيقاظ من صدمة الواقعية، هي استعادة الأمل بالجد والعمل، والبحث عن مسببات السعادة مهما صغُرت. فإعادة البناء سيكون شاقًا في البداية، ولكن بالإصرار والرغبة لتعويض ما فات، وبارتفاع لبنات وعي الإنسان، أدرك مساره الصحيح في الحياة، والذي يحتاج لأن تكون نفسه مطمئنة هادئة، رغم ما قد يتعرض له في المستقبل من مسببات للأحزان يجب أن لا يعطيها أكبر من حجمها وأن يحتويها بأقصر فترة زمنية، فسيرى الأثر عاجلًا في تقاسيم حياته وحياة من حوله وبالخصوص من له تأثير عليهم، والذين كانوا يحتاجونه وما زالوا يحتاجونه باسمًا قانعًا معطاءً، وقد يكون له دور كبير في انتشالهم هم أيضًا من وحل الأحزان إلى بهجة السعادة والرضا بما قسمه الله. وفي النهاية ستكون المحصلة واضحة على المجتمع والذي يحتاج لكل فرد فيه ليساهم في بناءه، بعد أن خسر المجتمع تلك الابتسامة فترة من الزمن.

أنور السميع

28/7/2015م

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ويكيبيديا.

[2] العيون 1/299، أمالي الصدوق مجلس 27 رقم 5

[3] و [4] سنوات الجريش

[5] (سورة الرعد: 28)

[6] (سورة البقرة : 155-157)

No comments:

Post a Comment